إنسانيات - حقوق

هل يختلف التخارج في المال المنقول عن العقار في القانون العراقي

وما هي المعالجة لتوحيد الاحكام القانونية والقضائية؟

ان يتم تنظيم التخارج بنصوص خاصة تتعلق به بشكل عام ولا تقف عند تنظيم أحوال العقار في التسجيل العقاري، على ان تكون جزء من القانون المدني، لان التخارج في اصله وطبيعته هو عقد ناقل للملكية من المتخارج الى المتخارج له، وهذه من مواضيع نقل الملكية التي يختص بها...

ان التخارج من اختصاص محكمة الأحوال الشخصية حيث اعتبر من متعلقات تصفية وتحرير التركة، الا ان الاحكام التي تنظمه هي المواد (246 و247, 248) من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 المعدل، وعرفته المادة (246) من قانون التسجيل العقاري على انه (اتفاق جميع او قسم من الورثة او اصحاب حق الانتقال على اخراج بعضهم من الميراث او الانتقال بعوض معلوم من التركة او غيرها ويسجل بالاستناد الى حجة صادرة من المحكمة المختصة.) لكن التركة التي ينهض بموجبها التخارج تتضمن أموال منقولة ولا تقتصر على العقار، وللوقوف على ذلك اعرض الاتي: 

1. قبل الخوض في تفاصيل العنوان لابد من التنويه الى ان المادة (246) أعلاه اطلقت تسمية اتفاق على التخارج ولم تسميه عقد، مع ان القانون المدني لم يأخذ بفكرة التفريق بين العقد والاتفاق وفي هذا النص أشار الى ان التخارج هو اتفاق ولم يسميه بالعقد، بينما في تصرفات أخرى اطلق عليها قانون التسجيل العقاري لفظ العقد ومنها عقد الرهن، حيث ذكره بانه عقد ولم يذكره بانه اتفاق وفي اكثر من مادة من مواده، وهذا التفريق بالتوصيف لابد وان يكون له اثر في التصرف، حيث ان المشرع عندما يستعمل ألفاظاً معينةً، إنما يستعملها في معناها الخاص لا في معناها الدارج، والمشرع وجد من الضروري ان يرسم لفظ وتسمية ذات معنى فني خاص عندما جاء بعبارة (اتفاق) بدلا من (عقد)، في المادة (246) تسجيل عقاري، فانه قد قصد فيها معنى خاص، لذلك اهتم فن الصياغة التشريعية بتحديد المصطلحات الواردة في التشريع بشكل واضح حتى لا تثير اللبس والغموض عند التطبيق، وأشار العديد من المختصين بتفسير النصوص القانونية الى هذا المعنى ومنهم الدكتور محمد شريف احمد في كتابه الموسوم (نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980ـ ص242).

2. عند امعان النظر في قانون التسجيل العقاري سنجد انه اختص في تنظيم أحوال العقار (الأموال المنقولة) حصراً ولا يتعدى الى الأموال المنقولة وعلى وفق ما ورد في المادة (1) تسجيل عقاري التي اشارت في تعريف المصطلحات وجميعها تتعلق بالعقار ، كما كرر القول في المواد (2و3 و4) من القانون عندما أشار الى الاختصاص حيث حصرها في دائرة التسجيل العقاري، ومن هذه النصوص نستدل على ان قانون التسجيل العقاري ومن التسمية التي اطلقها المشرع عليه بانه يختص في العقار فقط ولا يسري على الأموال المنقولة، وهذا ما أكدته الأسباب الموجبة لصدور قانون التسجيل العقاري حيث جاء فيها (ان الهدف الاساسي للتسجيل العقاري هو ضمان الحماية القانونية للتصرفات العقارية وتثبيت الحقوق الناشئة بموجبها) والتسمية بقانون التسجيل العقاري كان المشرع قد قصد ان تقتصر احكامه على العقارات فقط ولا يسري الى الأموال المنقولة وعلى وفق ما ورد في الأسباب الموجبة التي جاء فيها (ان تسمية اي قانون يجب ان تتفق وتنسجم مع ما يحتويه هذا القانون من احكام).

3. ان النصوص في قانون التسجيل العقاري ، قد سار العمل على سريانها على الأموال المنقولة التي تكون محلاً للتخارج، بحيث ادمجت احكام الأموال المنقولة مع العقارات في جميع الاثار المتعلقة بالعقار في التخارج، ومنها عدم جواز تنفيذ حجة التخارج الا اذا نفذت خلال خمسة عشر سنة وعلى وفق احكام المادة (248) من قانون التسجيل العقاري التي جاء فيها (لا تنفذ حجة التخارج اذا مضى على صدورها خمس عشرة سنة) ، كذلك فيما يتعلق بالشكلية المطلوبة في التخارج، حيث اشترط نس المادة (246) تسجيل عقاري بتوثيقها لدى المحكمة المختصة ، بحيث جعل من التخارج في الأموال المنقولة محكوما بنص قانوني لا يتعلق به بل في الأموال العقارية، ومنها عدم الاعتداد بالتخارج الذي يتم خارج المحكمة المختصة.

ومن التطبيقات على ذلك قرار محكمة التمييز في إقليم كردستان، عندما اعتبرت التخارج بشكل مطلق يجب تسجيله لدى محكمة الأحوال الشخصية وعلى وفق ما جاء في قرار محكمة تمييز إقليم كردستان العدد 92/ هيئة الأحوال الشخصية/2000 في 1/8/2000، بان لا يجوز إقامة دعوى مستقلة لإثبات التخارج او الزام المتخارج بالتنفيذ والذي جاء فيه (تبين تنظيم عقد التخارج بتاريخ 21/8/1994 بين المدعي والمدعى عليهم وبين جدتهم ولم يتم تصديق عقد التخارج لا في محكمة الأحوال الشخصية ولا في أي جهة رسمية أخرى وبقيت على حالها مدة سنتين الى ان توفت المتخارجة المذكورة بتاريخ 6/2/1996 وبعده طالب المدعون تثبيت سند التخارج المبرم حال حياة المتخارجة واخراجها من القسام الشرعي فعليه ولعدم استيفاء سند التخارج الشكلية التي فرضها القانون لذا فان قرار محكمة الموضوع برد الدعوى جاء صحيحاً وموافقاً للشرع والقانون) هذا القرار نقلا عن الدكتور احمد محمد صديق في كتابه الموسوم (عقد التخارج ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت الأولى عام 2017 ـ ص192).

4. القضاء العراقي بشكل عام سواء بما فيه الاجتهاد القضائي في إقليم كردستان، وان كان يتأرجح بين تكييف اتفاق التخارج بانه صلحاً واحيانا يعتبره بيعاً، الا انه وان اعتبره عقد بيع، لكنه لم يفرق بين احكام بيع العقار وبيع الأموال المنقولة، حيث جعل التخارج سواء بالعقار او المنقول يخضع لأحكام قانون التسجيل العقاري، بينما البيع في المال المنقول يجوز اثباته على وفق القواعد العامة للاثبات ويعتبر منعقد منذ لحظة تطابق الايجاب والقبول وعلى وفق احكام المادة (73) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها (العقد هو ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه.).

5. لاحظنا ان جميع الاحكام القضائية تقضي باعتبار شرط الشكلية في تسجيل التخارج لدى المحكمة المختصة ركن من اركان اتفاق التخارج، حتى لو كان يتعلق بمنقول، بينما نجد ان التركة هي ما تركه المرء بعد موته من أموال وحقوق مالية او حقوق رجح فيها العنصر المالي على الحق الشخصي، وقد تكون عقارات او أموال منقول، وعرف القانون العراقي الأموال المنقولة في المادة (62/2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها (المنقول كل شيء يمكن نقله وتحويله دون تلف فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وغير ذلك من الاشياء المنقولة)، بنما هناك نوع من الأموال مثل الاسهم في الشركات وسيارات وسبائك ذهبية وارصدة في المصارف، وهذه في العادة لا تسلم الى الورثة الا بموجب القسام الشرعي، ويرد عليها التخارج، لكن القضاء العراقي اتجه الى اعتبار احكام التسجيل العقاري تسري عليها، مع انها أموال منقولة وليس بعقارات.

6. لذلك نجد ان القصور في التشريع قد أدى الى وجود احكام قضائية أسهمت في فقدان أصحاب الحقوق لحقوهم المشروعة بموجب التخارج ومنها التخارج في الأموال التي لا تنتقل بالمناولة اليدوية وانما لابد وان تستند الى القسام الشرعي ومنها ما تم ذكره (الاسهم في الشركات وسيارات وسبائك ذهبية وارصدة في المصارف).

ومما تقدم أرى ان يتم تنظيم التخارج بنصوص خاصة تتعلق به بشكل عام ولا تقف عند تنظيم أحوال العقار في التسجيل العقاري، على ان تكون جزء من القانون المدني، لان التخارج في اصله وطبيعته هو عقد ناقل للملكية من المتخارج الى المتخارج له، وهذه من مواضيع نقل الملكية التي يختص بها القانون المدني، ونجد لذلك تطبيق في بعض التشريعات العربية حيث ورد في المادة (1040) من قانون الموجبات والعقود اللبناني الصادر عام 1932 فإنها كانت تشمل جميع أنواع التخارج سواء كان بعقار او منقول، وفي المواد (539 و 540) من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 ، بينما نجد بعض التشريعات نظمت احكامه في قوانين الميراث او الأحوال الشخصية، ومنها القانون السوداني والمصري والقطري والاماراتي، وفي جميع تلك التشريعات اوجدت احكام عامة تتعلق بمحل التخارج سواء كان مال منقول او عقار، وهذه من الأسباب التي أرى بانها كافية ليلتفت اليها المشرع من اجل حماية الحقوق، وهذه الحماية لا تقف عند التخارج في المال المنقول وانما في العقار ايضاً، حيث نلاحظ اجتهاد القضاء المتباين تجاه اعتبار حجة التخارج جزء من القسام الشرعي من اجل ابعاده عن المحظور الزمني الوارد في المادة (248) من قانون التسجيل العقاري، وفي أحيان أخرى تعطل نص هذه المادة وتحكم بالزام وزارة العدل ودوائر التسجيل العقاري بتنفيذ حجة التخارج حنى وان مضت خمسة عشر سنة على صدورها، وفي أحيان أخرى تقضي باعتبار حجة التخارج غير قابلة للتنفيذ لمضي المدة أعلاه واعتبرتها من مدد التقادم المسقط.

* قاضٍ متقاعد

اضف تعليق