دستور أي دولة هو الضامن للحقوق والحريات العامة، سواء نص على تنظيمها بقانون أو لم ينص. إن نص الدستور على الحقوق والحريات لا يضمن عدم مخالفتها سواء من السلطات العامة أو من المواطنين. لذا لابد من وجود آليات أخرى لضمان حماية دائمة وأفضل ضامن هي السلطة القضائية...

إن الهدف الأسمى لأي دستور هو ضمان حقوق المواطن وحرياته. والحقوق والحريات التي يضمن الدستور حمايتها هي على نوعين: حقوق وحريات يضمن الدستور حمايتها عن طريق النص على تشريع قانون ينظمها، ويرسم حدود ممارستها، ويحدد العقوبات التي تقع على من يخالفها، وهي النسبة الأكبر من الحقوق والحريات.

فعلى سبيل المثال؛ ينص الدستور على أن (يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون) (المادة 7 /أولا من الدستور العراقي). و(تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون) (المادة 30/ ثانيا من الدستور العراقي)

وحقوق وحريات عامة يضمن الدستور حمايتها بالنص عليها من غير أن ينظمها عن طريق قانون خاص، فليس للقانون تقييدها بأي حال، لان الدستور كفلها مباشرة، ولم يجعل للقانون أي سلطة تنظيمية عليها. فإذا حدث وتدخل المشرع بخصوصها بأي تنظيم متضمنا أي قيد عليها، فان القانون غير دستوري؛ لان موضوعه أو محله مخالف لنصوص الدستور.

ومع ذلك؛ فإن التدوين والتنظيم الدستوري للحقوق والحريات، قد لا يوفر الضمانات الكافية لصيانة كرامة الإنسان وحرياته أمام الدولة ونفوذ سلطتها التشريعية والتنفيذية الأمر الذي يستلزم وجود لسلطة ثالثة تمارس الرقابة على السلطتين المذكورتين، لتشكيل حائط الصد والردع، لأي مساس بالحقوق الدستورية والقانونية للإنسان، وهي السلطة القضائية التي أنيط بها هذا الدور، واتخذت على عاتقها حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد عن طريق فرض رقابتها الدستورية على ما يصدر من خرق لتلك الحقوق من السلطة التشريعية، أو من خلال تصديها لأي تعد على حقوق المجتمع من السلطة التنفيذية أو من الغير.

وتعد (السلطة القضائية) مهما تعددت أسماؤها وعناوينها هي الضامن الأكبر لحماية هذه الحريات والحقوق، ومن هنا نشأ ما يُعرف بـ(مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين)

إن المقصود بالرقابة القضائية هو أن تتولى هيئه قضائية مراقبة دستورية القوانين، أي أن يتولى القضاء فحص القوانين ليتحقق من مطابقة أحكامها للدستور. وهذا يشمل الجهة القضائية التي جعل الدستور من اختصاصها الرقابة على دستورية القوانين عندما تكون الرقابة مركزية، أي قضاء دستوري متخصص. وكذلك يشمل المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها عند نظرها بدستورية القوانين، عندما تكون الرقابة لا مركزية أي عندما لا يكون هناك قضاء دستوري متخصص.

ونظراً لما يتسم به القضاء عامةً من الحياد والموضوعية وبعده عن الأهواء والنزوات، والاستقلال في أداء مهماته. وما يتوفر لدى القضاة من مؤهلات قانونية تسمح لهم بالاضطلاع بمهمة فحص القوانين للتحقق من مدى مطابقتها لأحكام الدستور، فإن الرقابة القضائية على دستورية القوانين هي أفضل وسيله لحماية أحكام الدستور، يضاف إلى ذلك ما يضمنه القضاء للأفراد من حرية التقاضي وحق الدفاع والعلانية مما يجعل الرقابة القضائية على دستورية القوانين رقابة حقيقية وفعالة.

وينظر القضاء الدستوري أو المحاكم الدستورية في القضايا أو التشريعات المخالفة للدستور عن طريقين هما:

1. رفع الدعوى: تجيز بعض دساتير الدول للهيئات العامة أو الأفراد العادين أن يتقدموا بدعوى عدم دستورية القانون أمام المحكمة المختصة، فتنظر هذه المحاكم في الدعوى القضائية المرفوعة أمامها وتقرر إما دستورية القانون المطعون به، أو عدم دستورية القانون. وفي الحالة الأخيرة فان قرار المحكمة يكون قرارا باتا وملزما، وعلى جميع الهيئات العامة تنفيذ ذلك الحكم. وقد تجيز بعض الدساتير للهيئات العامة أو لرئيس الجمهورية أن يحيل مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية المختصة بحجة مخالفة للدستور. وهنا أيضا يمكن أن يصدر القاضي الدستوري ما يؤيد هذا الطعن أو يخالفه.

2. الدفع بعدم دستورية القانون: يمكن لأي مواطن متضرر من القانون أن يطلب من المحكمة المختصة، عدم تطبيق القانون بحق كونه مخالفا لنص من نصوص الدستور. وعندما تقتنع المحكمة بصحة الدفع المذكور تمتنع عن تطبيق القانون على الواقعة محل النزاع، ولكنها لا تتعرض للقانون نفسه بالإلغاء. ويشير بعض الفقهاء إلا أن ممارسة أسلوب الدفع بعدم الدستورية لا يحتاج إلى نص دستوري حيث يؤكد أن عدم تنظيم الدستور للرقابة القضائية على أنه قبول لها بواسطة الدفع الفرعي.

والقاضي الدستوري يمكنه في مجال الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون أن يصدر: إما قرار يعلن مخالفة القانون كليا أو جزئيا للدستور، أو قرار يعلن فيه مطابقة القانون للدستور. ففي الحالة الأولى نجد أن المدى الذي يبلغه مخالفة القانون لأحكام الدستور يمكن أن يطال النص المطعون فيه بمجمله كما يمكن أن يفند بعض نصوصه فقط.

ففي إطار المحكمة الاتحادية العليا في العراق فقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الاستفتاء الذي اجري في 25 أيلول 2017 في إقليم كردستان العراق والمناطق الأخرى خارجه، حيث وجدت المحكمة أن الاستفتاء يعارض المادة (1) من الدستور والتي تنص على (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) وذكر القرار (أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لا يجيز انفصال أي مكون من مكونات نظامه الاتحادي الوارد ذكره في المادة (116) من الدستور

وفي المحصلة النهائية يمكن القول:

1. إن دستور أي دولة هو الضامن للحقوق والحريات العامة، سواء نص على تنظيمها بقانون أو لم ينص.

2. إن نص الدستور على الحقوق والحريات لا يضمن عدم مخالفتها أو تجاوزها سواء من السلطات العامة أو من المواطنين. لذا لابد من وجود آليات أخرى لضمان حماية دائمة لهذه الحقوق والحريات وأفضل ضامن هي السلطة القضائية.

3. يمكن للقاضي الدستوري أن يلغي كل قانون مخالف للحريات والحقوق ويمكن أن يلغي نص من القانون يرى أنه مخالف للدستور.

4. يظهر لنا جليا أهمية وجود الرقابة القضائية على دستورية القوانين باعتبارها من الوسائل الرئيسية التي يمكن بواسطتها ضمان احترام ونفاذ القواعد الدستورية. وتضمن أيضا صدور القوانين من السلطة التشريعية في الإطار الدستوري دون أي إخلال أو تعدي، وهذا بلا شك يحقق في النهاية احترام الحقوق والحريات العامة التي عملت التشريعات الدستورية على كفالتها، ومن ثم يجب أن تأتي القوانين محكومة بما تحدده الدساتير من أحكام وضوابط.

5. إن الحقوق والحريات العامة في العراق تتمتع بضمانات حقيقية وأكيدة في ظل الدستور العراقي الدائم لسنة 2005، من خلال استحداث محكمة اتحادية عليا يكون من بين اختصاصاتها مراقبة مدى توافق القوانين مع الدستور وإلغاء القانون الذي تراه مقوضاً للحقوق والحريات التي نص عليها الدستور.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق