إنسانيات - حقوق

من الجهة التي تتولى إدارة نقابة المحامين عند حل مجلس النقابة؟

قراءة في ضوء الاحكام القانونية النافذة

حيث ان مجلس النواب بصدد مناقشة وتشريع قانون جديد للمحاماة، لابد من الالتفات الى هذه النقطة التي تجعل من النقابة أسيرة لدى السلطات اما التنفيذية، القضائية او التشريعية، ولابد من حماية استقلالها، وجعل ادارتها والنظر في قراراتها من داخل النقابة، لإنها تملك طاقات كبيرة وكثيرة لها الباع الطويل...

طالعتنا الاخبار بوجود توجه في نقابة المحامين سواء من مجلس النقابة او من الهيئة العامة او من بعض كوادرها، واخرها القرار المتخذ في الاجتماع المؤرخ في 12/3/2025 والذي سرب الى الاعلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودون النظر في مدى صحة الانعقاد ومدى مشروعيته، فانا لست معني بذلك، لأني لست عضواً في النقابة حالياً، حيث لم اعيد الانتماء بعد الإحالة الى التقاعد من المنصب القضائي، بسبب وضعي الصحي والاكتفاء بمتابعة الدراسات والأبحاث القانونية، مع اني ازدان بسيماء الحبور والرفعة والسمو ان أصبحت عضواً في هذه النقابة التي تعنى بمهنة نبيلة وسامية الا وهي المحاماة وكنت فيها وكان لها الفضل فيما انا عليه.

 حيث ورد اتجاه لدى من ذكروا في أعلاه الى اعتبار مجلس القضاء الأعلى هو الذي يتولى إدارة النقابة خلال فترة الحل، مع تردد هذه العبارة في بعض منشورات الافاضل من المحامين، وهذا ما استوقفني لان قانون نقابة المحامين قد رسم الآلية التي بموجبها يعالج شغور المنصب او حل مجلس النقابة اثناء الدورة الانتخابية، وليس بينها ما يشير الى منح مجلس القضاء صلاحية إدارة هذه النقابة العتيدة، وسأعرض له على وفق الاتي:

أولا: المعالجة على وفق قانون المحاماة:

1. ان قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 المعدل قد أوضح كيفية ادارة النقابة في حال شغور مجلس النقابة بجميع أعضائه، او اذا حل لا سبب كان وعلى وفق احكام المادة (93/3) التي جاء فيها (في حالة شغور مناصب مجلس النقابة جميعها بالاستقالة او باي سبب اخر تشكل لجنة من خمسة اعضاء يعينهم وزير العدل اثنان من الحكام وثلاثة من المحامين الذين تتوافر فيهم شروط عضوية مجلس النقابة. وتتولى هذه اللجنة ادارة شؤون النقابة الى ان يتم انتخاب مجلس جديد ويكون لها جميع اختصاصات مجلس النقابة ويكون لمن ينسبه الوزير رئيسا لها جميع اختصاصات النقيب وتدعو هذه اللجنة اعضاء الهيئة العامة للاجتماع لانتخاب مجلس جديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ شغور مناصب مجلس النقابة).

2. أشار النص اعلاه الى ان الصلاحية تكون لوزير العدل حصراً، وليس لاي جهة أخرى، وكرر هذه الصلاحية في الفقرة (5) من ذات المادة في حال عدم تحديد موعد الانتخابات وعلى وفق النص الآتي (في حالة شغور مناصب مجلس النقابة جميعها بالاستقالة او باي سبب اخر تشكل لجنة من خمسة اعضاء يعينهم وزير العدل اثنان من الحكام وثلاثة من المحامين الذين تتوافر فيهم شروط عضوية مجلس النقابة. وتتولى هذه اللجنة ادارة شؤون النقابة الى ان يتم انتخاب مجلس جديد ويكون لها جميع اختصاصات مجلس النقابة ويكون لمن ينسبه الوزير رئيسا لها جميع اختصاصات النقيب وتدعو هذه اللجنة اعضاء الهيئة العامة للاجتماع لانتخاب مجلس جديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ شغور مناصب مجلس النقابة).

ومن خلال انص أعلاه فان وزير العدل هو صاحب الصلاحية بموجب صراحة النص.

ثانياً: راي بعض المحامين المخالف:

1. لكن قد يرى البعض ان السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى قد حل محل السيد وزير العدل، بعد انفصال القضاء عن وزارة العدل ونيل استقلاله بتشكيل مجلس القضاء الأعلى بموجب امر سلطة الائتلاف المنحلة رقم 35 لسنة 2003، وفي هذا الامر لم تذكر أي إشارة الى ذلك الحلول، وانما أشار الى ان يحل مجلس القضاء الأعلى المشكل بموجب هذا الامر محل مجلس العدل فيما يتعلق بالرقابة الإدارية على القضاة والمدعين العامين فقط وعلى وفق ما ورد في المادة (6/2) من الامر أعلاه التي جاء فيها (يتولى الان مجلس القضاة فقط مهمة ممارسة الرقابة الادارية على القضاة والمدعين العامين) ولم يرد فيها أي ذكر لان يتمدد مجلس القضاء الأعلى بصلاحياته الى شيء اخر من صلاحيات وزير العدل الواردة في القوانين النافذة.

