في الآونة الاخيرة بدأ تسونامي الهجرة الى اوروبا بنحو غير مسبوق من لدن المهاجرين الهاربين من الحروب والازمات السياسية والاقتصادية في بلدنهم على غرار بلدان الشرق الاوسط وبعض الدول الافريقية، بهدف الحصول على حق اللجوء في الفردوس الاوربي، لكن حتى وقت قريب كانت تواجه هؤلاء المهاجرين عقبات عصية تبدأ من خطورة طريق الرحلة الى متاهة قوانين اللجوء في القارة العجوز.
اما اليوم فقد غيرت بعض الدول الاوروبية ومنها المانيا وبريطانيا استراتيجيتها في قبول واستقبال اللاجئين وخاصةً مهاجري سوريا.
يطرح بعض المراقبين لشؤون الهجرة مجموعة التساؤلات التي تثير الريب حول تغير مواقف بعض الدول الاوربية تجاه موجة الهجرة المتنامية حتى اللحظة الراهنة، وأهم هذه التساؤلات هي ما الذي دفع اصحاب القرار في تلك الدول الى تغيير استراتيجيتهم في قبول اللاجئين وخاصة من السوريين؟، وهل سيفتت طوفان الهجرة اتحاد القارة العجوز بسبب التحديات الاقتصادية والحقوقية والامنية؟، وهل توجد صفقة بين الحكومات لإيواء اللاجئين بهذه الاعداد الفلكية وفي الوقت الراهن تحديداً؟، فقد وصل أكثر من نصف مليون لاجئ ومهاجر إلى اليونان هذا العام عن طريق البحر كثير منهم فروا من العنف في سوريا أو العراق أو أفغانستان.
فكثير ما يواجه المهاجرون مصاعب جما للموت منها نصيب الاسد، أذ يقومون بالهجرة الانتحارية عبر قوارب مطاطية مكتظة تنقلب بسهولة عن طريق عصبات التهريب لتنتهي معظم الرحلات الى موت لا يستثني الاطفال والنساء.
فيما بات التمييز الطائفي اجراء تمارسه الكثير من السلطات في اوروبا تجاه المهاجرين، فبعض الدول تسمح للمسيحيين فقط اللجوء اليها دون الاخرين، في حين تلقى بعض العوائل المهاجرة استقبلا فظا من لدن الشرطة في بعض الدول الاوربية بسوء المعاملة والتحقيق المرهق اللانساني، وغيرها الكثير من المآسي الانسانية.
لكن على الرغم من كل ذلك لا يزال طوفان الهجرة يواصل اغراق اوروبا بالمهاجرين، فيا ترى ما الذي يدفع الشباب للبحث عن حياة جديدة في أوروبا رغم مخاطر الموت المحتم؟، وكيف يصلون إلى هناك؟، وما ابرز التحديات التي ستواجهها القارة العجوز على المستويين الاقتصادي والحقوقي؟، بعض الاجابات على هذه التساؤلات رصدتها شبكة النبأ المعلوماتية في القصص الخبرية ادناه.
رحلة الموت إلى اليونان
على صعيد ذي صلة شيع لبنان سبعة أفراد من عائلة لبنانية لقوا حتفهم عندما كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان على متن قارب في رحلة قال أحد الناجين إنهم كانوا يشاهدون فيها أحباءهم يموتون أمام أعينهم، وقال أقارب لعائلة صفوان إن 12 من أفراد العائلة -وبينهم امرأة حامل وطفلان- غادروا لبنان بعد أن استبد بهم اليأس من مستقبل حياتهم إذا بقوا في بلادهم وانطلقوا في الرحلة من تركيا إلى اليونان ساعين إلى حياة أفضل في أوروبا.
ولكن القارب الذي كان يقلهم والمصنوع من الفيبرجلاس غرق في البحر المتوسط بعد مغادرته من تركيا إلى اليونان. ووصلت جثث الضحايا في التوابيت في وقت متأخر من يوم الأربعاء إلى مطار بيروت.
