المواقف المتحمسة بشأن الذكاء الاصطناعي لا يعكس فقط مدى قدرة التطبيقات الذكية على تغيير الشركات والاقتصادات، بل أيضا الأمل في قدرتها على مواجهة التحديات مثل السرطان وتغير المناخ. إن فكرة كون الذكاء الاصطناعي يمكنه إحداث ثورة في رفاه الإنسان تبدو جذابة، لكن إلى أي مدى تصل واقعيتها...
مايكل تشوي/مارتن هاريسون
سان فرانسيسكو- إن المواقف المتحمسة بشأن الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاضر لا يعكس فقط مدى قدرة التطبيقات الذكية على تغيير الشركات والاقتصادات، بل أيضا الأمل في قدرتها على مواجهة التحديات مثل السرطان وتغير المناخ. إن فكرة كون الذكاء الاصطناعي يمكنه إحداث ثورة في رفاه الإنسان تبدو جذابة، لكن إلى أي مدى تصل واقعيتها؟
وللجواب على هذا السؤال، أجرى معهد ماكنزي العالمي دراسة على أكثر من 150 سيناريو يطَبِّق أو يمكن أن يطَبَّق فيه الذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة الاجتماعية. وما اكتشفناه هو أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بشكل قوي في التصدي لشتى أشكال التحديات الاجتماعية، لكنه ليس عصا سحرية- على الأقل ليس بعد. لكن انتشار الذكاء الاصطناعي واسع النطاق، وينبغي التصدي للطرق الضيقة للتنمية ومخاطر الاستخدام قبل تحقيق المصالح على مستوى العالم.
ومن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي بدأ يغير طريقة تعاملنا مع تحديات التنمية البشرية. ففي عام 2017، مثلا، ساعد برنامج اكتشاف الأجسام وصور الساتل عمال الإنقاذ في هوستن أثناء إجراءهم لبحوث تتعلق بالأضرار التي خلفها إعصار هارفي. وفي أفريقيا، ساعد نظام الخوارزميات على الحد من الصيد الجائر في مناطق الحياة البرية. وفي الدانمارك، تستعمل برامج التعرف على الأصوات في المكالمات الطارئة لمعرفة ما إذا كان المتصلون سيتعرضون لسكتة قلبية. وفي مختبر ميت للإعلام قرب بوستن، يستعمل الباحثون "التعليم المعزز" في التجارب السريرية التنبيهية التي تضم مرضى المصابين بالورم الأرومي الدبقي المتعدد الأشكال، وهو أخطر انواع السرطانات التي تصيب الدماغ، لتقليص نسبة المعالجة بالمواد الكيمياوية.
وهذا ليس إلا جزءا من إمكانيات الذكاء الاصطناعي. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي الكشف عن العلامات الأولى لداء السكري من خلال بيانات معدل دقات القلب، ومساعدة الأطفال المصابين بالتوحد على السيطرة على عواطفهم، وإرشاد الأشخاص المصابين بضعف البصر. وإذا استعملت هذه الابتكارات على نطاق واسع، سنحصل على منافع اجتماعية وصحية كبيرة. وفي الواقع، نستنتج من خلال تقييمنا أن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي يمكنها تسريع وتيرة التقدم في كل هدف من أهداف التنمية المستدامة الـ17 للأمم المتحدة.
ولكن إذا أردنا أن تحدث حلول الذكاء الاصطناعي هذه فرقا على المستوى العالمي، ينبغي توسيع دائرة استعمالها إلى أبعد حد. ولتحقيق هذا، ينبغي علينا أولا، أن نتغلب على عراقيل التنمية، وفي نفس الوقت، التقليل من المخاطر التي يمكنها أن تجعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مضرة أكثر من كونها مفيدة.
وفي مجال التنمية، الولوج للبيانات من بين أكثر العقبات خطورة. وفي جميع الحالات، تكون البيانات الحساسة أو الصالحة على نطاق تجاري ملكية خاصة ولا يمكن الحصول عليها من طرف المنظمات غير الحكومية. وفي حالات أخرى، يحول الجمود البيروقراطي دون الولوج إلى البيانات المهمة.
ويكمن المشكل الآخر الشائع في التحديات المتعلقة بآخر مرحلة في التطبيق. وحتى في الحالات التي تتوفر وتنضج فيها البيانات، فإن قلة علماء البيانات تجعل من عملية تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي على المستوى المحلي أمرا صعبا. ومن بين طرق التصدي للخصاص في فئة العمال ذوي المواهب الضرورية لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقه هو تخصيص الشركات التي توظف هؤلاء العمال المزيد من الوقت والموارد للقضايا النافعة. وعليهم تشجيع خبراء الذكاء الاصطناعي على القبول بالمشاريع التي تصب في المصلحة العامة ومكافأتهم على ذلك.
وهناك مخاطر بالطبع. إذ يمكن إساءة استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنياتها، عمدا أو عن غير قصد. مثلا، يمكن إدماج التحيزات في خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو في مجموعات البيانات، مما من شأنه أن يزيد من حدة اللامساواة القائمة أثناء استخدام التطبيقات. وحسب دراسة أكاديمية، معدل الخطأ بالنسبة لبرامج التحليل الوجهي أقل من 1% بالنسبة للرجال ذوي البشرة الفاتحة، لكن نسبة الخطأ بالنسبة للنساء ذوي البشرة الداكنة تصل إلى 35%، مما يطرح سؤالا بخصوص كيفية تحمل المسؤولية عن التحامل العنصري في برمجة الذكاء الاصطناعي. ويكمن الخطر الآخر في إساءة استعمال الذكاء الاصطناعي من طرف الأشخاص الذين يشكلون تهديدا للسلامة الجسدية والأمن الرقمي والمالي والعاطفي للأفراد.
وينبغي على حاملي الأسهم في القطاعين الخاص والعام العمل معا لمعالجة هذه القضايا. ولإتاحة المعلومات بنسبة أكثر، مثلا، ينبغي على المسؤولين في القطاع العام وممثلي القطاع الخاص منح الأشخاص الباحثين عن البيانات من أجل استعمالها للمصلح العامة الولوج إلى هذه البيانات على نطاق واسع. وتشارك شركات الأقمار الاصطناعية في اتفاق دولي تلتزم بموجبه بمنح ولوج مفتوح خلال الطوارئ. وينبغي توسيع نطاق الشراكات التي تعتمد على البيانات وأن تصبح هذه الشراكات ميزة تتسم بها العمليات الروتينية للشركات.
إن الذكاء الاصطناعي سرعان ما أصبح جزءا له قيمة كبيرة في حقيبة معدات التنمية البشرية. ولكن إذا أردنا استغلال جميع إمكانيات الذكاء الاصطناعي في المصلحة العامة، ينبغي على المؤيدين التركيز على العراقيل التي تمنع الإقبال على الذكاء الاصطناعي أكثر من تركيزهم على الدعاية له.
اضف تعليق