q
وفيما التجاذبات حول موضوع المعارضة التركية وقضايا اللاجئين، أيضا الخلاف حول المسائل السياسية، الإقليمية والدولية، بين الطرف الأوروبي وبشكل خاص ألمانيا، العضو الفاعل فيه، وتركيا، موضع جدل عقيم. تمكنت الدولة التركية واجهزتها الأمنية مع مرور الوقت من بناء شبكة من الجواسيس والمخبرين والقوميين في ألمانيا...

في حديث لإحدى وسائل الإعلام الألمانية، يقول كان دوندار Can Dündar، رئيس التحرير السابق لصحيفة "جمهوريت" التركية الواسعة الإنتشار: "بالنسبة لمنتقدي أوردوغان، تعد ألمانيا واحدة من أخطر الدول في أوروبا. لكنه يتساءل: في بلد كألمانيا، كيف أن يكون ذلك ممكناً؟ وإن الجواسيس الأتراك في ألمانيا يؤمنون بسلطة أردوغان وعقيدته.. وقال، في مدينة مثل برلين، لا يمكنني التحرك بحرية وأمان، وبالتالي فأنا تحت حماية الشرطة في بعض الأحيان"..

في تركيا، حُكم على كان دوندار في عام 2015 بالسجن لمدة طويلة، الاتهام: خيانة أسرار الدولة. لكنه تمكن من الهرب إلى الخارج ويعيش منذ عام 2016 في ألمانيا. لم يكن دوندار الضحية الوحيدة للجواسيس الأتراك في ألمانيا، لكنه من أبرز الضحايا.

وفيما التجاذبات حول موضوع المعارضة التركية وقضايا اللاجئين، أيضا الخلاف حول المسائل السياسية، الإقليمية والدولية، بين الطرف الأوروبي وبشكل خاص ألمانيا، العضو الفاعل فيه، وتركيا، موضع جدل عقيم. تمكنت الدولة التركية واجهزتها الأمنية مع مرور الوقت من بناء شبكة من الجواسيس والمخبرين والقوميين في ألمانيا، يمكنهم أن يحولوا الحياة إلى جحيم، لأي شخص يتجرأ لأن يعبر عن انتقاد للرئيس أردوغان. حتى أصغر مشاركة على "الفيسبوك" يمكن أن تكون بؤرة اهتمام أحد العملاء البالغ عددهم في ألمانيا كما تشير المعلومات المتوفرة بـ 6000 عنصر، يعملون في دائرة الخدمة السرية التركية تحت مظلة "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT.

وتتحدث بكثافة وسائل الإعلام الألمانية مؤخراً، عن خطورة نشاط الجواسيس الأتراك وتخطيطهم لاختطاف المعارضين الذين غادروا تركيا وحصلوا في الآونة الأخيرة على اللجوء في ألمانيا والبالغ عددهم 31 ألف. ويقول: الخبير المتخصص في شؤون المخابرات إريك شميدت ـ إينبوم Erich Schmidt-Eenboom عن هذا العدد الهائل من المخبرين السريين في دولة واحدة مثل ألمانيا، أنه "رقم ضخم". ويضيف: من إن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) موجود في ألمانيا ونشاطه أكثر فاعلية من جهاز الخدمة السرية الأمريكية.(CIA)

تعمل المخابرات التركية إلى حد كبير دون رقابة من قبل المؤسسات الأمنية والهيئات الديمقراطية، وتقدم تقاريرها من داخل وخارج تركيا مباشرة إلى الرئيس التركي. يستخدم أردوغان معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للتجسس على المنتقدين لسياسته وملاحقتهم واعتقالهم، خاصة إذا كانوا قادمين لفترة قصيرة إلى تركيا كأتراك ألمان. ويبدو أن هناك صلة وثيقة بين جهاز MIT السري وجمعية مسجد ديتيب Ditib مع حوالي 1000 مسجد آخر في ألمانيا. وكان 19 إماماً يعملون بالفعل في مسجد "ديتيب" يتجسسون بشكل منظم لأنقرة، وهو ما اعترفت به الحكومة التركية في عام 2017 وخلق ضجة سياسية وإعلامية. غادر على أثرها الأئمة ألمانيا بعد انفضاح عملهم، وتم إيقاف جميع التحقيقات بهذا الشأن.

