مع احتدام المعارك في حلب بين الجيش السوري وحلفاءه من جهة والجماعات المسلحة وحلفاءه من جهة أخرى؛ تدخل الازمة السورية مرحلة جديدة وتتقدم خطوة أخرى للأمام رغم انها خطوة متأخرة وبطيئة جدا.
المعارك الجارية لم ترجح الكفة لطرف على اخر بشكل واضح مع وجود بعض التوقعات بانتصار الجيش السوري نظريا بسبب الدعم المتزايد له من قبل إيران وروسيا وكان اخره فتح مطار همدان الإيراني للقاذفات الاستراتيجية الروسية، فضلا عن التفاهمات التي حصلت مؤخرا بين روسيا وتركيا وإيران ومن المؤمل ان تؤدي الى حل الكثير من الإشكاليات بين هذه الأطراف خصوصا وان تركيا تعد من الداعمين الرئيسيين للجماعات المسلحة في سوريا وتتقاطع وجهات نظرها مع روسيا وإيران بشأن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وتسببت المكاسب الميدانية التي أحرزتها الأطراف المتحاربة في الآونة الأخيرة والتي أسفرت عن حصار الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة وعن قطع طريق أساسي يؤدي للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة في وقف تدفق الإمدادات وأثار مخاوف من حصار سكان المدينة بالكامل.
الأمم المتحدة حذرت في بيان، من أن أكثر من مليوني شخص معرضون للحصار في مدينة حلب في شمال سوريا، ودعت إلى "هدنة إنسانية" لتوفير ممرات آمنة إلى المدينة التي تتعرض للقصف الكثيف وتشتد الاشتباكات عند أطرافها.
وحذر منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا يعقوب الحلو، والمنسق الإقليمي كيفن كينيدي من أن "مليوني مدني يخشون الحصار" في مدينة حلب، بمن فيهم نحو 275 ألف شخص محاصرون في الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة فصائل ومعارضة. فيما يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان وخبراء عدد المحاصرين في الأحياء الشرقية بـ250 ألف شخص، وعدد الذين يقيمون في الأحياء الغربية بمليون و200 ألف نسمة.
وطالبت الأمم المتحدة "في الحد الأدنى بوقف تام لإطلاق النار أو بهدنة إنسانية أسبوعية من 48 ساعة للوصول إلى الملايين من الناس الذين هم بأمس الحاجة في كل أرجاء حلب وإعادة تموين مخزونهم من الطعام والأدوية الذي تدنى إلى مستوى الخطر".
وفي نيويورك عقد مجلس الامن الدولي اجتماعا مغلقا حول الازمة السورية استمع خلاله الى احاطة من المبعوث الدولي الى سوريا ستافان دي ميستورا الذي اعرب عن امله في ان يتم استئناف مفاوضات جنيف في نهاية الشهر الجاري وشدد في الوقت عينه على وجوب منع حصول كارثة انسانية في الشهباء، بحسب ما افاد دبلوماسيون.
وخلال الجلسة اعلنت الولايات المتحدة وفرنسا ان السماح للمساعدات الانسانية بالدخول الى حلب شرط لا بد منه لعقد جولة جديدة من محادثات جنيف، في موقف سارعت روسيا الى رفضه مؤكدة موقفها الداعي الى عدم وضع اي شرط مسبق لاستئناف هذه المفاوضات التي تريد المنظمة الدولية ان تعقد جولتها الجديدة قبل نهاية آب/اغسطس الجاري.
وقالت السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة سامنتا باور للصحافيين ان استئناف مفاوضات جنيف امر ملح "ولكن الاطار الذي تجري فيه المفاوضات يجب ان يكون صحيحا ايضا"، مؤكدة انه "في ما خص وصول المساعدات الانسانية نحن نسير الى الخلف".
هدنة إنسانية
قالت روسيا إنه سيتم وقف إطلاق النار ثلاث ساعات يوميا في حلب بسوريا بدءا من يوم الخميس للسماح بدخول القوافل الإنسانية للمدينة بأمان وهو مقترح قالت الأمم المتحدة إنها ستدرسه. وقال الجنرال سيرجي رودسكوي المسؤول الكبير بوزارة الدفاع الروسية في إفادة بثت على التلفزيون إن وقف القتال سيبدأ من الساعة العاشرة صباحا حتى الواحدة ظهرا بالتوقيت المحلي.
وقال إن روسيا تبحث مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة مسألة المراقبة المشتركة للمساعدات الإنسانية عبر طريق الكاستيلو. وأضاف أن "جميع العمليات العسكرية والضربات الجوية وضربات المدفعية" ستتوقف خلال تلك الفترة وأن روسيا- إلى جانب السلطات السورية- على استعداد لمساعدة جميع المنظمات المعنية على تسليم المساعدات الإنسانية بسلام إلى سكان حلب.
من جانبه انتقد نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، الهدنة التي اقترحتها روسيا في مدينة حلب، شمالي سوريا، والمقدرة بـ٣ ساعات يوميا، معتبرا أن "هذه المدة غير كافية، لإدخال المساعدات الإنسانية للمدينة التي تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية". بينما رد المندوب الروسي الدائم لدي الأمم المتحدة، السفير فيتالي تشوركينى، على هذه الانتقادات، قائلاً "3 ساعات هدنة أفضل من لا شيء".
وقال حق، خلال مؤتمر صحفي من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إن "هدنة الساعات الثلاث التي اقترحتها روسيا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب غير كافية". وكرر المتحدث الأممي التصريحات التي أدلى بها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، استيفان دي ميستورا، في جنيف، وأكد فيها أن "الاقتراح الروسي بتعليق القتال في حلب لمدة ثلاث ساعات يوميا للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ليس كافيا".
مساعدات من الحكومة السورية
وادخلت الحكومة السورية عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات عبر طريق الكاستيلو الى الاحياء الغربية في مدينة حلب، بعد تمكن الفصائل المسلحة من قطع طريق الامداد الرئيسي جنوب غرب المدينة، وفق ما اكد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "تمكنت قوات النظام منذ ليل امس حتى الفجر من ادخال عشرات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمحروقات إلى مناطق سيطرتها في غرب حلب عبر طريق الكاستيلو".
ويخشى سكان الاحياء الغربية ان يتمكن مقاتلو الفصائل المعارضة من فرض حصار كامل عليهم، ما دفع الحكومة السورية الى استخدام طريق الكاستيلو الذي كان طريق الامداد الوحيد الى الاحياء الشرقية تحت سيطرة الفصائل المعارضة، قبل تمكنها من قطعه في 17 تموز/يوليو اثر معارك ضارية امتدت لاسابيع.
وبحسب عبد الرحمن "ادخلت قوات النظام هذه المساعدات بعدما سلكت جزءا من طريق الكاستيلو محاذ لحي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، لتجنب القصف من جهة الفصائل وسط اجراءات امنية مشددة". وقال ان هذه الطريق "باتت المنفذ الجديد الذي تعمل قوات النظام على تأمينه كبديل مؤقت عن الطريق الرئيسي الذي كانت تعتمده ويمر عبر منطقة الراموسة".
واورد تلفزيون الاخبارية السورية في شريط اخباري عاجل "بدء دخول صهاريج المحروقات والمواد الغذائية والخضروات الى مدينة حلب". وياتي ادخال هذه المساعدات غداة ارتفاع غير مسبوق في اسعار المواد الغذائية وندرة بعضها الاخر في الاحياء الغربية، للمرة الاولى منذ العام 2013، بعدما تمكنت الفصائل المعارضة وابرزها جبهة النصرة من التقدم جنوب غرب المدينة.
وتمكنت الفصائل المدعومة من دول غربية وخليجية بعد سيطرتها على الراموسة ومنطقة الكليات العسكرية جنوب غرب حلب من توجيه ضربة قوية الى القوات الحكومية، بقطعها طريق الامداد الرئيسي الى الاحياء الغربية من جهة، وكسرها الحصار عن احياء حلب الشرقية من جهة ثانية.
ربع مليون شخص تحت الحصار
ويزداد القلق بشأن نحو 250 ألف شخص يعتقد أنهم محاصرون داخل شرق حلب حيث تعاني إمدادات الغذاء والبنية التحتية والخدمات الطبية من ضغط كبير. وقال مسؤول المساعدات في الأمم المتحدة ستيفن أوبرين إن المنظمة ترغب في دراسة الخطة الروسية لكنه أوضح أنه يجب توقف القتال 48 ساعة لتلبية كل الاحتياجات الإنسانية في المدينة التي كانت أكثر مناطق سوريا سكانا قبل الحرب.
وقال لصحفيين "في كل الأوقات سأنظر في أي اقتراح يمكن من تسليم مساعدات." وأضاف "عندما يعرض علينا ثلاث ساعات فإن عليك أن تسأل ما الذي يمكن تحقيقه في تلك الساعات الثلاث؟ هل ستفي بالغرض أم بقدر صغير جدا منه." وقال أوبرين "الواضح من وجهة نظرنا أننا هناك ببساطة للوفاء بالمتطلبات كل المتطلبات..." وأضاف "للوفاء بالاحتياجات تحتاج ممرين (طريقين) وستحتاج 48 ساعة لإدخال شاحنات كافية."
