اعدام عالم الدين الشيعي البارز الشيخ نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية، والذي اثار ردود افعال محلية ودولية غاضبة لايزال وبحسب بعض المراقبين محط اهتمام واسع، خصوصا وان البعض يرى ان اعدام الشيخ النمر الذي نفذه النظام السعودي لاسباب طائفية، ستكون له تداعيات خطيرة على امن واستقرار المنطقة التي تعيش جملة من المشاكل والازمات المختلفة، من جانب يرى بعض الخبراء ان اعدام الشيخ النمر في هذا الوقت بذات هو دليل واضح على همجية و غباء نظام آل سعود الحالي، الذي يدار اليوم من قبل شخصيات غير ناضجه ومندفعة تفتقر للحكمة والسياسة في تعاملتها الداخلية والخارجية وهو ما سيدفع بهم الى الهاوية، خصوصا وان السعودية قد سعت ومنذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد، الى اعتماد سياسة متشددة ضد الشيعة والعمل على ترويج الافكار التكفيرية، ودعم الجماعات والتنظيمات الارهابية لاهداف طائفية من اجل تحقيق مكاسب اضافية تمكنها من فرض سيطرتها والوقوف بوجه ايران، التي سارعت الى ادانة حكم الاعدام ووصفته بانه جريمة ستكلف السعودية ثمناً باهظاً.
وقد أبدى المجتمع الدولي وكما تنقل بعض المصادر، استياءه حيال قيام الرياض بإعدام 47 شخصا، من بينهم رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن "الاستياء العميق"، داعياً الجميع إلى الهدوء، وضبط النفس في رد الفعل على حادثة الإعدام. وقال كي مون في بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمه، إن "إعدام رجل الدين السعودي نمر باقر النمر وعدد آخر من السجناء، جاء بعد محاكمات أثارت مخاوف جدية حول طبيعة التهم ونزاهة العملية". وأضاف "لقد أثرت قضية الشيخ النمر مع قيادة المملكة العربية السعودية في عدد من المناسبات"، مؤكدا على موقفه القوي المناهض لعقوبة الإعدام، بالقول "هناك حركة متنامية في المجتمع الدولي من أجل إلغاء تلك العقوبة"، ودعا الامين العام إلى "الهدوء، وضبط النفس في رد الفعل على إعدام نمر"، وحث جميع القادة الإقليميين على "العمل من أجل تجنب تصاعد التوترات".
من جانبها أعربت الولايات المتحدة الأمريكية، عن قلقها من احتمال أن يؤدي إعدام نمر النمر، إلى "تصعيد التوتر المذهبي" في المنطقة، وحثت زعماء المنطقة على "مضاعفة الجهود لتخفيض حدة التوترات". وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن الإدارة الأمريكية دعت السلطات السعودية إلى "احترام حقوق الإنسان، وضمان الإجراءات القضائية الشفافة"، كما دعتها إلى "السماح للمعارضين بالتعبير عن أصواتهم بشكل سلمي".
والشيخ نمر النمر احد اشد منتقدي العائلة الحاكمة في السعودية، كان من اهم شخصيات الاحتجاجات في شرق المملكة حيث تعيش غالبية الاقلية الشيعية في 2011. وتشكو هذه المجموعة من التهميش في المملكة التي تضم غالبية سنية وقد حكم عليه بالاعدام في تشرين الاول/اكتوبر 2014. وتتهم السلطات النمر بقيادة احتجاجات في المنطقة الشرقية حيث تقطن الاقلية الشيعية و"اشعال الفتنة الطائفية" و"الخروج على ولي الامر" وغيرها من التهم. وهي اول احكام بالاعدام تنفذ في 2016 في المملكة المحافظة المتشددة التي نفذت عقوبة الاعدام في 153 شخصا العام الماضي.
تصفية حسابات
فيما يخص بعض ردود الافعال الغاضبة فقد اتهمت منظمة "العفو الدولية" السعودية بـ"تصفية حسابات سياسية (...) تحت غطاء مكافحة الإرهاب" إثر إعدامها رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر، فيما أبدى الاتحاد الأوروبي "قلقه البالغ" إزاء ذلك، ودعا المملكة إلى "تعزيز المصالحة بين مختلف مكوناتها". واعتبر مدير منظمة "العفو الدولية" في الشرق الأوسط فيليب لوثر أن إعدام 47 شخصا دينوا بـ"الإرهاب" بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، فإن المملكة العربية السعودية "تصفي حسابات سياسية".
وصرح لوثر "تقول السلطات السعودية إنها نفذت أحكام الإعدام هذه للحفاظ على الأمن. لكن إعدام الشيخ نمر باقر النمر يوحي أنها تستخدم الإعدامات لتصفية حسابات سياسية (...) تحت غطاء مكافحة الإرهاب". وأضاف لوثر "إنها محاولة لإسكات الانتقادات ضد النظام وخصوصا في صفوف مجموعات الناشطين الشيعة"، معتبرا أن محاكمة الشيخ النمر كانت "غير عادلة بوضوح".
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه البالغ" بعد إعدام نمر النمر. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان إن "الحالة الخاصة للشيخ نمر النمر تثير قلقا بالغا حيال حرية التعبير واحترام الحقوق المدنية والسياسية الأساسية والتي ينبغي أن تصان في كل الحالات، بما في ذلك إطار مكافحة الإرهاب، واعتبرت موغيريني أن "من شأن هذه الحالة أن تزيد من إشعال التوتر الطائفي الذي يوقع أصلا أضرارا كبيرة في المنطقة". بحسب فرانس برس.
وفي هذا السياق، دعا الاتحاد الاوروبي السعودية إلى "تعزيز المصالحة بين مختلف مكوناتها"، مطالبا جميع الأطراف بالتحلي ب"المسؤولية وضبط النفس". وكررت موغيريني في البيان "رفض (الاتحاد الأوروبي) الشديد" لعقوبة الإعدام وخصوصا في إطار عمليات الإعدام الجماعية. وأعدمت السعودية 47 شخصا بتهمة "الإرهاب" بينهم الشيخ النمر. وسارعت طهران إلى التوعد بأن السعودية ستدفع "ثمنا باهظا" لإعدامها رجل الدين الشيعي. والشيخ نمر النمر (56 عاما) يعتبر من أشد منتقدي العائلة الحاكمة في السعودية، وكان من أهم وجوه المعارضة في شرق المملكة حيث تعيش غالبية الأقلية الشيعية في 2011. وتشكو هذه المجموعة من التهميش في المملكة.
العراق
في السياق ذاته ندد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر وسط نداءات من شخصيات دينية وسياسية بارزة تطالب بقطع العلاقات مع الرياض والغاء التقارب الذي حدث في الآونة الأخيرة. وأعادت السعودية فتح سفارتها في بغداد للمرة الأولى منذ قطع العلاقات في 1990 إثر الغزو العراقي للكويت. واعتبر ذلك مؤشرا على تقارب قد يعزز جهود تشكيل تحالف إقليمي لقتال تنظيم داعش.
لكن إعدام النمر قوبل بدعوات في العراق لاستمرار إغلاق السفارة السعودية. وقال العبادي إن اعدام النمر سيكون له تداعيات على أمن المنطقة. وقال رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر في بيان "أهيب بالحكومة الإحجام عن فتح السفارة السعودية في عراقنا الحبيب فليس للظالم مكان بيننا". ودعا الصدر في البيان لمظاهرات غاضبة في العراق وفي منطقة الخليج للاحتجاج على إعدام النمر. في الوقت نفسه وجهت حركة عصائب أهل الحق الاتهام للسعودية بالسعي لإذكاء الصراع بين السنة والشيعة. وتساءلت الحركة المسلحة في بيان عن جدوى وجود سفارة سعودية في العراق.
ودعا قاسم الأعرجي القيادي بمنظمة بدر- وهي جماعة شيعية أخرى بارزة تملك جناحا سياسيا- الحكومة العراقية لقطع العلاقات مع السعودية "فورا". وقال في تعليقات بثتها قناة الغدير التابعة لمنظمة بدر إن إعدام النمر "فتح أبواب جهنم". وامتنع العبادي -وهو شيعي معتدل ينتمي لحزب الدعوة - عن استخدام مثل هذه اللغة التحريضية لكنه قال إن الإعدام ستكون له عواقب. وقال في بيان إن "سياسة تكميم الأفواه وتصفية المناوئين لن تجلب إلا مزيدا من الدمار والخراب." وتابع العبادي إنه يشعر "بأسف بالغ وصدمة شديدة" بعد تلقيه نبأ تنفيذ حكم الإعدام. بحسب رويترز.
ولطالما اتهمت السعودية العراق بالارتباط أكثر مع إيران القوة الشيعية في المنطقة وبتشجيع التمييز الطائفي ضد السنة وهي تهمة تنفيها بغداد. ويقول بعض السياسيين العراقيين إن السعودية تقف وراء صعود تنظيم داعش رغم أن المملكة تنكر الفكر المتطرف الذي يتبناه التنظيم. ويسيطر التنظيم على مساحات كبيرة من أراضي العراق وسوريا وأعلن مسؤوليته عن عدد كبير من الهجمات الدامية. وحذر همام حمودي وهو واحد من السياسيين الشيعة البارزين وعضو بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي من أن إعدام النمر سيفيد داعش من خلال تفاقم الصراع الطائفي بين السنة والشيعة. وقال رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إن قرار إعدام النمر سيسقط الحكومة السعودية "مثلما أطاحت جريمة إعدام الشيخ الصدر بنظام صدام (حسين)" في إشارة لرجل الدين الشيعي البارز محمد باقر الصدر الذي أُعدم في عام 1980.
دول اخرى
الى جانب ذلك أثار إعدام السعودية للقيادي الشيعي البارز الشيخ نمر النمر احتجاجات في أنحاء العالم ضد أسرة آل سعود الحاكمة وهدد بمزيد من التصعيد في موجة الصراع الطائفي في الشرق الأوسط. ففي إيران المنافس الإقليمي للسعودية ظهر رجال دين ومسؤولون في وسائل الإعلام في تغطية مستمرة لرثاء النمر والتبشير بسقوط حكم آل سعود. وحذر زعماء شيعة بالعراق والكويت ولبنان واليمن من تداعيات عملية الاعدام في إشارة إلى أن الصراعات الطائفية قد تزداد اشتعالا. ومع إعلان التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن نهاية الهدنة في القتال ضد جماعة الحوثيين قالت الجماعة إن محاكمة النمر كانت "صورية". وفي الهند تظاهر مئات الشيعة في ولاية كشمير الشمالية ذات الأغلبية المسلمة وقال أحد منظمي الاحتجاج إن الاتهامات ضد النمر "لا أساس لها".
وأعدم ثلاثة شيعة آخرون إلى جانب النمر لكن العدد الأكبر ممن نفذت بحقهم الأحكام واتهمت جماعات شيعية في المنطقة السعودية باستخدام الإرهاب ذريعة لإعدام النمر وهو رجل دين شيعي دعا لاحتجاجات سلمية في خطب بثت عبر الإنترنت. وتقول حكومة السعودية إن النمر أمر أنصاره بمهاجمة الشرطة وإنه يقف وراء سلسلة من عمليات إطلاق النار وإلقاء القنابل الحارقة التي قتلت العديد من رجال الشرطة خلال احتجاجات ضد الحكومة في القطيف في 2011 و2013.
لكن جماعة حزب الله الشيعية في لبنان قالت في بيان إن النمر "طالب بالحقوق المهدورة لأبناء شعب مظلوم". وأضاف البيان أن السلطات السعودية قامت "بوضعهم مع مجموعات من العصابات الإرهابية التي روّعت الآمنين وارتكبت الجرائم بحق المدنيين وذلك في محاولة لخلط نصاعة حق الشيخ النمر ورفاقه بإجرام باطل الإرهابيين." وفي بيروت قال أبو علي الدمشقي وهو صاحب متجر شيعي إنه يأمل أن تكون وفاة النمر إيذانا "بالنصر على أسرة آل سعود لأن هذه هي بداية النهاية إن شاء الله".
وفي إيران انضم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الى جوقة المنددين بالإعدام في إيران وخارجها بنشر رسالة يشيد فيها بالنمر. وحمل حساب خامنئي على تويتر صورة تقارن بين السعودية وتنظيم داعش في إشارة إلى أن الجانبين يقومان بإعدام المعارضين في حين اتهم مسؤولون إيرانيون آخرون المملكة بدعم الإرهاب.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري "تساند الحكومة السعودية الإرهابيين والمتطرفين التكفيريين بينما تعدم وتقمع المنتقدين داخل البلاد." وقد تضر موجة الإدانات بجهود السعودية لتشكيل تحالف إسلامي ضد تنظيم داعش. وأعلنت الرياض عن هذا التحالف لكنه لم يضم أيا من القوى الشيعية. ودعا أعضاء بالبرلمان في العراق ذي الأغلبية الشيعية الحكومة لقطع العلاقات مع السعودية بعد يوم واحد من إعادة فتح سفارة المملكة في بغداد التي ظلت مغلقة منذ 1990. بحسب رويترز.
وقال رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إن إعدام النمر "سيطيح بالنظام السعودي" بينما قال عضو آخر بالبرلمان إن ما حدث ستستفيد منه داعش. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية مستعدة لإجراء مباحثات مع السعودية بعد أشهر من التوتر المتصاعد لكن فرص التقارب تبددت فيما يبدو الآن بعد أن اصطف المسؤولون ورجال الدين لإدانة المملكة.
كماوصف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان إعدام النمر بأنه "خطأ فادح" واعتبره حزب الله اللبناني "اغتيالا" في الوقت الذي خرج فيه الشيعة إلى الشوارع من طهران إلى كشمير للاحتجاج على الإعدام. وتظاهر عشرات من الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية أمام منزل النمر في القطيف وردد المحتجون "يسقط آل سعود" بينما تجمع عشرات في مملكة البحرين التي يحكمها السنة أيضا والمتحالفة مع السعودية.
من جانبه شجب آية الله أحمد خاتمي عضو مجلس خبراء القيادة في إيران إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر وتكهن بأن تكون هناك تداعيات من شأنها إسقاط أسرة آل سعود الحاكمة. ونقلت وكالة مهر الإيرانية للأنباء عن خاتمي قوله "لا يراودني شك في أن هذه الدماء الطاهرة ستلطخ أسرة آل سعود وستمحوها من صفحات التاريخ." وتابع "جريمة إعدام الشيخ نمر جزء من نمط إجرامي لهذه الأسرة العميلة... من المتوقع أن يصرخ العالم الإسلامي ويشجب هذا النظام الشائن بكل قوته".
من هو الشيخ النمر؟
كان النمر أحد المؤيدين لحركة الاحتجاجات المعارضة للحكومة السعودية التي اندلعت في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية في عام 2011 ، والتي رفعت شعارات تطالب "بإنهاء واقع التهميش الذي يعيشون فيه". وعرف الشيخ النمر بخطبه التي ينتقد فيها النظام السعودي ومطالبته المستمرة بمنح الأقلية الشيعية حقوقاً أكثر. واستدعته الشرطة أكثر من مرة وتعرض لسلسلة من الاعتقالات والتحقيقات بسبب نشاطه السياسي، وجهت له تهم مثل "إثارة الفتن"، و"الدعوة للتدخل الخارجي ".
واعتقل النمر في يوليو/تموز 2012 عقب تأييده احتجاجات حاشدة اندلعت في فبراير/شباط 2011 في القطيف بالمنطقة الشرقية. وقد أصيب النمر بجروح في الفخذ إثر إطلاق النار عليه اثناء عملية الاعتقال وقالت وزارة الداخلية إنه حاول " الهرب ومقاومة رجال الأمن". وقالت تقارير إن الشرطة قد أطلقت أربعة أعيرة نارية في ظروف ملتبسة على أقدام النمر أثناء مطاردة لسيارته في منطقة القطيف بالمنطقة الشرقية.
ولد النمر (55 عاما) في منطقة العوامية في محافظة القطيف شرقي السعودية، ودرس بها ثم سافر إلى إيران لدراسة العلوم الدينية. وتعده السلطات السعودية " أبرز المحرضين" على التظاهرات في القطيف فيما يؤكد نشطاء بالمنطقة الشرقية أنه يدعو فقط لـ "الاحتجاج السلمي". كما يتهم النمر أيضا بدعم الاحتجاجات في البحرين، التي أرسلت اليها السعودية قوات للمساعدة في قمعها.
وقد دانت عائلة النمر بالسعودية إعدام رجل الدين الشيعي آية الله الشيخ نمر النمر وقالت العائلة في بيانها "ندين ونستنكر هذا الحكم الظالم ونعتبره مثالاً لقتل الحكمة والاعتدال". ووصفت الإعدام بأنه "اغتيال غادر لكل الطرق السلمية التي كان ينهجها الشيخ بإدانته ورفضه لاستخدام السلاح والعنف كما تشهد بذلك كلماته وبياناته". وقالت: إن "النمر كان عالماً فقيها مجتهدا تفخر به الحوزات ومثالا ونموذجا للحركة السلمية والمطلبية".
اضف تعليق