ضعف مراكز الأبحاث العراقية ناجم عن مشاكل في تنظيمها القانوني، وفي العقلية السياسية الحاكمة، وفي الوضع الذاتي للمراكز نفسها، وهي ترتبط في المحصلة النهائية بضعف بناء الدولة الحديثة في هذا البلد، وإصلاح هذه المؤسسات البحثية لا بد ان يكون جزء من استراتيجية شاملة لإصلاح مؤسسات...
المقدمة
يعد وجود مراكز الأبحاث في أي دولة من الأدلة الاكيدة على تقدم الحياة المعرفية والبناء المؤسسي فيها، بشرط أن تأخذ دورها في محيطها الذي تعمل فيه، فوجودها لوحده لا يعني قدرتها على التأثير، لذا تجد بعض الدول تنشط فيها هذه المؤسسات فتترك تأثيرها الواضح على المعرفة والسلطة والانسان، وفي دول أخرى تكون هامشية وضعيفة ومحدودة التأثير. ومعرفة أسباب هذا التباين تتطلب دراسة وضعها في جميع بلدان العالم، وهذا الامر صعب بحد ذاته ويتطلب وقتا وجهدا كبيرا، فضلا عن كونه يخرج عن نطاق هذا البحث الذي يسلط الضوء على مراكز الأبحاث في العراق.
أهمية البحث:
تنبع أهمية هذا البحث من كونه:
1. يبحث بطريقة التحليل والنقد الموضوعي وضع مراكز الأبحاث العراقية من حيث تنظيمها القانوني، ودورها السياسي، لا سيما وأن ما موجود من كتابات سابقة حول الموضوع لا تعدو ان تكون اما مقالات رأي واما أوراق بحثية، اقتصر اهتمامها على تسليط الضوء على علاقة المراكز بعملية صنع القرار السياسي، وهي بالمجمل قليلة، لذا وجد الباحث صعوبة كبيرة في العثور على منتج ورقي بشكل كتب او مجلات او دوريات او ما شابه ليتناوله بالبحث والتحليل.
2. سيشكل البحث إضافة نوعية تصلح ان تقدم للباحثين والمهتمين وجمهور القراء تصور دقيق حول عمل مراكز الأبحاث العراقية وبمختلف اشكالها ومسمياتها.
3. أن الشيء التي توخاه الباحث بعد خبرة طويلة من العمل في الميدان البحثي امتدت الى أكثر من عشر سنوات هي محاولة جمع الإطار التطبيقي مع الإطار النظري في البحث، لتقديم بحث ينطوي على مشاكل وحاجات حقيقية موجودة في الواقع، وعرض الحلول والخيارات المتاحة للتعامل معها، وترك الامر في النهاية بين ايدي صناع السياسات والجهات المعنية لتقوم بما يفترض عليها القيام به.
مشكلة البحث:
المشكلة الرئيسة التي يدور حولها البحث تتمحور حول السؤال الآتي: لماذا تعاني مراكز الأبحاث في العراق من الضعف وغياب الدور والتأثير؟، وستتفرع من هذه المشكلة المحورية أسئلة عدة منها: لماذا المراكز البحثية مهمة؟ وكيف ينظم وضعها القانوني في العراق؟ وما هي علاقتها ببيئة صنع القرار السياسي؟ وما هي العقبات التي تواجهها؟ والاليات المطلوبة لتفعيلها؟
فرضية البحث:
يستند البحث الى فرضية مؤداها: ان ضعف مراكز الأبحاث العراقية ناجم عن مشاكل في تنظيمها القانوني، وفي العقلية السياسية الحاكمة، وفي الوضع الذاتي للمراكز نفسها، وهي ترتبط في المحصلة النهائية بضعف بناء الدولة الحديثة في هذا البلد، وإصلاح هذه المؤسسات البحثية لا بد ان يكون جزء من استراتيجية شاملة لإصلاح مؤسسات الدولة.
منهجية البحث:
اعتمد الباحث في بحثه على الجمع بين المنهج التاريخي، والمنهج المقارن وحسب المواضع المناسبة التي يتطلبها البحث.
هيكلية البحث:
تم تقسيم البحث على مبحثين: الأول سيركز على تحديد ماهية مراكز الأبحاث من حيث نشأتها التاريخية، وتوزيعها الجغرافي العالمي، وتعريفها، وتصنيفها، وأهميتها ومن خلال أربعة مطالب. اما الآخر، فسيتطرق الى واقع هذه مراكز في العراق من حيث: تنظيمها القانوني، وعلاقتها ببيئة صنع القرار السياسي، واليات تفعيلها ومن خلال ثلاث مطالب. كما أن للبحث مقدمة وخاتمة.
المبحث الأول-ماهية مراكز الأبحاث
يقتضي إدراك مكانة مراكز الأبحاث والدراسات في عالم المعرفة المعاصرة وفي بيئة صنع القرار السياسي تحديد ماهيتها من حيث: النشأة والانتشار العالمي، التعريف، التصنيف، الأهمية، وكما سيتضح في المطالب الآتية:
المطلب الأول-النشأة التاريخية والتوزيع الجغرافي العالمي
أولا: النشأة التاريخية
عند تتبع المسار التاريخي لمراكز الأبحاث والدراسات سنجد أن الباحثين يختلفون في تحديد البداية التاريخية لتأسيسها، فهناك من يحدد نشأتها الأولى في عام 1831 مع تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدفاعية في بريطانيا (1)، وهناك من يربط نشأتها بعام 1884 مع تأسيس الجمعية الفابية البريطانية التي تعنى بدراسة التغيرات الاجتماعية (2).
وبصرف النظر عن البداية التاريخية لنشوء هذه المراكز، فإنه مع مطلع القرن الماضي تصاعدت حركة تأسيسها، ففي الولايات المتحدة تم تأسيس معهد كارنيغي للسلام الدولي عام 1910، ثم معهد بروكنغز عام 1916، ومعهد هوفر عام 1918، ومؤسسة القرن عام 1919 والمكتب الوطني لأبحاث الاقتصاد عام 1920، ومعهد غالوب عام 1920(3). أما في بريطانيا فتم تأسيس المعهد الملكي للشؤون الدولية عام 1920، وفي فرنسا تم تأسيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية عام 1979، وفي ألمانيا تم تأسيس الأكاديمية الألمانية للسلام عام 1931. واستمرت حركة تأسيس هذه المراكز بالتصاعد لاسيما خلال عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، اذ تم في أمريكا في هذا الوقت تأسيس معهد انتربرايز عام 1943، ومؤسسة راند عام 1945، ومعهد دراسات الشرق الأوسط عام 1948، ومركز فض النزاعات عام 1956، وفي لندن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 1958، وفي السويد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام عام 1966. وانتشرت ظاهرة تأسيس المراكز عبر الغرب ومنه الى العالم حتى وصلت ذروتها في عام 1996 بمعدل 150 مركزا تم تأسيسها سنويا (4).
ثانيا: التوزيع الجغرافي العالمي لمراكز الأبحاث
تتضح طبيعة التوزيع الجغرافي العالمي لمراكز الأبحاث والدراسات من خلال تقديم معطيات عن عددها وتوزيعها لسنتي 2011 و2015 وكما مبين في الجداول الآتية:(5)
(جدول رقم 1 عدد مراكز الأبحاث في العالم عام 2011)
نسبة المراكز الى المجموع الكلي في العالم |
عدد مراكز الابحاث |
المنطقة |
8% |
550 |
افريقيا جنوب الصحراء |
18% |
1198 |
آسيا |
27% |
1795 |
أوروبا |
11% |
722 |
أمريكا اللاتينية والكاريبي |
6% |
329 |
الشرق الأوسط وشمال افريقيا |
29% |
1912 |
أمريكا الشمالية |
1% |
39 |
اوقيانوسيا |
100 |
6545 |
المجموع |
(جدول رقم 2 عدد المراكز في بعض دول العالم التي فيها العدد الأكبر منها عام 2011)
عدد مراكز |
اسم الدولة |
تسلسل الدول حسب عدد المراكز |
1815 |
الولايات المتحدة |
1 |
425 |
الصين |
2 |
292 |
الهند |
3 |
286 |
المملكة المتحدة |
4 |
194 |
المانيا |
5 |
176 |
فرنسا |
6 |
137 |
الارجنتين |
7 |
112 |
روسيا |
8 |
103 |
اليابان |
9 |
97 |
كندا |
10 |
90 |
ايطاليا |
11 |
85 |
افريقيا الجنوبية |
12 |
82 |
البرازيل |
13 |
66 |
سويسرا |
14 |
65 |
السويد |
15 |
60 |
المكسيك |
16 |
57 |
هولندا |
17 |
55 |
اسبانيا |
18 |
54 |
رومانيا |
19 |
54 |
اسرائيل |
20 |
53 |
كينيا |
21 |
52 |
تايوان |
22 |
52 |
بلجيكا |
23 |
51 |
بوليفيا |
24 |
47 |
اوكرانيا |
25 |
(جدول رقم 3 عدد مراكز الأبحاث في العالم عام 2015)
نسبة المراكز الى المجموع الكلي في العالم |
عدد مراكز الابحاث |
المنطقة |
9% |
615 |
افريقيا جنوب الصحراء |
18,4% |
1262 |
آسيا |
25,9% |
1770 |
أوروبا |
11,3% |
774 |
أمريكا اللاتينية والكاريبي |
5,8% |
398 |
الشرق الأوسط وشمال افريقيا |
28,2% |
1931 |
أمريكا الشمالية |
1,4% |
96 |
اوقيانوسيا |
100 |
6846 |
المجموع |
(جدول رقم 4 عدد المراكز في بعض دول العالم التي فيها العدد الأكبر منها عام 2015)
عدد المراكز البحثية |
اسم الدولة |
تسلسل الدول حسب عدد المراكز |
1835 |
الولايات المتحدة |
1 |
435 |
الصين |
2 |
288 |
المملكة المتحدة |
3 |
280 |
الهند |
4 |
195 |
المانيا |
5 |
180 |
فرنسا |
6 |
138 |
الارجنتين |
7 |
122 |
روسيا |
8 |
109 |
اليابان |
9 |
99 |
كندا |
10 |
97 |
ايطاليا |
11 |
89 |
البرازيل |
12 |
86 |
جنوب افريقيا |
13 |
77 |
السويد |
14 |
73 |
سويسرا |
15 |
63 |
استراليا |
16 |
61 |
المكسيك |
17 |
59 |
إيران |
18 |
59 |
بوليفيا |
19 |
58 |
اسرائيل |
20 |
58 |
هولندا |
21 |
55 |
اسبانيا |
22 |
54 |
رومانيا |
23 |
53 |
كينيا |
24 |
53 |
بلجيكا |
25 |
ويتضح من خلال هذه الجداول ما يأتي:
1- التزايد المستمر في عدد المراكز على مستوى العالم، فقد كان العدد الكلي لها عام 2011 هو 6545، فقفز الى 6846 عام 2015، مما يدل على استمرار تصاعد الحاجة الى وجود هذه المؤسسات في العالم المعاصر.
2- يدل وجود العدد الأكبر منها في الدول المتقدمة على انها تمثل مؤسسات معرفية يرتبط وجودها بالتقدم العلمي والازدهار الحضاري.
3- ان عددها الكبير ودورها الفاعل يعد دليلا على تقدم الدولة وزيادة ثقلها الإقليمي والدولي، والدليل على ذلك ان زيادة وتوسع دولة شرق اسيوية كإيران على سبيل المثال ترافق مع زيادة عدد مراكزها البحثية، فتجد ان إيران كانت غائبة عن قائمة الدول الخمسة وعشرين الأولى في عدد المراكز البحثية عام 2011، ولكنها تقدمت بقوة لتحتل المرتبة 18 عام 2015 مع امتلاكها لعدد اجمالي من المراكز بلغ 59 مركزا، وهذا مؤشر على حاجة الدولة العراقية الى إيلاء اهتمام كبير لدور المراكز البحثية لتكون عاملا مساعدا على استعادة قوتها ونفوذها في المنطقة والعالم.
4- التنامي الكمي والنوعي للمراكز، يدل على أنها مؤسسات أصيلة ومهمة في بناء الحضارة الإنسانية في الوقت الحاضر وفي المستقبل، وليست مجرد مؤسسات طارئة محدودة الغرض والتأثير.
المطلب الثاني-التعريف
قبل الخوض في موضوع تعريف مراكز الأبحاث والدراسات من الضروري إزالة بعض الالتباس الذي يواجه الباحثين عند تناول هذا موضوع هذه المؤسسات في قضية التسمية، فهناك من يسميها مراكز(ِCenters)، وهناك من يسميها معاهد(Institutes) أو مؤسسات (Foundations) او اوقاف (Endowments) او صناديق (Funds)، وهناك من يسميها (Think Tanks) او (Brain boxes) او غيرها من التسميات، فهل هذه التسميات مختلفة ام متشابهة في المعنى والأداء؟
حقيقة ان هذه التسميات مهما اختلفت سوف تشير الى معنى واحد طالما ان الرؤية والرسالة والأهداف لكل منها هي واحدة (6)، ولكن وحدة الموضوع لم تمنع اختلاف التعريف، فظهرت تعاريف كثيرة لمراكز الأبحاث والدراسات يعكس كل منها فهم صاحبه ومنطلقاته، فهناك من عرفها بأنها: "أية منظمة أو مؤسسة تدعي بأنها مركز للأبحاث والدراسات أو كمركز للتحليلات حول المسائل العامة والمهمة"(7)، أو أنها: "أي منظمة تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف وتنوير المجتمع المدني بشكل عام، وتقديم النصيحة لصانع القرار بشكل خاص" (8)، ويؤخذ على التعريف الاخير أنه حدد دور المراكز البحثية بالجانب السياسي فقط، علما أنها تتميز بثراء وتنوع مجالاتها البحثية وتعدد تخصصاتها العلمية. كما تُعرف المراكز بأنها: " تلك الجماعات أو المعاهد المنُظمة بهدف اجراء بحوث مركزة ومكثفة وتُقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنلوجية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية أو ما يتعلق بالتسلح"(9). من جهته (دونالد ابلسون) عرفها بالقول:" بأنها هيئات ذات توجه بحثي لا تهدف إلى الربح، ولا تعبر عن توجه حزبي معين، دون أن ينفي ذلك عنها الصفة الأيديولوجية، وتتمثل أهدافها الرئيسة في تأثيرها على الرأي العام والسياسات العامة "(10)، والى هذا المعنى ذهب خالد وليد محمود في دراسته القيمة حول واقع مراكز الأبحاث في الوطن العربي (11).
كما عُرفت بأنها: " كيان بحثي يكون على هيئة: مجموعة، مؤسسة، معهد، هيئة (حكومية أو غير حكومية) وظيفتها القيام بإجراء الدراسات والبحوث العلمية المركزة والمعمقة ومحاولة إيجاد الحلول للمعضلات المتعلقة بمواضيع ذات طابع اجتماعي-سياسي أو القضايا الاستراتيجية أو القضايا المتأثرة بالتطورات العلمية والتكنلوجية والقضايا العسكرية"(12)، أو هي: " تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة"(13)، وهي " جامعات بلا طلاب، أبحاثها الأكاديمية عالية الجودة، هدفها بيان العواقب المحتملة لإتباع مجموعة من الخيارات في السياسة الخارجية"(14)، والصلة التي تربط بين مراكز الأبحاث والدراسات والمسؤولين وصناع القرارات جعلت البعض يصفها بأنها نوادي نصف سياسية ونصف بحثية وأكاديمية(15).
المطلب الثالث-تصنيف مراكز الأبحاث
تنتج كثرة المراكز وسعة تخصصاتها واهتماماتها صعوبة في تصنيفها، ولكن مع ذلك، فدراسة الأدوار التي تقوم بها، والاسس التي تستند عليها يساعد كثيرا في تصنيفها وفقا الى معايير محددة، وكما يأتي: (16)
أولا: من حيث التمويل تنقسم المراكز إلى: مراكز بحثية حكومية، مثل معهد البنك الدولي ومعهد دائرة بحوث الكونغرس في الولايات المتحدة، والدوائر الملكية المتحدة لدراسات الأمن والدفاع في بريطانيا، وSecurity Studies Policy التابع للاتحاد الأوربي وغيرها. ومراكز بحثية أكاديمية، سواء كانت تابعة لجامعات أو تعتمد على جامعيين في عملها مثل معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد، ومركز التنمية الدولي ومركز بيلفير للعلوم والشؤون الدولية التابعان لجامعة هارفارد، ومركز الدراسات والبحوث الدولية التابع لجامعة السوربون. ومراكز بحثية خاصة سواء ارتبطت بتقديم النفع العام أو تقديم النفع للجهات التي أسستها كالشركات مثلا وهذه كثيرة ومتنوعة.
ثانيا: من حيث الاتجاه السياسي أو الأيديولوجي، تنقسم إلى: مراكز بحثية ليبرالية، ومراكز بحثية محافظة: دينية، قومية، اجتماعية... ومراكز بحثية يسارية. ومراكز بحثية مستقلة فكريا.
ثالثا: من حيث الاستقلالية، تجد هناك: مراكز بحثية مستقلة. ومراكز بحثية شبه مستقلة. ومراكز بحثية جامعية. ومراكز بحثية حزبية، مثل: مؤسسة (فريدريك ايبرت)، ومؤسسة (كونراد اديناور) في ألمانيا، ومركز الدراسات السياسية في فرنسا، ومعهد الحزب المركزي (تيرانوفا) في الصين.
رابعا: من حيث الارتباط الحكومي تنقسم الى: مراكز أبحاث حكومية، أي ترتبط بالحكومات إداريا وماليا. ومراكز أبحاث شبه حكومية، أي تكون مستقلة إداريا عن الحكومات، ولكن الأخيرة تمثل مصدر من مصادر تمويلها ماليا. ومراكز أبحاث خاصة، والتي تستقل عن الحكومات إداريا وماليا، فتعتمد على نفسها في إدارة شؤونها.
خامسا: من حيث التخصص، توجد: مراكز متخصصة بمجال معرفي معين، مثل: مؤسسة (راند) الامريكية التي تركز في دراساتها على القضايا ذات الطبيعة العسكرية والمخابراتية والاستراتيجية، ومعهد أمريكان انتربرايز ذي الميول الاقتصادية، ومكتب المحاسبة العامة التابع للكونغرس الأمريكي، وكذلك مكتب الكونغرس للميزانية، ومكتب الكونغرس لتقييم التكنلوجيا. بينما هناك مراكز أخرى لها اهتمامات وتخصصات متنوعة ومتعددة، مثل: مركز الكونغرس الامريكي للخدمات البحثية. ومراكز تهتم بالسياسة الخارجية والشؤون الدولية مثل: معهد بروكنغز، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الامريكيان. ومراكز تركز على الشؤون الداخلية والسياسات والموضوعات المحلية، مثل: مؤسسة التراث الامريكية.
سادسا: من حيث النطاق الجغرافي لعمل المراكز، اذ تنقسم الى: مراكز تعنى بمنطقة جغرافية محددة كدولة ما او قارة ما او إقليم ما مثل مركز أبحاث البصرة والخليج العربي، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وغيرها. ومراكز يكون اهتمامها منصبا على موضوع ما سياسي او اقتصادي...فتجعل اهتمامها بالموضوع شاملا لكل العالم.
أن تقسيم المراكز وفقا لما تقدم لا يخلو من تداخل بينها، فكل صنف منها سيتميز عن غيره من حيث درجة القوة والتأثير والعلاقة مع صانع القرار، وفضاء الحرية التي يتمتع بها، فعلى سبيل المثال المراكز التابعة للحكومات غالبا ما تكون بيئة الإبداع الفكري فيها محدودة بسبب تقليص مساحة الحرية الممنوحة لها من قبل النظام الحاكم، أما تلك المرتبطة بالجامعات فتعتمد آليات ومناهج التفكير الأكاديمي المعروف، التي قد يجد صانع القرار– أحيانا – أنها لا تخدم حاجته لسبب أو آخر، في حين تميل المراكز المرتبطة بأحزاب أو جهات محددة الى تبني وجهات نظر هذه الأحزاب والجهات في الدفاع عن مصالحها. وما يميز هذه المراكز عن بعضها هو مقدار فاعلية كل منها في التأثير على الرأي العام، وصناعة القرار في مراكز الإدارة العليا للجهات التي تستهدفها.
المطلب الرابع-أهمية مراكز الأبحاث
ترجع أهمية مراكز الأبحاث إلى كون الكثير من مشاكل عالمنا المعاصر لا يقع الجزء الأكبر من حلها ضمن نطاق مسؤولية عامة الناس أو نخبهم التنفيذية المدنية والعسكرية، بل يقع ضمن مسؤولية المؤسسات النخبوية ذات التركيز المعرفي العالي، من اجل تحديد طبيعة المشاكل، وسبل معالجتها، وخطوات التحرك برؤية واضحة نحو المستقبل، مع تحييد وتذليل العقبات وتجاوز التحديات، وتأتي في مقدمة هذه المؤسسات مراكز الأبحاث والدراسات (17). فما يميز هذه المراكز عن غيرها من المؤسسات هو دورها الحيوي في بناء الدول والمجتمعات الحديثة، والحاجة المتنامية إليها مع تعقد قضايا الفكر والمعرفة، وبروز مظاهر التطرف الأعمى، وتصاعد الأزمات والصراعات، وتشابك المصالح، وتعدد مصادر المعلومات في عالم يتجه إلى مزيد من التقارب في ظل تنامي حركة العولمة و تقدم مستوى التقانة، إذ يتحدث (جيمس ماك جين) احد خبراء معهد بحوث السياسات في الولايات المتحدة عن أهمية المراكز البحثية بعدها " ليست فقط للتزويد بالمعلومات، وإنما يستعان بها لوضع وتقرير أجندة السياسات، أي أنها تقوم من خلال دراستها وأبحاثها في صنع القرار السياسي"(18)، لذا تجد انها في الولايات المتحدة الامريكية لعبت دورا مهما "... في خلق كثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية، مثل: العولمة، ومصطلح محور الشر، والدولة الفاشلة، ومكافحة الإرهاب، والأنظمة الدكتاتورية، والشفافية، والتي غالبا ما يتبناها الرؤساء الأمريكيون لتصبح جزءا مكملا لسياساتهم"(19).
وتمثل هذه المراكز لصانع القرار الصيني النوافذ التي تساعده على تكوين رؤية أفضل عن المؤسسات السياسية والمجتمعات في البلدان الغربية، وفي نفس الوقت تساعد صناع القرار والباحثين الغربيين على تكوين رؤية أفضل عن المؤسسات السياسية والمجتمع في الصين"(20).
ويرى الدكتور كاظم البطاط أنها أصبحت ذات دور ريادي في قيادة العالم، لأنها أداة لإنتاج العديد من المشاريع الاستراتيجية الفاعلة (21)، فهي مراكز لإنتاج الأفكار التي سيتم نقلها إلى المجتمع وصانع القرار معا، وتبرز أهميتها ايضا من خلال ما تقوم به من أدوار تتمثل بـ:"(22)
1. تركيز وتكثيف الجهود العلمية المتخصصة، حيث تعد المراكز وعاء مستفزا ومستوعبا للجهود المبذولة، مما يرجع على الباحثين، وذوي الاهتمام الفكري والبحثي، والمجتمع بالفائدة، فالباحث يستفيد من التلاقح الفكري والعصف الذهني الذي توفره تلك المراكز، ويستفيد المجتمع من الإنتاج الفكري والبحثي.
2. إنتاج معرفة مرتبطة بالواقع، والانطلاق منها لبناء الاستراتيجيات، وتطوير المقاربات والرؤى والنماذج والمناهج في التعاطي مع قضايا الدولة والمجتمع والإنسان.
3. فتح الآفاق لرؤية المستقبل بتصور علمي متزن، بعيدا عن العواطف الفكرية، والآراء الغالية الجموحة التي تنطلق من تصورات ومنطلقات غير دقيقة وغير علمية.
على أي حال، يمكن اجمال الأدوار التي تقوم بها مراكز الأبحاث على اختلاف اشكالها بما يأتي (23):
1. التفكير للحكومات من خلال تقديم الأفكار الجديدة، والرؤى الإبداعية، وترشيد السياسات العامة، لذا تجد أن خطة مارشال لدعم أوربا وإعادة بنائها بعد الحرب العالمية الأولى جاءت من معهد بروكنغز.
2. الدخول كطرف توفيقي بين الأطراف الحكومية المتنازعة والمختلفة لتقريب وجهات النظر المتباينة حول إعداد سياسة معينة.
3. القيام بالدور الاستشاري للحكومات في القضايا التي تتطلب معرفة متخصصة وسرعة في الانجاز والقرار.
4. توفير قاعدة بيانات بحثية لصناع القرار والمسؤولين عند الحاجة.
5. ممارسة دبلوماسية المسار الثاني أو الموازي (تلعب وزارة الخارجية دور دبلوماسية المسار الأول) من خلال إرسال بعض خبراء المراكز البحثية من قبل مؤسسات حكومية معينة للتفاوض بشأن قضايا محددة، كما حصل قبل اتفاقية أوسلو، عندما قام (تيد لارسون) رئيس معهد أبحاث السلام في أوسلو بترتيب عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكما حصل – أيضا – من خلال الدور الذي لعبه (جيمي كارتر) في قضايا عالمية مختلفة، كقضية جنوب السودان.
6. مرافقة خبراء مراكز الأبحاث والدراسات للوفود الرسمية كخبراء في القضايا التي تكون محل نقاش وتفاوض.
7. توفير المواهب من خلال سياسة الباب الدوار بين المراكز البحثية والمناصب العليا في الدولة، ففي كثير من الأحيان يتم اختيار وتكليف بعض خبراء المراكز للعمل في المناصب العليا، والعكس أيضا صحيح، إذ أن كثيرا من المسئولين عندما يتركون مناصبهم يذهبون للعمل في هذه المراكز كخبراء أو باحثين أو مستشارين في الإدارة العليا أو مجالس الأمناء، فعلى سبيل المثال، أن كل رئيس جمهورية في الولايات المتحدة، يقوم بتعيين حوالي 4000 مسئول حكومي، منهم 2200 كمستشارين وأعضاء في اللجان المختلفة، وعادة ما يتم اختيار هؤلاء حصرا من مراكز الأبحاث، منهم مثلا: (هنري كيسنجر)، (مارتن اندك)، (وارن كريستوفر)، (الكسندر هيغ)، (ريتشارد بيرل)، (بول وولفيتز)، (مادلين أولبرايت)، (كولن بأول)، (صامويل هنتنغتون)، (دونالد رامسفيلد)، (ديك تشيني)، (ريتشارد ارميتاج)، (زلماي خليل زاد)، (جون بولتون)، (فرنسيس فوكاياما)، و(كوندوليزا رايس) وغيرهم، بل إن 60 % من مساعدي وزراء الخارجية في الولايات المتحدة جاءوا من مراكز الأبحاث.
8. لعب دور القناة الإعلامية للمسئولين الكبار، عندما يعتمدون على بعض مراكز الأبحاث المقربة في إرسال رسائل استباقية أو تعابير فورية أو إشارات دبلوماسية غير مباشرة إلى بعض الأطراف حول قضايا أو أزمات معينة.
9. تمثل المراكز البحثية قناة اتصال غير مباشرة أو غير رسمية بين كبار صناع القرار في الدولة وبعض الأطراف الخارجية لمعرفة مواقفها وأطروحاتها وآرائها السياسية وطبيعة أدوارها واهتماماتها والاتجاهات الدولية السائدة من خلال المشاركة في أنشطة علمية مشتركة أو دعوة هذه الأطراف إلى الندوات والمؤتمرات التي تعقدها المراكز البحثية.
10. تمثل مراكز الأبحاث مجسات للاستشعار المبكر واستقراء المستقبل من خلال دورها في الاستشراف المستقبلي استنادا إلى قواعد علم المستقبليات لمساعدة صناع القرار على التخطيط الاستراتيجي للمستقبل.
11. ترشيد أو عقلنة القرار السياسي للمسئولين وصناع القرار، لتقليل احتمالية الخطأ أو الفشل في صنع ورسم السياسة العامة.
12. تشكيل الرأي العام من خلال دورها المعرفي، وقدرتها على التكتل والضغط لمصلحة فئة معينة أو تحقيق سياسة معينة.
13. تشكل مراكز الأبحاث صلة الوصل بين عالم البحث والدراسة وعالم السياسة، فهي التي تمد الجسور بين المعرفة والسلطة.
14. تحديد الأولويات، وتقديم التفسيرات والتحليلات، واقتراح البدائل وطرح الخيارات، وتحديد كلفة ومكاسب كل خيار.
15. تطوير البحث العلمي ومناهجه وادواته، وتحسين نظم التعليم وسياساته، ورفد البلد بأحدث ما توصل اليه العلم في ميدان البحث والتحليل والنشر.
16. دورها كمنارة للتواصل بين الحضارات والأمم، وتقليص الفجوة بين المجتمعات وربط ثقافاتها ببعضها، فهي تخلق مناخا ملائما للتواصل الفكري والحضاري.
ويتطلب القيام بهذه الأدوار من قبل مراكز الأبحاث ان يتوافر لها عدد من المستلزمات المهمة، منها:(24)
1. وضوح الهدف والمهمة التي يقوم بها المركز لدعم القرار...
2. الاعتماد على مجموعة منتقاة من الخبراء والأكاديميين والمفكرين الاستراتيجيين، ويفضل من يجمعون بين الخبرة العلمية والعملية.
3. وجود قنوات معلومات واتصالات كافية ودقيقة وحديثة، تضمن توافر البيانات والإحصاءات والمعلومات التي تساعد مجموعة العمل على اجراء الدراسات المطلوبة بدقة عالية وبحيادية كاملة.
4. توافر أنظمة الكترونية لتسهيل العمل واختيار البدائل وتقييمها.
5. القدرة على الابتكار والابداع، واعداد سيناريوهات واستشراف للمستقبل.
6. قيادة واعية مدركة للمهمة الملقاة على عاتق المركز، وتستطيع الاستفادة من الجهود والعقول المختلفة.
7. إقامة شبكة علاقات مع مراكز البحوث والفكر العالمية لتبادل الخبرات.
8. الانفتاح على الجمهور من خلال استقراء الرأي العام عبر تداول المعلومات من خلال: عقد مؤتمرات مفتوحة، وورش عمل يشترك فيها باحثو المركز وغيرهم.
9. وجود التمويل المالي اللازم لتغطية نشاطات المركز كافة.
10. وجود بيئة بحثية تضمن الحرية الفكرية، والموضوعية في البحث والتحليل، فضلا عن وجود جهات تنصت لما تنتجه هذه المراكز وتعمل على ضوء خياراته.
مما تقدم، تبدو الحاجة الى مراكز الأبحاث في الوقت الحاضر حاجة ملحة بالنسبة للمجتمعات ولصناع القرار السياسي؛ لوضع وتنفيذ السياسة العامة الصحيحة للدولة، والتخطيط الاستراتيجي الناجح، بعيدا عن السطحية في التفكير أو الارتجال والاستعجال في القرارات، بل لا يمكن بناء دولة متقدمة أو مجتمع ناجح ما لم تكن مراكزها البحثية متقدمة وفاعلة ومؤثرة في محيطها.
المبحث الثاني-مراكز الأبحاث العراقية: الواقع الراهن ومتطلبات التفعيل
تواجه مراكز الأبحاث في العراق شأنها شأن اغلب نظيراتها في العالم العربي واقعا غير محفز، لكنه لا يخلو من التفاؤل والامل بالتطور نحو الأفضل، لذا سيركز البحث فيما تبقى منه على دراسة البيئة العراقية لعمل المراكز؛ لتحديد وضعها القانوني، والمشاكل والتحديات التي تعترضها، وسبل تذليلها لإيجاد مراكز بحثية فاعلة ومؤثرة.
المطلب الأول-التنظيم القانوني
عند دراسة واقع عمل مراكز الأبحاث في العراق، سيجد الباحث أكثر من قانون ونظام وتعليمات تنظم عملها. ومن اجل تبسيط المهمة أكثر سيتم تقسيم المطلب على فرعين: الأول ركز على المراكز المسجلة ضمن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، والأخر على المراكز المسجلة خارج هذه الوزارة.
الفرع الأول: التنظيم القانوني لمراكز الأبحاث داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
توجد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية وحسب بيانات عام 2014 (104) مركز ووحدة بحثية موزعة حسب تخصصاتها بالشكل الاتي: (25)
أ-إنسانية 2,9%
ب-اجتماعية 29,1%
ج-علوم طبيعية 23,3%
د -طبية وصحية 20,3%
هـ-هندسية وتكنلوجية ومتداخلة 17,4%
وتتضح اهتمامات هذه المراكز والوحدات من خلال الجدولين الآتيين: (26)
(جدول رقم 5 المراكز البحثية المسجلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2014)
التخصص |
جهة الارتباط |
سنة التأسيس |
اسم المركز |
علوم طبية وصحية |
الجامعة المستنصرية |
1995 |
المركز العراقي لبحوث السرطان والوراثة الطبية |
// |
// |
1999 |
مركز بحوث وعلاج امراض الدم |
// |
// |
1997 |
مركز بحوث امراض السكري |
// |
جامعة بغداد |
2012 |
المركز الوطني الريادي لأبحاث السرطان |
// |
جامعة بابل |
2013 |
مركز أبحاث الحمض النوويDNA |
// |
جامعة النهرين |
2014 |
مركز الدنا العدلي للبحث والتدريب |
علوم هندسية وتكنلوجيا متداخلة |
مركز الوزارة |
2013 |
مركز البحوث العراقي للمنشآت المتقدمة |
// |
جامعة الموصل |
1986 |
مركز بحوث السدود والموارد المائية |
// |
الجامعة التكنلوجية |
2004 |
مركز بحوث الطاقة والطاقات المتجددة |
// |
جامعة الانبار |
2012 |
مركز بحوث الطاقة المتجددة |
// |
جامعة كربلاء |
2013 |
مركز أبحاث البيئة والطاقة المتجددة |
// |
جامعة النهرين |
2013 |
مركز بحوث النهرين للطاقة المتجددة النانوية |
// |
الجامعة التكنلوجية |
2009 |
مركز بحوث النانوتكنلوجي والمواد المتقدمة |
علوم طبيعية |
جامعة البصرة |
1976 |
مركز علوم البحار |
// |
جامعة ذي قار |
2004 |
مركز أبحاث الاهوار |
// |
جامعة المثنى |
2012 |
مركز دراسات البادية وبحيرة ساوة |
// |
جامعة الموصل |
1985 |
مركز التحسس النائي |
// |
جامعة البصرة |
1995 |
مركز أبحاث البوليمرات |
// |
جامعة الكوفة |
2012 |
مركز أبحاث التحسس النائي |
// |
جامعة بغداد |
1946 |
مركز بحوث ومتحف التاريخ الطبيعي |
// |
جامعة الموصل |
1997 |
مركز بحوث البيئة والسيطرة على التلوث |
// |
جامعة الكوفة |
2009 |
مركز البحث والتأهيل المعلوماتي |
// |
جامعة بابل |
1998 |
مركز بحوث البيئة المحلية |
// |
الجامعة التكنلوجية |
2004 |
مركز البحوث البيئية |
// |
جامعة النهرين |
1999 |
مركز بحوث التقنيات الاحيائية |
// |
جامعة تكريت |
2009 |
مركز بحوث الموارد الطبيعية |
علوم زراعية |
جامعة الانبار |
2005 |
مركز دراسات الصحراء |
// |
جامعة البصرة |
1995 |
مركز أبحاث النخيل والتمور |
// |
جامعة القادسية |
2012 |
مركز الخيول العربية الاصيلة |
علوم اجتماعية |
مركز الوزارة |
2013 |
مركز دراسات جنوب وشرق أسيا |
// |
جامعة بغداد |
1997 |
مركز بحوث السوق وحماية المستهلك |
// |
جامعة الانبار |
2008 |
مركز تنمية حوض أعالي الفرات |
// |
جامعة بغداد |
1977 |
مركز احياء التراث العربي |
// |
// |
تأسس عام 1980 ودمج معه مركز الدراسات الفلسطينية عام 2013 |
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية |
// |
// |
1966 |
مركز البحوث التربوية والنفسية |
// |
مركز الوزارة |
1986 |
مركز البحوث النفسية |
// |
جامعة الموصل |
1985 |
مركز الدراسات الاقليمية |
// |
// |
1992 |
مركز دراسات الموصل |
// |
جامعة البصرة |
تأسس عام 1974 ودمج المركزين عام 2012 |
مركز دراسات البصرة والخليج العربي |
// |
الجامعة المستنصرية |
1992 |
مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية |
// |
جامعة الكوفة |
1992 |
مركز دراسات الكوفة |
// |
الجامعة العراقية |
2003 |
مركز بحوث الدراسات الاسلامية |
// |
جامعة ديالى |
2005 |
مركز أبحاث الطفولة والامومة |
// |
جامعة كربلاء |
2012 |
مركز الدراسات الاستراتيجية |
// |
// |
تأسس عام 2006 وتم دمجه مع مركز الدراسات الاستراتيجية عام 2017 |
مركز الدراسات والأبحاث القانونية والدستورية |
// |
جامعة الانبار |
2013 |
مركز الدراسات الاستراتيجية |
علوم انسانية |
جامعة بابل |
1994 |
مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية |
// |
جامعة ذي قار |
2009 |
مركز ذي قار للدراسات التاريخية والاثارية |
// |
جامعة تكريت |
2002 |
مركز صلاح الدين الايوبي للدراسات التاريخية |
(جدول رقم 6 الوحدات البحثية المسجلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2014)
التخصص |
جهة الارتباط |
سنة التأسيس |
اسم الوحدة البحثية |
علوم طبية وصحية |
جامعة بغداد |
2009 |
وحدة بحوث وعلاج السمنة |
// |
// |
2006 |
وحدة بحوث الامراض الانتقالية السريرية |
// |
// |
2010 |
وحدة جراحة وتنظير مفصل الركبة |
// |
// |
2010 |
وحدة التطابق النسيجي |
// |
جامعة بابل |
1998 |
وحدة بحوث الطب النفسي |
// |
جامعة النهرين |
1989 |
وحدة البحوث الطبية |
// |
جامعة الكوفة |
1993 |
وحدة الفرات الأوسط لأبحاث السرطان |
// |
جامعة البصرة |
1996 |
وحدة الاعتلال الهيموغلوبيني |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
1997 |
وحدة البحوث وتصنيع البدائل الطبية |
// |
جامعة ذي قار |
2012 |
وحدة بحوث السرطان |
// |
جامعة بغداد |
2001 |
وحدة الأبحاث البيولوجية |
// |
// |
1997 |
وحدة الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان |
// |
جامعة القادسية |
2005 |
وحدة الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان |
// |
جامعة بغداد |
2009 |
وحدة بحوث النباتات الطبية |
// |
جامعة البصرة |
2012 |
وحدة النباتات الطبية والعطرية |
علوم هندسية وتكنلوجيا متداخلة |
الجامعة التكنلوجية |
2005 |
وحدة بحوث مصنع المستقبل |
// |
// |
1997 |
وحدة التصاميم والإنتاج الصناعي |
// |
// |
2001 |
وحدة بحوث تصميم وتصنيع القوالب |
// |
// |
2002 |
وحدة بحوث تحلية المياه |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
2009 |
وحدة بحوث الطاقة البديلة والمتجددة |
// |
الجامعة التقنية الشمالية |
2009 |
وحدة بحوث الطاقة المتجددة |
// |
الجامعة التكنلوجية |
2012 |
وحدة بحوث تكنلوجيا الاغشية |
// |
// |
2012 |
وحدة بحوث تكنلوجيا النفط |
// |
// |
2012 |
وحدة بحوث الاتمتة والانسان الالي |
// |
// |
2012 |
وحدة هندسة التحسس النائي ونظم المعلومات الجغرافية |
// |
جامعة الكوفة |
2012 |
وحدة أبحاث النانو تكنلوجي |
علوم طبيعية |
جامعة بغداد |
2011 |
وحدة الفوتونيات |
// |
جامعة القادسية |
1999 |
وحدة بحوث البيئة والوقاية من التلوث |
// |
الجامعة التقنية الجنوبية |
2007 |
وحدة بحوث التلوث البيئي |
// |
جامعة كركوك |
2005 |
وحدة البحوث البيئية |
// |
جامعة ذي قار |
2012 |
وحدة أبحاث التلوث الاشعاعي |
// |
جامعة بابل |
1998 |
وحدة الكيمياء السريرية |
// |
الجامعة التكنلوجية |
1996 |
وحدة بحوث العلوم التطبيقية |
// |
جامعة القادسية |
2010 |
وحدة الرياضيات الحيوية |
// |
الجامعة المستنصرية |
1996 |
وحدة أبحاث البوليمرات والتطبيقات الصناعية |
// |
جامعة البصرة |
2008 |
وحدة أبحاث الخلية والتقنية الحيوية |
// |
جامعة بغداد |
1999 |
وحدة الاستشعار عن بعد |
علوم زراعية |
جامعة بغداد |
2005 |
وحدة المكافحة الاحيائية |
// |
// |
1995 |
وحدة أبحاث النخيل |
// |
جامعة كربلاء |
2004 |
وحدة أبحاث الرزازة وغربي الفرات |
// |
الجامعة التقنية الشمالية |
1998 |
وحدة بحوث القطن |
علوم اجتماعية |
جامعة ديالى |
2006 |
وحدة الأبحاث المكانية |
// |
جامعة ذي قار |
2009 |
وحدة نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد |
// |
جامعة بغداد |
2004 |
وحدة البحوث الإدارية والاقتصادية |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
2005 |
وحدة بحوث الجودة |
// |
جامعة تكريت |
2012 |
وحدة الدراسات الديموغرافية |
// |
جامعة بغداد |
1999 |
وحدة بحوث المرأة |
// |
// |
2005 |
الوحدة التربوية لدراسات السلام وحقوق الانسان |
// |
الجامعة المستنصرية |
2006 |
وحدة حقوق الانسان |
// |
جامعة تكريت |
2010 |
وحدة الدراسات القانونية |
// |
الجامعة المستنصرية |
2006 |
وحدة البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية |
// |
جامعة الموصل |
2011 |
وحدة الدراسات الاستشراقية |
// |
جامعة القادسية |
2011 |
وحدة البحوث والدراسات لحقوق الانسان |
// |
جامعة النهرين |
2012 |
وحدة النهرين للدراسات القانونية والسياسية |
// |
الجامعة المستنصرية |
2012 |
وحدة أبحاث الذكاء |
وما يلاحظ في الجدولين أعلاه ما يأتي:
1. عمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تغطية معظم التخصصات العلمية عند تأسيس مراكزها ووحداتها البحثية العاملة ضمن تشكيلاتها المختلفة.
2. على الرغم من وجود عدد لا بأس به من المراكز والوحدات البحثية المسجلة في الوزارة الا ان ذلك لم يؤهل العراق لأخذ ترتيب متقدم ضمن قائمة جامعة بنسلفانيا لعام 2015 والتي تم الإشارة اليها سابقا، مما يدل على ضعفها وانعدام تأثيرها، أو ضعف تسويق منتجها المعرفي ليبدو واضحا للعيان.
3. اغلب المراكز والوحدات تم استحداثها منذ وقت قصير نسبيا، لاسيما بعد عام 2009، وقد يكون السبب استشعار الحاجة الى هذه المؤسسات البحثية داخل الوزارة او مجاراة للنمط العام في الجامعات العالمية، وهذا يحتاج من المعنيين الى بذل جهد أكبر للإجابة عنه بشفافية، ودقة.
4. انفراد بعض الجامعات العراقية بحيازة معظم المراكز والوحدات، وتأتي في مقدمتها جامعات: بغداد، والتكنلوجية، والمستنصرية، والموصل، والنهرين
5. وجود تداخل وتكرار في استحداث عدد من المراكز والوحدات التي لها نفس التخصص كتلك المتخصصة بموضوع السرطان، والبيئة، والطاقة المتجددة، والنخيل، ودراسات حقوق الانسان، والدراسات الاستراتيجية، وعلم النفس، وغيرها. وهذا يتطلب من الوزارة البحث جديا في جدوى هذا التكرار، وإيجاد سبل معينة لتلافيه مع التركيز على الجودة والتقدم في المؤسسات المكرسة لكل تخصص.
6. انخفاض نسب الإنجاز في الخطط البحثية الموضوعة من قبل هذه المؤسسات البحثية، فضلا عن محدودية الجهات المستفيدة من نشاطاتها البحثية، اذ اقتصرت خلال السنوات 2011-2014 على 19 جهة فقط داخل العراق(27).
وعند البحث في التنظيم القانوني لعمل هذه المراكز والوحدات ستجده محكوما بنظام مراكز البحث العلمي رقم (1) لسنة 1995 النافذ، والتعليمات الملحقة به رقم (148) لسنة 2002 الخاصة بهيكل عمل الباحث في المراكز والوحدات البحثية، ورقم (158) لسنة 2005 الخاصة باستحداث المراكز والوحدات البحثية(28). فوفقا للتعليمات رقم (148) لسنة 2002 يُعرف المركز البحثي بأنه:" تشكيل يتولى مهام البحث العلمي، يرتبط برئيس الجامعة، يعمل فيه مجموعة من التدريسيين الباحثين والتدريسيين غير المتفرغين" (م 1 أولا). أما الوحدة البحثية فهي " تشكيل يتولى مهام البحث العلمي يرتبط بعميد الكلية يعمل فيه مجموعة من التدريسيين الباحثين والتدريسيين غير المتفرغين"(م 1 ثانيا). وهذا التعريف للمراكز والوحدات البحثية لا يرتبط بفهم دور وعمل مراكز الأبحاث والدراسات في العالم المتقدم، والتي مر ذكرها في المطلب الثاني من المبحث الأول من هذه البحث، وما يؤكد قصوره هو المهام المسندة لهيئة البحث العلمي وفقا للمادة (2) من نظام مراكز البحث العلمي المذكور آنفا، أو المهام المسندة للمراكز والوحدات البحثية الواردة في المادة(4) من نفس النظام، إذ لا تعدو هذه المهام أن تكون مجرد تفرغ للعمل البحثي الأكاديمي في اختصاصات معينة وربطها بحاجة المؤسسات وسوق العمل، دون أن يكون لهذا العمل البحثي انعكاسات واضحة على رسم السياسة العامة للمسئولين في الكليات والجامعات والوزارة، ناهيك عن رسم السياسة العامة للدولة، وكأن عمل المراكز والوحدات مجرد امتداد او تكرار بطريقة أو أخرى لعمل التدريسيين في الجامعات، وقد انعكس هذا التأطير لعمل المراكز والوحدات داخل الوزارة على النظرة السلبية لها من قبل القيادات الأكاديمية من جهة، ونظرة العاملين فيها إلى أنفسهم وعملهم من جانب آخر. وما يزيد من الطين بله هو الارتباك الواضح في التنظيم الاداري لعمل المراكز في النظام اعلاه عندما ساوى بين مدير المركز ومدير الوحدة، فجعل كل واحد منهما يتمتع بمخصصات رئيس قسم علمي(م 3/ ب، د)، في حين يكون تعيين مدير المركز البحثي باقتراح من رئيس الجامعة ومصادقة الوزير، وتعيين مدير الوحدة باقتراح من عميد الكلية ومصادقة رئيس الجامعة، وستحدث المفارقة الاكبر عند استحداث المركز لأقسامه التخصصية، اذ سيدير كل قسم شخص اكاديمي يتمتع أيضا بمخصصات وامتيازات رئيس قسم (م 7/ أ)، فكيف يتساوى مدير المركز الأعلى مرتبة ادارية مع مدير القسم الأدنى مرتبة إدارية داخل المركز الواحد؟
كما أن النظام أعلاه، حدد الآلية الادارية لعمل المراكز والوحدات، فحدد لكل منهما مجلس يرأسه مدير المركز أو الوحدة وبين شروط تشكيل كل منهما (م 3 ج، هـ)، وبين صلاحياته (م 5)، وصلاحيات مدير المركز أو الوحدة (م6)، وغيرها من التفاصيل الادارية والعلمية، وهي اجمالا جيدة ومناسبة للنهوض بالدور البحثي للمراكز والوحدات البحثية داخل مؤسسات التعليم العالي لو تم العمل بها حقا على ارض الواقع.
وفيما يتعلق بالوضع المالي للمراكز والوحدات البحثية تجد انه من خلال ما جاء في المادة (5-أ-أولا) الخاصة بمهام مجلس المركز أو الوحدة، وفي المادة (6 الفقرتين و، ز) الخاصة بمهام مدير المركز أو الوحدة، وفي المادة(8 بفقراتها الأربع) الخاصة بمالية المركز أو الوحدة، فان المراكز والوحدات تتمتع بموازنة مالية مستقلة ضمن موازنة الجامعات والكليات السنوية لتغطية نشاطاتها وحاجاتها، لكن المشاهد، ومن خلال تجربة طويلة في العمل البحثي داخل هذه المراكز والوحدات أن أكثرها لا يتم فيه تفعيل هذه النصوص القانونية، مما ابقاها أسيرة عدم القدرة على تلبية متطلبات عملها سواء في مجال البحث العلمي أو التعاقد أو توفير المستلزمات المادية كالكتب والأجهزة والأمور المكتبية وما شابه ذلك، مما يتطلب من وزارة التعليم أن تكون أكثر حزما والتزاما في تطبيق هذه النصوص القانونية لإنجاح عمل مراكزها ووحداتها البحثية، خاصة أن المادة (13) من النظام اعلاه حملتها مسؤولية اعادة النظر بالمراكز والوحدات المستحدثة، وبما ينسجم مع احكام هذا النظام. وتحميلها المسؤولية التقصيرية في حالة عدم قيامها بذلك
اما الآلية المتبعة لاستحداث المركز أو الوحدة البحثية داخل الوزارة، فقد حددتها التعليمات رقم(158) لسنة 2005، اذ يتم استحداث المركز باقتراح من مجلس الجامعة، وبتوصية هيئة البحث العلمي، وموافقة وزير التعليم العالي والبحث العلمي(م 1)، واستحداث الوحدة البحثية باقتراح من مجلس الكلية، وبتوصية من مجلس الجامعة وهيئة البحث العلمي، وموافقة وزير التعليم العالي والبحث العلمي(م2)، وما يلاحظ هنا انه على الرغم من ان الوحدة كتشكيل اداري هي ادنى من المركز الا ان استحداثها يقتضي المرور بأربعة حلقات من التوصية والمصادقة(مجلس كلية، مجلس جامعة، هيئة البحث العلمي، موافقة الوزير) في حين يمر استحداث المركز بثلاث حلقات(مجلس الجامعة، هيئة البحث العلمي، موافقة الوزير)، وهذا خلل منهجي ينبغي تلافيه، كما ان الوحدة البحثية وهي تشكيل مرتبط بكلية ما، ومحدد بتخصصاتها وحاجاتها، ويتم رفده بشريا من خلال العاملين فيها، وهي تشكيل مهمته البحث العلمي وفقا لهذه التخصصات او الحاجات، قد يكون من المفيد علميا وعمليا، ومن باب التيسير الاداري أن تقتصر مهمة استحداث الوحدات البحثية على اقتراح مجلس الكلية وموافقة مجلس الجامعة، فتمر عملية الاستحداث بحلقتين، فيما يبقى استحداث المراكز البحثية ساريا على وجود الحلقات الثلاث التي حددتها التعليمات.
وشملت التعليمات اعلاه أيضا على الشروط البشرية البحثية لاستحداث المركز والوحدة، فحددتها بوجود خمسة من أعضاء الهيئة التدريسية من حملة شهادة الدكتوراه في التخصص، على ان يكون ثلاثة منهم في الأقل على الملاك الدائم ولا تقل مرتبة أحدهم عن أستاذ مساعد، فيما يتعلق بالمركز (م 3)، وتوفر ثلاثة من أعضاء الهيئة التدريسية من حملة شهادة الدكتوراه في الاختصاص، على أن يكون اثنان منهم في الأقل على الملاك الدائم، فيما يتعلق بالوحدة(م4). واشترطت تعدد الاختصاصات العلمية داخل المركز والوحدة ؛ وبما يصب في تكامل الاختصاصات داخل الجامعة، او التخصص في مجال محدد؛ لأهميته في تطور وتقدم العلوم والتقنية الحديثة(م 7 أولا وثانيا)، كما حددت التعليمات شروط استحداث القسم العلمي بـ" توفر ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس من حملة شهادة الدكتوراه في التخصصات العلمية في القسم المقترح استحداثه على ان يكون احدهم على الملاك الدائم" (م 5)، ويكون تعيين رئيس القسم في المركز" بقرار من رئيس الجامعة وباقتراح من مدير المركز على ان يكون من حملة شهادة الدكتوراه وبمرتبة أستاذ مساعد في الأقل في اختصاص المركز وعلى الملاك الدائم" (م9)، وحددت المادتين 10 و11 من التعليمات نفسها شروط تعيين الباحثين في المركز والوحدة، وهذه التعليمات تمثل نقطة شروع جيدة لعمل المراكز والوحدات البحثية في حال الالتزام بها، وهو ما لم يحصل في أحيان كثيرة.
ومن النصوص المهمة في هذه التعليمات ما نصت عليه المادة السادسة التي ورد فيها" تلتزم الجامعة المقترح استحداث مركز بحثي فيها وكذلك الكلية المقترح استحداث وحدة بحثية فيها بتوفير جميع المستلزمات من مبان وأجهزة علمية ومكتبة في تخصصات المركز أو الوحدة ويعد ذلك شرطا مسبقا لاستحصال الموافقات على استحداث كل منها"، وما جاء في المادة الثامنة التي نصت على" تحدد مدة أقصاها سنة واحدة تستكمل فيها الجامعة أو الكلية الملاكات العلمية للمركز البحثي أو الوحدة البحثية من تاريخ الموافقة على استحداث أي منها وبخلافه تعتبر تلك الموافقات ملغية"، وهذه المادة هي في غاية الأهمية من ناحية تحديد الجهة المسؤولة عن توفير المستلزمات المادية والبشرية للمركز أو الوحدة، وتحديد السقف الزمني المسموح به لذلك، فاغلب المراكز والوحدات في الجامعات العراقية لم تُفعل فيها هذه المادة بشكل صارم بعد استحداثها، مما سمح بمرور سنوات كثيرة على بعضها وهي غير مستوفية لشروط عملها، وساعد تراخي الوزارة في المتابعة وعدم تنفيذ التزامها وفقا لما جاء في المادة (13) من النظام اعلاه على تراخي الجامعات والكليات في التعليم العالي على الوفاء بالتزامها استنادا الى نص المادة (م 8). وهذا خلل خطير ومنهج عقيم في حال استمراره سينعكس بشكل سلبي ليس فقط على مستوى البحث العلمي في المراكز أو الوحدات، بل وعلى مستوى البحث العلمي في وزارة التعليم العالي بكافة مؤسساتها، استنادا الى نظرية النافذة المكسورة(29).
اما بالنسبة لآليات العمل البحثي للباحثين العاملين في المراكز والوحدات، فقد حددتها تعليمات هيكل عمل الباحث رقم (148) لسنة 2002 (المواد 2-12) وما يؤخذ عليها هو أنها في الوقت الذي بينت في المادة (2 الفقرات أولا، وثانيا، وثالثا، ورابعا، وخامسا، وسادسا، وسابعا، وثامنا، وتاسعا) أن عمل الباحثين في المراكز والوحدات يتمثل: بإجراء البحوث والدراسات، وتدريس طلبة الدراسات الأولية والعليا، والاشراف على الرسائل والاطاريح الجامعية، وتقديم الاستشارات العلمية والفنية للقطاع العام والخاص، والمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية، والاسهام في برامج تطوير الملاكات الإدارية والفنية، وتأليف الكتب العلمية وترجمتها ونشرها...وغيرها من الواجبات ذات العلاقة بعملهم، فإنها جاءت في المادتين (4 و5) لتحدد النصاب البحثي للباحثين فقط بتقديم ما لا يقل عن ثلاثة بحوث علمية ولا يزيد عن أربعة خلال السنة، وهذا التحديد فيه اجحاف بحق الباحثين، لأنه في كثير من الأحيان يكون عملهم في المهام الأخرى مستنفدا لمعظم وقتهم، فلا يتوفر لهم الوقت الكافي لإنجاز البحوث المقررة، وانشغالهم بإكمال بحوثهم المقررة سيكون حتما على حساب بقية المهام، وكان الأفضل ان يكون المشرع القانوني، وراسم السياسة العامة داخل الوزارة اكثر وعيا لهذا الامر، فيضع نصابا محددا لكل نشاط يشكل بمجموعه النصاب البحثي المقرر للباحثين، فيساعد بذلك على تنفيذ مجمل البرامج والنشاطات البحثية بتوازن يشجع العاملين عليها.
وفيما يتعلق ببقية المواد الموجودة في التعليمات أعلاه، فهي جيدة، وترسم مسارا لا بأس لعمل الباحثين داخل هذه المؤسسات، يمكن في حال تطبيقها بعناية وجدية وبرؤية صائبة ان تسهم بشكل حقيقي بتفعيل دور المراكز والوحدات في الارتقاء بعملية البحث العلمي داخل الوزارة، بشرط الالتزام بتنفيذها فعلا، وتعديل ما يحتاج الى تعديل منها لتكون منسجمة مع حاجات البحث العلمي المعاصرة.
الفرع الثاني: التنظيم القانوني لعمل مراكز الأبحاث خارج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
يجد الباحث صعوبة في وضع قائمة محددة لمراكز الأبحاث العاملة خارج وزارة التعليم والبحث العلمي، وذلك لأسباب عدة منها:
1-عدم وجود إحصائية رسمية او دراسة سابقة حول هذا الموضوع.
2-عدم وجود قانون واحد يضبط عمل هذه المراكز.
3-ارتباط معظمها بجهات مختلفة سواء اكانت جهات حكومية او حزبية او منظمات مجتمع مدني.
لذلك، فان البحث في التنظيم القانوني لمراكز الأبحاث خارج هذه الوزارة، سيواجه صعوبة في الحصول على قانون واضح تعمل وفقا له، وما يراه ويسمع عنه البعض من مراكز تعمل في الساحة العراقية خارج إطار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي انما تنظم وجودها قوانين محددة كقانون المنظمات غير الحكومية رقم 12 لسنة 2010(30)، وقانون الجمعيات العلمية رقم 55 لسنة 1981 المعدل(31)، فضلا على القوانين النافذة لكل وزارة حكومية والتي تسمح للمعنيين فيها بتأسيس مؤسسات بحثية سواء سميت مراكز بحثية أو اعطيت لها تسميات أخرى.
لقد تأسست الكثير من المراكز البحثية في العراق بعد عام 2003 بصفة منظمات غير حكومية استنادا الى قانون المنظمات غير الحكومية المشار اليه اعلاه، ووفقا الى هذا القانون تعرف المنظمة غير الحكومية بأنها "... مجموعة من الاشخاص الطبيعية أو المعنوية سجلت واكتسبت الشخصية المعنوية وفقا لأحكام هذا القانون، تسعى لتحقيق اغراض غير ربحية" (م 1/ أولا). وعلى الرغم من كون هذا التعريف لا يمنح المركز البحثي المؤسس وفقا لهذا القانون ذلك التصور الخاص به كمؤسسة بحثية عالية الجودة من ناحية المهارة البشرية والمنتج المعرفي، لتكون جديرة بالتأثير في عملية صنع القرار السياسي، ورسم السياسة العامة، وخلق البيئة المناسبة للتقدم في الاختصاص الخاص بكل مركز، الا أنه لم يمنع من تأسيس مراكز بحثية تنتمي لإفراد او جهات مختلفة، فتأسست الكثير منها تحت مظلة المنظمات غير الحكومية وفي مختلف التخصصات والاهتمامات، الا أنه لا يمكن حصرها بقائمة محددة؛ لأن معظمها ببساطة لا تصرح عن نفسها كمراكز بحثية، كما أنه لا توجد قائمة رسمية من دائرة المنظمات غير الحكومية او غيرها خاصة بهذا الموضوع، فضلا عن تشابه تسميات الكثير منها مع تسميات منظمات غير حكومية لا علاقة لها بالعمل البحثي.
