وصلت قضية البتّ في حكم الاعدام بحق آية الله الشيخ نمر باقر النمر، الى طاولة ملك السعودية (سلمان ابن عبد العزيز)، بعد أن صادقت المحكمة السعودية العليا في آخر مرحلة لها، على حكم الإعدام بحق الشيخ النمر على الاتهامات المنسوبة اليه ظلماً.
هذا الحكم، صدر قبل عام تقريباً، وسط أجواء سياسية مشحونة في الداخل والخارج، بحكم تجاذبات اقليمية عنيفة تتمحور على ساحات صراع دامية في مقدمتها سوريا واليمن والبحرين، الامر دفع بالمراقبين الى وصف الحكم القضائي بانه نوعاً التعكّز السياسي بخلق أزمة داخلية للخروج من أزمة خارجية اكبر. او انها نوعاً من عرض العضلات والتأكيد لأكثر من طرف في الداخل والخارج بأن السلطات السعودية، بعدُ ما تزال تحتفظ بقوتها وتماسكها السياسي والأمني، مع وجود تحديات ماحقة تواجه السعودية بسبب الخلاف الشديد على السلطة داخل الأسرة الحاكمة، تضاف الى جملة اسقاطات وهزائم تعرضت لها، في مقدمتها فشل الإطاحة بنظام بشار الاسد، وفشل القضاء على الحوثيين في اليمن، ثم الفضائح المتتالية التي تقفز هنا وهناك على واجهة الاعلام.
كل ذلك، يستدعي من القوى الشيعية في العالم، متمثلة في دول و مؤسسات وتنظيمات وكيانات متعددة، لأن تقول كلمتها الفصل في هذا المعترك الذي يُراد له أن يكون سياسياً، وليس قضية انسانية وحضارية لها صلة بمفاهيم وقيم مقدسة، مثل الحرية والكرامة والعدالة وغيرها. إذن؛ فالقضية ليست قابلة للتفاوض والحل السياسي، كما هي قضايا كثيرة في العالم، وفي منطقتنا ايضاً. وللعلم فقط، فإن رسائل عديدة وصلت آية الله الشيخ النمر في السجن، بأن السلطات السعودية تنتظر منه اعتذار بسيط واحد لتفرج عنه وينتهي كل شيء، بيد أن القضية المبدأية التي انطلق منها الشيخ النمر تجعله يتمسك بموقفه من النظام الحاكم وما ارتكبه من جرائم وإفساد ونهب للثروة الوطنية، فضلاً عن تشويهه لسمعة الدين الاسلامي في العالم.
وهنا التساؤل عن السبل الناجحة للتضامن مع قضية الشيخ النمر، بما يعزز موقفه وهو في معتقله أولاً؛ ثم تعزيز قوة الردع امام السلطات السعودية ثانياً. وهذا يمكن ان يكون على اتجاهين متوازيين؛ في العالم الاسلامي، وفي العالم الغربي، ثم العالم أجمع.
كشف الحقائق أمام المسلمين
هناك اعتقاد سائد في عديد البلاد الاسلامية على أن السعودية تمثل رمز التدين والالتزام بالاحكام الشرعية، وما يعزز هذا، وجود الحرمين الشريفين، في منطقة الحجاز، وما تغدقه المؤسسات السعودية المختلفة في هذه البلاد لتكريس هذا التصور في أذهان المسلمين البعيدين عن الاحداث وعن ساحة الصراع، مثل المسلمين في اندونيسيا وماليزيا وفي آسيا الوسطى والقوقاز، وفي البلاد الافريقية الى جانب الاقليات المسلمة في البلاد البعيدة مثل الصين وروسيا وغيرها.
ربما يمكننا الجزم، بأن قضية الشيخ النمر، لم تصل بحقيقتها الى تلك الشعوب، كما وصلت الافكار السلفية والوهابية من خلال أئمة الجوامع والمؤسسات التي توزع المعونات الغذائية والمساعدات على المحتاجين. وعندما يصل خبر الشيخ النمر الى تلك البلاد مصحوبة بجملة من الاتهامات والاكاذيب، فانها تكون قضية عادلة بالنسبة لهم ولا غبار عليها. بينما انكشاف الحقيقة أمام الرأي العام الاسلامي في كل مكان، يضع الشريحة المثقفة والواعية في تلك البلاد أمام المسؤولية الاخلاقية والدينية أمام مجتمعاتهم وامام العالم الاسلامي بأسره. وإن لم نقل بتحول تلك الشعوب الى جبهة المعارضة التي يقودها الشيعة في العالم، فان "أضعف الايمان" في تراجع النفوذ السعودي في البلاد الاسلامية وتحولها الى متهم ومُدان.
سحب الشرعية الدولية
بما أن المعروف عن السلطات السعودية خشيتها وتأثرها الشديد على طول الخط من العامل الدولي في أي قرار او تحرك تقوم به على صعيد السياسات الداخلية، على مختلف الاصعدة، فانه يكون من الضروري التحرك جدّياً وبشكل منظم وجماعي نحو المحافل الدولية، السياسية منها و الانسانية والمهنية، ولطالما حاول الأمراء السعوديون الظهور بمظهر المحب للانسانية والقيم والمبادئ امام شعوب العالم، لاسيما الشعوب الغربية، لمعرفتهم بأن البلاد الغربية قائمة على نظام المؤسسات وليس السلطات، كما هو حال دولنا، وتحديداً "الدولة السعودية"، فاذا كان لهذه المؤسسات تأثيرها الكبير في القرار السياسي هناك، فانه منه من الجدير ان تتوجه رسائل الاستنكار والشجب الى هذه المؤسسات وتوضيح كل الحقائق أمام الرأي العام، بأن الشيخ النمر لم يكن هو السبب في "اشعال الفتنة الطائفية" في بلاده، كما يتهمونه، إنما هذا يمثل محاولة للتستر على المتهم الحقيقي في هذه الجريمة التي ارتكبها حكام السعودية منذ سنوات، من خلال التمييز الطائفي والتوزيع غير العادل للثروة، واحتكار السلطة لفئة معينة.
ربما يقول البعض أن الحكام السعوديين بامكانهم شراء الاقلام والمواقف بالاموال وبكل سهولة، وهذا ممكن وحاصل منذ سنوات، بيد أن تأثير هذا لن يكون مثل التأثير الذي تتركه على البلاد الاسلامية، او المؤسسات الاسلامية في الغرب، فالمؤسسات الاعلامية والمحافل السياسية والمنظمات والجمعيات هناك، لها رسالتها ومبادئها، فالتعامل مع المال السعودي في أي قضية كانت، يكون في اطار الصفقة التجارية المربحة التي تنتفي الحاجة اليها بانقضاء وقتها، وليس هنالك اتفاق مبرم لصداقة على طول الزمن.
نعم؛ صدرت ردود فعل قوية من علماء دين وشخصيات سياسية وحقوقية واكاديمية في ايران والعراق ولبنان ومصر وبلاد اسلامية اخرى، بيد أن المطلوب، ردود فعل من شأنها ان تغير الموقف وتخلق الحدث الجديد. فالقضية ليست شخصية – كما اسلفنا- إنما هي قضية مطالب حقّة وعادلة من شعب يعيش في ظل قمع وحرمان وتمييز طائفي واضح، لذا فان التحرك لتعبئة الرأي العام على النظام السعودي ليس فقط لمطالبة ملك السعودية بإصدار العفو عن الشيخ النمر وإنقاذه من الموت، وهو الذي وطّن نفسه على الشهادة والتضحية بنفسه لتحقيق المطالب المشروعة لشعبه، إنما القضية في محاربة سياسة ومنهج ينتج الفساد والازمات في داخل السعودية وخارجها. والدفاع عن الشيخ النمر، إنما هو دفاع عن القيم والمبادئ التي من اجلها يضع نفسه اليوم في فوهة المدفع.
اضف تعليق