إنسانيات - حقوق

استكمال الولاية القضائية على قرارات السلطة التنفيذية

ضمانة لحقوق الانسان في العراق

دأبت الأنظمة الدكتاتورية الشمولية على إن تحيط نفسها بهالة من الحماية واعتادت إن تضع لتصرفاتها الحصانة والتقديس سواء تمثلت تلك التصرفات بالقوانين أو القرارات، وهو ما لوحظ جلياً في العراق بعد سلسلة الانقلابات منتصف وأواخر الستينيات من القرن الماضي، فالنظام السابق أكثر إلى حد التخمة من النص في القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل على تحصين ما يصدر عن الوزارات والجهات المرتبطة به من الطعن أمام القضاء بحجج واهية.

وواقع الأمر يعد هذا المنهج الأخطر على حقوق الإنسان وحرياته في العراق والدليل إن دستور العراق لعام 1970 أكثر من ذكر الحقوق والحريات إلا أنها بالمجمل كانت منتهكة لأنها بلا ضمانات حقيقية تكفل احترامها وتلزم الجميع بصيانتها، ورقابة القضاء باتفاق الجميع هي السد المنيع والحصن الحصين لحقوق الأفراد وحرياتهم، ولنعطي عن ذلك مثلاً بما ورد في قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 بالمادة (7/خامساً) من إن كل قرارات رئيس الجمهورية من أعمال السيادة بل إن ما يتخذ من قرارات بناءً على توجيهاته يعد من أعمال السيادة ولا تسمع المحاكم أي دعوى ضدها فالمتتبع يجد إن الأجهزة القمعية كانت تعصف بحقوق الأفراد دون رقيب مدعية بأنها اتخذت على توجيهات رأس السلطة آنذاك.

وبعد التغيير عام 2003 تخطت ضمانات حقوق الإنسان في العراق بعض هذه العقبات فقد صوتت الجمعية الوطنية العراقية على القانون رقم (17) لسنة 2005 المسمى (قانون إلغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى) وبالخصوص قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل للفترة من (17/7/1969 لغاية 9/4/2003)، فصار من حق المواطن العراقي المعتدى على حقوقه وحرياته الأساسية في ظل حكم النظام السابق ان يرفع دعوى قضائية دون ان يصطدم بالتقادم المسقط المانع من سماع الدعاوى، إلا أن المشرع العراقي ترك بالقانون نفسه ثغرة حينما استثنى قوانين وزارتي التعليم العالي والتربية والضرائب وقرارات منع التجاوز على أموال الدولة من تطبيق أحكام هذا القانون، ما جعل الأخير محل نقد المهتمين والباحثين كون الإصلاح الذي ابتغاه المشرع لم يكن متكاملاً وترك ولاية القضاء لاسيما الإداري منتقصة وهو ولاشك انتقاص من ضمانات المواطن العراقي ضد القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية.

ثم بعد ذلك صدر دستور جمهورية العراق لعام 2005 ليؤكد إن رقابة القضاء هي الضمانة الأهم حينما ألزم المشرع بالمادة (100) عدم النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن، إلا أن اللافت إن مجلس النواب العراقي بدل أن يعمد إلى استكمال ولاية القضاء على أعمال السلطة التنفيذية ذهب إلى تحصين بعض تلك الأعمال بان عهد إلى بعض الدوائر الفصل في المنازعات بعيداً عن سوح المحاكم، والأمثلة على ذلك متعددة منها على سبيل المثال قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 وبديله رقم (9) لسنة 2014 اللذان عهدا بمنازعات المتقاعدين إلى لجنة او مجلس تدقيق قضايا المتقاعدين الموجود في دائرة التقاعد العامة ويشكله الوزير نفسه وبهذا يكون جزأ لا يتجزأ من السلطة التنفيذية لا القضائية وهذا الامر انتهاك للقانون رقم (17) لسنة 2005 وللمادة (100) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، فكان الاولى ان يعهد بهذه المنازعات الى محكمة قضاء الموظفين او محكمة القضاء الإداري حسب الاختصاص النوعي بنظر المنازعات ناشئة عن الوظيفة العامة والحقوق المكتسبة الناشئة في ظلها.

والأغرب من هذا وذاك موقف المحكمة الاتحادية العليا حامي الدستور الأول والخط الدفاعي الأساسي للحقوق والحريات الفردية في العراق حينما عرض عليها الأمر وفي أكثر من مناسبة فأكدت دستورية التشريع نذكر ما ورد في حكمها المرقم (105/اتحادية/في/19/1/2015) "...مما تقدم تجد المحكمة الاتحادية العليا إن الأحكام الواردة في قانون إدارة البلديات غير محصنة من الطعن حيث حدد القانون طريقاً للطعن بقرار فرض الغرامة أمام هيأة استئنافية في وزارة الداخلية.." وما ورد في حكمها بالعدد(3/اتحادية/ في/6/5/2013) "إن قانون التقاعد الموحد نص على تشكيل لجنة تدقيق قضايا المتقاعدين... يتضح إن اللجنة هي لجنة خاصة شكلت بموجب القانون وان القرارات التي تصدرها ذات طبيعة فنية خاصة تغلب عليها الصفة الإدارية... وحيث إن الدستور حظر إنشاء محاكم خاصة أو استثنائية ولم ينص على حظر إنشاء لجان خاصة أو وقتية لذا فان تشكيل اللجنة لا يتعارض مع المادة (100) من الدستور".

وان موقف المحكمة الاتحادية العليا من تفسير المادة (100) غاية بالغرابة والتطرف، فلو أمعنا النظر بالدستور نجده مقسم إلى أبواب وفصول، والمنطق يقول إن الفصل الواحد يضم أحكام مترابطة تصب في موضوع واحد، والمادة (100) تقع في الفصل الثالث المعنون بالسلطة القضائية ما يعني قطعاً، وان الطعن المقصود هو الطعن القضائي فقط، لا التظلم الإداري، ثم إن المشرع الدستوري سماه طعناً والأخير لا يكون إلا في أروقة القضاء ولم يسمه تظلماً أمام الإدارة.

ومما يذكر إن المشرع العراقي خطى خطوة مهمة نحو الأمام عندما اصدر القانون رقم (3) لسنة 2015 الذي نص على إلغاء المادة(3) من قانون إلغاء النصوص المانعة من سماع الدعاوى أمام القضاء رقم (17) لسنة 2005، أي أن كل قرارات وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية ووزارة المالية المتعلقة بالضرائب وعقارات الدولة أضحت عرضة للطعن بها أمام محكمة القضاء الإداري، وهذا التوجه التشريعي رغم ما سيفرزه من مشاكل عملية أول الأمر، إلا انه خطوة جبارة إلى الأمام نحو كفالة الحقوق والحريات الفردية واستكمالاً لولاية القضاء الإداري على أعمال الحكومة اليومية، فنشيد بالمنهج التشريعي ونرى من الضروري إيراد نص في قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 بان جميع قرارات السلطات الإدارية المركزية والمحلية تخضع لرقابة محاكم المجلس وان لكل ذي مصلحة الحق برفع الدعوى الإدارية ضد القرار الإداري التنظيمي أو الفردي الذي مس حقوقه العامة أو الخاصة وله كامل الحق بالمطالبة بوقف تنفيذ القرار أو التعويض عنه إن كان القرار قد سبب له ضرر مادي أو معنوي.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق