معرفتنا بأنه يمكننا الوصول إلى أي شيء تقريباً عبر الإنترنت يجعلنا نشعر كأننا نتجول داخل أكبر متجر للحلوى في العالم ومن الصعب مقاومة تذوُّق قطع الحلوى المتنوعة المعروضة فيه، فإن الغنى في المعلومات يؤدي إلى الفقر في الانتباه. حتى مخرجو المسلسلات والأفلام صاروا يتكيفون مع التضاؤل...
دماغنا المُعَد لأن يشرد على نحو مستمر، هو اليوم يعاني التشتُّت. حان الوقت للخروج من هذه الحلقة وإعادة التدرُّب على التركيز
يُرجى الانتباه، سأحاول أن أختصر، فلن أحظى على الأرجح بأكثر من 47 ثانية قبل أن يشرد ذهنك. تقول اختصاصية علم النفس د. غلوريا مارك، من جامعة كاليفورنيا، إيرفاين، إن 47 ثانية هي حالياً متوسط فترة انتباهنا، بناءً على دراستها الأخيرة حول استخدام الأشخاص للشاشات في مكان العمل.
عندما أجرى فريقها دراسة مماثلة في العام 2004 (قبل أن يصير في وسع أي شخص حيازة هاتف ذكي، وقبل أن نعرف شيئاً اسمه تيك توك TikTok)، كان في إمكاننا التركيز مدة دقيقتين ونصف قبل أن نرغب في تحويل انتباهنا إلى شيء آخر.
ولكن بالطبع ينبغي التعامل مع هذه الأرقام بحذر؛ فتدني التركيز عند الانهماك بلا كلل في إعداد تقرير قد لا يعني أن مستويات التركيز الإجمالية في حالة انهيار. وبالمثل، إن تلقيت رسالة طويلة فيها كثير من الثرثرة والنميمة، فستكون على الأرجح قادراً على أن تركز عليها كل انتباهك وتوليها الوقت المطلوب.
يجادل علماء نفس آخرون بأن التركيز يمكن أن يختلف كثيراً، إلى درجة أن فكرة وجود معدل ”وسطي“ للانتباه تكاد خالية من أي معنى. ولهذا السبب لا يوجد حتى إجماع علمي حول طريقة قياس التركيز.
ومع ذلك من المحتمل أنك تشعر بأن تركيزك يتضاءل. وتشير دراسة حديثة أجراها مركز دراسات الانتباه في جامعة كينغز كوليدج لندن، إلى أن ما يقرب من نصف المستجيبين قالوا إنهم يشعرون كأن انتباههم في الوقت الحالي أسوأُ مما كان عليه من قبل. من السهل معرفة السبب مع تفقد رسائل البريد الإلكتروني التي تصلنا باستمرار (نفعل ذلك 77 مرة في اليوم، وفقاً لبحث مارك) ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي (يتفقدها البعض 237 مرة في اليوم).
بالطبع يمكننا إسكات الإشعارات، ووضع سماعات رأس تحجب الضوضاء، والعمل على تطبيقات تفتح نافذة جديدة وتشغل الشاشة بكاملها (يُسبب تكديس عدد النوافذ المفتوحة انخفاضاً كبيراً في الإنتاجية، وفقاً لدراسة أُجريَت في العام 2021). ومع ذلك، حتى عندما نفعل كل ذلك، ما زالت تتعين علينا مواجهةُ تلك التحديات أو العوامل الكامنة في داخلنا.
كما ترون، لقد اعتدنا تشتيت انتباهنا إلى درجة أننا حالياً نشتت تركيزنا بأنفسنا. تقول مارك إننا، من دون أن ندري، نشتت انتباهنا من خلال ”المقاطعة الذاتية“طوال اليوم.
حتى في أثناء قراءة هذا المقال، ربما شعرتَ برغبة مفاجئة في البحث عن شيء ما عبر الإنترنت، أو التحقق من البريد الإلكتروني أو أي شيء آخر –يحدث هذا حتى عندما تكون منهمكاً في عمل ما– كل ذلك لأننا صرنا معتادين تماماً أن نتعرض للإزعاج. تقول مارك: ”إن الانتقال من التركيز إلى شيء آخر حقاً تصرُّف غير واعٍ… يلجأ الناس إلى هذا النمط من المقاطعة من تلقاء أنفسهم“.
تصف مارك كيف أن معرفتنا بأنه يمكننا الوصول إلى أي شيء تقريباً عبر الإنترنت يجعلنا نشعر كأننا ”نتجول داخل أكبر متجر للحلوى في العالم ومن الصعب مقاومة تذوُّق قطع الحلوى المتنوعة المعروضة فيه“. وعلى حد قول اختصاصي علم النفس والاقتصادي هربرت إيه. سايمون ، فإن الغنى في المعلومات يؤدي إلى الفقر في الانتباه.
حتى مخرجو المسلسلات والأفلام صاروا يتكيفون مع التضاؤل المفترض في مجال اهتمامنا أو يسايرونه إلى حد كبير (أو أنهم يفعلون ذلك بدافع من تضاؤل انتباههم هم أنفسهم)، إذْ تدوم اللقطات أربع ثوانٍ فقط في المتوسط حالياً. تقول مارك: ”هذا يعزز ضعف الانتباه الموجود لدينا بالفعل… وهو ما يعتاده الناس“.
الخرافة الشهيرة عن إنجاز مهام عدة في وقت واحد
ولكن هل هناك ما هو إيجابي أو مفيد لكل هذا؟ هل يمكن للقدرة على تحويل انتباهنا بهذه السهولة أن تسهم في تمكيننا من أداء مهامَّ متعددة في الوقت نفسه وبكفاءة؟
للأسف لا. وذلك لأن أداء مهامَّ عدة في وقت واحد غير موجود حقاً، ولا يمكننا أن نفعل أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه.
عندما يُخيل لنا أننا نضطلع بعدة مهامَّ في وقت واحد، فإن كل ما نفعله حقاً هو تحويل انتباهنا بسرعة بين عدة مهام فردية. يؤدي هذا، وفق ما خلصت إليه بعض الأبحاث، إلى إحداث حِمل معرفي، وهذا يعني أن إكمال قائمة المهام الملقاة على عاتقك سيستغرق منك وقتاً أطول مما لو عالجت كل مهمة من مهامك واحدة تلو الأخرى، مع التركيز، بأقصى ما تستطيع، على كل منها بدورها.
والأسوأ من ذلك هو أن نقل تركيزك باستمرار بين المهام من المرجح أن يتركك في حالة من الارتباك. عندما ركبت مارك أجهزة مراقبةِ معدل ضربات القلب لدى موظفين مكتبيين، وجدت أنه مع تحوُّل انتباههم على نحو أسرع، بدؤوا يشعرون بالتوتر أكثر فأكثر (وهو ما قاسته من خلال تقلب معدل ضربات القلب).
الاستماع إلى ترددات مختلفة في كل أذن
تخلق الإيقاعات التي تُسمع في كل أذن بتردد مختلف أو النغمات ثنائية التردد Binaural beats وهماً سمعياً رائعاً. فعندما تتلقى أذنك اليسرى نغمة معينة وتتلقى أذنك اليمنى نغمة أخرى ذات تردد مختلف قليلاً، يولِّف دماغك نغمة ثالثة هي الفرق بين الاثنتين. مثلاً، إذا أسمعنا إحدى الأذنين نغمة ترددها 240 هرتز والأذن الأخرى نغمة ترددها 280 هرتز، فإن ما نسمعه هو نغمة ترددها 40 هرتز.
ومع ذلك فإن سماع ترددات مختلفة بكلتا الأذنين هو أكثر من مجرد مسألة سمعية غريبة، فهو يمكن أن يكون الحل لتحسين التركيز. تقول د. سانديا باسو من معهد بيرلا للتكنولوجيا والعلوم في الهند: ”يرجع ذلك إلى عملية تُعرف باسم التناغم العصبي… وفيها تبدأ موجاتنا الدماغية في محاكاة تردُّد محفِّز خارجي لإنتاج استجابة تتبع التردد ولها تأثيرات معرفية“.
هذا يعني فعلياً أن الاستماع إلى نغمات مختلفة ذات تردد منخفض في كل أذن يمكن أن يخفض ترددات موجات الدماغ Brain waves وهي التذبذبات الكهربائية في الدماغ، مما يعزز الاسترخاء (عندما تكون نائماً، تكون موجات دماغك منخفضة التردد). وبالطريقة نفسها، فإن الاستماع إلى إيقاعات عالية التردد يمكن أن يؤدي إلى تحسين التركيز.
في مقالة بحثية نُشرت في العام 2022، جمعت باسو وزملاؤها نتائج دراسات سابقة، ووجدوا أن النغمات ثنائية التردد ”ألفا“ Alpha (8-13 هرتز) تعمل على نحو أفضل على تحسين التركيز. الموجات بهذه الترددات هي التي تسيطر على دماغنا عندما يكون متأهباً، ولكن في حالة استرخاء.
تقول باسو: ”عندما نشعر بالاسترخاء، يمكن أن تتعزز أنشطتنا المعرفية بسبب نقص الحِمل المعرفي والضغط النفسي“. وتضيف قائلة: ”لكننا نحتاج إلى مزيد من الأبحاث الرصينة لتعميم النتائج وفهم الأسس العصبية للتناغم العصبي وتأثيره في نشاط الدماغ… يبدو أن المستقبل واعد لاستخدام التناغم العصبي لتحسين الإدراك“.
باختصارٍ عندما تحتاج إلى التركيز والعمل بجدية، قد يكون تشغيل نغمات ألفا ثنائية التردد (متوافرة مجاناً على الإنترنت) أمراً يستحق المحاولة. قد تتمكن قريباً من تجربة شكل مرئي من الإيقاعات ثنائية التردد مثلما فعلت باسو مع مجموعة من الأطفال. أخذت أضواء وجعلتها تومض بترددات ألفا وبيتا.
لدى تتبُّع تأثيرها باستخدام مخطط كهربية الدماغ (EEG) تبين أن أدمغة الأطفال اختلفت في مدى تناغمها. قد يبدو الأمر مشتِّتاً للانتباه، ولكن في أولئك الذين حظُوا بمستوى تناغم عالٍ، أظهرت الاختبارات النفسية تحسناً في درجات الانتباه والذاكرة.
وتوضح مارك أن تحويل الانتباه من مهمة إلى صندوق البريد الإلكتروني والعودة مرة أخرى لإكمال المهمة طرَح مشكلة حقيقية: ”قسنا الحالة المزاجية باستخدام تقنية تسمى جمع البيانات في البيئة الفعلية Experience sampling، وهي تقنية تُجمَع فيها البيانات عن الحالة المزاجية للمشاركين في أوقات مختلفة من اليوم، ثم يجيبون عن سؤال سريع عبر الهاتف أو جهاز الحاسوب حول مزاجهم. لقد وجدنا أنه عندما تعيَّن على المشاركين التعامل مع البريد الإلكتروني، كانت حالتهم المزاجية سيئة“.
ما الحل إذن؟ إلى أولئك الذين يتوقون إلى تحسين إنتاجيتهم في العمل، أو أن يكونوا حاضرين بجانب أحبتهم، أو ببساطةٍ إلى قراءة كتاب من دون تحريك أصابعهم لتفقُّد الهاتف، إليكم بعض التقنيات المدعومة علمياً والتي يمكن أن تساعد على تعزيز مدى انتباهنا…
زامِن ساعة جسمك
تقول مارك إن التوفيق بين المهام الأكثر إرهاقاً عقلياً وذروة التركيز الطبيعية أساسي للتركيز. وقد وجد بحثها أن الدرجات العالية تحدث، في المتوسط، نحو الساعة 10 صباحاً ونحو الساعة 2-3 بعد الظهر.
