لعبت الأمم المتحدة دوراً هاماً في إفلات من ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا -حتى الآن- من العقاب. راح ضحية المجزرة بين أربعة آلاف وأربعة آلاف وخمسمائة شهيد من 12 جنسية حسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو للتحقيق في تشرين أول/أكتوبر 1982، العدد الأكبر للشهداء من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين، ولا يزال 484 من الضحايا بحكم المخطوف والمفقود ولم يعد أي منهم حتى الآن حسب المؤرخة الفلسطينية بيان نويهض الحوت في كتابها "صبرا وشاتيلا أيلول 1982 ".

فعلى الرغم من فظاعة الجريمة التي وصفها الكاتب البريطاني روبرت فيسك بأنها "من أعظم جرائم القتل الجماعي التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط في التاريخ الحديث"، فقد اكتفى مجلس الأمن اعتبارها "مجزرة إجرامية" تستأهل إرسال المزيد من قوات الطوارئ الدولية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية ولم تتخذ أي إجراء بحق من ارتكبها، ولم يشفع للمخيم بأنه من المفترض أن يكون تحت حماية دولية لوجود اللاجئين الفلسطينيين فيه تحت رعاية وكالة "الأونروا"، لا بل ورفضت أمريكا قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة باستنكار المذبحة، ولم يكن هذا الموقف التاريخي ليُتخذ لولا نفوذ الكيان الصهيوني وتأثيره على صانع القرار في منظومة الأسرة الدولية، ويعتقد المفكر والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي بأن الإدارة الأمريكية هي من تتحمل المسؤولية عن ارتكاب المذبحة لأنها أعطت الضوء الأخضر للكيان الصهيوني باجتياح لبنان في حزيران من العام 1982، لا بل يعتقد تشومسكي بأن الولايات المتحدة "غدرت" بالحكومة اللبنانية والفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، إلا أن القوات الأمريكية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير، قبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين.. فوقعت المجزرة. ويعتقد تشومسكي بأن "القتلة من بعض الجهات اللبنانية لم يكونوا مدعومين من إسرائيل فحسب بل كانوا أيضاً معروفين معرفة تامة من قبل المخابرات الأميركية والإسرائيلية"، حتى أن الموفد الأمريكي فيليب حبيب أخذ وعداً من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن بأن جنوده لن يدخلوا المنطقة الغربية والمخيمات، إلا أن احداً لم يحترم تعهداته.

ولم تكن الأمم المتحدة وحدها قد ساهمت في استمرار إفلات من ارتكب المجزرة من العقاب وفي المقدمة منهم ارييل شارون اذي كان حينها وزيراً للحرب في الكيان الإسرائيلي وأعوانه في جيش الإحتلال والقادة من الميشيات اللبنانية المتعاملة، بل تواطأت أيضاً بلجيكا لـ "حماية" مرتكبي المذبحة، فقامت بتعديل نصوص في أنظمتها وقوانينها لا تسمح بملاحقة المجرمين، ذلك بعد أن رفعت اللاجئة الفلسطينية سعاد سرور المرعي دعوى قضائية ضد المجرم شارون أمام القضاء البجيكي في العام 2001 وهي التي فقدت جميع أفراد عائلتها في المجزرة.

يأتي إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لارتكاب المجزرة الذي يوافق في السادس عشر من أيول/سبتمبر من كل عام، لتكريس بأن لا نسيان لهذه المجزرة وغيرها من المجازر، يشارك في إحيائها سنوياً في لبنان "لجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا وحق العودة" بحضور ناشطين من مختلف الجنسيات الأوروبية، إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وأمريكا وسنغافورة وغيرها من الجنسيات، وليُستحضَر من الذاكرة المجازر التي ارتكبها الإحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني والعربي وهي جرائم لا تسقط بتقادم الزمن، ولا يزال من ارتكبها مُفلتا من العقاب وبغطاء أممي، من دير ياسين وقبية ‬وكفر قاسم وخان يونس وقانا ومدرسة بحر البقر وجنين واللائحة تطول..

آثار الجريمة البشعة ستبقى حاضرة من خلال وجود المخيم الشاهد، وروايات الضحايا التي تتناقلها الأجيال، وهذا وحده وعلى المدى البعيد، كفيل لأن يساق الجاني إلى العقاب.

* كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق