أنا خائف من مسودة قانون جرائم المعلوماتية، لماذا أخاف من قانون يحمي خصوصيتي وخصوصية أسرتي؟ نحن اليوم في مجتمع لا يأمن من حملات تشويه السمعة وانتحال الصفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ القيم الاجتماعية على المحك، وإذا وقفنا ضد القانون، فنحن نبرر ما يحدث من تغيرات سلبية في المجتمع؟ ...
أنا خائف من مسودة قانون جرائم المعلوماتية، وسوف أبذل آرائي للوقوف ضد القانون، زملائي من الصحفيين يتقاسمون معي نفس المخاوف، كتبوا في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروه تقييداً للحريات العامة ومخالفة للمادة 38 من الدستور.
• لماذا أخاف من قانون يحمي خصوصيتي وخصوصية أسرتي؟
• نحن اليوم في مجتمع لا يأمن من حملات تشويه السمعة وانتحال الصفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
• القيم الاجتماعية على المحك، وإذا وقفنا ضد القانون، فنحن نبرر ما يحدث من تغيرات سلبية في المجتمع؟
الأسئلة أعلاه طرحت عليّ من قبل نائبة في البرلمان العراقي تحمل أحدث نسخة للقانون وتستعرض فضائله الكبيرة وضرورته الملحة.
نتشارك مع النائبة في البرلمان بشأن مخاوفها، خصوصيتنا منتهكة، مجتمعنا مهدد، نتعرض لموجات متكررة من الهجمات ضد القيم الاجتماعية، والقيم الوطنية هي ضحية للفوضى في تداول المعلومات المغلوطة.
فشلنا في بناء هوية وطنية موحدة نتيجة سوء تنظيم عملية انتاج المعلومات ونشرها.
الشائعات لها السيادة على الفضاء التواصلي العراقي، الحقائق شحيحة، بالمجمل نحن في بحر معلوماتي تتلاطم فيه موجات من البروباغندا والنشاط الدعائي القاتل للحقائق.
تتفق النائبة البرلمانية مع هذا التوصيف للواقع المعلوماتي العراقي، وأنا أتفق معها، ومعي عدد كبير من الصحفيين والناشطين والكتاب والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير.
إذن لماذا لا ندعم تشريع قانون جرائم المعلوماتية، فهو الطريق المعبد لممارسة رياضة حرية الرأي والتعبير؟
نعتقد أن القوى السياسية ركزت على التشريع للعقوبة وتنظيمها في قانون، قبل تنظيمها لكيفية ممارسة الحق.
أي حق نقصد؟
حق الوصول والحصول على المعلومات.
من المهم قبل تشريع قانون جرائم المعلوماتية، العمل على تشريع قانون حق الوصول والحصول على المعلومات، حتى لا نكون أسرى للتصريحات الرسمية، ولكي يبني المواطن رأياً سليماً يجب أن تتاح المعلومات إلى عامة الناس.
ليس المعلومات العمومية والغامضة، بل معلومات تفصيلية تنشر بشكل أسبوعي وشهري وفصلي وسنوي.
من الضروري وضع عقوبات للموظفين الذين يتعمدون إخفاء المعلومات عن أي مواطن يطلبها بشكل رسمي.
إذا نجحنا في تشريع قانون للحصول على المعلومات، سوف يكون المواطن والصحفي والناشط قادراً على تقديم طلب رسمي إلى أي مؤسسة حكومية أو خاصة لمعرفة نشاطها وطريقة إدارتها.
تنظيم الحصول على المعلومة بهذه الطريقة يقطع الطريق على مروجي الإشاعات وحملات الدعاية السياسية والتسقيط عبر الفضاء التواصلي، لأن أصل الفوضى المعلوماتية ناتج من احتكار المعلومات من قبل السلطة السياسية ومنع المواطنين والصحفيين من الوصول إلى المعلومات الصحيحة.
ووجهة النظر هذه تستند إلى الدستور الذي يخبرني في مادته الخامسة إن السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالإقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.
وفي مادته الثامنة والثلاثين يقر حرية الرأي والتعبير والصحافة.
لو ربطنا المادة الخامسة مع المادة الثامنة والثلاثين، يتبين لنا أن المواطن عليه مسؤولية اتخاذ قرارات صحيحة، وهذه القرارات تعتمد على معلومات دقيقة. وقرارات المواطن قد تظهر على شكل انتخاب لسياسي معين، أو طرح رأي عبر وسائل النشر المتاحة.
كيف يمكن للمواطن تحقيق اختيار انتخابي صحيح أو طرح رأي سديد إذا استولت جهة معينة على عملية انتاج وتداول المعلومات، لا سيما وأن القنوانين العراقية تحصر مسألة السيطرة على تداول المعلومات والبيانات الأساسية للعراقيين بيد الحكومة.
كل شيء ممنوع عن التداول العام، لا نعرف ماذا يجري للثروات الوطنية وكيف توزع، لا نعرف حجم المشاريع وطريقة إنشائها.
لا نعرف ماذا يجري داخل غرف الأحزاب والكيانات السياسية، وهذه القوى لا تمارس الديمقراطية بين أعضائها، فالزعيم يبقى زعيماً حتى يموت.
لنوضح المسألة في مثال، فشلت كل الحكومات السابقة في معالجة ملف الكهرباء، وصرفت عليها مليارات الدولارات، وما يزال إنبوب الصرف مفتوحاً، لكن هل يستطيع المواطن معرفة المصروف الحقيقي بالأرقام الدقيقة؟
لم يستطع الوزراء ولا رؤساء الوزراء ولا النواب تحديد المبالغ المصروفة على قطاع الكهرباء، كل ما نملكه تقديرات تزيد أو تنقص حسب تصريحات المسؤولين.
لجنة التعاقدات الكهربائية في مجلس النواب، توصلت إلى أن حجم الإنفاق الفعلي على ملف الطاقة، منذ عام 2005 وحتى عام 2019 هو 81 مليار دولار، بينما تقول وزارة الكهرباء إن مجموع ما أنفقته هو 62 مليار دولار.
تصور أن تعمل في إحدى الصحف العراقية وتنشر أحد هذه الأرقام، فتتعرض للاعتقال لأنك نشرت إشاعة تهدد الأمن العام.
ولو اعتمدت على مصدر خاص داخل وزارة الكهرباء لديه رقم مختلف عن الرقمين السابقين، سوف تتعرض للاعتقال لأنك اعتمد على أساليب خاصة لتهديد الأمن القومي.
هذا ما نعتبره تهديداً لحرية الرأي والتعبير، فأنت تتحكم في تداول المعلومات، وتجعلني عرضة لوسائل الدعاية المغرضة، تدفعني للتغذي على منافذ غير صحيحة للمعرفة، فافقد قدرتي على الاختيار، ومن ثم لا يبقى أي تأثير لآرائي.
وفوق كل هذا أنت سوف تعرضني للسجن المؤبد والمحدد وغرامات مالية كبيرة، لأنني ببساطة فشلت في التعبير بالطريقة التي تحددها أنت.
تربط كل شيء أعبر عنه بتهديد الأمن القومي، وأنت لم تستجب لرغبتي في تطبيق المادة التاسعة من الدستور، بل إن قانون جرائم المعلوماتية سوف يعتبر مطالبتي بتطبيق المادة التاسعة تهديداً للأمن القومي.
عليك بتنظيم الحق في الحصول على المعلومة بقانون مستقل، وبعدها قد نقبل فتح النقاش بشان قانون لتجريم نشر المعلومات.
الشعب مصدر السلطات.
اضف تعليق