وقال موسى صفوان وعمره 24 عاما الذي توفيت زوجته الحامل "غادرنا البلاد وقلنا في أنفسنا أننا قد نستطيع أن نبني مستقبلا أفضل. لقد رأينا أن مستقبل لبنان يتدمر شيئا فشيئا."أضاف قوله في باحة منزله حيث تجمع الأقارب والأصدقاء لتقديم واجب العزاء ان زوجته "ماتت بين يدي بسبب البرد الشديد". بحسب رويترز.
وأشار الى أنه بقي في المياه ثلاثة أيام يشرب من البحر "في اليوم الثالث نمت في المياه. لم استطع أن أبقى يقظا. حلمت بأبي وهو يقول لي اذهب انجو بنفسك وانتبه لاخواتك. رأيته وكأنه حقيقة يتحدث معي. كنت أرى البر من بعيد. كنت أرى الجبل وكأنه خيال".
وقال المتحدث باسم العائلة يوسف صفوان وهو ابن عم الضحية مايز صفوان "ليس هناك من مواطن لبناني إلا ويعرف الأوضاع والظروف التي آلت إليها البلاد والتي دفعت بالمواطنين إلى المخاطرة بحياتهم والهجرة كما حصل مع عائلة آل صفوان".
وخيم الحزن على وجوه المشيعين واتشحت النسوة بالسواد وعلا الصراخ فور وصول الجثامين إلى حي الأوزاعي الفقير وأطلق البعض الرصاص في الهواء ونثر البعض الآخر الارز على الجثامين التي حملت كل واحدة صورة صاحبها، وكان الضحايا السبعة قد غادروا لبنان إلى تركيا مع خمسة افراد آخرين من الأسرة في محاولة للعبور إلى اليونان. وتمكن ثلاثة من النجاة وما زال اثنان في عداد المفقودين.
وقال أحد الناجين ان العائلة دفعت عشرة آلاف دولار لمهرب تركي للعبور بقاربه معربا عن اعتقاده بأنه قد تمكن من النجاة، وقال ماهر صفوان البالغ من العمر 16 عاما " بعد أقل من ساعتين في المسير في المياه بدأت المياه تتسرب إلى القارب وامتلأت حقائبنا بالمياه وأصبح وزنها ثقيل واضطررنا إلى رميها في المياه وصرنا نزيل المياه من القارب ونرميها في البحر. بسبب الخوف أصبح قائد القارب يسير بسرعة...ما أدى إلى الاصطدام بالأمواج"، أضاف أن العائلة كانت تعتزم في نهاية المطاف الوصول إلى المانيا، وكانت العائلة قد غادرت منزلها في البقاع القريب من الحدود مع سوريا حيث تشتعل حرب أهلية منذ أكثر من أربع سنوات إلى منطقة الأوزاعي إحدى ضواحي بيروت.
وقد اختار بعض الأشخاص الذين يغادرون لبنان المراكب والسفن والقوارب غير الشراعية للانتقال من مدينة طرابلس بشمال لبنان. وغادر حوالي 28 ألف راكب سوري ميناء طرابلس في اغسطس اب عن طريق العبارات مقارنة مع 16 ألفا في الشهر نفسه من العام الماضي وفقا للسلطات في الميناء.
وقال الجيش اللبناني ان دورية من قواته البحرية اوقفت مركبا لبنانيا قدرته التحميلية لا تتعدى 15 شخصا وكان على متنه 53 شخصا في محاولة لتهريبهم إلى خارج لبنان بطريقة غير شرعية عبر مدينة طرابلس الساحلية، وقال الجيش في بيان انه اعاد الركاب ومن بينهم ثمانية لبنانيين وو28 فلسطينيا و14 سوريا، وقالت زينب مايز صفوان التي لم تكن معهم في رحلة الموت وهي تندب على عائلتها "لا أعرف كيف سأكمل حياتي. هي صعبة. كانت صدمة قوية والآن لا نصدق كيف حصل هذا".
حياة أشبه بالتسول في شوارع أثينا
في السياق ذاته جلست عبير في الشارع خارج شركة للسفريات في العاصمة اليونانية مع ابنتيها تنتظر بينما كان زوجها يجري ترتيبات استلام مبلغ من المال محول من أقاربهم حتى يتمكنوا من مواصلة الرحلة، والتجربة ليست مريحة لعبير التي كان زوجها يعمل موظفا في وزارة الصحة في مدينة دير الزور بشرق سوريا قبل أن تفر الأسرة من الحرب الأهلية الدائرة في البلاد.
تقول عبير "لم أظن في يوم من الأيام أني سأجد نفسي في هذا الوضع. أشعر بالخجل وأنا مكشوفة بهذه الطريقة. الكل ينظر إلي. أشعر وكأني متسولة"، طالت رحلة الأسرة. فبعد الهرب من مدينتهم في سوريا والعبور إلى تركيا دفعوا المال للمهربين لترتيب عبورهم في زوارق متهالكة ركوبها محفوف بالمخاطر من الساحل التركي إلى الجزر اليونانية القريبة.
وفي النهاية وصلت عبير (26 عاما) وزوجها إيهاب وابنتيها إلى الأراضي اليونانية الساعة الخامسة صباحا، وانتهز كثير من اللاجئين والمهاجرين الآخرين الفرصة لشراء الطعام لكن أسرة عبير نفد ما لديها من أموال، وقال إيهاب "لابد من الانتظار حتى تطلع الشمس كي يرسل لي أخي في ألمانيا المال". بحسب رويترز.
وبعد انتظار استمر خمس ساعات عاد إيهاب بالمال. وعرض موظف بشركة سياحية تذاكر حافلة متجهة إلى الحدود المقدونية مقابل 50 يورو لكن الأسرة ترددت خشية أن يكون العرض احتيالا عليهم، وفي نهاية الأمر دفعهم الإرهاق واليأس لقبول العرض.
رحلة مع اللاجئين: أخيرا إلتئام الشمل .. بعيدا عن الوطن
على صعيد مختلف يترجل إيهاب من القطار في محطة لوبيك ويشاهد أفراد أسرته على الرصيف فتنطلق ساقاه عدوا، "أمي. أمي" تتسارع الكلمات من بين شفتيه وهو يعانق أمه وأبيه وشقيقه وشقيقاته وأطفالهم الذين جاءوا جميعا لاستقبال إيهاب وزوجته عبير وبنتيه، وجد والدا إيهاب وأفراد أسرته الآخرون الملاذ في لوبيك منذ فترة لكنهم ظلوا يتلهفون على لحاقه بهم. وعلى رصيف المحطة انهمرت دموع الفرح.
أتمت الأسرة السورية الصغيرة رحلة استمرت أسبوعا عبر أوروبا من جزيرة يونانية في البحر المتوسط إلى ساحل البلطيق في ألمانيا.
عبرت أسرة ايهاب القارة بحثا عن وطن جديد يخلو من البراميل المتفجرة وقذائف المدفعية والغاز السام الذي قتل ألوفا مؤلفة من المدنيين خلال حرب أهلية مستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، في البداية لجأت الأسرة إلى لبنان حيث توجه قسم من ملايين اللاجئين السوريين الموزعين على تركيا والعراق والاردن.
وفي أواخر أغسطس آب بدأت الأسرة رحلتها إلى أوروبا فأخذت عبارة إلى تركيا قبل أن تلجأ للمهربين من أجل رحلة العبور المحفوفة بالأخطار في زورق إلى جزيرة ليسبوس اليونانية حيث التقيت بها.
ومن ليسبوس شاركتهم الرحلة الطويلة إلى لوبيك على بعد 2000 كيلومتر على خط مستقيم لكنها أطول كثيرا على امتداد درب المهاجرين المتعرج، كل مرحلة من الرحلة بالحافلات أو الزوارق أو القطارات كانت تبعدهم أكثر فأكثر عن وطنهم في مدينة دير الزور المطلة على نهر الفرات في شرق سوريا، وقفت أراقبهم على المحطة في لوبيك وأنا أتذكر كلمات ابنة إيهاب الصغيرة ذات الأعوام الستة وهي تركب القطار المتجه شمالا "بلدي أحسن بلد في العالم. سأعود إليها.. عندما تنتهي الحرب".
من المجر إلى فيينا .. إرهاق ثم حسن استقبال
للوهلة الأولى بدا القطار خاليا لكن النظرة الفاحصة أوضحت أنه مليء بمهاجرين يغطون في النوم وقد نال منهم الإرهاق بعد أن عبروا الحدود أخيرا إلى المجر.
كانت هذه المجموعة قد عبرت في الوقت المناسب قبل أن تغلق الحكومة المجرية حدودها مع صربيا لوقف الطوفان الذي جلب معه عشرات الآلاف إلى الاتحاد الاوروبي، لم يكن مسموحا للصحفيين بركوب القطار لكنني تمكنت من ركوب القطار التالي ورحت أبحث عن ثلاث أسر سورية سافرت معها في رحلتها من البحر المتوسط إلى شمال أوروبا.
كان القطار قديما وقذرا وبدأ رحلته بعد فترة انتظار استمرت ثلاث ساعات وكانت الأبواب التي تربط عرباته مغلقة بإحكام لمنع المسافرين من التنقل من عربة لأخرى، كان بين ركاب القطار ومعظمهم من الشبان المسافرين بمفردهم امرأة مسيحية تدعى فايزة في الخامسة والاربعين من عمرها وقد اقترض زوجها المسلم المال لسداد تكاليف هربها مع أولادهما الثلاثة، وقالت فايزة "غادرت العراق لأني تلقيت تهديدا بالقتل. فإما أن أعتنق الاسلام أو يقتلونني. تعبت. لا أحد يغادر بلده إلا إذا كان مضطرا"، عندما وصل المهاجرون إلى الحدود النمساوية في العاشرة مساء ساروا أربعة كيلومترات تحت المطر حتى وصلوا إلى مركز استقبال.
وفي صباح اليوم التالي وبعد أن بدأت أفقد الأمل في العثور على السوريين شاهدت أسرة مالك القادمة من مدينة الحسكة السورية. كانت الأسرة تريد الوصول إلى فيينا لمقابلة قريب لها سينقل لها مالا من فرنسا ويعاونها في مواصلة رحلتها.
وباع آخرون عبروا حدود خمس دول - لكن لا أقارب لهم في أوروبا يعولونهم - ما تبقى لديهم من حلي لتمويل المراحل الأخيرة من الرحلة، وقال صلاح القادم أيضا من الحسكة "مرة أخرى احتجنا المال. اضطررنا لبيع خواتم زوجتي حتى نتمكن من سداد مصاريف سيارة أجرة من بلجراد إلى الحدود المجرية"، وفي العاصمة النمساوية كانت مفاجأة أخيرة تنتظرني.
اتصل بي إيهاب الذي فقد الاتصال بأسرته السورية قبل أيام. كنت قد قابلته أول مرة على جزيرة ليسبوس اليونانية حيث كانت ابنته ياسمين تبكي على الشاطيء بعد أن ألقى أحد المهربين بالفستان الذي أهدتها إياه جدتها في مياه البحر وهم في زورق في طريقهم من تركيا، قال إيهاب "أنا في فيينا ومتجه إلى ألمانيا غدا. وصلت مريضا إلى الحدود النمساوية وسقطت على الأرض منهارا أثناء وقوفي في طابور لركوب حافلة ستنقلنا إلى مكان ما. لا أذكر أين بالضبط"، وأضاف "لكن إمرأة نمساوية اختارت أسرتي من بين كل الباقين واستقبلتنا في بيتها. أخذنا دشا رائعا ونمنا نوما عميقا".
اضف تعليق