يستغل الرئيس التركي أردوغان أزمة "الجائحة" واستراحة البرلمان بسببها، لتكثيف الإجراءات ضد المعارضين وتشديد الضغوط عليهم في الشوارع. وتشير التقارير الأمنية والإعلامية، إلى تعرض منتقديه أيضا، إلى مراقبة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT عند دخولهم فرع بنك تركي أو وكالة سفر.. يقول خبير المخابرات إريك شميدت: "يتنصل الجواسيس المقنَّعون كموظفين في كثير من الأحيان من تسهيل تحويل الأموال وحركات السفر لمن يخضعون للمراقبة". ويتم تقديم تقارير إذا قام الأتراك الألمان بزيارة وطنهم تركيا. وفي أسوأ الحالات، يتم القبض عليهم بمجرد دخولهم البلاد أو لا يسمح لهم بمغادرة تركيا إلى أجل غير مسمى. كما حدث لتورجوت أوكر، الرئيس الفخري لجمعية "الجالية العلوية" الذي ينتظر العديد من المحاكمات الكيدية في تركيا منذ أكثر من عام، بسبب تهم ملفقة منها "الدعاية الإرهابية وإهانة الرئيس". غير أن الحكومة الفيدرالية لا تلتزم بواجب الحماية القانونية الكافية لهؤلاء المواطنين ومتابعة شأنهم للحيلولة دون وقوع ما يعرضهم للخطر.

المثير للاستغراب، أن العديد من الجواسيس والمخبرين ليسوا مسجلين على قائمة رواتب المخابرات التركية. في تقديسهم العميق للرئيس التركي، يشعرون بوضوح أنهم مدعوون أخلاقياً للتجسس وخيانة مواطنيهم في ألمانيا. بيد أن العديد من المهاجرين الأتراك لا يشعرون بالالتزام للدولة الألمانية ومفهوم القانون والديمقراطية. وهو أحد أسباب فشل الحكومة الألمانية في سياسة الاندماج. ومما يزيد الطين بلة، أن الحكومة الفيدرالية الألمانية لا تفي بواجبها الكافي في الحماية، وهو ما ينبغي أن تتحمله إزاء جميع مواطني هذا البلد دون تمييز.

يطالب شميت- إينبوم يإلزام الدولة التركية وجهازها الاستخباري في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT إلى وقف نشاطاته بشكل واضح. طالما لم يحدث ذلك، قد لا يشعر منتقدو أردوغان في ألمانيا بالأمان وحرية التحرك. وسيستمر الضغط لملاحقة واضطهاد شخصيات المعارضة وخاصة المثقفين وأصحاب القلم واليساريين من قبل نظام أردوغان في الداخل والخارج وبوتيرة مرتفعة. كما سيستمر تعرضهم إلى الملاحقة بتهمة الارهاب عبر الإنتربول. تقول: السياسية اليسارية ورئيسة المجموعة البرلمانية الألمانية التركية من أصول تركية، سيفيم داجديلين Sevim Dagdelen، "تواصل كيفية اضطهاد المواطنين الأتراك عن طريق المزاعم الإرهابية العنيفة، غير مقبول، لأنهم ببساطة يمارسون حقوقهم الأساسية مثل حرية التعبير أو حرية التجمع التي يكفلها الدستور.

إلا أن الحكومة الألمانية لا تملك استراتيجية معترف بها لنفسها حماية المواطنين بشكل فعال من تعسف نظام أردوغان".. وفي تقرير صادر عن وزارة الخارجية الألمانية، يُظهر كيف يضطهد نظام أردوغان معارضيه بلا هوادة. ويتحدث التقرير الذي كتبه مسؤولون من وزارة الخارجية الاتحادية، يتكون من 34 صفحة، يمكن تلخيصها على النحو التالي: تركيا دولة ظالمة. لا تتوانى في أية فرصة متاحة عن "إنتهاك حقوق الانسان" "إستغلال المنابر الدينية" للدفاع عن سياسة أردغان والحزب الحاكم، "تقييد الحريات الأساسية" تقنين "التطهير" و"إساءة استغلال السلطة القضائية لمصالح السلطة الشخصية" والأخطر "التدخل السياسي في عمل الجامعات".

وتبين الوثيقة أيضاً، أن النظام التركي يضطهد خصومه لمجرد انتقادهم سياساته. وحدها هذه، تظهر بوضوح لماذا يأتي، أكثر من أي وقت مضى، المزيد من اللاجئين الأتراك إلى ألمانيا لطلب اللجوء السياسي. وتشير الوثيقة إلى أن 75٪ من طلبات اللجوء يتم الاعتراف بها - وهي القيمة ألا أخلاقية التي لا تحققها سوى الدول غير العادلة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق