الشرق الأوسط عام 2019 يرسم بخرائط جديدة، بعد النهاية الفعلية للحرب السورية، وإعلان الولايات المتحدة انسحابها من قواعدها الصغيرة هناك، كما ان قواعد الاشتباك قد تغيرت، واعداء بشار الأسد لم يبادلوه نفس النبرة، وبعضهم سقط من منصبه بينما لم يسقط الأسد لحد الان...
الشرق الأوسط عام 2019 يرسم بخرائط جديدة، بعد النهاية الفعلية للحرب السورية، وإعلان الولايات المتحدة انسحابها من قواعدها الصغيرة هناك، كما ان قواعد الاشتباك قد تغيرت، واعداء بشار الأسد لم يبادلوه نفس النبرة، وبعضهم سقط من منصبه بينما لم يسقط الأسد لحد الان.
في هذه البيئة الجديدة برزت ايران وتحالفها العسكري كقوة منتصرة، لها القدرة على فرض شروطها وفق معطيات الواقع الميداني ولا يستطيع احد ان يتجاوزها مهما ضغط او حاول التقليل من وجودها، وهو ما عزز فكرة ان ايران باتت قوة إقليمية عظمى، وهي تحتفل بعيد ميلادها الذي وصل الى سن الرشد، هل فعلا ايران باتت قوة مسيطرة في المنطقة؟ وهل هي قادرة على الاستمرار في مد نفوذها وتعزيزه؟
على ارض الواقع يمكن القول ان ايران هي الدولة الإقليمية الأقوى عسكريا في المنطقة، وهي التي تتحكم في المنافذ الجغرافية المهمة بالمنطقة، المفاتيح الأساسية بيدها سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وان اختلفت نسبة قدرتها على ذلك لكن وجودها واقع لا يمكن انكاره.
ثقة كبيرة
لكن هذا التوسع يفرض قيودا بنفس مقدار حرية التحرك، هنا تحتاج طهران الى حماية ما تسيطر عليه، وربما يكون من الصعوبة بمكان الاعتماد على الوكلاء فقط، لكن حزب الله الحليف الأقوى لطهران يرى ان الوضع الاستراتيجي في صالح ايران، وبات زعيمه السيد حسن نصر الله يتحدث بلغة مختلفة تماما.
في ظهوره الأخير على قناة الميادين، تحديث السيد نصر الله بطريقة جديدة نوعا ما، فيها ثقة كبيرة بالنفس، مكررا حديثه بالسيطرة على مناطق ومدنا في الداخل الإسرائيلي، كما تحدث عن امتلاك صواريخ دقيقة تستطيع الوصول الى العمق الإسرائيلي، فضلا ان تأكيده ان الحزب لا يحتاج الى نقل الصواريخ الى لبنان، وهي إشارة واضحة الى ان حزب الله بات يصنع تلك الصواريخ في الداخل.
ما يثير الانتباه في حديث السيد نصر الله هو الاستهزاء المستمر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واستهزائه باي حرب جديدة، وهو ما يفسر على انه قد يمثل خطرا على المحور الإيراني عموما فمهما امتلكت من الأسلحة والمعدات العسكرية فان سوء تقدير قدرة عدوك تعرضك لهزيمة مدوية.
اللغة الواثقة عالية المستوى لها أصداء في طهران أيضا، فهناك من القادة من يرى ان ايران في توسع دائم وهزيمتها مستحيلة، نذكر ما قاله حسن عباسي أحد أبرز منظري قوات الحرس الثوري، والتيار المحافظ، والذي ادعى ان مراسم إحياء ذكرى كربلاء، ستقام في "حسينية البيت الأبيض" عام 2065.
ونشر موقع انتخاب المقرب من الرئاسة الإيرانية، مقطع فيديو لعباسي وهو يتحدث حول ما أطلق عليه "رؤية إيران لعام 2065" والذي جرى تداوله على نطاق واسع في إيران.
خطر مستقبلي
المنطق الذي يتحدث فيه عباسي موجود لدى الكثير من القيادات الإيرانية، اذ انه ورغم ما تتمتع به ايران من حكمة معروفة لدى الكثيرين لكن يبدو ان هناك حالة من الغلو في القوة، والرغبة في التوسع الزائد، وهذا ما يمثل خطرا استراتيجيا على طهران.
فالانفتاح الكبير خارج الحدود يزيد الأعباء المالية والسياسية، وخاصة اذا ارتبط بالترويج الإيراني على انها تسيطر على هذا الكم من العواصم، ما يجعلها مسؤولة أخلاقيا بتوفير متطلبات تلك العواصم، وبما انها تتعرض لضغوط غربية ومعرقلات داخلية كون الدول التي تسيطر عليها تعاني من مشاكل متجذرة فان الخطر واضح جدا، واحتمالات الفشل كبيرة في المستقبل.
على ايران ان تأخذ الدرس من الولايات المتحدة الامريكية، فرغم كل ما تملكه من قوة اقتصادية لا يوجد لها نظير في العالم، والقوة العسكرية الأعظم، يرافقها نظام سياسية مستقر، الا انها واجهت صعوبات كبيرة في عملياتها وتوسعها الخارجي، وهي اليوم تعلن رسميا فشلها في أفغانستان عبر الاتفاق الأخير مع حركة طالبان، كما انها تخطط جديا للانسحاب من الشرق الأوسط الذي لم يعد مكانا قابلا لتحقيق المكاسب.
اضف تعليق