يونس، بلغ الخامسة والأربعون، وهو عامل بناء، ولديه عائلة من ستة أطفال، وأب مريض بالسكر والضغط، فكان الحمل ثقيل عليه، وعمله بالكاد يكفي لشراء متطلبات المطبخ، كان يوميا يعود للبيت متعبا حد الإعياء، فجهد العمل الكبير، والرحلة من بيته، الواقع في عشوائية في طريق النهروان، إلى ساحة الطيران في الباب الشرقي، تأخذ وقتا طويلا وجهدا كبيرا، ، حيث يتجمع العمال منتظرين الحصول على عمل ما، هكذا هي سيرة يونس، إلى أن حصلت الفاجعة.
حيث حصل تفجير انتحاري في ساحة الطيران، تسبب بقطع ساق يونس، وبعدها وقع يونس وعائلته في دوامة كبيرة، فكيف سيعيشون؟ فلا تقاعد ولا اجازة ولا علاج للفقراء، والحياة لا ترحم ومتطلباتها لا تنتظر التأجيل.
كان الحل الوحيد المتوفر للمسكين يونس، هو أن يترك أولاده الثلاثة المدرسة، ويبدأون العمل، فهذا قدر العمال والأولاد العمال في العراق.
في العراق لا توجد حماية حقيقية للعمال، فهم الفئة الأضعف في العراق، فالأجور هي الأدنى في العراق، مع حجم العمل المبذول، لكن لا توجد جهات ولا نقابات تدافع عنهم، وتضع سقف للأجور، مما جعل العمال دوما تحت رحمة أصحاب العمل، فيقبلون بأي شيء، لان أجور العمل اليومي، هو كل ما يأتيهم من رزق، وأما قضية الحوادث، فهي المحنة الأكبر للعمال، فعندما يتعرض العامل لحادث، فلا احد يعوضه، حتى لو كان الحادث في العمل، ولا توجد جهة تلتزم علاجه، بل القضية تكون كمصيبة وحلت به، وعليه الخلاص منها، عندها لا يجد إلا الديون لعبور المحنة.
بل في كثير من الأحيان، يكون العمال معرضين لعنف الأغنياء وأصحاب الإعمال، فالإهانة والإذلال وهدر الكرامة، وسائل لا يتركها أصحاب الإعمال، كنوع من التسلط وفرض الهيبة على الآخرين، بل حتى حقوقهم يتم استلابها، من قبل رب العمل، ولا توجد جهة تساند العمال، وتفرض إرجاع حق العامل، بل مع أي تعسر اقتصادي، يقوم فورا أصحاب الإعمال بطرد العمال، أو منحهم إجازة مفتوحة، ومن دون راتب لحين تحسن الوضع.
انها مأساة كبيرة للعمال في العراق، ولا توجد أي بوادر للحل، فالبلد يعيش أزمات لا تنتهي، ان الفشل بإدارة الدولة، أوصلنا إلى عملية مستمرة، من تضييع حقوق الفئات المسحوقة، ومنها العمال.
حلم العمال في العراق، حماية من العنف الموجه لهم من أصحاب الإعمال، وحماية صحية بتوفر العلاج لهم، وتعديل سقف الأجور، مع راتب تقاعدي نهاية الخدمة، أحلام بسيطة وممكنة التحقق، لو كان في البلد ساسة شرفاء.
اضف تعليق