الأصل في الإسلام الاحترام والتقدير، بغض النظر عن مكانته ومقامه، وبغض النظر عن دينه ومذهبه، وبغض النظر عن عرقه ولونه ولغته\"، بمعنى إن الإنسان لـه مقام محترم وقيمة عالية ولا تقتصر هذه القيمة العالية في احترام الانسان على الصديق، بل يمتد أثرها حتى على الأعداء...
إرهاب يقتل دون تمييز بين الناس، صواريخ حربية تقتل مسافرين مدنيين عن طريق الخطأ!، حرب هنا وأخرى هناك، فايروسات مجهولة تفتك بالآلاف من البشر، حروب اقتصادية مدمرة تستنزف الموارد وتقتل الناس، سجون وتعذيب وعنف واغتيال... وقائمة طويلة من الانتهاكات اليومية التي تعلن ان لا قيمة للإنسان بقدر القيمة الحقيقية التي تمثلها "المصالح" وفق مبدأ "الربح والخسارة" للدول والمؤسسات والشركات واللوبيات الكبرى التي تدير العالم بصورة مباشرة او من خلف الكواليس.
ان هذه المصالح لا تخدم الإنسانية وانما تخدم هذه الهياكل الانتهازية التي شيدت على حساب سلب حقوق الانسان التي كفلت لجميع الناس من دون استثناء، وهي (المصالح) مبنية على أفكار ضيقة في طموحها لحساب فئة قليلة على حساب الاخرين، بخلاف الأديان السماوية التي قامت "على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة".
وحدة الجنس البشري
عندما أعلن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في خطابه الخالد بان "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، فقد اعطى رسالة واضحة للجميع بأن "الانسان" مقدس ومحترم في كل شيء ولا يجوز إخراجه من دائرة "الإنسانية" لاعتقاد او دين او قومية او اثنية او لأي شيء اخر لأنه شبيه لك في الخلق والإنسانية وفق مبدأ "وحدة الجنس البشري" التي بينها القران الكريم في أكثر من اية، كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) النساء-1، وقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الحجرات-13، وقوله (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم-22.
دوائر الاحترام
الحقيقة او الأصل في الإسلام كما يبينها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في كتابه (احترام الانسان في الإسلام) هي: "إن الأصل في الإنسان الاحترام والتقدير، بغض النظر عن مكانته ومقامه، وبغض النظر عن دينه ومذهبه، وبغض النظر عن عرقه ولونه ولغته"، بمعنى "إن الإنسان لـه مقام محترم وقيمة عالية"، ولا تقتصر هذه القيمة العالية في احترام الانسان على الصديق، بل يمتد أثرها حتى على الأعداء: "العدو إنسان، فله حقوقه واحترامه، هذا ما يؤكد عليه الإسلام، وقد كان النبي يحترم حتى أعدائه"، فقط لأنه انسان فهو مشمول بالاحترام والتقديس والحرمة من وجهة نظر الإسلام، ولعل: "سياسة الإسلام الإنسانية والحكيمة في احترام الناس وتقديرهم والرحمة بهم من أهم الأساليب التي ساعدت، وبشكل كبير، على انتشاره بين الناس وجلب قلوب الأعداء نحوه".
ان دوائر الاحترام تبدأ من:
1. احترام الانسان لنفسه: قبل ان يحترم الانسان الاخرين عليه ان يعرف قيمة نفسه ويحترمها، فعلاقة الانسان مع نفسه هي الأقرب والأكثر تأثيراً على سلوكياته وافكاره وطريقته في الحياة، فالإنسان مخير بطبيعة الأفكار التي يطرحها والعقائد التي يعتنقها والمبادئ التي يؤمن بها، وبالتالي مدى قدرته على الارتقاء الفكري والعقائدي والثقافي خلال مسيرته الحياتية ومدى التأثير او الفارق الذي سيصنعه في نفسه اولاً وفي الاخرين على المستوى الاوسع، والاهم من ذلك هو قدرته على تطوير ملكاته الفكرية والروحية ليرتقي بإنسانيته الى مستويات عالية ليتجنب السقوط الى مستويات دون مستوى الانسان.
2. احترام الانسان للآخرين: سواء اكانوا من الدائرة الأقرب للإنسان نسباً ام الابعد منها، فالكل محترمون ومقدسون، وهذا ما حث عليه الإسلام العظيم الذي "ألزم على كل شخص أن يحترم الآخرين، سواء في المجتمع الصغير أو الكبير، بدءا من العائلة والحياة الزوجية، حيث الزوج والزوجة، والوالدين والأولاد، وانتهاءً بسائر الناس"، لان سبب الاختلاف والفرقة والصراعات بين الناس "هو افتقاد الاحترام المتبادل فيما بين الناس، وهذا مما نهى عنه الإسلام أشد النهي، فإنه إذا لم يحترم زيد عمرواً في مكان ما فإن عمرواً سوف لا يحترم زيداً بعد ذلك، أو إذا لم يسلم زيد عليه فإنه لا يسلم عليه عمرو، وهكذا، وهذا مما يدعو إلى افتقاد المحبة والألفة بين الناس".
الدولة والإنسان
الطبيعي في علاقة الدولة بمواطنيها او علاقة الحاكم والمحكوم وفق العقد الاجتماعي المبرم بينهما ان تكون علاقة قائمة على الاحترام المتبادل وفق الحقوق والواجبات التي يلتزم الطرفان بتطبيقها وصيانتها وحمايتها من الانتهاك والتعدي، اما إذا حدث أي خرق او تجاوز من أي طرف فان اختلال ميزان العدل الاجتماعي سيؤثر على طبيعة استقرار الدولة وستتسع الفجوة بين الحكومة ورعيتها وسيصبح من الصعب ردم هذه الهوة في المستقبل، خصوصاً اذا مال طرف الحاكم الى استخدام السلطة في سلب حقوق الطرف الثاني (الانسان) والتعدي على حرياتهم ومحاربة أفكارهم ومعتقداتهم.
ان الدولة التي تميل الى العنف ضد افرادها والحاكم الذي يمارس الاستبداد ضد رعيته محكوم عليه بالفشل والسقوط مهما طال زمن الحكم به، لان الاستهانة بالإنسان وحقوقه وعدم احترام قدسيته سيعجل من عوامل عدم الاستقرار داخل الدولة ومؤسساتها وستنهار سريعاً، اما الدولة القائمة على نظام اجتماعي عادل، يحترم الانسان ويكفل حقوقه، فهو نظام معمر ولا يحتاج الى استخدام القوة او السلاح او العنف او الاستبداد لأنه نظام مسنود من قبل المواطنين أنفسهم، لكن هذا النوع من الأنظمة يمكن اعتباره من الأنظمة النادرة والقليلة لان الاغلب والاعم هي الأنظمة المستبدة التي لا تتورع في استخدام كل أنواع العنف ضد الانسان.
لقد طالب المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي قبل عقود من الزمن بوجوب "أن تكون حقوق الإنسان جزءاً من القانون الدولي، وألا تعد الانتهاكات اليومية التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكانٍ من العالم من الشؤون الداخلية للدولة، بل تصبح من اهتمامات المجتمع الدولي، وتتطلب تدخله فيها، فإن ذلك من حق الشعوب المضطهدة على عاتق المنظمات العالمية تجاه حكوماتهم الغاشمة وحكامهم الظالمين"، لان الظلم داخل هذه الدول على الانسان بلغ حد الجنون ولم يكن هناك أي واعز او مانع انساني او ديني او فطري او أخلاقي يحول دون بطش الحكام وقمعهم لشعوبهم.
الخلاصة
لقد "وفر الإسلام الإنسانية والتعاون والخدمة والرفاه والثقة المتبادلة والاطمئنان والحياة السعيدة والاكتفاء الذاتي ورخص الأسعار والحوائج الجسدية والنفسية، وبهذه كلها شيد المسلمون حضارة إسلامية إنسانية كاملة"، مستنداً في ذلك على ما وفرته مناهج الإسلام وقوانينه من أجواء حرة "لكي ينال كل إنسانٍ القدر الممكن من العلم، ومن الحكم، ومن المال، وقد ضمن الإسلام لكل الناس حرياتهم المشروعة"، لذلك "ما أحوجنا اليوم إلى هذه المبادئ الحقة التي جاء بها رسول الله لـهداية الناس وإعادة الأمن والسلام في كل العالم، بعد أن أصبح الإنسان أرخص شيء في هذه الدنيا".
ان تقديس حرمة الانسان في الإسلام تستند على مجموعة من الحقوق الفطرية للإنسان والتي لا ينبغي التفريط بها او سلبها او التنازل عنها، لأنها ليست هبات من انسان اخر او حاكم او مؤسسة او أي جهة أخرى، بل هي هبات الهية ارتبطت بالإنسان مثلما وهبه الحياة ومن هذه الحقوق:
1. حق الحياة 2. حق العيش بكرامة 3. حق التملك 4. حق التعليم 5. حق العمل 6. حق الحرية 7. حق المساواة 8. حق العدالة
كما ان العديد من الحقوق الفرعية التي تنتج من هذه الحقوق الرئيسية والتي تتضافر في صون ورعاية الانسان الذي قدسه الإسلام واحترم خصوصيته وفق نظام سماوي دقيق ينبغي ان يبحث ويراجع ويدرس بكامل تفاصيله من قبل المنظمات الدولية والباحثين والأكاديميين والحكام حتى ينهلوا من احكامه وقوانينه ومناهجه ما يغنيهم عن أسلوب البطش والقمع والعنف وتفضيل المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة وخدمة الانسان بدلاً من اهانته.
اضف تعليق