أصبحت وسائل الاعلام في العصر الحديث مؤسسات تجارية وخدمية ضخمة وأخذت طابعاً معقداً تخضع لسلسة من الضغوط الاجتماعية والمهنية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك، وهي مهمات العنصر الانساني أو الصحفي في تحديد أي موضوع التي يجب أن تصل الى الجمهور، وهذه المهمة هي بالتأكيد من أصعب المهمات المناطة وأخطرها.
كما أنها أكثر تأثيراً في المجتمع بسبب اعتماد الناس على المعلومات التي يقرر الصحفيون نشرها أو بثها، إن مثل هذا الدور يجعل الصحفيين مصدراً اساسياً للمعلومات وقناة يكتسب فيها الرأي انطباعاته ويعطيهم قدرة التأثير على استحداث الافكار والآراء وهو ما يجعل من عمله مهنة ورسالة.
مر مفهوم حراسة البوابة بعدة مراحل متداخلة ومترابطة ومتواصلة، تحمل كل مرحلة منها إرث المرحلة التي سبقتها، وتتكامل معها في تشكيل المحددات العامة للمفهوم، وإن حدث تغير في زاوية الرؤية للمفهوم من مرحلة إلى أخرى، إلا أن بعض المراحل كانت تقوم بإعادة إنتاج المراحل السابقة، لاختبارها، أو لاستمرار اقتناعها بها، وهو ما يعني أن التطور الزمني لمفهوم حراسة البوابة لا يلغي التصورات القديمة عنه، أو التفسيرات المرتبطة بطبيعة العوامل المؤثرة فيه، بل وقد تتواجد في ذات الفترة الزمنية، دراسات تنتمي إلى رؤى ومراحل مختلفة، وتقدم كل منها تصوراتها الخاصة لمفهوم وعملية حراسة البوابة.
الجذور التاريخية لنظرية حراس البوابة
يعود رصد البدايات التاريخية لدراسات القائم بالاتصال لدراسة ليبوروستن التي ظهرت عام 1937 تحت عنوان "مراسلي واشنطن"، وتعتبر هذه الدراسة دراسة كلاسيكية عن سيكولوجية المراسل الصحفي، وفي عام 1941 نشرت مجلة " الصحافة " ربع السنوية التي تصدر في ولاية " أيوا " بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة مهمة عن العاملين بجريدة "ملواكي "، وكان من الممكن أن تفتح هذه الدراسة الباب لإجراء دراسات مماثلة عن المؤسسات الإعلامية الأخرى، ولكن مضت فترة طويلة دون أن تظهر أبحاث تتناول بالدراسة القائمين بالاتصال ومؤسساتهم، حتى نشر الباحث الأمريكي ديفد مانج وايت دراسته " حارس البوابة وانتقاء الأخبار" التي أعطت دفعة قوية للبحث في هذا المجال.
ويرجع الفضل إلى عالم النفس النمساوي الأصل الأمريكي الجنسية كيرت ليون سنة 1947 في تطوير ما أصبح يعرف بنظرية حراس البوابة الإعلامية Gatekepers، وتعتبر دراسة ليون من أفضل الدراسات المنهجية في مجال القائم بالاتصال، حيث يرى أنه طوال الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية حتى تصل إلى الجمهور المستهدف توجد نقاط (بوابات) تشبه حواجز التفتيش، وفي هذه النقاط يتم إصدار التصريحات أي تقرير ما يمر وما لا يمر من الأخبار والمعلومات، ويسمى الأفراد الذين يقفون عليها "حراس البوابة"، وهم يمثلون وظائف متعددة مثل الناشرين، المحررين، مديري المحطات وغيرهم ممن لهم سلطة تقييم محتوى الإعلام لتحديد علاقته وقيمته بالنسبة لجمهور المتلقين، وبالتالي تقرير الموضوعات التي تنشر أو التي ينبغي إعادة صياغتها بصورة معينة أو تلك التي يجب إهمالها.
محتوى نظرية حراس البوابة
تمر الرسالة الإعلامية بمراحل عديدة، وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات، أي وفقا لاصطلاحات هذه النظرية فإن المعلومات في عملية الاتصال هي مجرد سلسلة تتصل حلقاتها.
ونجد قدر المعلومات التي تخرج من بعض تلك الحلقات أو الأنظمة أكثر مما يدخل فيها، لذلك يسميها شانون أجهزة تقوية، فأجهزة التقوية أي وسائل الإعلام تستطيع أن تصنع (في نفس الوقت) عدد كبير جدا من الرسائل المتطابقة مثل نسخ الصحف وتوصيلها إلى الجمهور، كما توجد في هذا النوع من السلاسل شبكات معينة من الأنظمة داخل الأنظمة، فوسائل الإعلام نفسها هي شبكات من الأنظمة المتصلة بطرق معقدة، بحيث تقوم بوظيفة فك الرموز وتفسير وتخزين المعلومات، ثم وضعها مرة أخرى في رموز، وهي الوظيفة التي يؤديها كل القائمين بالاتصال، ويساعد أسلوب عمل هذه الشبكات واقع المجتمع الذي ترتفع فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع، حيث يزداد الاعتماد على سلاسل وسائل الإعلام، عكس المجتمع الذي تنخفض فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع فتنتقل فيه غالبية المعلومات عن طريق سلاسل الاتصال الشخصي.
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا أن المجتمعات التي تخضع فيها وسائل الإعلام للسيطرة القومية يبدأ الأفراد في التشكيك في صدق ما تنشره وسائل الاتصال الجماهيرية، ومن هنا يصبح الاتصال الشخصي المواجهي مهما جدا لتكملة نواحي نقص ما تبثه تلك الوسائل من رسائل في شكل إشاعات وأقاويل ومعلومات خفية.
ومن الأهمية بما كان أن نعرف كيف تعمل سلاسل الاتصال وكيف تنتقل المعلومات في جميع أنحاء المجتمع، ومن الحقائق الأساسية التي أشار إليها كيرت ليون أن هناك في كل حلقة بطول السلسلة فردا ما يتمتع بالحق في أن يقرر ما إذا كانت الرسالة التي تلقاها سيمررها كما هي إلى الحلقات التالية، أم سيزيد عليها أو يحذف منها أو يلغيها تماما، ومفهوم " حراسة البوابة " يعني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال بحيث يصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار فيما سيمر من خلال بوابته، وكيف سيمر، حتى يصل في النهاية إلى الجمهور المستهدف.
وبمعنى آخر هناك مجموعة من حراس البوابة يقفون في جميع مراحل السلسلة التي يتم بمقتضاها نقل المعلومات، ويتمتع أولئك الحراس بالحق في فتح البوابة أو غلقها أمام أي رسالة تأتي إليهم، كما أن من حقهم إجراء تعديلات على الرسالة التي ستمر، وحراس البوابة هم الصحفيون الذين يقومون بجمع الأخبار، وهم مصادر الأنباء الذين يزودون الصحفيون بالأنباء، وهم أفراد الجمهور الذين يؤثرون على إدراك واهتمام أفراد آخرين من الجمهور للمواد الإعلامية.
لهذا فحارس البوابة الذي يقول " نعم " أو" لا " بشأن الرسائل التي تصله على طول السلسلة يلعب دورا مهما في الاتصال الاجتماعي، وبعض حراس البوابة أهم من غيرهم حسب مراكزهم الاجتماعية في التنظيم الاجتماعي، أو ما يعرف بأصحاب النفوذ أوقادة الرأي والصفوة من المجتمع الذين يتمتعون باحترام كبير.
مفهوم حراسة البوابة
يعني" السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال بحيث يصبح حارس البوابة سلطة اتخاذ القرار فيما سيمر من خلال بوابته وكيف سيمر، حتى يصل في النهاية الى الجمهور المستهدف.
حراسة البوابات الإعلامية "هي عملية اختيار عدد لا يحصى من المعلومات وصياغتها في عدد محدود من الرسائل تصل إلى الناس كل يوم، وهذا هومحور دور الإعلام في الحياة العامة الحديثة. لا تحدد هذه العملية المعلومات التي يتم اختيارها فقط، ولكن أيضًا المحتوى وطبيعة الرسائل مثل الأخبار التي ستتم إذاعتها.
من هم حراس البوابة
الصحفيون الذي يقومون بجمع الانباء، ومصادر الانباء التي يستقون منها أنبائهم، وأفراد الجمهور الذين يؤثرون على إدراك واهتمام أفراد آخرين للمواد الاعلامية هم حراس البوابة الاعلامية، فعند وقوع حدث ما فأول حارس بوابة في هذه الحالة هو الفرد الذي يشاهد الحدث عند وقوعه وهو ينتقي بلا شعور أشياء معينة يلاحظها ويهمل أخرى، أما الحارس الثاني فهو المخبر الصحفي الذي يحصل على الخبر من الشاهد ويقوم هو الاخر بانتقاء الحقائق التي سينقلها ويهمل غيرها، ويأتي هنا دور وكالة الانباء حيث تقوم بمهمة الحارس الثالث وبعد ذلك يسلم الخبر الى المحرر ومن ثم الى سكرتير التحرير وبعدها الى رئيس التحرير ثم ارسله الى الجمهور المتلقي.