ومع ذلك هناك اختلافات في هذه الأوقات، اعتماداً على ما إذا كنتَ أميَل إلى أن تنشط في الصباح أو في وقت متأخر من اليوم (وهو ما يُعرَف باسم ”النمط الزمني“ Chronotype). توضح مارك: ”إذا كان الشخص من النوع الصباحي، فإن ذروة تركيزه ستكون في وقت مبكر، قبل العاشرة صباحاً. وإذا كان من النوع المسائي، فإن ذروة تركيزه ستكون في وقت لاحق“.
إذن كيف يمكنك معرفة النمط الزمني الخاص بك؟ إحدى الطرق هي إكمال ”استبانة النوع الصباحي والمسائي“. طوَّر هذا التقييم الذاتي البروفيسور جيم هورن في العام 1976، ويمكن العثور على أمثلة عليه عبر الإنترنت.
تقول مارك: ”ولكن يمكنك أيضاً الاحتفاظ بمفكرة يومية تدوِّن فيها كل 30 دقيقة مستوى تركيزك ومشاركتك. يمكنك بعد ذلك تحديد تركيزك على مدار اليوم… افعل ذلك عدة أيام، والأفضل أن تواظب عليه أسبوعاً، لمحاولة الحصول على فكرة جيدة عن أوقات تركيزك الطبيعية“.
بمجرد الانتهاء من تحديد أوقات ذروة تركيزك، فإن السؤال التالي هو ما المدة التي يجب أن تعمل فيها من دون استراحة؟ الجواب غير الشافي هو أنها متغيِّرة.
تقول مارك: ”يعتمد طول أوقات ذروة التركيز على عدة أمور… أولاً، طبيعة المهمة نفسها – هل تتطلب كثيراً من الجهد أو لا؟ ثم خُذ في الاعتبار مقدار الموارد المتاحة لك – هل أخذت فترات راحة جيدة لتجديد ما استهلكته من موارد؟ أيضاً ما مقدار الحافز لديك للعمل على المهمة (ينخفض التركيز مع انخفاض الحافز)؟ وأخيراً هناك مقدار الإجهاد الذي تشعر به، فنحن نحتاج إلى قدر من التحفيز للتركيز، ولكن كثيراً من الإجهاد يؤثر في قدرتنا على الحفاظ على التركيز“.
وعلى الرغم من أن القول أسهل من الفعل، فإن أفضل طريقة لإطالة مدة التركيز هي، وفقاً لمارك، الحرص على أن تبدأ يومك بعد ليلة نوم هانئة.
استراحة اليوغا نيدرا
لإعادة شحن تركيزك لن تجد أنجع من ممارسة اليوغا نيدرا Yoga nidra وتعني ترجمتها حرفياً ”يوغا النوم“ وكما يوضح د. براندون بيترز –طبيب الأعصاب المقيم في سياتل وزميل الأكاديمية الأمريكية لطب النوم– فهي طريقة للدخول في ”حالة من الوعي مع الاسترخاء العميق يكون معها نشاط الدماغ مشابهاً لما هو عليه خلال النوم، على الرغم من بقائك مستيقظاً“.
يُشار إليها أيضاً باسم ”الراحة العميقة من دون نوم“(اختصاراً: الراحة NSDR)، ومن شأنها أن تعزز الانتباه بالمساعدة على إزالة السموم والمخلفات من الدماغ. يقول بيترز: ”هناك انخفاض في نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي عند ممارسة اليوغا نيدرا“ الذي يتضمن انخفاضاً في معدل ضربات القلب وضغط الدم.
”هذا التباطؤ في الجهاز العصبي السمبثاوي قد يرتبط بنشاط الموجة البطيئة في الدماغ، مما يخلق تأثيراً تطهيرياً من خلال الجهاز الغليمفاوي وهذا قد يحسِّن الانتباه“
ويضيف: ”قد يرتبط هذا التباطؤ في نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي بنشاط الموجة البطيئة في الدماغ، مما يخلق تأثيراً تطهيرياً من خلال الجهاز الغليمفاوي (أو مسار التصريف الغليمفاوي) – وهو نظام التخلص من الفضلات والسموم في الدماغ – وهذا يمكن أن يحسِّن الانتباه“.