2. ثم صدر بعد ذلك قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 الذي الغى الامر 35 لسنة 2003، وجاء فيه تحديد لمهامه التي وردت في المادة (3) حصراً، ولم يذكر فيها أي صلاحية تتعلق بالحلول محل وزير العدل، او يتعلق بإدارة نقابة المحامين عند شغور المناصب او حل مجلسها لاي سبب كان، وعلى وفق النص الاتي (يتولى مجلس القضاء الاعلى المهام الاتية: اولا : ادارة شؤون الهيئات القضائية، ثانيا : الغيت ثالثا : الغيت، رابعا: ترشيح رئيس محكمة التمييز الاتحادية وقضاتها ورئيس هيئة الاشراف القضائي وارسال الترشيحات الى مجلس النواب للموافقة عليه، خامساً: الغيت، سادسا : ترشيح المؤهلين للتعيين قضاة وارسال الترشيحات الى رئاسة الجمهورية لاصدار مرسوم جمهوري بذلك، سابعا: ترقية القضاة في المحاكم الاتحادية و نقلهم وانتدابهم واعادة خدمتهم وادارة شؤونهم الوظيفية وفقا للقانون، ثامنا: تمديد خدمة القضاة واحالتهم الى التقاعد وفقا للقانون، تاسعا: تشكيل الهيئات و اللجان القضائية في المحاكم الاتحادية، عاشراً: اقتراح مشاريع القوانين المتعلقة في شؤون السلطة القضائية الاتحادية، حادي عشر: عقد الاتفاقيات القضائية و متابعة تنفيذها بالتنسيق مع وزارة العدل، ثاني عشر : تأليف لجنة شؤون القضاة وفقا للقانون).

3. ان أصحاب هذا الرأي قد يتمسكون بما جاء بمذكرة سلطة الائتلاف المنحلة رقم 12 لسنة 2004 التي صدرت لتنفيذ الأمر 35 لسنة 2003 وعلى وفق ما ورد في القسم الأول منها والتي جاء فيها الاتي (تنفذ هذه المذكرة الأمر رقم 35 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة والفصل السادس من قانون الإدارة للدولة العراقية أثناء الفترة الانتقالية).

4. حيث جاء في القسم (السابع) من المذكرة اعلاه إشارة الى حلول السيد رئيس مجلس القضاء محل السيد وزير العدل وعلى وفق النص الاتي (تفسر الاشارات الى وزارة العدل او وزير العدل الواردة في القانون العراقي، حيثما كان ذلك ضروريا ومناسبا، الامر رقم ٣٥ الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة او قانون ادارة الدولة العراقية اثناء الفترة الانتقالية، او تفسر، حيثما كان ذلك ضروريا ومناسبا، بصورة اخرى للحفاظ على استقلال القضاء، على انها اشارات الى مجلس القضاة او الى رئيسه، او اشارات الى محكمة النقض او الى رئيس قضاتها، او اشارات الى المحكمة الاتحادي العليا او الى القاضي الذي يتراسها، حسبما يكون مناسبا. وللمحاكم وحدها صلاحية البت في المنازعات في هذا الصدد).

5. ان الرأي اعلاه فيه مخالفة لمنطق القانون وسأعرضه في الفقرة التالية، لان تلك المذكرة لا يمكن لها ان تعدل نص القانون النافذ، فضلاً عن انتهاء نفاذيتها حين انتهاء الامر 35 لسنة 2003 بعد الغائه بموجب قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 4 لسن 2017.

ثالثاً: أسباب بقاء الصلاحية للسيد وزير العدل.

1. ان المذكرة أعلاه هي النص الوحيد الذي أشار الى حلول السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى محل السيد وزير العدل، وهي ليست بتشريع مستقل، وإنما مذكرة لتنفيذ الأمر 35 لسنة 2003 ويرتبط بقائها وسريان أحكامها طالما الأمر 35 لسنة 2003 نافذاً، وحيث ان هذا الأمر تم الغائه بموجب المادة (10) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 التي جاء فيها الاتي (يلغى امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 35 لسنة 2003) فأصبح ذلك الامر غير نافذ ولا يجوز الاستناد اليه ولا إلى المذكرات الصادر لتطبيقه اعتباراً من تاريخ نفاذ قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017بتاريخ 23/1/2017.

2. وحيث ان العمل بها قد اصبح باطلاً لفقدانها قوتها التنفيذية، فان وزير العدل يبقى يملك أي صلاحية أشار لها أي قانون نافذ ومنها قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 المعدل، باستثناء ما يرد في نصٍ خاص، مثل قانون مجلس القضاء الأعلى، عندما اشار بصريح القول إلى صلاحية السيد رئيس مجلس القضاء في الصلاحيات المتعلقة بإدارة المؤسسة القضائية والواردة في المادة (3) من ذلك القانون، وكذلك النص الصريح الوارد في المادة (4) من قانون ضم المعهد القضائي إلى مجلس القضاء الأعلى رقم (70) لسنة 2017 التي جاء فيها الاتي (تحل عبارة مجلس القضاء الأعلى محل عبارة وزارة العدل و تحل عبارة رئيس مجلس القضاء الأعلى محل عبارة وزير العدل أينما وردت في قانون المعهد القضائي).

