نحنُ الآن ننتظِر أَن نلمِسَ آثار الزِّيارة على السُّلوكِ والمُعاملاتِ وكُلُّنا أَملٌ في أَن نجدَها وقد قلَّلت من خلافاتِنا القاتِلة التي تتحوَّل لأَتفهِ الأُمورِ وأَبسطِ القضايا إِلى ساحةِ حربٍ شَعواء يشوبَها القَتل والذَّبح والإِنتقام وأَقَّلها التَّسقيطُ والفَضائِحُ والتَّهريجُ والتَّهييجُ والتَّحشيدُ. فهل ساعدتنا الزِّيارةُ على التحلِّي بسِعةِ الصَّدرِ...
إِنتهت زيارةُ الأَربعين، بحمدِ اللهِ تعالى، بأَحسنِ حالٍ وبأَفضلِ صورةٍ وأَبهى حُلَّةٍ، وبكاملِ الأَمنِ والأَمانِ لم يشُبها إِلَّا اللَّمَم من الحوادثِ الأَمنيَّةِ المُؤسِفةِ وحوادِثَ سَيرٍ أَودت بحياةِ عددٍ من الزَّائرينَ.
وإِنَّ الفضلَ في نجاحِ الزِّيارةِ يعودُ، من بعدِ فضلِ الله تعالى على عبادهِ وببركةِ أَنفاسِ عاشُوراء وصاحبِها السِّبط الحُسين الشَّهيد (ع) إِلى:
- النَّاسُ الذينَ شاركُوا بالزِّيارةِ بمُختلفِ أَلوانِ المُشاركةِ، خاصَّةً أَصحاب المواكبِ وخدَمَة الزوَّارِ الذينَ نصبُوا سُرادقات الخدمةِ والطَّعامِ والشَّرابِ في كُلِّ شارعٍ وزُقاقٍ وطريقٍ مشى فيهِ الزوَّار، فتعاونُوا على البرِّ والتَّقوى وتكاتفُوا لمُساعدةِ بعضهِم البعض الآخر وتكاملُوا بحملِ أَنواعِ المسؤُوليَّةِ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ.
حتَّى الأَطفال الصِّغار والنِّساء والعجَزَة والمَرضى الذينَ لفتُوا إِنتباهَ الإِعلامِ وكُلَّ زائرٍ مرَّ عليهِم، بما قدَّمُوهُ من خدمةٍ في الذِّكرى الأَليمة.
- الأَجهزةُ المعنيَّة سواءً على مُستوى الدَّولة الإِتِّحاديَّة أَو الحكوماتِ المحليَّةِ، أَمنيّاً وخدميّاً وطبيّاً، وإِن شابَ الزِّيارة تقصيرٌ واضِحٌ فيما يخصُّ التَّجهيزُ بالطَّاقةِ الكهربائيَّة.
- الإِعلامُ بكُلِّ وسائلهِ المرئيَّةِ والمسمُوعةِ والمقرُوءةِ والتي نجحَت نجاحاً باهِراً في نقلِ الذِّكرى سواءً بشَكلٍ مُباشرٍ أَو غَير مُباشرٍ.
وإِلى جانبهِ وسائل التَّواصُل الإِجتماعي العامَّة والخاصَّة والتي لم تُقصِّر في نشرِ الأَخبارِ والمقاطعِ المُصوَّرةِ والحِواراتِ لحظةً بلحظةٍ.
- ولا ننسى ما قدَّمتهُ العتبتَينِ المُقدَّستَينِ الحُسينيَّةِ والعبَّاسيَّةِ من خدماتٍ جليلةٍ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ ساهمَت بشَكلٍ كبيرٍ وملموسٍ في تنظيمِ وترتيبِ وتسهيلِ الزِّيارةِ وسَيرِ المَواكبِ وانسيابيَّةِ الحركةِ وغيرِها.
إِنتهى كُلُّ ذلكَ بانتظارِ أَن نلمِسَ آثارهُ في السُّلوكِ وعلى المُستوَيَينِ؛ الزَّائرُ الفَرد والزَّائرُ المُجتمع، فالزِّيارةُ، كما نعرِف، لها بُعدَينِ؛ الأَوَّل؛ هو البُعد الرُّوحي والنَّفسي والشَّخصي، وهوَ الذي يرتبِطُ بينَ العَبدِ وربِّهِ والزَّائِرِ بسيِّدِ الشُّهداءِ (ع) لا عِلاقةَ ولا شأنَ لنا بهِ فلا نحكُم على النَّوايا ولا نتوقَّف عندَ السَّرائر ولا نُفتِّش في الدَّوافعِ.
الثَّاني؛ هوَ البُعد السُّلوكي [المُعاملة] وما يتركهُ البُعد الأَوَّل [الرُّوحي] على سلوكِ المرءِ ومُعاملاتهِ مع الآخَرين [الأُسرة، الجيران، المحلَّة، المدينة، الدَّولة، القانُون، المال العام، الأَملاك الخاصَّة والعامَّة، السِّياسة، الإِقتصاد، الإِعلام، محل الدِّراسة والعمَل، الآخر الذي يختلِف معهُ في الدِّين والمَذهب والإِثنيَّة والخلفيَّة الفكريَّة والإِنتماء] وغيرِ ذلكَ.
وهوَ المُهِمُّ.
نحنُ الآن ننتظِر أَن نلمِسَ آثار الزِّيارة على السُّلوكِ والمُعاملاتِ وكُلُّنا أَملٌ في أَن نجدَها وقد:
١/ قلَّلت من خلافاتِنا القاتِلة التي تتحوَّل لأَتفهِ الأُمورِ وأَبسطِ القضايا إِلى ساحةِ حربٍ شَعواء يشوبَها القَتل والذَّبح والإِنتقام وأَقَّلها التَّسقيطُ والفَضائِحُ والتَّهريجُ والتَّهييجُ والتَّحشيدُ.
فهل ساعدتنا الزِّيارةُ على التحلِّي بسِعةِ الصَّدرِ لنتحمَّلَ بعضَنا؟!.
وهل ساهمَت في خلقِ [رُوحِ الجماعة] و [الفريق الواحِد] وعلَّمتنا [العَمل الجَمعي] بدَل العَمَل الفردي؟!.
هل علَّمتنا ثقافة [التَّمكين] بدَل [التربُّص]؟! يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِه رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاء ِ ورَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِه فَشَلًا فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيه بِفَضْلِ نَجْدَتِه الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْه كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِه فَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَه مِثْلَه}.
٢/ ساعدَت في فكِّ الإِرتباطِ معَ الفاسدِينَ واللُّصوصِ والتبرُّؤ من تُجَّار الدَّم والدِّين والمَذهب الذينَ يتستَّرُونَ بالمُقدَّسِ لمُمارسةِ أَبشعِ أَنواع اللُّصوصيَّة والتَّجاوز على وسحقِ حقُوقِ النَّاسِ.
فلا نرى من الآن فصاعِداً مِهوالاً يهتفُ بحياةِ سياسيٍّ فاسدٍ ولا نرى مجموعةً تلهثُ كالكلابِ خلفَ سيَّارةِ الزَّعيم الحرامي وهي تهتفُ [علي وياك علي] و [بالرُّوح بالدَّم نفديك أَيّاً كان].
نأملُ أَن تُساهِمَ الزِّيارةَ في التَّقليلِ من عددِ الذين وصفهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّه سُبْحَانَه إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ ولَا يُضَارِعُ ولَا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ} فيقِلُّ عدَد [البوَّاقة] و [المدَّاحون] للباطلِ على حسابِ الحقِّ، وللمصالحِ الشَّخصيَّةِ على حِسابِ الصَّالحِ العامِّ.
٣/ قلَّلت من نسبةِ إِنتشارِ المُخدَّراتِ في المُجتمعِ، الإِتِّجارِ بها وتداوُلها وتعاطِيها، وقللَّت من كُلِّ أَنواع المفاسدِ الإِجتماعيَّةِ والأَخلاقيَّةِ، ومِن أَخطرِها الشُّذوذ الجنسي وتشبُّهِ الرِّجالِ بالنِّساءِ والنِّساءِ بالرِّجالِ، والإِنخراطِ في صفُوفِ الجماعاتِ المُتطرِّفة والمُنحرِفة عقديّاً وفكريّاً.
٤/ قلَّلت من نِسَبِ الطَّلاقِ والعُنف الأُسري ضدَّ المرأَة والطِّفل، وساهمَت في بناءِ أُسرةٍ صالحةٍ مُستقرَّةٍ آمنةٍ غَيرِ قلِقةٍ ينعمُ فيها كُلَّ أَفرادِها بالحُبِّ والوِئامِ والعطفِ والرَّحمةِ والتَّعاونِ والتَّجاوُزِ والمغفِرةِ والعفوِ والصَّبرِ والثَّباتِ والعَزيمةِ على الإِستمرارِ في حملِ المسؤُوليَّةِ التَّشاركيَّةِ بينَ كُلِّ أَفرادِ الأُسرةِ، مِن كُلِّ حسبَ عنوانهِ ودَورهِ المنُوطُ بهِ.
٥/ قلَّلت من ارتكابِ كُلِّ أَنواعِ الجريمةِ المُنظَّمةِ كالقتلِ بسببِ المُشاجراتِ وعمليَّات القتل العَشائري بكُلِّ عناوينهِ وعمليَّات الإِغتيالِ السِّياسي والتَّسقيطِ الإِعلامي الذي يُرافق التَّشهير والإِبتزاز والتجسُّس وصِناعة الملفَّات الكيديَّة.
٦/ قلَّلت من غَلواءِ الطائفيَّة والعنصريَّة مهما كانَ الدَّافِعُ ومهما كانَ السَّبب، لتُكرِّسَ إِيماننا بالتنوُّعِ والتعدديَّةِ من أَجلِ تحقيقِ مبدأ التَّعارف والتَّعايُش والتَّكامُل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
٧/ زادَت من الوَعي المُجتمعي على مُستوى الحقُوقِ والواجباتِ من خلالِ معرفةِ المُواطن بحقُوقهِ الدستوريَّة والقانونيَّة فلا يخدعهُ الحاكِم والمسؤُول بالفُتاتِ مِنها وكأَنَّها مكرُمةً يتصدَّقُ بها عليهِ.
إِنَّ للرَّاعي حقوقٌ وعليهِ واجِباتٌ كما أَنَّ للرعيَّةِ حقُوقٌ وعليها واجِباتٌ.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّه سُبْحَانَه لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ ولَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْه ولَا يَجْرِي عَلَيْه إِلَّا جَرَى لَه، ولَوْ كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَه ولَا يَجْرِيَ عَلَيْه لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّه سُبْحَانَه دُونَ خَلْقِه لِقُدْرَتِه عَلَى عِبَادِه ولِعَدْلِه فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْه صُرُوفُ قَضَائِه ولَكِنَّه سُبْحَانَه جَعَلَ حَقَّه عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوه وجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْه مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْه وتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُه}.
٨/ زادَت من منسوبِ العزَّةِ والكرامةِ وشرفِ الإِنتماءِ للوطَن وللدِّينِ والمذهبِ، ليرفُضَ المُواطن رفضاً باتّاً العَيشَ في ظلِّ الدَّولةِ منقُوص العزَّة أَو مبتُور الكَرامة أَو بنصفِ شرفٍ.
٩/ عمَّقت من إِيمان المُواطن بقيمةِ الحريَّةِ التي سيُقاتل من أَجلِ حمايتِها كما يُقاتِل من أَجلِ انتزاعِ لُقمةِ العَيشِ من سُرَّاقِ المالِ العام، فلا يدع ظالِماً يسرقَها منهُ أَو مُضلِّلاً يتجاوز عليها أَو دجَّالاً يسلبَها منهُ.
وكذلكَ عمَّقت إِيمانهِ بحريَّةِ التَّعبيرِ وحريَّةِ الإِختيارِ واحترامِ الحدُودِ التي رسمَها الخالقُ جلَّ وعلا بينَ العبدِ والعبد، فلا يتجاوَز الحدُود بذريعةِ الحريَّة أَو يتجاوَز على المُجتمعِ وثوابتهِ وقِيمهِ وعاداتهِ وتقاليدهِ بذريعةِ حريَّةِ التَّعبيرِ، فلكُلِّ مفهُومٍ ومُصطلحٍ حدودٌ وسدُودٌ ينبغي احترامَها لنعيشَ في بلدٍ يكونُ فيهِ القانُون فوقَ الجميع ولا يكونُ شِراكاً تصطادُ الضُّعفاء ويهرَب منها الأَقوياء والمدعُومينَ!.
١٠/ هيَّأَت الأَرضيَّة المُناسبة والضروريَّة لتحسينِ علاقاتِنا معَ بعضِنا لإِشاعةِ رُوح الأُخوَّة والصَّداقة الحقيقيَّة التي تحمِي الأَسرار وتمنَع إِنتشار الفاحِشة بينَ النَّاسِ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
١١/ قلَّصت فَجوة الطبقيَّة الإِجتماعيَّة والإِقتصاديَّة [المُستوى المَعيشي] في المُجتمعِ، وقلَّلت من عددِ الشحَّاذينَ والمُتسوِّلينَ والبطَّالينَ، وزادَت من فُرص العمَل وتسبَّبت بزيادةِ منسوبِ النَّشاط والفاعليَّةِ خاصَّةً بينَ شريحةِ الشَّبابِ وقلَّلت من حالاتِ العبثيَّة واللَّاأُباليَّة وتضييعِ الوقتِ بالتَّوافهِ التي تنتشِر كظاهرةٍ سلبيَّةٍ في المُجتمعِ، ليتحوَّل إِلى مُجتمعٍ مُنتجٍ وغَير مُستهلِك محكُومٌ بالتَّكافُلِ الإِجتماعي بدلاً من مفهُومِ قَولِ الله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ليجِدَ الأَيتامُ والضُّعفاءُ حُضناً دافئاً يأوُونَ إِليها فلا يضيعُونَ فتفترِسهُم الذِّئابُ المسعُورةِ والوحُوشُ الفتَّاكةِ.
١٢/ قلَّلت لتقضي مِن ثمَّ على ظاهرةِ الأُميَّة بنوعَيها [عدَم القُدرةِ على القراءةِ والكتابةِ] وهيَ الأَهم و [الجَهل الفكري والثَّقافي] بسببِ حالةِ الطَّلاقِ البائنِ بينَ المُواطن والكِتاب، وهوَ المُهِم.
١٣/ ساعدَت المُجتمعِ في تجاوُزِ ظاهرةِ [التَّفاهة] التي تنتشِرُ بشَكلٍ مُرعبٍ يَوماً بعدَ آخر، بسببِ اعتمادِ طريقةِ [النَّسخِ واللَّصقِ] لكُلِّ ما يمرُّ أَمامَ المُتلقِّي مِن دُونِ تثبُّتٍ حتَّى، والله تعالى يقُولُ في مُحكمِ كتابهِ الكريم {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
اضف تعليق