ففي داخل أي مؤسسة إخبارية يوجد منظور إخباري، وثقافة داخلية تتضمن مجموعة معقدة من المعايير للحكم على قصة إخبارية معينة - معايير تستند إلى الاحتياجات الاقتصادية للوسيلة الإعلامية، فضلاً عن السياسة التنظيمية، وتعريفات تتعلق بالأهمية الإخبارية، ومفاهيم خاصة بطبيعة الجمهور المعني، والمعتقدات حول واجبات السلطة الرابعة للصحفيين.
يستخدم هذا المنظور الإخباري ومعاييره المعقدة كل من المحررين ومديري الأخبار وغيرهم من الموظفين الذي يحددون عدد الأخبار المحدود لعرضها على الجمهور، وترميزها بطرق تلبي متطلبات وسيلة الإعلام وأذواق الجمهور.
لذلك يصبح الموظفون في المؤسسات الإخبارية حارسي بوابات إعلامية، حيث يسمحون بمرور بعض الأخبار ويمنعون أخرى، وبالتالي يتم تقييد ومراقبة وتشكيل معرفة العامة بحقيقة الحدث الذي يقع بالفعل".
دأب بعض الاعلامين العرب على استخدام مصطلح "حراس البوابة" كترجمة حرفية لمصطلح "gatekeeper" ويرى الدكتور صالح أبو صبع استخدام المغربل أكثر دقة في التعبير من مصطلح حارس البوابة.
وظيفة حارس البوابة
ان المؤسسة الاعلامية مهما كان نوعها يقوم القائمون عليها بتحديد ما يجب أن ينشر أو يبث وما يجب ألا ينشر أويبث أي أن هناك عملية غربلة دائمة لما يتم ارسله عن طريق وسائل الاعلام المختلفة.
ويقوم بهذه المهمة في الصحفية أو المجلة رئيس التحرير أو مدير التحرير، وكذلك هناك أشخاص في الاذاعة المسموعة والمرئية يحددون لنا ما نشاهده، أو ما نستمع اليه، وما يحب ألا نشاهده أو نستمع اليه.
ان هؤلاء الاشخاص الذين يقررون لنا ما نقرأ من أخبار في الصحيفة، أو يقررون ماذا نسمع أو نشاهد في الاذاعة المسموعة والمرئية، هم المغربلون. انهم يغلبون ما يصلهم من مواد مهما كان نوعها يفرزون ما يعتبرونه صالحاً لنشر أو البث من غيره.
فالمغربل علمياً هو الذي يحدد لنا " كمياً ونوعياً" ما نقرأ وما نشاهد وما نستمع اليه، وهو الذي يسهم في تشكيل وعينا، أو يعمل على تزييفه، أن المغربل في المؤسسة الاعلامية هو الشخص المسؤول عما نقرأ أو نسمع أو نشاهد.
دور حارس البوابة
أولاً: أن أي مجتمع له قيمه وعاداته وتقاليده التي يجب ـن يتم المحافظة عليها بطريقة بناءة.
ثانياً: عملياً ليس بالإمكان نشر كل ما تتلقاه الصف – من الاخبار مثلاً- لأن ذلك سيعني أن تصدر الصحفي في اضعاف حجمها الحالي، مما يؤدي الى ارتفاع تكاليفها وعدم شرائها يومياً، وهذا يعني موت الصحفية.
ثالثاً: أن المستويات الفنية واللغوية والابداعية للأعمال قد لا تكون في مستوى النشر أو البث حتى لو التزمت بقيم المجتمع وعاداته.
رابعاً: ليس كل ما يصل الوسيلة الاعلامية له أهمية بالنسبة للجمهور فما يهم الالماني ليس بالضرورة يهم العربي وليس بالضرورة بهم الصيني.
خامساً: أن لكل مجتمع قوانينه التي تنظم العلمية الاعلامية من خلال قوانين النشر، ومن ثم لا بد من مراعاتها والا ادى ذلك الى مخالفات قد تقود الى تعطيل الصحيفة أو ايقاف المذيع أو معد البرنامج ومحاسبته قضائياً.