3. حتى لو افترضنا ان المذكرة ما زالت تملك قوة النفاذ، وهو فرض محال، بسبب الغاء الامر الذي صدرت بموجبه، لكن مع هذا الفرض، فإنها مجرد تعليمات لا يمكن لها ان تعدل نص ورد في قانون نافذ، وعند التعارض فان نص القانون يرجح عليها في التنفيذ وعند التطبيق.

4. فضلاً عن ذلك فان نص تلك المذكرة لم يرد فيها أي إشارة الى نقابة المحامين، ومثلها قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017، حيث لم يرد فيه أي ذكر لنقابة المحامين او لقانون المحاماة.

الخلاصة: 

1. ان السيد وزير العدل هو الصاحب الصلاحية التي وردت في نص المادة (93) من قانون المحاماة النافذ، وذلك لصراحة النص، وعدم وجود أي نص قانوني اخر يخالف منطوقه، كذلك لم يكن من مهام مجلس القضاء الاعلى إدارة النقابة عند حصول الشغور او حل مجلسها لاي سبب كان، وعلى وفق المهام التي وردت حصراً في المادة (3) من قانون مجلس القضاء الأعلى النافذ.

2. ان الدستور النافذ لم يمنح مجلس القضاء الأعلى أي صلاحية تتعلق بنقابة المحامين او قانونها النافذ حيث ان المادة (90) من الدستور قد حددت مهامه في إدارة الهيئات القضائية فقط وعلى وفق النص الاتي (يتولى مجلس القضاء الاعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية، وينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه)، كذلك قد حددت مهام مجلس القضاء الأعلى بثلاث مهام لا غير وليس من بينها إدارة نقابة المحامين عند شغور المناصب فيها او حل مجلسها لاي سبب كان وعلى وفق ما ورد في المادة (91) من الدستور التي جاء فيها (1- إدارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي. 2- ترشيح رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الأِشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم، 3- اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للـموافقة عليها).

مقترح المعالجة:

حيث ان مجلس النواب بصدد مناقشة وتشريع قانون جديد للمحاماة، لابد من الالتفات الى هذه النقطة التي تجعل من النقابة أسيرة لدى السلطات اما التنفيذية، القضائية او التشريعية، ولابد من حماية استقلالها، وجعل ادارتها والنظر في قراراتها من داخل النقابة، لإنها تملك طاقات كبيرة وكثيرة لها الباع الطويل في مجال الحقوق والقانون، فضلاً عن كونها البيئة المصدرة للقضاة، بل انها أعطت القضاء افضل من مثله بشرف ونزاهة وتفاني وإخلاص، وكانت منبعاً غرفت منه الدولة العراقية في مرحلة بنائها ومازالت على ذلك المنهج، وما موجود في متحفها من شواهد وشخوص تؤكد على ان النقابة قادرة على إدارة شؤونها في أي ظرف كان، وبالإمكان معالجة مسألة شغور المناصب او الحل من خلال تشكيل لجنة من كبار المحامين المتقاعدين لإدارة النقابة خلال هذه الفترة، بدلا من ادارتها من السلطة التنفيذية الممثلة بالسيد وزر العدل، لأنها نقابة مهنية مستقلة لا علاقة لها بالسلطة التنفيذية، ولا تعتمد في موازنتها على ادي دخل خارجي، وانما فقط ما يدفعه المحامون من اشتراكات، وليس للسلطة التنفيذية أي اسهام في ذلك، 

كذلك جعل الطعن بجميع قراراتها امام لجنة من كبار المحامين المتقاعدين، بدلا من عرضها على القضاء، لإنها إجراءات إدارية تتعلق بالمهنة وسلوك المحامين، وهذه لا يجيد فهمها اكثر من اهل بيتها ممن خبرتهم المهنة خلال سنين عملهم قبل احالتهم الى التقاعد من تلك المهنة السامية والنبيلة، وعدم اشغال القضاء بها كونها لا تمثل خصومات مع اشخاص القانون الخاص.

3. اما الذي يكلف وينتخب أعضاء تلك اللجان، اقترح ان يكون رئيس الجمهورية هو من يقوم بمهمة التكليف بمرسوم جمهوري، بعد اقتراح أسمائهم من مجلس النقابة بعد التصويت عليه بالأغلبية البسيطة لأعضاء الهيئة العامة، وليس لهذه المهنة اسمى من ان يكون من ينفذ قرارتها الا من يمثل رمز البلاد المتمثل بشخص السيد رئيس الجمهورية الذ هو رمز البلاد ووحدتها وعلى وفق ما ورد في المادة (67) من الدستور التي جاء فيها (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لأحكام الدستور.

* قاضٍ متقاعد

اضف تعليق