تعيش الإنسانية حربا عالمية عنوانها الإرهاب وأهدافها مجزئة كل حسب ما تقتضيه مصالحه السياسية والاقتصادية والأيدلوجية، وتستخدم فيها أحدث التقنيات لضرب الخصوم بكل ما اوتي المتحاربون من ذخيرة الكترونية او أسلحة تقليدية.
الإرهاب لم يصبح مجرما الا حينما ضرب باريس وبروكسل وسان فرناندينو، فقبلها كان يحصد أرواح المسلمين الشيعة يوميا حتى باتت نشرات الاخبار روتينية فهناك عدد من الانفجارات في بغداد وديالى وكربلاء وبابل وايام الأسبوع لم تعد كافية لتحمل تسميات جديدة، من قبيل يوم الأربعاء الدامي والثلاثاء الدامي، وعلى الرغم من ان اغلب حوادث القتل تحدث ضد طائفة واحدة والمنفذ معروف لدى الجميع الا ان وسائل الاعلام الغربية ارادت الترويج لوجود حرب طائفية رفض الشيعة ان تكون كذلك.
القيادات الشيعية حذرت الدول الداعمة للإرهاب وتلك التي تغض الطرف عنه بان شره لا يمكن إيقافه في حال وصل الى الدول التي تظن انها في مأمن منه، ولان بعض القيادات الغربية لم تكن تعترف بالشيعة أصلا كونها غارقة في المال السعودي الوهابي؛ فأنها لم تفهم الدرس الا حينما عاد العقرب ليلدغ من كانوا يستمتعون بمشاهد القتل اليومي على ايدي الجماعات التكفيرية.
تفجيرات باريس كانت الصعقة الكهربائية التي أيقظت تفكير الغربيين وأكدت خطأ حساباتهم بإمكانية ترويض المتطرفين السلفيين المدعومين من السعودية وبعض الدول العربية والاسلامية، والالم الذي بقي الغربيون يصرخون منه جعلهم يحسون ببعض ما عاناه الشيعية من ظلم الجماعات التكفيرية الوهابية، وأعلنت اوروبا حربا على تلك الجماعات الإرهابية لان خطرها أصبح يمثل تهديدا وجوديا للحضارة والقيم الاوربية، وبالتالي أصبح هناك عدو مشترك للشيعة والاوربيين. ولان الإسلامفوبيا اثبتت فشلها باستعداء جميع المسلمين ظلما بات لزاما على الغرب الفصل بين المعتدلين الإسلاميين والمتطرفين، وبالتأكيد كان الشيعة في قائمة المعتدلين او على الأقل في قائمة الطوائف الإسلامية الأقل خطرا على الحضارة الاوربية والتي توفر الحد الأدنى من قواسم العيش المشترك مثل قبول الاخر وعدم التجاوز على حقوق الاخرين.
ما تقوم به الجماعات الوهابية لم يخيف الغربيين فقط بل جعل الكثير من اتباع المذاهب السنية تفضل المذهب الشيعي الجعفري لما يحمله مذهب الشيعة من الاعتدال والتسامح تجاه الاخرين والشواهد كثيرة وكظم غيض العراقيين على اجرام الإرهاب بحق العراقيين خير الشواهد على حرصهم لعدم الانجرار وراء حرب طائفية كبرى واثبتوا التزامهم بالقيم الإسلامية السمحاء من خلال دعوات الاخوة مع السنة في العراق.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قالت في تقرير أعده الكاتب ياروسلاف تروفيموف، قالت إن الغالبية العظمى من المسلمين السنة في نيجيريا ودول أفريقيا الأخرى، جنوب الصحراء، تتبع المنهج الصوفي الباطني، الذي يكره التطرف الذي تنشره بوكو حرام التي تتبع المذهب الوهابي. وأكدت السنوات الحالية تشهد بعض المناطق الرئيسية للسنة في القارة السمراء، أكبر موجة تحول من سنة إلى شيعة، منذ أن اعتنقت العديد من القبائل السنية في جنوب العراق المذهب الشيعي، في القرن التاسع عشر الميلادي بحسب موقع ارم نيوز الاخباري.
واشار التقرير إلى أنه "من الصعب الحصول علي الرقم الدقيق لعدد المتحولين للمذهب الشيعي، لكن في نيجيريا وحدها الدولة الأفريقية الأكبر من حيث عدد السكان هناك نحو 12% من سكانها المسلمين، البالغ عددهم 90 مليونًا، يعرفون أنفسهم بأنهم شيعة، وذلك بحسب دراسة أجريت مؤخرًا من قبل مركز بيو للأبحاث، وكانت نسبتهم صفر تقريبًا في عام 1980". ووفقا لهذه الدراسة، تبلغ نسبة الشيعة في تشاد 21%، من إجمالي عدد المسلمين، و20% في تنزانيا، و 8% في غانا.
هذه الأرقام قد تتغير في السنوات القليلة المقبلة إذا ما استثمر الشيعة هذه اللحظة التاريخية فالآثار الحضارية التي تم تهديمها في الموصل وتدمر في سوريا وأساليب القتل الوحشية التي تستخدمها الجماعات الوهابية ضد الشيعة والمسيحيين والايزيديين وغيرهم تثير التساؤلات لدى الانسان السني قبل غيره وتجعله يشكك في مصداقية الشيوخ الذين يعصدون المنابر ويكفرون الشيعة لأسباب لا تستدعي كل هذا القتل والدمار وتؤشر لوجود خلل في المنظومة الفكرية لدى هؤلاء الشيوخ التكفيرين.
العالم الغربي اليوم جاد في محاربة الجماعات التكفيرية الوهابية الا انه لا يريد التحول عن سياسته السابقة بشكل مفاجئ حتى لا يغضب حلفائه الذين يسيرون في نفس مركب الفكر الوهابي، وبعدما مرت عدة أشهر على التحول الغربي التاريخي ضد المذهب الوهابي بسبب هجمات باريس وبروكسل ظهرت جدية الغرب في محاربة هذا الفكر المتطرف، من خلال الضغط على السعودية وحلفائها بالتركيز على محاربة الإرهاب الوهابي بالتحديد كونه الأولوية العالمية.
السعودية ما بين الخيبة والخوف خضعت للضغوط الغربية وأكدت قبل أيام عبر قيادة قوات التحالف العربي ضد اليمن، انطلاق عملية عسكرية مشتركة ضد تنظيم "القاعدة" في اليمن، ولأن مملكة بن سلمان مهوسة بالأرقام الكبيرة قالت ان العملية اسفرت في يومها الأول عن مقتل أكثر من 800 عنصر من التنظيم بمن فيهم القادة وفرار البعض منهم. وقالت "إن العملية العسكرية تأتي في إطار الجهود الدولية المشتركة، لهزيمة التنظيمات الإرهابية في اليمن".
اما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فقال في احدث تصريحاتها لصحيفة لوفيغارو الفرنسية حول الحرب على اليمن "ان تنظيمي داعش والقاعدة هما اول اعداءنا في الجزيرة العربية، فهؤلاء هم الارهابيون الحقيقيون، اما الحوثيون فهم يمنيون وجيراننا، ونحن نتفاوض معهم في الكويت، وجرى تقدم في المحادثات حول بعض القضايا، ولا تزال هناك بعض الخلافات حول الأخرى".
وتشير بعض التحليلات الى ان الضغوط الامريكية المكثفة التي مورست على القيادة السعودية سارعت في بدأ السعودية بقصف مواقع التنظيمين المذكورين بشراسة، "لان الحرب على الإرهاب" يجب ان تعطي الاولوية القصوى، حتى ان الادارة الامريكية هددت بإيقاف التنسيق العسكري مع القيادة العسكرية السعودية، وتبادل المعلومات وتحديد الاهداف، في حال لم تنخرط الرياض في مفاوضات الحل السلمي مع الحوثيين، وتضع الحرب على الارهاب على قمة سلم اولوياتها. ورغم هذه الاستفاقة السعودية الأخيرة الا ان ذلك ما هو الا تأجيل للطلاق الدائم بين الغرب والسعودية الراعي الرسمي للمذهب الوهابي، وهو ما يوفر فرصة للشيعة لتمثيل العالم الإسلام المعتدل في العالم.
ما تقوم به الإدارة الامريكية من ضغوط على السعودية يجب ان يتلقفه القادة الشيعة للتسلل الى عمق العقل الغربي وتسلق هرم الجماعات الدينية المعتدلة، واستثمار اللحظة المناسبة من خلال فهم التفكير الغربي القائم على تحقيق مصالحه الخاصة وما عدا ذلك فللجميع الحق في صنع ما يشاؤون.
الشيعة اليوم امام لحظة تاريخية ومهمتهم هي ارسال تطمينات الى الرأي العام الغربي البحث في المشتركات وذلك في اتجاهين: الأول هو اثبات القدرة والكفاءة على محاربة التنظيمات الإرهابية الوهابية. والاتجاه الثاني يبحث في الجوانب الفكرية او المشتركات الإنسانية من قيم التسامح والتعايش السلمي.
ويبدو ان الشيعة يملكون أسباب النجاح على هذين الاتجاهين فعلى صعيد محاربة الجماعات الإرهابية اثبت الشيعة انهم رأس الحربة في قتال التنظيمات الإرهابية، وهو ما أدى الى تراجع الدول الغربية في تصريحاتها الصقورية تجاه الأنظمة المتحالفة مع الشيعة مثل النظام السوري بالرغم مما تروج له بعض وسائل الاعلام التي تحاول تجريم الشيعة وحلفائهم الا ان ذلك لم يمنع ترجيح كفتهم في ميزان الاعتدال. اما على صعيد القيم المشتركة فالتراث الشيعي مليء بالأحاديث والخطب التي تدعو للتسامح ونبذ التطرف وأشهرها هو حديث الامام علي عليه السلام الذي يحث على التعايش السلمي ونبذ الخلاف مع الاخر إذ يقول: " الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق".
كل ما يحتاجوه الشيعة في هذه الأيام لأثبات احقية قضيتهم هو لجم الأصوات المتطرفة سواء تلك التي تنبش التاريخ وتشتم في السر والعلن او أُولائك الذين يعادون الدول الغربية من اجل لا شيء سوى انه غربيون؟، فضلا عن استثمار المظالم التي وقعت عليهم من الأنظمة الحاكمة والجماعات الإرهابية، لما لهذه القضايا الإنسانية من مساحة واسعة لدى الرأي العام الغربي.
اضف تعليق