سادساً: أن كل مجتمع له ذوقه الخاص في تقبل الرسائل الاعلامية فبينما يمكم اعتبار سباق الهجن فناً محبباً لدى الجمهور في الامارات، ولذا تجده يستحوذ على ساعات بث طويلة على التلفزيون، تجد أن هذا النوع من السباقات غير محبب للأجنبي الذي يفضل عليه سباق قيادة السيارات والتي تنال ايضا ساعات طولية من البث التلفزيوني.
سابعاً: التخصص في نوعية الجمهور الذي توجه اليه الرسالة تفرض على المغربل أن رسائله بحيث تلائم تلك النوعية من الجمهور.
وهكذا فأن دور المغربل لا مندوحة عنه، ويمكننا إيجاز دوره في عملية الاتصال الجماهيري في النقاط التالية:
1 – أن المغربل يمكن أن يمنع الرسالة من الوصول الى الجمهور، وذلك ببساطة أن يرفض نشرها أو اذاعتها.
2 – يمكن للمغربل أن يغير في الرسالة بحذف بعض أجزائها.
3- يمكن للمغربل في الوسيلة الاعلامية أن يؤثر على وسيلة اعلامية أخرى، كأن يمتنع عن مراجعة كتاب جديد أو مناقشة فيلم مما يمنع وصول المعلومات حول تلك الوسيلة للجمهور.
4- يمكن ان يضيف المغربل الى رسائله معلومات من مصادر أخرى بالاضافة الى ما يقدمه له المحرر أو وكالة الانباء.
ويضيف المغربل كذلك تعديلات مهمة على الرسالة من حيث التأكيد عليها كأن تكون ذات أهمية قليلة فيبرزها في عمود رئيسي في الصفحة الاولى في الجريدة، او أن تكون ذات أهمية كبيرة، إلا انه ينشرها في صفحات داخلية تقلل من أهميتها.
وهكذا يمكننا القوة بأن قوة المغربل تكمن في الحذف من الرسائل أو الغائها وفي زيادة كمية المعلومات وابراز أهميتها وكذلك في التقليل من كمية المعلومات ومن ابراز اهميتها.
وهناك عوامل رئيسية تؤثر على وطائف المغربل السابقة من خلال:
أ – السيطرة الاقتصادية والتي تتمثل بالميزانية المتوفرة للمؤسسة الاعلامية، فميزانية لا تسمح بانتاج برنامج تلفزيوني لا تزيد تكلفنه عن عشرة آلاف دينار مثلاً يشكل ضغطاً على منتجه ومخرجه، أوقد تكون الاخبار الهامة كثيرة جدا، ولكن لا يتم نشرها لاعتبارات اقتصادية بحيث لا يتم اضافة صفحات جديدة للجريدة، أومن خلال ضغوط من ملالك الصحفية أوالمؤسسة الاعلامية.
ب – شخصية المغربل: فشخصية القائم بالاتصال بمكوناتها المختلفة الثقافية والاجتماعية والسياسية وجميعها عوامل هامة في تحديد اختيار مضمون الرسائل الاعلامية.
ج – تأثير الايديولوجية والقيم السائدة في النظام الاجتماعي، لتي تلزم المغربل بالانسجام معها.
حراس البوابة الاعلامية
إن المعلومات التي يكتب لها أن تمر عبر قنوات الاعلام، عمل يشترك فيه صنعه العشرات من الاعلامين "حراس البوابة" الذين ينتشرون على طول شبكة المعلومات، فهناك المخبر الصحفي الذي يقرر ان حدثا قد وقع في المنطقة كاشتعال النار في غابة حرجية، وان هذا الحادث قضية مهمة تستحق الاخبار عنها لأسباب مختلفة، منها أهمية الثروة الحرجية للبلد، فيجع المخبر الصحفي المعلومات الكافية من مصادرها الاولية، ويسارع على الهاتف لينقل الى رئيسه في غرفة الاخبار تفاصيل الحادث حسب المعلومات المتوافرة لديه، وبعد ذلك يتولى المحرر إعداد المعلومات بصيغة خبرية حسب الأصول، ويرفعها الى رئيس التحرير الذي تتجمع امامه مجموعة كبيرة من الاخبار الاخرى. ويلقي رئيس التحرير نظرة فاحصة على الخبر، ويقرر انه يستحث أن ينشر أولا يستحق، وأخيرا هنالك المخرج الذي يقرر أن يضع الخبر في أعلى الصفحة، وأن يكتب له عنوان بارز بالخط العريض، وأن يرفق صورة له، وهكذا.
إن المشكلة الأساسية التي تواجه حارس البوابة هي الفيض الكبير من الاخبار والمعلومات التي ترد إليه من المصادر المختلفة. وبسبب الظروف التي تفرضها طبيعة العمل، فإن عليه أن يختار من هذا الفيض مقداراً كافياً، يتناسب والوظائف والاهداف التي تسعى الى تحقيقها: فرئيس التحرير لجريدة يومية محددة الصفحات مضطر أن يولي اهتمامه لتلك الاخبار التي يرى أنها مهمة للقراء في منطقته، وبحدود المساحة المخصصة لها، لأن الجريدة تحتوي على أشياء أخرى غير الأخبار ايضاً.
ومن المناسب الاشارة الى أن عمل حارس البوابة، لدى رفضه تمرير بعض المعلومات، أو اقتطاعه أجزاء منها، لا يعتبر عملا مزاجياً يخضع لنزوات الاعلامي وأهوائه، بل على العكس من ذلك، فأن هذا العمل يمارس في أقصى حدود المسؤولية والوعي الكامل لنتائجه الخطيرة، إن اختيار معلومات بعينها من الكم الهائل الذي يرد الى الاعلامي، وإعداده بصيغة مناسبة، ثم تمريره عبر البوابة الاخيرة الى الجمهور المتلقي، يعني ببساطة أن الاعلامي قد مارس عملا سيكون له أثر في حياة الناس وأذواقهم. وكما هو معروف، فإن المعلومات التي تتناقلها وسائل الاعلام خاصة تلك التي تتصف بالاستمرارية. تلعب دورا في تكوين معارف الجمهور وانطباعاته، وتؤدي في النهاية، ربما بعد مناقشتها مع الذات والغير، الى تشكيل الصور العقلية التي تحدد تصرفات الانسان، وفي الوقت نفسه، فإن الاعلامي قادر على التلاعب بهذه الصور العقلية، والافكار إذا شاء الابتعاد عن الحقيقة والموضوعية.
الاعتبارات والضغوطات التي تؤثر على حارس البوابة الاعلامية
والحقيقة أن هنالك عدداً من الاعتبارات والضغوطات التي تؤثر على حارس البوابة الاعلامية وعلى قراراته، أثناء إعداده المواد الاعلامية، فهنالك النظام الاجتماعي بما يمثله من قيم ومبادئ ومثل لا يستطع الاعلامي أن يحيد عنها.
وهذا العامل له علاقة وثيقة الصلة بوظيفة التنشئة الاجتماعية التي ترغم الاعلامي على أن يحافظ على القيم الثقافية والاجتماعية الرفيعة، وأن ينشرها أو يذيعها؛ وهنالك أيضاً الاهداف والمبادئ الاساسية للمجتمع التي لا يستطع تجاهلها، والتي تدفعه لان يسقط بعض المعلومات التي لا تتفق وهذا الاعتبار.
ثم هناك أيضاً تأثير وكالات الانباء العالمية، والمحلية، ومصادر الاخبار، والصحف الكبرى العالمية، والتي ربما تدفعه الى تقديم خبر على آخر، واهمال خبر من أجل نشر خبر غيره، أو تحديد الموضوعات التي يطرحها للجمهور.
وهناك أيضا الضغوط المختلفة التي تؤثر على عمله، وبعضها يتمثل في القوانين والسياسية الاعلامية للمؤسسة التي يعمل فيها، أو الضغوط الميكانيكية والزمنية كضرورة الانتهاء من إعداد المادة الاعلامية في وقت معين، أو صوغها في حجم محدد.
الضغوط الذاتية، بعضها يتعلق بالاعتبارات الثقافية والسياسية للإعلامي نفسه، أو بطموحاته وتنافسه مع الآخرين، وأخيرا الضغوطات التي يمثلها الجمهور، وتوقعاته من الاعلام، ونظرته للإعلامي.
العوامل المؤثرة على حارس البوابة الإعلامية
ان فهم وظيفة حارس البوابة الاعلامية يتطلب معرفة المعايير المؤثرة على انتقائه للمادة الاعلامية الموجهة للجمهور والتي تتضمن اربعة معايير اساسية هي:
ا - قيم المجتمع وتقاليده: يعد النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ولكل مجتمع من المجتمعات نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسعى إلى تحقيق أهداف مترجمة في مجموعة من الإيديولوجيات والإجراءات التنفيذية التي تستهدف مواجهة كل تحديات المجتمع، والمؤسسات الإعلامية هنا وباعتبارها جزء من النظام الاجتماعي تجد نفسها تلقائيا في إطار هذه الإيديولوجية التي تفرض منطقا معينا في إنتاج وتحرير المواد الإعلامية المثارة عبر أجهزة الإعلام.
2 - المعايير الذاتية للقائم بالاتصال: تلعب الخصائص والسمات الشخصية للقائم بالاتصال دورا في ممارسة دور حارس البوابة الإعلامية مثل: النوع، العمر، الدخل، الطبقة الاجتماعية، التعليم، الانتماءات الفكرية والعقائدية، الخلفية الاجتماعية وكذا الكفاءة المهنية كلها تتداخل في عملية توجيه ونشر الأخبار.
3 - المعايير المهنية للقائم بالاتصال: يتعرض القائم بالاتصال (الصحفي) لعدة ضغوط مهنية تؤثر في أدائه لعمله تؤدي في النهاية إلى حتمية توافقه مع سياسة المؤسسة الإعلامية التي ينتمي لها، والتوقعات التي تحدد دوره في نظامها الإعلامي، وتتضمن هذه المعايير المهنية ما يلي:
أ - سياسة المؤسسة الإعلامية: تتمثل ضغوط المؤسسة الإعلامية في عوامل خارجية أي موقع الوسيلة في النظام الاجتماعي القائم، كوجود مؤسسات إعلامية منافسة، وعوامل داخلية تشمل نمط الملكية وأساليب السيطرة والنظم الإدارية، كلها تلعب دورا في شكل المضمون الذي يقدم للجمهور، كما أنها تنتهي في نهاية المطاف بأن يصبح القائم بالاتصال أو الصحفي جزءا من الكيان العام للمؤسسة الإعلامية فيتم تطبيعه وفق قيم ومعايير واتجاهات المؤسسة ليصبح ميول القائم بالاتصال مع رؤسائه المباشرين.
ب - مصادر الأخبار: أشارت أغلب الدراسات قوة تأثير المصادر الصحفية على القائم بالاتصال إلى حد احتوائه بالكامل، مؤكدة أن محاولة الصحفي الاستقلال عن مصادره عملية شاقة جدا خصوصا وأن الأخير في قيامه بعملية تكوين مصادره الخاصة تطلب منه ذلك وقت وجهدا كبيرين، كما أن هذا التكوين تربطه اعتبارات كثيرة، منها توجهات هذه المصادر ومواقفها الفكرية والإيديولوجية المتوافقة مع سياسة الجريدة التي يعمل بها، إضافة إلى مراكزها الوظيفية وإمكانيات الوصول إليها وإعطائها للمعلومات..الخ، ونتيجة ذلك ستظل المعلومات المنشورة موجهة وروتينية لخدمة أطراف بعينها.
ج - علاقات العمل: يتفق الباحثون على أن علاقات العمل داخل المؤسسات الإعلامية لها بصمتها الخاصة على القائم بالاتصال، أين يرسم بعدا تفاعليا اجتماعيا داخل تنظيم المؤسسة يكون بمثابة جماعة أولية بالنسبة للقائم بالاتصال، وبالتالي نجدهم متوحدين مع بعضهم داخل المجموعة، ويتعاملون مع العالم الخارجي من منطلقات ذاتية داخل الجماعة، وهوما يجعل الصحفي معتمدا كثيرا على هذه الجماعة ودفعها المعنوي له إثناء أدائه لعمله.
د - معيار الجمهور: جانب كبير من سياسة تحرير الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى يتحدد على ضوء ما يتصوره أنه يمثل احتياجات الجمهور وأفراد المجتمع، باعتبار أن القارئ هنا هو مستهلك الصحيفة أو المعنى بالتأثير.
وقد لاحظ الباحثان اثيل ديسولا بول وشولمان أن الجمهور يؤثر على القائم بالاتصال مثلما يؤثر القائم بالاتصال على الجمهور، فالرسائل التي يقدمها القائم بالاتصال تحدد وفق توقعات ردود فعل الجمهور واحتياجاته، والتعرف على تلك الاحتياجات يتم بوسائل عدة من بينها المسوح الميدانية، وتحليل بريد رسائل القراء، والمهم هنا أن الاهتمامات تؤخذ في اعتبار بصورة أو بأخرى في تقييم المضامين المختلفة والطريقة التي تتم بها معالجة الأحداث.
اضف تعليق