انتشار الشعر الأشيب بين سكان أوروبا وأصبحت شيخوخة السكان قنبلة ديموغرافية موقوتة تهدد بالفناء، وانتشار مصطلح القارة العجوز الذي اطلق على دول اوروبا لارتفاع اعمار سكانها، ثقافة تحديد النسل التي عملت عليها بعض العوائل الاوربية وقلة عدد المواليد كلّ سنة اودت بالمجتمع ان اصبح مجتمع هرم...
انتشار الشعر الأشيب بين سكان أوروبا وأصبحت شيخوخة السكان قنبلة ديموغرافية موقوتة تهدد بالفناء، وانتشار مصطلح القارة العجوز الذي اطلق على دول اوربا لاتفاع اعمار سكانها، ثقافة تحديد النسل التي عملت عليها بعض العوائل الاوربية وقلة عدد المواليد كلّ سنة اودت بالمجتمع ان اصبح مجتمع هرم، بعد ادراك الامر عمدت الدول الاوربية على جملة حلول، وفي إطار اعترافها بهذا القلق، عَيّنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مؤخرًا نائبًا لرئيس شؤون الديمقراطية والسكان، بهدف إطلاق نقاش عام حول الشيخوخة والأشخاص الذين يمكن أن يتضرروا من ذلك الوضع، ويتركوا بدون حماية اجتماعية أو بنية تحتية مناسبة.
من مجتمع منتج الى مستهلك
يعتبر المختصون أن تحول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين أحد أهم سلبيات الشيخوخة التي ستؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية، ومن ثم الاستثمارية، وبالتالي آفاق النمو في اقتصاديات العالم، وكما يقول الخبير البريطاني في علم السكان ومستشار البنك الدولي لشؤون التنمية د. كين مارتن: "أن تنامي أزمة "الشيخوخة" في عديد من البلدان، منها بريطانيا، قضية أصبحت عنصرا ضاغطا يستنزف موارد الميزانيات العامة، فعلى سبيل المثال صناديق المعاشات ورؤوس أموالها حاليا تقدر بالمليارات وعلى الرغم من ذلك لا تكفي وتعاني دائما عجزا ماليا".
ويشير الأستاذ بكلية السياسات العامة جاك جولد ستون: "أن تباطؤ النشاط الاقتصادي نسبيًا في العقود القادمة في الدول المتقدمة يعود إلى شيخوخة سكانها"، وتابع القول :"هناك تزايد للضغوط على الاقتصاديات الصناعية بسبب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية"، وتبين دراسة بنك "كرديت سويس" حول التداعيات الاقتصادية لزيادة عدد المتقاعدين: "أن تغييرا جوهريا سيحدث في نمط الاقتصاد العالمي فيما يتعلق بالعلاقة بين ساعات العمل والفراغ، وسيدعم صناعة الفراغ (السينما، الفنون، الرياضة، السياحة…"، وذكرت الدراسة أنه هذه الصناعات وعبر ضرائب الأرباح تمثل دخلا إضافيا للدولة يعوضها بشكل جيد عن زيادة أعباء المعاشات العامة والرعاية الصحية.
فالصين على سبيل المثال، لديها 500 مؤسسة لرعاية المسنين، تحتوي على 6 ملايين سرير، حيث بلغت قيمة ما أنفقته الصين على الخدمات الاجتماعية العام الماضي 430 مليار يوان (69 مليون $)، أما ألمانيا فنسبة الشيخوخة سترتفع (ما فوق الـ 65 عامًا)، على أن يشكل هؤلاء ثلث عدد السكان عام 2060 في مقابل 20 في المائة حاليًا، مما سيؤدي إلى حدوث انقلاب في اقتصاد ألمانيا، يؤثر سلبًا على هذا الاقتصاد ويؤدي خلال السنوات العشر المقبلة إلى انخفاض النمو واليد العاملة.
أوروبا وخطر الفناء الديموغرافي
في عام 1950، كان 12٪ فقط من سكان أوروبا في سن الخامسة والستين، أما اليوم فقد تضاعفت هذه النسبة، حيث تشير التوقعات إلى أنه في عام 2050 ستصبح نسبة السكان الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين أكثر من 36٪ ، وهذا يعني أمرا واحدا؛ إن أوروبا تشيخ! ويرجع ذلك لمعدلات الخصوبة وطول العمر؛ ففي الماضي، كان لكل امرأة في أوروبا بالمتوسط ما يزيد أكثر من طفلين، ولكن منذ عام 2000، انخفض معدل الخصوبة إلى ما أقل من ذلك وكذلك يعيش الأوروبيون ليبلغوا أعمارا أطول الآن؛ حيث يعيشون 78 عاما.
إن طول حياة السكان قد يعد علامة على ازدهار أوروبا وتقدمها في المجال الصحي، ولكن مع انخفاض معدل الخصوبة في المنطقة يخلق ذلك مجموعة من المشاكل الاجتماعية والمالية للقارة أهمها أن حصة العاملين الذين يستطيعون توفير الرعاية لكبار السن آخذة في التقلص، مع ازدياد من يحتاجون إلى الرعاية وهذا الاختلال بين العرض والطلب، والذي يؤدي إلى نقص أعداد مقدمي الرعاية الطبية، يمثل بالفعل تحديا هائلا للدول سريعة التقدم في العمر مثل ألمانيا وفنلندا والمملكة المتحدة.
دول كبرى تعاني الشيخوخة
ألمانيا
بسبب تناقص الزيادة الطبيعية، تعاني الدولة الأكثر سكانا في أوروبا "ألمانيا" من الشيخوخة، فمؤخرًا حذر خبراء ألمان (حسب مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني) "من الانخفاض الحاد في عدد السكان في ألمانيا، بسبب الإحجام عن الإنجاب، وعدم إدراك المجتمع للسلبيات الناتجة عن انخفاض عدد المواليد، ومدى تأثيرها على مختلف جوانب الحياة في البلاد"، وطبقا لهيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات) سيتراجع عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 74.7 مليون في نهاية عام 2050، وذلك في حالة عدم حدوث تغير في مستويات الهجرة، وتذهب بعض التقديرات إلى الأسوأ بتوقع انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 65 مليونا بحلول عام 2060.
اليابان
من بين أكثر الشعوب شيخوخة في العالم هو الشعب الياباني، إذ يمثل معدل الحياة في اليابان الأعلى في العالم، ويعود تناقص معدل الإخصاب في اليابان إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وصل عدد اليابانيون الذين تزيد أعمارهم عن مئة عام إلى 60 ألف شخص، ويذكر تقرير أصدرته وزارة الصحة اليابانية، أن عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 100 عام أو أكثر وصل إلى 61568 شخصًا بزيادة نسبتها 4.7% مقارنة بالعام السابق.
الصين
منذ ثلاثة عقود ونسبة الشيخوخة في المجتمع الصيني في ازدياد، فهذا البلد الذي أقر سياسة الطفل الواحد يتجه إلى الشيخوخة بشكل مضطر، إذا تبين أن عدد من تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين وصل إلى 131.6 مليون شخص، يمثلون 9.7% من سكان الصين (حسب وزارة شؤون المواطنين الصينية)، ويتوقع أن يبلغ عدد من هم فوق الستين في الصين إلى 300 مليون شخص بحلول عام 2025، وأن تبلغ نسبة المسنين بين مواطني الصين 30% بحلول عام 2050، وأشار تقرير آخر صادر عن "المركز العالمي للدراسات التنموية" إلى أن ديموغرافية المجتمع الصيني المتجهة نحو الشيخوخة بالتزامن مع ظاهرة ارتفاع الأجور يشكلان أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني في العقود الثلاثة القادمة.
كوريا
تشهد كوريا الجنوبية أسرع وتيرة للشيخوخة في العالم مقابل انخفاض نسبة الإنجاب، نتيجة الاتجاه المتزايد لدى النساء إلى العزوبية، وحسب مكتب الإحصاء الكوري إن الأشخاص في سن الخمسين كانوا يمثلون 18.3 % ة من 16.5 مليون كوري جنوبي في سوق العمل عام 2013 ويعاني حوالي نصف الكوريين المسنين من الفقر وكثير منهم يعملون في وظائف بأجور منخفضة من أجل تغطية نفقاتهم، ويتوقع أن يهبط عدد سكان كوريا الجنوبية الذي يبلغ الآن 50 مليونًا و200 ألف اليوم، إلى 20 مليونًا بنهاية القرن الحالي.
وكوريا مهددة بصدمة محتملة ناتجة عن انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع، كما تقول الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون-هيه وتضيف: "إن السنوات الخمس القادمة ستحدد مصير الدولة لمدة 50 عاما في المستقبل، مطالبة اللجنة بإعداد تدابير واسعة النطاق وجمع الرأي العام بخصوص انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع".
هل ستغير اوربا نهجها مع المهاجرين؟
على المدى الطويل، يكون للهجرة تأثيرات محدودة على شيخوخة السكان، لأن الوافدين الجدد سيصبحون من كبار السن حتمًا، ما يضيف المزيد إلى السكان العاملين وغير العاملين بمرور الوقت، وحتى إذا تغلبت دول الاتحاد الأوروبي على وجهات نظرها المختلفة واتحدت وراء نهج منفتح في التعامل مع الهجرة مثلما تفعل كندا، باستيعاب أكثر من 100 مليون شخص بحلول عام 2060، فإن متوسط العمر في أوروبا سيستمر في الصعود.