ان غالبية المراكز البحثية من هذه الفئة، عانت ولا زالت من عقبات وتحديات كثيرة في عملها، سواء فيما يتعلق بنوعية الكوادر البحثية العاملة فيها، والتي تفتقر، معظم الأحيان، للمؤهلات الضرورية العلمية والعملية، أو فيما يتعلق بتحكم الجهة الراعية لها بطبيعة توجهاتها الفكرية ونتاجاتها العلمية، فاغلب هذه الجهات قد تكون جهات سياسية أو رسمية أو دينية متنفذة همها الترويج لنفسها بشكل أو آخر. كذلك من الصعوبات الأخرى التي تواجهها مشكلة تمويلها المالي، فبعد مدة قصيرة من التأسيس تظهر مشكلة التمويل كمشكلة جوهرية تعيق عملها فلا تلبث ان تتحول الى مجرد اسماء على الورق يكون الحل مصيرها النهائي أو الى مؤسسات عاجزة عن تحقيق اهدافها التي تحملها، مما يضعف بالنتيجة تأثيرها وفاعليتها المرجوة منها.
أما بالنسبة لقانون الجمعيات العلمية رقم 55 المشار اليه أعلاه، فوفقا للمادة الثانية منه تعرف الجمعية العلمية بأنها: "... كل جمعية مؤسسة وفقا لأحكامه تمارس نشاطا علميا في مجال اختصاصها كأعداد البحوث والدراسات وتنظيم الندوات واللقاءات والمؤتمرات العلمية او المساهمة فيها وجمع وتوثيق المعلومات وتبادل الخبر والتجارب واصدار المطبوعات وجمع وتبويب المعلومات عن ذوي الاختصاص داخل القطر وخارجه وكل ما من شأنه رعاية وتطوير الاختصاص". وعلى الرغم من مهنية هذه الجمعيات ورعايتها لفئات محددة باختصاصاتها العلمية، الا أن البعض عمد الى تأسيس مراكز بحثية تحت مظلة قانون الجمعيات العلمية، بهدف الاستفادة من الامتيازات التي نصت عليها المادة الأولى من القانون اعلاه والتي ورد فيها:" يهدف هذا القانون الى تنظيم شؤون الجمعيات العلمية وتوفير مستلزمات عملها ودعمها وتنسيق نشاطاتها فيما بينها ومع أجهزة الدولة في سائر فروع المعرفة بما يكفل اسهامها في تحقيق تطور علمي يخدم اهداف خطط التنمية القومية".
ومع أن القارئ لنصوص القانون لا يجد فيه توصيفا يتلائم مع الفهم الحقيقي لمراكز الأبحاث، كون الجمعيات العلمية لها نطاقها العلمي والعملي الخاص بها، ولا تنشغل بقضية رسم السياسات وتطوير بيئة صنع القرار الا في الظروف الاستثنائية المرتبطة بتخصصاتها الدقيقة، الا أنه يوجد اليوم (68) جمعية علمية مسجلة رسميا في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، عند الاطلاع عليها تجد أنه ليس من الصعوبة ادراك ان بعضها تمثل تكرارا لتسميات بعض المراكز البحثية المسجلة ضمن تشكيلات الوزارة نفسها أو خارجها، مما يدل على أنها في حقيقتها مراكز بحثية ارادت تكييف وضعها القانوني كجمعية علمية، وهذا ما يمكن استنتاجه من الجدول رقم (8) (32).
(جدول رقم 7 الجمعيات العلمية المسجلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية عام 2017)
التخصص |
جهة الارتباط |
سنة التأسيس |
اسم الوحدة البحثية |
علوم طبية وصحية |
جامعة بغداد |
2009 |
وحدة بحوث وعلاج السمنة |
// |
// |
2006 |
وحدة بحوث الامراض الانتقالية السريرية |
// |
// |
2010 |
وحدة جراحة وتنظير مفصل الركبة |
// |
// |
2010 |
وحدة التطابق النسيجي |
// |
جامعة بابل |
1998 |
وحدة بحوث الطب النفسي |
// |
جامعة النهرين |
1989 |
وحدة البحوث الطبية |
// |
جامعة الكوفة |
1993 |
وحدة الفرات الأوسط لأبحاث السرطان |
// |
جامعة البصرة |
1996 |
وحدة الاعتلال الهيموغلوبيني |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
1997 |
وحدة البحوث وتصنيع البدائل الطبية |
// |
جامعة ذي قار |
2012 |
وحدة بحوث السرطان |
// |
جامعة بغداد |
2001 |
وحدة الأبحاث البيولوجية |
// |
// |
1997 |
وحدة الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان |
// |
جامعة القادسية |
2005 |
وحدة الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان |
// |
جامعة بغداد |
2009 |
وحدة بحوث النباتات الطبية |
// |
جامعة البصرة |
2012 |
وحدة النباتات الطبية والعطرية |
علوم هندسية وتكنلوجيا متداخلة |
الجامعة التكنلوجية |
2005 |
وحدة بحوث مصنع المستقبل |
// |
// |
1997 |
وحدة التصاميم والإنتاج الصناعي |
// |
// |
2001 |
وحدة بحوث تصميم وتصنيع القوالب |
// |
// |
2002 |
وحدة بحوث تحلية المياه |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
2009 |
وحدة بحوث الطاقة البديلة والمتجددة |
// |
الجامعة التقنية الشمالية |
2009 |
وحدة بحوث الطاقة المتجددة |
// |
الجامعة التكنلوجية |
2012 |
وحدة بحوث تكنلوجيا الاغشية |
// |
// |
2012 |
وحدة بحوث تكنلوجيا النفط |
// |
// |
2012 |
وحدة بحوث الاتمتة والانسان الالي |
// |
// |
2012 |
وحدة هندسة التحسس النائي ونظم المعلومات الجغرافية |
// |
جامعة الكوفة |
2012 |
وحدة أبحاث النانو تكنلوجي |
علوم طبيعية |
جامعة بغداد |
2011 |
وحدة الفوتونيات |
// |
جامعة القادسية |
1999 |
وحدة بحوث البيئة والوقاية من التلوث |
// |
الجامعة التقنية الجنوبية |
2007 |
وحدة بحوث التلوث البيئي |
// |
جامعة كركوك |
2005 |
وحدة البحوث البيئية |
// |
جامعة ذي قار |
2012 |
وحدة أبحاث التلوث الاشعاعي |
// |
جامعة بابل |
1998 |
وحدة الكيمياء السريرية |
// |
الجامعة التكنلوجية |
1996 |
وحدة بحوث العلوم التطبيقية |
// |
جامعة القادسية |
2010 |
وحدة الرياضيات الحيوية |
// |
الجامعة المستنصرية |
1996 |
وحدة أبحاث البوليمرات والتطبيقات الصناعية |
// |
جامعة البصرة |
2008 |
وحدة أبحاث الخلية والتقنية الحيوية |
// |
جامعة بغداد |
1999 |
وحدة الاستشعار عن بعد |
علوم زراعية |
جامعة بغداد |
2005 |
وحدة المكافحة الاحيائية |
// |
// |
1995 |
وحدة أبحاث النخيل |
// |
جامعة كربلاء |
2004 |
وحدة أبحاث الرزازة وغربي الفرات |
// |
الجامعة التقنية الشمالية |
1998 |
وحدة بحوث القطن |
علوم اجتماعية |
جامعة ديالى |
2006 |
وحدة الأبحاث المكانية |
// |
جامعة ذي قار |
2009 |
وحدة نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد |
// |
جامعة بغداد |
2004 |
وحدة البحوث الإدارية والاقتصادية |
// |
الجامعة التقنية الوسطى |
2005 |
وحدة بحوث الجودة |
// |
جامعة تكريت |
2012 |
وحدة الدراسات الديموغرافية |
// |
جامعة بغداد |
1999 |
وحدة بحوث المرأة |
// |
// |
2005 |
الوحدة التربوية لدراسات السلام وحقوق الانسان |
// |
الجامعة المستنصرية |
2006 |
وحدة حقوق الانسان |
// |
جامعة تكريت |
2010 |
وحدة الدراسات القانونية |
// |
الجامعة المستنصرية |
2006 |
وحدة البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية |
// |
جامعة الموصل |
2011 |
وحدة الدراسات الاستشراقية |
// |
جامعة القادسية |
2011 |
وحدة البحوث والدراسات لحقوق الانسان |
// |
جامعة النهرين |
2012 |
وحدة النهرين للدراسات القانونية والسياسية |
// |
الجامعة المستنصرية |
2012 |
وحدة أبحاث الذكاء |
وبالنسبة للمراكز البحثية المرتبطة بالوزارات الحكومية الأخرى في الدولة العراقية، فيكاد يقتصر الأمر على مركز أو مركزين في بعض الوزارات، توجدها كل وزارة وفقا للضوابط والتعليمات النافذة فيها، فمثلا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لديها المركز الوطني للبحوث والدراسات والمركز الوطني للصحة والسلامة المهنية، ووزارة العلوم والتكنولوجيا المنحلة لديها مركز المعلومات العلمية ومركز تصفية المنشئات النووية وغيرها، ووزارة النقل لديها مركز البحوث والدراسات وهو في الأصل قسم إداري أكثر منه مركز بحثي حقيقي، ووزارة الثقافة لديها المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، ووزارة الصحة لديها مركز تكنولوجيا المعلومات ومركز تدريب وتطوير الملاكات، ووزارة النفط لديها مركز تقنية المعلومات والاتصالات.. وعند الدخول الى مواقع هذه المراكز على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) تجد أن أكثرها مواقع هزيلة من حيث الإخراج والمحتوى، ولا يمكن بحال من الأحوال تسميتها مراكز بحثية حقيقية يمكن أن تتوقع منها المساهمة الفاعلة في صنع السياسة العامة للوزارات التابعة لها، فضلا على السياسة العامة للبلد، ولعل من بين المركز الرسمية خارج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي يمكن أن يكون لها مستقبل في حال توفر الرؤية الصحيحة والمتطلبات الضرورية لعملها هو مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية التابع الى مستشارية الأمن الوطني العراقي. واللافت للنظر أن الوزارات الحيوية والمهمة كوزارات الدفاع والداخلية والخارجية لا تضم في تشكيلاتها (حتى وقت اعداد هذا البحث) مراكز بحثية فاعلة ضمن هيكليتها الادارية، بل تضم اقساما ترتبط بالبحث والتحليل واعداد التقارير والدراسات وتنفيذ الدورات التدريبية (قسم البحوث وتخطيط السياسات التابع لدائرة التخطيط السياسي، وقسم التأهيل والبحوث التابع لمعهد الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية مثلا)، في وقت تجد أن هذه الوزارات هي أحوج ما تكون إلى خدمات مراكز بحوث حقيقية تشارك وتساعد المسئولين فيها على رسم السياسة العامة لوزاراتهم مستفيدين من تجربة مراكز البحوث والدراسات في البلدان المتقدمة(33).
مما تقدم، يمكن الاستنتاج أن تأسيس مراكز بحثية في العراق ليس أمرا عسيرا من الناحية القانونية، على الرغم من الإشكالات الموضوعة على قضية التنظيم القانوني. ولكن هل اخذت المراكز القائمة على اختلاف فئاتها دورها المؤثر في بيئة صنع القرار في هذا البلد؟
المطلب الثاني- مراكز الأبحاث العراقية وصنع القرار السياسي
تكاد تجمع الدراسات القليلة التي تطرقت الى واقع مراكز الأبحاث العراقية بمختلف اشكالها على ضعف تأثير هذه المراكز في بيئتها السياسية بشكل عام، وفي بيئة صنع القرار السياسي بشكل خاص(34)، وعلى المستويات الثلاث:
1. مستوى التواصل بينها وبين مؤسسات صنع القرار السياسي.
2. مستوى الاعتماد على منتجها المعرفي من قبل المعنيين بالشأن السياسي، سواء فيما يتعلق بتقديم الاستشارات ام بإيجاد الحلول وتحديد الخيارات والبدائل للمشاكل التي تواجههم.
3. مستوى الاستفادة من خبراتها البشرية في إدارة الدولة سواء من خلال شغل المناصب المهنية الحساسة (سياسة الباب الدوار) او القيام بدور دبلوماسية المسار الموازي او مرافقة الوفود الرسمية في الجولات الرسمية داخل العراق وخارجه.
ان ضعف المراكز البحثية العراقية تقف ورائه أسباب عدة، يمكن تحديد الأبرز منها بما يأتي:
1. نظر الجهة المؤسسة أو الممولة لمركز الأبحاث على أن عمله نظير لعمل وسائل الإعلام في الترويج لأفكار المؤسسين أو الممولين، لا انه مركز تفكير للجهة المؤسسة قد يتوافق معها أحيانا، وقد يختلف في احيان أخرى مع منطلقاتها الفكرية ويؤسس لمنطلقات جديدة تقتضي تغيير أنماط التفكير والسلوك للوصول الى مستوى أفضل من التفكير والاداء.
2. مشكلة التمويل(35)، فمعظم هذه المراكز تعاني من شحة الموارد المالية التي تمول نشاطاتها، ويبدو ان هذا الامر منطقي تماما عندما نعلم ان العراق شأنه شأن جيرانه العرب من أقل بلدان العالم إنفاقا على البحث العلمي من مجمل الموازنة السنوية، اذ لم يتجاوز في هذا الانفاق للمدة من 2005-2011 نسبة 0,2%(36). ويكفي للدلالة على ضعف هذه النسبة أن (إسرائيل) على محدودية مساحتها وقلة سكانها تصل موازنة البحث العلمي فيها الى 4,7% من موازنتها السنوية، وهي تساوي مجمل الانفاق على البحث العلمي في الدول العربية مجتمعة(37)، كما تتضاعف هذه النسبة كل ثلاث سنوات(38). وقد انعكست مشكلة التمويل الضعيف لبرامج البحث العلمي على كم الإنتاج المعرفي للمراكز، ففي الوقت الذي لا توجد فيه إحصائية عراقية رسمية توثق نسبة هذا الإنتاج كما ونوعا، فان الباحث لا يصعب عليه الوصول الى استنتاج مفاده ضعف هذا الإنتاج عندما تعلم بأن ما ينتجه العالم العربي (والعراق داخل فيه ضمنا) من المعارف الإنسانية العالمية تبلغ نسبته 0,0002%، مقارنة بـ(إسرائيل) التي تصل فيها هذه النسبة الى 1%، أي ما يعادل 5000 مرة ضعف ما ينتجه العرب(39).
3. عدم التمييز بين عمل مراكز الأبحاث وعمل منظمات المجتمع المدني ذات الأبعاد الإنسانية أو الخيرية... على الرغم من أن هذه المراكز تعتمد غالبا على أساليب موضوعية صارمة للوصول إلى الحقيقة قد تجعل المراقب غير المدرك لعملها يعتقد أنها قاسية.
4. تأسيس مؤسسات تحمل صفة مراكز أبحاث: دولية، وطنية، استراتيجية، اقتصادية... من جهات عدة بدون توفير المستلزمات البشرية المناسبة، فغالبا ما تعاني كثير من الكوادر البشرية العاملة في هذه المراكز، لاسيما في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من مظاهر العجز الآتية:
أ- كوادر ضعيفة الإمكانيات العلمية والإدارية، مما ينعكس سلبا على منتجها المعرفي العام.
ب- لم يتم اختيارها بناء على مؤهلاتها، بل في أحيان كثيرة يكون الاختيار كعقوبة أو نفي لها داخل وزارة التعليم (المراكز والوحدات محطات نفي لا مؤسسات جذب علمي كما يقال)، أما خارج الوزارة فالمحسوبية والولاء تشكل المعايير الأساسية للاختيار في معظم الأحيان.
ج- عدم خضوعها لدورات تدريبية تخصصية تطور مهاراتها، وتصقل عملها.
د- ضعف التواصل بينها وبين نظيراتها العاملة من المراكز العالمية الناجحة والمؤثرة، بسبب عدم ايجاد الجهات المؤسسة لها قنوات ربط سهلة وميسرة مع التجارب العالمية، وعدم توفير التمويل المالي الكافي لقيام هذه الكوادر بعملية الربط بنفسها على أساس المبادرة الذاتية.
هـ- تورط الإدارات المشرفة على بعض مراكز الأبحاث غير الحكومية بنشاطات وأعمال لا تنسجم مع طبيعة الدور المطلوب منها.
و-عدم وجود قيادات كفوءة تمتلك رؤية استراتيجية واضحة تؤطر عمل المراكز وترسم ملامح السياسة العامة التي يجب أن تنتهجها.
5. عدم ايمان صناع القرار بدور هذه المراكز، لذا تستبعد غالبا من دائرة التأثير في عملية صنع القرار، ووضع السياسات، وتقديم الاستشارات، وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية الآنية والمستقبلية، والتعيينات في المناصب المهمة، ولا يتجاوز الحديث احيانا من قبل صناع القرار عنها حدود التصريحات الإعلامية.
6. الاعتقاد السائد، لاسيما في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فضلا عن باقي الوزارات، واحيانا خارج الاطار الحكومي بأن عمل المراكز يشكل امتدادا للعمل الأكاديمي في الكليات والمعاهد من حيث مستوى الأداء والنوعية، وتصورها على انها مؤسسات تدريسية بشكل أو آخر (كما رأيناه عند الحديث عن هيكل عمل الباحث في التعليمات رقم (148) لسنة 2002 داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، وهذا في كثير من الأحيان لا ينسجم مع حاجات صانع القرار القائمة على السرعة في تقديم الرأي عند الحاجة، والايجاز في الكتابة وبطريقة مبسطة ومفهومة وبعيدة عن التعقيد الاكاديمي المبالغ فيه، والخبرة المستندة الى التجربة العملية والتجارب المقارنة.
مما تقدم، يتضح: ان ضعف تأثير مراكز الأبحاث العراقية في بيئة صنع القرار السياسي هي مشكلة مركبة ناجمة عن أسباب عدة تشترك فيها الجهات المؤسسة لها، مع طبيعة تصورات بيئتها المحيطة لدورها، مع عوامل الضعف الذاتية التي تعانيها، وهي، بمجملها، مشكلة لا يمكن عزلها عن أزمة بناء الدولة الحديثة في العراق.
المطلب الثالث-آليات تفعيل الـتأثير السياسي لمراكز الأبحاث العراقية
ليس ترفا فكريا عندما تتم الدعوة الى إعطاء مراكز الأبحاث المساحة الكافية والاهتمام المطلوب لتؤدي دورها المتوقع منها، فمؤسساتنا الحكومية، وصناع القرار السياسي لدينا، والمجتمع في كل مجالاته الحياتية بحاجة ملحة الى خدماتها، ففي ظل عالم يزداد تعقيدا وتشابكا وتأزما لابد من وجود من يسلط الأضواء على الواقع كما هو، وما يمكن ان ينتج من تفاعلاته من ارهاصات، وتأثير كل ذلك على الحاضر والمستقبل، وتحديد الخيارات البديلة لتجنب الأسوء، واختيار الطريق الأفضل للوصول الى المصالح العليا، وفي نفس الوقت إيجاد الفرص المؤاتية لخوض المنافسة مع الآخرين بشروط مناسبة... كل ذلك يمكن ان تلعب فيه مراكز الأبحاث دورا فاعلا؛ لأنها وجدت لتعمل في بيئة شديدة التعقيد والخطورة والتنافس، فهي مؤسسات تنتمي للحضارة المعاصرة ولا يمكن الاستهانة بها أو انكار دورها.
ولكننا في العراق وأمثاله من الدول لا يمكننا أن نفصل بين تطوير مراكزنا البحثية وبناء دولنا، لأن الجزء الأكبر من مشاكلنا يكمن في تأخر بناء الدولة بشروطها الحديثة (دولة الديمقراطية والمؤسسات والمبادرة الفردية والمجتمعية واحترام الحقوق والحريات) او بنائها بطريقة مشوهة تجعلها عاجزة عن تحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، وبما لا يتوافق بين قدراتها او قوتها الحقيقية ومداها الذي يمكن الوصول اليه(40). لذلك فان الحلول والاليات التي يمكن اقتراحها في هذا المطلب لتطوير أداء وتأثير المراكز في محيطها السياسي (عملية صنع القرار خصوصا) ومحيطها العام هي جزء من منظومة متكاملة (One System) لا يمكن فصل اجزائه بعضها عن بعض، كتطوير التعليم العام وسياساته النافذة، ومأسسة عمل الدولة وابتعاده عن نمط الإدارة الفردية او الحزبية الضيقة، ورفع مستوى الوعي الشعبي العام، ووجود استراتيجيات شاملة ومتكاملة لتحقيق المصالح العليا للبلد، وإيجاد فضاء سياسي واجتماعي تُحترم فيه الحقوق والحريات، وبيئة اجتماعية مستعدة للتخلي عن الجمود وقبول منطق التجديد، واستبدال الكاريزما السياسية والاجتماعية المستندة الى الزعامات العشائرية والدينية والحزبية بكاريزما المؤسسات الفاعلة والأداء الفردي والمؤسسي الأفضل.
ومع الايمان بهذه الحقيقة، واليقين بأن أي حلول وآليات لمشاكلنا ومؤسساتنا لا تحقق أهدافها بدونها، فانه من المفيد اقتراح بعض الاليات التي من الممكن اتباعها لتعزيز مشروع بناء الدولة أولا، والحصول على مراكز بحثية ناجحة في ميدان العلم والمعرفة والتأثير ثانيا، لاسيما إذا ما وجد من يأخذ بهذه المقترحات، ويقدر على تطبيقها. فعلى مستوى تفعيل الدور السياسي العام لمراكز الأبحاث من الضروري أن يحصل تطور في العقلية الحاكمة داخل حلقات صنع القرار المتقدمة في مؤسسات الدولة لتكون أكثر ايمانا بدور المراكز وجعلها شريكة فاعلة في عملية صنع القرار، وإدراك أن مهام الإدارة العليا في الدول الحديثة تتقاطع تماما مع الإدارة الفردية، كما تتقاطع مع الجهل وضعف الخبرة والمهارة. وتطور هذه العقلية يمكن ان تسهم به الأحزاب السياسية بما تطرحه من برامج سياسية، وما تقدمه من قيادات مناسبة لإدارة المؤسسات الحكومية، فضلا عن دور المثقف السياسي في خلق نهضة ثقافية توفر الأجواء الضاغطة بهذا الاتجاه.
ولا يمكن تحقيق ذلك من دون بناء منظومات مؤسسية وطنية تأخذ بنظر الاعتبار ما يصدر عن هذه المراكز من مخرجات لاعتمادها في الجوانب العملية ذات الصلة، فما لم يكن هناك مستفيد من المنتج المعرفي للمؤسسات البحثية، فإنها عاجلا أو آجلا ستصاب بخيبة الأمل والإحباط وهذا سينعكس سلبا على نجاحها وفاعلية العاملين فيها، وقد يكون تأسيس مراكز أبحاث في كل وزارة من الوزارات العراقية ترتبط بالوزير مباشرة، وتضم باحثين كفوئين متفرغين مهمتهم رصد القضايا والتطورات المختلفة، وإعداد الخطط والدراسات اللازمة لمساعدة الوزراء وهيئات الرأي على اتخاذ القرارات المرتبطة بالارتقاء بعملهم ورسم ملامح السياسة العامة لوزاراتهم، واحدا من السبل الجيدة لبناء هذه المنظومة المؤسسية.
كذلك من المهم جدا ربط مراكز الأبحاث الوطنية، سواء كانت عاملة داخل الوزارات الحكومية ام خارجها بالمراكز الإقليمية والدولية المناظرة، مع إعطائها الحرية والمرونة الكافية للتحرك والبحث، وهذه المهمة ليست عسيرة لكنها بحاجة الى قرار جدي من صانع القرار العراقي، اذ لا يمكن لمراكز الأبحاث العراقية ان تحقق المطلوب منها ما لم تحتك بالمراكز المتقدمة في العالم وتطلع عن قرب على طريقة عملها، وأسلوب تنظيمها، ونمط اتصالاتها مع بيئتها المحيطة. وإدراك أن المراكز البحثية ليست صرحا يقام على التجربة والخطأ والميول والرغبات المعلبة الجاهزة، بل هي عقل مفكر تحتاج الى احترام دورها والسير على هدى استشاراتها وتحليلاتها المناسبة سواء توافقت ام لم تتوافق مع تصورات صانع القرار يعد من الأساسيات المهمة لتفعيل عمل هذه المؤسسات المهمة في العراق، هذا من جانب، ومن جانب آخر لابد من اتخاذ خطوات جادة لتبادل المنفعة بين مؤسسات صنع القرار السياسي والمراكز لضمان تطبيق سياسة الباب الدوار، والدبلوماسية الموازية أو دبلوماسية المسار الثاني، والخدمات التفاوضية والخيارات التوفيقية وغيرها من المهام التي تشكل صلب عمل المراكز. فضلا عن توفير التمويل المالي المستقر لتغطية نشاطاتها من اجل تحقيق أهدافها، لذا من الضروري إعادة النظر بنسبة مخصصات البحث العلمي في الموازنة السنوية للدولة، فلا نهوض حقيقي للبحث العلمي في العراق مع بقاء مخصصات البحث العلمي عند المستويات المتدنية المشار لها سابقا.
كما أن تطوير الكوادر الإدارية والبحثية لجعلها متميزة في مهارتها وخبرتها مسألة ملحة، فالمراكز هي خزانات فكرية عالية الجودة، وهي بحاجة الى كوادر بشرية عالية الخبرة والمهارة وعميقة التفكير، وتحسن العمل بطريقة الفرق البحثية والعمل الجماعي، اذ ليس كل من كانت له شهادة جامعية كان مناسبا للعمل في مؤسسة بحثية. إضافة الى منح هذه الكوادر الاولوية في عضوية الوفود الرسمية والمشاركة في الدورات البحثية والإدارية في المؤسسات الحكومية داخل العراق وخارجه. وتحفيز القطاع الخاص العراقي وحثه على الاستفادة من خدماتهم على مستوى الاستشارة والخبرة وتبادل المنفعة. وقيام مؤسسات الدولة بتحديد قائمة بالمشاكل والتحديات التي تواجهها، وعرضها عليهم حسب التخصص، لإيجاد الحلول المناسبة لها. ولا تكتمل هذه الاليات العامة لتفعيل المراكز البحثية مالم يتم تسليط الضوء الإعلامي على دورها، وعلى منتجها المعرفي وباحثيها؛ للتعريف بها وبنشاطاتها أولا، وتعزيز وترسيخ وجودها على مستوى صناعة القرار، والرأي الشعبي العام.
إما على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، فإنها مطالبة باعتماد الاليات أعلاه جميعها، مع إضافة بعض الاليات الأخرى التي ترتبط بمهامها المهنية، ومنها وجود استراتيجية واضحة للغاية التي من أجلها يتم تأسيس المراكز والوحدات البحثية داخل الوزارة، اذ من المهم جدا تجنب الفوضى في استحداث هذه التشكيلات، مع الحرص على توفير المستلزمات الأولية الضرورية لعملها. وإعادة النظر في تعريف المركز والوحدة البحثية المعمول به في التعليمات رقم 148 ليشير التعريف الجديد صراحة الى ان هذه المؤسسات ليست مجرد تشكيلات تابعة لرئيس الجامعة (بالنسبة للمركز) ولعميد الكلية (بالنسبة للوحدة) وانما هي بالإضافة الى ذلك مؤسسات مهمتها العمل مع التشكيلات الأخرى داخل الجامعة لرسم السياسة العامة التعليمية وبما يتوافق مع السياسة العامة للوزارة أولا وللدولة ثانيا. وإعطاء الصلاحيات في استحداث الوحدات البحثية لمجالس الجامعات وباقتراح من مجالس الكليات، وحصر المصادقة الوزارية على استحداث المراكز البحثية، تقليلا للروتين، وتحفيزا للبحث العلمي. وإعادة النظر في النص القانوني الذي يساوي بين مدير المركز البحثي وبين رئيس القسم داخل المركز في الامتيازات والتخصصات، لأن هذا النص غير منطقي ولا يمكن استمراره استنادا الى شروط العمل المؤسسي الصحيح.
إضافة الى ما تقدم، لابد من إعادة النظر بطبيعة المهمات والمسؤوليات المكلف بها الباحثين في المراكز والوحدات، لا سيما تلك المرتبطة بالنصاب البحثي والتي نصت عليها تعليمات هيكل عمل الباحث رقم (148) لسنة 2002؛ من اجل عدم المساواة بين عمل الباحث وعمل التدريسي في الجامعات والمعاهد العراقية، ويفضل ان يكون ذلك بعد دراسة التجارب العالمية الناجحة، والبناء عليها في تحديد واجبات وامتيازات الباحثين. وتحمل الوزارة لمسؤوليتها المنصوص عليها في المادة 13 من النظام رقم (1) لسنة 1995 النافذ؛ لإعادة النظر بجميع المراكز والوحدات البحثية العاملة في اطارها، من خلال تشكيل لجنة وزارية متخصصة لهذا الغرض، تبادر الى الاغلاق الفوري لجميع المراكز والوحدات البحثية غير المستوفية للشروط، وتحميل الجامعات المسؤولية التقصيرية عن عدم اغلاق تلك التي مر عليها أكثر من سنة دون استكمال المستلزمات المادية والبشرية لعملها. وتعزيز دور المراكز والوحدات في عملية البحث العلمي داخل الجامعات العراقية وفي مقر الوزارة من خلال تشكيل لجنة أو مجلس للبحث العلمي داخل كل جامعة يكون برئاسة المعاون العلمي لرئيس الجامعة وعضوية مدراء المراكز والوحدات البحثية ومعاوني عمداء الكليات للشؤون العلمية تكون مهمته رسم السياسة البحثية السنوية للجامعة واعداد تقرير سنوي فيها يرفع الى مجلس الجامعة للمصادقة عليه بعد مناقشته من قبل الجامعة، ومن ثم تعميمه على الكليات للعمل بموجبه، فتكون بذلك لكل جامعة سياسة بحثية تتكامل فيها الاختصاصات ولا تتقاطع، ولا تتكرر فيها البحوث والدراسات مما يسبب ضياعا للوقت والجهد. والاستفادة أكثر من المراكز في اعداد المناهج التدريسية للطلبة في الجامعات، ووفق شروط تعود بالنفع على المركز والجامعة، وكذلك في عمليات الاشراف والمناقشة لمشاريع البحوث في الدراسات الأولية والعليا.
أخيرا، فأن هذه الاليات العامة والخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لا يمكن إنجازها مع بقاء البيروقراطية المؤسساتية البطيئة والمعيقة لأي توجه حكومي او شعبي في أي مجال، فتسهيل الإجراءات، وسرعة انجاز المهام، والكفاءة في العمل من الأمور المطلوبة لتفعيل عمل مراكز الأبحاث في العراق، إضافة الى انها من شروط بناء الدولة على أسس صحيحة تؤهلها للنهوض بأعبائها بنجاح.
الخاتمة
من خلال ما تقدم في هذا البحث يمكن التوصل الى:
أولا: الاستنتاجات
من الاستنتاجات الرئيسة التي خرج بها البحث هي:
1- تعد مراكز الأبحاث في عالمنا المعاصر من المؤسسات التطويرية الرائدة، التي لا يمكن قيام أي نهضة علمية في بلد ما إذا لم تسبقها نهضة صحيحة في عمل مراكزه البحثية.
2- وجود علاقة وثيقة بين عمل المراكز وعملية صناعة القرار السياسي، فالاستعانة بخبرات المراكز يمنح صانع القرار الفرصة لاتخاذ قرارات رشيدة مدروسة بعناية تحقيق مصالح الدولة.
3- ان قوة المراكز تنبع من عمق بحوثها ودراساتها، وجودة خبرائها وباحثيها، ولا يمكن الحديث عن مراكز أبحاث فاعلة مالم تتسم بهذه السمات.
4- على الرغم من التنامي العددي لمراكز الابحاث في العراق، لاسيما بعد عام 2003 الا انها لا زالت تعاني من عقبات جمة تحول بينها وبين النجاح الحقيقي في عملها، وترتبط هذه العقبات ارتباطا وثيقا بمشكلة بناء الدولة، فتأخر بناء الدولة الحديثة في هذا البلد انعكس سلبا على جميع مؤسساته الحكومية وغير الحكومية، وفي جميع القطاعات، ومنها قطاع البحث العلمي. كذلك تعاني هذه المراكز من مشاكل أخرى ترتبط بتنظيمها القانوني، وشكل العلاقة القائمة بينها وبين محيطها السياسي (صناع القرار) ومحيطها الاجتماعي، فضلا عن ضعف الموارد البشرية العاملة في الكثير منها، وقلة التمويل المالي المخصص لتغطية نشاطاتها.
ثانيا: التوصيات
يمكن ايجاز أبرز التوصيات المقترحة في نهاية هذا البحث بما يأتي:
1- ضرورة اصلاح البيئة المعرقلة للعمل البحثي في العراق من خلال اعتماد استراتيجية شاملة وواضحة لإدارة الدولة، تشرف على تنفيذها قيادة حكومية واعية، تضع من ضمن اولوياتها اعتماد سياسة عامة جديدة للبحث العلمي تستهدف اصلاح النظام القانوني السائد، من خلال تشريع قوانين جديدة او إعادة النظر في قوانين وتعليمات نافذة.
2- لقد استثمر العراق شأنه شأن جيرانه العرب معظم موارده المالية في حقول الامن والدفاع من اجل ضمان أمنه القومي، وكانت النتيجة في معظم الأحيان هدر هذه الموارد، واستمرار وضع التخلف وانعدام الأمن، لذا حان الوقت لإعادة النظر بسياسات الانفاق العام، لتميل بشكل واضح لمصلحة البحث العلمي؛ لأن الاستثمار في هذا الحقل يدخل في صميم عملية التنمية المستدامة، وستكون انعكاساته إيجابية جدا على الامن القومي، لاسيما إذا ترافق مع توفير بيئة بحثية تحترم الحرية الاكاديمية بشكل صارم.
3- ان سياسة انتظار بناء الدولة لتأخذ مراكز الأبحاث دورها الفاعل تبدو سياسة غير حكيمة للعاملين في المؤسسات البحثية العراقية على اختلاف تصنيفاتها، والمطلوب منهم تطوير امكانياتهم، والضغط المستمر على بيئتهم المحيطة؛ من اجل اثبات وجودهم في الميدان من خلال قدرتهم على تحليل ومعالجة المشاكل والأزمات بطريقة غير نمطية تجمع بين المهارة والرؤية الاستراتيجية الصائبة.
أخيرا يمكن القول: ان مهمة تفعيل البحث العلمي في العراق من خلال مراكز الأبحاث والمؤسسات المشابهة لها هي مهمة كبيرة جدا، الا ان تحُمل اعبائها، والنجاح في الوصول الى أهدافها ستكون المعيار الأساس لإثبات قدرة الانسان والدولة في هذا البلد على امتلاك الحق في السير الى الامام في عالم معاصر لا يحترم الجهلة ولا يشفق على الضعفاء.
اضف تعليق