ويقال إن الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، سوندار بيشاي، من المعجبين بها، وإذا رغبت في تجربتها بنفسك، يوصي بيترز بتنزيل دليل سمعي يوجهك إلى ممارستها.
ويقول: ”أثناء الجلوس أو الاستلقاء وعيناك مغمضتان، سيوجهك التسجيل من خلال تخيُّل بعض الصور وتمارين التنفس. يمكن العثور على عديد من أدلة ممارسة الراحة NSDR الصوتية والمرئية عبر الإنترنت. وتجدر بك ممارستُها وأنت ترتدي ملابس مريحة في مكان هادئ، بعيداً عن مصادر التشتيت والمقاطعة“.
تخفيف الإضاءة
قد ترغب في طلاء جدرانك بإحدى درجات اللون الأزرق أو الأخضر، أو شراء مصباح كهربائي ملوَّن لمكتبك. وذلك لأنه، مثلما هو أداؤنا أفضل في درجات حرارة معينة (عادةً 16-24°س/ 60-75°ف)، فإن الأجواء البصرية الدافئة يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير.
أقدم باحثون من جامعة فالنسيا التقنية على إشراك 160 شخصاً في تجربة وُضعوا فيها في فصول دراسية في الواقع الافتراضي، طُليت بظلال مختلفة من 12 لوناً بارداً (الأخضر والأزرق) و12 لوناً دافئاً (البرتقالي والأحمر). وقاسوا انتباه الطلبة بأن طلبوا إليهم النقر على الفأرة عند سماع صوت معين وتجاهل سلسلة من الأصوات الأخرى أيضاً.
النتيجة التي خرجوا بها هي أن أداء الطلبة كان أفضل في مهمة الانتباه (واختبار للذاكرة أيضاً) عندما وُضعوا في غرف طُليت بألوان أكثر برودة، مقارنة بالغرف الأكثر دفئاً. وباستخدام أجهزة تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، راقب الباحثون أيضاً نشاط دماغ المشاركين ومعدلات ضربات القلب طوال الوقت، ولاحظوا مستويات مختلفة من التحفيز الفسيولوجي باختلاف ألوان الغرف.
وقال الباحثون إن تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي في الغرف ذات الألوان الباردة كان ”مناسباً للحفاظ على مستوى أعلى من اليقظة والأداء المعرفي“.
وفي الوقت نفسه، قد تكون الجدران البيضاء مشتِّتة للانتباه بنحو خاص. فقد خلصت بعض الدراسات، بما في ذلك دراسة أجراها معهد لوند للتكنولوجيا وأخرى أجرتها جامعة نيفادا، أن الأطفال الذين يدرسون في فصول دراسية ذات جدران بيضاء يجدون صعوبة في الحفاظ على التركيز. وكما قال مؤسس معهد أبحاث الألوان الأمريكي ، لويس تشيسكين، في العام 1947: ”الجدران البيضاء… هي إجهاد بصري وخطر نفسي“.
جرِّب الفنون القتالية
يستطيع السيد مياجي، أحد الشخصيات الرئيسة في فيلم طفل الكاراتيه The Karate Kid التركيز على الاعتناء بأشجار البونساي على مدار ساعات، فهل يمكن للفنون القتالية أن تفيد بقيتنا في تحسين انتباهنا العام أيضاً؟ نعم، وفقاً لبحث أجرته جامعة بانغور خلص إلى أن من يمارسون الفنون القتالية حسَّنوا قدرتهم على التركيز على المدى الطويل.
توضح مؤلفة الدراسة د. أشلي جونستون أن تقنيات تحسين تركيزنا تنقسم بنحو أساسي إلى قسمين: تدريب الانتباه (اختصاراً: التدريب AT – فكِّرْ في تمارين ”تدريب الدماغ“ Brain training النموذجية) وتدريب حالة الانتباه (اختصاراً: التدريب AST). تقول جونستون: ”يميل تدريب الانتباه إلى ممارسة المهمة نفسها على نحو متكرر وتطوير تلك المهارة المحددة بعينها. لقد حسنت انتباهك في تلك المهمة، لكن هذا لا ينتقل في كثير من الأحيان إلى مهام أخرى، لذلك من المحتمل ألا يتحسن انتباهك العام. على الجانب الآخر، هناك تدريب حالة الانتباه الذي ينطوي على تطوير حالة ذهنية تسمح بمستوى قوي من التركيز“. وهنا يأتي دور الفنون القتالية.
تقول جونستون: ”لأنها تعتمد على حالة ذهنية بدلاً من ممارسة مهمة واحدة محددة، فإنها تميل إلى أن تكون أكثر قابلية لتحويلها واستخدامها في مهامَّ أخرى، ومن ثمّ تلحظ تحسينات في الانتباه في مجالات أخرى من حياتك أيضاً. أنت تطور حالة ذهنية جديدة تزداد قوة“.
في دراستها لم يتدرب بعض ممارسي فنون القتال في الأيام التي سبقت التجارب، ومع ذلك ”سجلوا تحسُّناً في الانتباه، مما يشير إلى أن التعزيز ليس قصير المدى ظهر على الفور بعد جلسة التدريب وسيتلاشى بعدها“.
وتوضح: ”لقد وجدنا أن ممارسي فنون القتال يتمتعون بيقظة جيدة بنمط خاص (تُعرَف أيضاً باسم الاحتراس Alertness). هذا نوع محدد من الانتباه يشير إلى القدرة على الحفاظ على مستوى من الانتباه يمكِّنُك من الاستجابة بسرعة وكفاءة للأحداث غير المتوقعة. نعتقد أن هذا يرجع إلى تدريب حالة الانتباه، إذْ يحتاج ممارسو الفنون القتالية إلى التركيز حقاً على اللحظة الحالية حتى يتمكنوا من الاستجابة بنحو مناسب في أثناء التدريب“.
تضيف: ”يطيب لي أن أشرح ذلك بأن أطلب إلى الناس أن يتخيلوا أنهم يتدربون على الفنون القتالية؛ ما من أحد يريد أن يتلقى ضربة في وجهه، لذلك عليك أن تكون قادراً على تصفية ذهنك والتركيز على ما يحدث في اللحظة الحالية“.
تصور ما ستكون عليه في المستقبل
تفيد الأبحاث بأننا إذا فكرنا فيما سنكون عليه في المستقبل في نهاية اليوم – أين نحن وماذا نفعل، ومع مَن – يمكن أن يساعدنا ذلك جِدياً على تجنب الانحراف عن المسار.
تقول مارك: كل ما عليك فعله هو التفكير في أنك ”عند السابعة مساءً تريد أن تشعر ببهجة الحصول على المكافأة (الثواب) والرضا، وأن تتخيل نفسك مع العائلة والأصدقاء أو تقرأ وتسترخي“.
وتقول: ”إن مثل هذا التصور القوي يمكن أن يساعد على الحد من الرغبة في التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، لأن لديك هذا الهدف المتمثل في المكان الذي تريد أن تكون فيه في نهاية اليوم“.
وتبين أن تصور الذات في المستقبل على نحو مماثل (بما في ذلك التحديق في صور رقمية لما سيكون عليه وجهك عندما تتقدم في العمر) تزيد من الرغبة في الادخار من أجل التقاعد وتناول طعام صحي أيضاً. ولكن إذا كنت تتطلع ببساطة إلى التركيز في اللحظة الحالية، فمن الأفضل أن تبدأ يومك بتخيُّل ما تريد أن تشعر به في نهايته.
* بقلم: صوفي فريمان، كاتبة علمية متخصصة في علم النفس
اضف تعليق