ويمكن ملاحظة المخاطر الحقيقية لشيخوخة المجتمع من خلال نسبة الأشخاص الذين يعتمدون على القوى العاملة، وهي نسبة الأشخاص الذين لا يدعمون أنفسهم في مقابل نسبة العمال المنتجين، ويعتمد المراقبون غالبًا على مؤشرات مبسطة، بافتراض أن البنية العمرية وحدها هي التي تحدد الصحة المستقبلية للقوى العاملة لكن هذه المقاييس تتجاهل ثلاثة تحولات رئيسية تتعلق بالمشاركة في العمل والتعليم، والتي يمكن أن تساعد في الحفاظ على شبه التوازن الحالي بين الأشخاص المُعَالين والعمال في أوروبا:
أولًا، يتمتع الأوروبيون بمتوسط أعمار أطول مع صحة جيدة لسنوات عديدة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بسبب التقدم الطبي وأنماط الحياة الصحية هذا يعني أنه يمكنهم البقاء نشطين في ميدان القوة العاملة لفترة أطول، مما يستدعي عملية إعادة تقييم أساسية عندما تنتهي حياة العمل وتبدأ الشيخوخة في العديد من المجتمعات وتتخذ 10 دول في الاتحاد الأوروبي إجراءات حصيفة من خلال ربط سن التقاعد بالعمر المتوقع، مما يحد من متوسط عدد سنوات الإعالة في وقت لاحق من الحياة.
ثانيًا، مشاركة الإناث المتزايدة في العمل تحوِّل جزءًا كبيرًا من سكان أوروبا من كونهم معالين إلى عمال وتدخل الشابات بشكل متزايد إلى قوة العمل الأوروبية، مما يعني أن عدد الأشخاص الذين يعملون بات أكثر من أعدادهم في الأجيال السابقة هذا الاتجاه لا يأتي بالضرورة على حساب الإنجاب وتحافظ الدول الإسكندنافية على نسبة مشاركة عالية من الإناث في العمل (بين 75 و82 في المئة) ومعدلات خصوبة عالية نسبيًّا (من 1.71 إلى 1.85 مولود لكل امرأة) من خلال تقديم ترتيبات عمل مرنة وإجازة أمومة ممتدة ورعاية يومية مدعومة بشدة.
وإذا عزز الاتحاد الأوروبي تدريجيًّا معدلات المشاركة في العمل بالنسبة للرجال والنساء لتتناسب مع تلك الموجودة في السويد اليوم، سيحد من الارتفاع المفاجئ في عدد المعالين بنحو 30 في المئة بحلول عام 2060. ويعود ارتفاع مشاركة السويد في العمل جزئيًّا إلى سياسات التحفيز، بما في ذلك ائتمانات ضريبة الدخل المكتسبة، وفرض ضرائب منفصلة مع خفض معدلات العمل بدوام جزئي، ومعايير أكثر صرامة للتأهل للحصول على استحقاقات ومعاشات العجز، وربما تكون بولندا والمجر، اللتان لديهما سياسات هجرة غير ليبرالية، أكثر المؤيدين للولادة صراحة في الاتحاد الأوروبي، حيث تتبنّيان دعم الدولة للخصوبة من أجل تعزيز القوى العاملة لديهما على المدى الطويل وتوفر بولندا للآباء الجدد بدلًا شهريًّا كبيرًا مقابل كل طفل.
وفي غضون ذلك، قامت المجر بتوسيع رياض الأطفال، كما قدمت قروضًا مدعومة للمنازل والسيارات، وتختبر حتى الآن تجربة تقديم إجازة للأجداد الجدد الذين لم يتقاعدوا بعد وتظهر معدلات الولادة في هذه البلدان علامات على الانتعاش، لكن في الوقت الحالي لا تزال الهجرة إلى أوروبا الغربية تطغى على التداعيات، ومن بين السيناريوهات المختلفة الموضحة في دراسة المفوضية الأوروبية، فإن أكثر اتجاه شبابي ممكن لمستقبل الاتحاد الأوروبي نتج عن دفعة نظرية لتحقيق توازن أفضل بين العمل والأسرة، يدعم النساء حتى تتمكنّ من إنجاب عدد من الأطفال أقرب مما يريدون: 2.3 طفل، أو أعلى قليلًا من مستوى الاستبدال. لكن سد الفجوة بين الخصوبة الفعلية والمطلوبة لن يجلب المزيد من الاستقرار السكاني إلا بعد عقود، وهو هدف للبلدان التي يمكنها أن تبني تخطيطها على النطاق الزمني لأجيال.
لكن يبدو أن الأوروبيين أمام مفارقة عجيبة، فهم يحرصون على منع أي تشويش يلحق وعي السكان الأصليين بهويتهم الوطنية، وفي الوقت ذاته يبحثون عن حلّ لخطر الشيخوخة الذي يتهدد وجودهم فالهجرة بالنسبة لهم كابوس لأنها تحمل إليهم عناصر غير قابلة للاستيعاب أو للذوبان في مجتمعاتها، لكنها حلّ لمواجهة الشيخوخة، وتوفير الأيدي العاملة والشابة أي أن أوروبا في حاجة إلى الهجرة، لدواع اقتصادية، لكن ترفضها لدواع سياسية وأمنية وحضارية.
اضف تعليق