كان أوبرين قال الشهر الماضي إن أي توقف لإدخال مساعدات إلى حلب يحتاج 48 ساعة لأن طريق الكاستيلو تضرر بشدة لدرجة أنه لا يناسب سوى شاحنات أصغر حجما وهو ما يحتاج وقتا أطول لنقل المساعدات المطلوبة.
وفي واشنطن قالت إليزابيث ترودو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة سترحب بأي وقف للقتال في سوريا يتيح تسليم المساعدات الإنسانية الضرورية لكنها حثت على ضرورة توصل كل الأطراف إلى هدنة.
وبحسب الامم المتحدة، فقد الحقت اعمال العنف في حلب اضرارا بالمستشفيات والعيادات وشبكتي المياه والكهرباء. واوضح صندوق الامم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ان سكان مدينة حلب بالكامل محرومون من المياه الجارية منذ ايام واصفا الوضع بـ"الكارثي". وقالت هناء سنجر ممثلة اليونيسف في سوريا ان انقطاع المياه في الصيف يعرض الاطفال "لامراض خطيرة".
واكدت "ان اعادة المياه لا يمكن ان تنتظر انتهاء المعارك، وحياة الاطفال في خطر". وبحسب اليونيسيف فان المحطة الكهربائية التي تغذي المضخات الهيدروليكية في حلب اصيبت باضرار في 31 تموز/يوليو جراء المعارك.
وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر القتال في مدينة حلب السورية بأنه واحد من أكثر المعارك تدميرا للمدن في التاريخ الحديث. وقال مدير الصليب الأحمر، بيتر ماورر، في بيان، الاثنين 15 أغسطس/آب، إن القتال، في المدينة الواقعة شمال سوريا، أدى إلى مقتل مئات الأشخاص، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من الإصابات، وتدمير البنية التحتية، ما أدى إلى عدم تمكن المواطنين من الحصول على الخدمات الأساسية.
وأوضح ماورر:"لا وجود لأشخاص آمنين أو أماكن آمنة في حلب، القصف مستمر، بما في ذلك على البيوت والمدارس والمشافي، والناس يعيشون في حالة خوف، الأطفال أصيبوا بالصدمات، والمعاناة على نطاق ضخم، ويعاني مواطنو حلب من الحرب العنيفة على مدى 4 سنوات، والأمر يزداد سوءا في الوقت الراهن، ما يحدث الآن هو، بلا شك، واحدة من أكثر المعارك تدميرا للمدن في التاريخ الحديث".
وجاء في بيان الصليب الأحمر أن وتيرة القتال ارتفعت في الأسابيع الماضية، ما دفع عشرات آلاف الأشخاص إلى النزوح من منازلهم أو ملاجئهم المؤقتة، بينما يعلق عشرات الآلاف داخل المدينة بلا أي مساعدات. وأكد البيان على أن البنية التحتية في حلب تم تدميرها بشكل كبير، وبالتالي انقطعت خدمات المياه والكهرباء، ما يهدد المواطنين بتداعيات استخدام المياه الملوثة وغير الآمنة، مشيرا إلى أن المنظمات الإنسانية، مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري، تُدخل المياه إلى حلب عن طريق الشاحنات، ضمن إجراءات الطوارئ.
وتابع ماورر: "حصيلة ضحايا القتال في حلب مرتفعة جداً، وندعو كافة الأطراف لوقف التدمير والهجمات العشوائية ووقف القتل". وشدد مدير الصليب الأحمر على أن "على الأطراف المتورطة في القتال احترام القواعد الأساسية للحرب، لتفادي إزهاق المزيد من الأرواح البريئة".
وأكد البيان أن انعدام الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، يهدد حياة نحو مليوني شخص في حلب، لا يستطيعون الوصول للخدمات الصحية والطبية الأساسية، بالإضافة إلى الخطر المباشر على حياة مواطني المدينة النابع عن الأعمال القتالية.
وعلى وقع قعقعة الحرب والتحليق الدائم للطائرات الحربية من مختلف الجنسيات والاصناف فوق سماء حلب يقبع هناك الاف المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، وهم لا يعرفون من الحرب سوى دمار مناطقهم وانعدام الخدمات بغض النظر عما اذا كانوا بجانب الحكومة السورية ام مع المعارضة المسلحة، ففي كلتا الحالتين تحولت أراضي الطرفين الى ساحة لإبراز القوة وتأكيد الهيمنة، ولا قيمة لارواح المدنيين ما دام اطراف الحرب تحصل على مزيد من الأراضي وتحصل على أوراق ضغط اكثر على الطرف الاخر.
اضف تعليق