بعد عام على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لا يزال هناك غموض يلف الجريمة التي أثارت اهتماماً دولياً، الحقيقة الأبرز في قضية خاشقجي أنه قتل، ولكن حتى الأن ما زال مصير الجثة مجهولاً ويخضع للتأويل، منذ بدايات الحادثة وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان...
بعد عام على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لا يزال هناك غموض يلف الجريمة التي أثارت اهتماماً دولياً، الحقيقة الأبرز في قضية خاشقجي أنه قتل، ولكن حتى الأن ما زال مصير الجثة مجهولاً ويخضع للتأويل، منذ بدايات الحادثة وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، بعد أن توجهت الأنظار إلى سعود القحطاني، المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي، والمقرب من ولي العهد، بالإضافة إلى أحمد عسيري الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المخابرات السعودية، والذين صدر بحقهما قرار ملكي اعفاهما من منصبهما بعد أيام على الحدث، محكمة سعودية والحكم فيما بعد بإعدام خمسة أشخاص مدانين بمقتل خاشقجي والحكم على ثلاثة آخرين بالسجن 24 عاما، وتبرئة عشرة أشخاص لعدم ثبوت الأدلة، على رأسهم نائب رئيس المخابرات السابق أحمد العسيري، والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني.
ردود فعل دولية
بين التشكيك والترحيب بأحكام القضاء السعودي التي صدرت بشأن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، توالت ردود الفعل الدولية في القضية التي شغلت الرأي العام العالمي والعربي. فبعد مرور أكثر من عام على مقتل خاشقجي، الذي دخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2018 ولم يخرج منها على قيد الحياة، لا تزال السعودية تسعى لإعادة بناء صورتها أمام العالم، خصوصا بعد إصدار المحكمة الجزائية في الرياض تبرئة مسؤولين بارزين مقربين من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وورد على لسان مسؤول أمريكي، أن واشنطن اعتبرت أن الأحكام "خطوة مهمة لكي يدفع كل مسؤول عن هذه الجريمة الرهيبة" ثمن ما اقترفه، مطالبا الرياض بـ"مزيد من الشفافية" وتابع المسؤول "سنواصل الضغط عليهم من أجل مزيد من الشفافية ولمحاسبة كل المسؤولين"، أما السيناتور انغوس كينغ فقد انتقد في بيان "السرية التي أحاطت بالمحاكمة (بما يشمل ذلك رفض تسمية المذنبين)، وتجاهل دور مساعد ولي العهد القحطاني في عملية القتل".
واعتبرالاتحاد الاوروبي أنه يجب ضمان "محاسبة ومحاكمة كل المتورطين"، أما المحققة الفرنسية ومقررة الأمم المتحدة نييس كالامار، التي سبق وحملة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية قتل الصحافي، فقد كتبت على حسابها في تويتر بعيد صدور الأحكام "الحصيلة: المنفذون مذنبون حكم عليهم بالإعدام الرؤوس المدبرة ليست حرة فحسب بل لم تتأثر تقريبا بالتحقيق والمحكمة هذا هو نقيض العدالة إنها مهزلة".
قالت الخارجية التركية في بيان، أعلنت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، أن الأحكام "لا تلبي رغبة بلادنا والمجتمع الدولي في الاضاءة على كل جوانب هذه الجريمة واحقاق العدالة"، ورأت أن "مصير جثة خاشقجي وتحديد هوية المحرضين على القتل والمتعاونين المحليين المحتملين، كلها أسئلة لا تزال بدون اجوبة، وهذا يشكل فجوة أساسية في مسار العدالة"، ووصفت التركية التي كانت خطيبة خاشقجي الحكم الصادر في السعودية بأنه ظالم وباطل مضيفة أن إعدامهم سيخفي الحقيقة بدرجة أكبر.
وخلصت النيابة العامة السعودية إلى أن الجريمة المروعة، التي تخللها تقطيع جسد الضحية، لم تتم بنية مسبقة، بل كانت وليدة اللحظة وفاجأت السلطات المراقبين بإعلان تبرئة نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري الذي حوكم والمستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي لم يوجه له أي اتهام، ويبقى من غير المتوقع أن تصل القضية إلى خاتمتها قريبا في المملكة التي تستضيف في 2020 اجتماعات مجموعة العشرين، خصوصا وأن أشلاء خاشقجي لم يتم العثور عليها بعد، وأن الأحكام الصادرة يمكن استئنافها.
السعودية تصدر أحكاما بإعدام خمسة وسجن ثلاثة
حكمت السعودية بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي وقالت إن القتل لم يكن بنية مسبقة، في حكم انتقدته محققة من الأمم المتحدة ووصفته بأنه ”استهزاء“ بالعدالة، وقال مسؤول أمريكي إن الأحكام "خطوة مهمة" في محاسبة المسؤولين عن الجريمة وأضاف أن الولايات المتحدة تشجع السعودية على مواصلة عملية قضائية تتسم بالنزاهة والشفافية.
وقال شلعان الشلعان وكيل النيابة العامة السعودية والمتحدث باسمها إن المحكمة ردت طلب المدعي العام بمعاقبة الثلاثة المتبقين من بين 11 شخصا خضعوا للمحاكمة وتوصلت إلى عدم ثبوت إدانتهم في القضية ولم يكشف عن اسم أي متهم حتى الآن، وأضاف الشلعان "تحقيقات النيابة العامة أظهرت أنه لا توجد أي نية مسبقة للقتل... وكان القتل لحظيا" وهو ما يتعارض مع ما توصل إليه تحقيق بقيادة الأمم المتحدة.
وأثار مقتل خاشقجي غضبا على مستوى العالم ولطخت صورة ولي العهد وقالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وحكومات غربية إنها تعتقد أن الأمير محمد أصدر الأوامر بقتل خاشقجي لكن مسؤولين سعوديين يقولون إنه لم يكن له أي دور رغم أن ولي العهد أشار للمرة الأولى في سبتمبر أيلول إلى تحمله بعض المسؤولية الشخصية عن الجريمة كونها "وقعت خلال فترة عهده" وذكر التحقيق الذي قادته الأمم المتحدة في فبراير شباط أن الأدلة أشارت إلى "قتل وحشي ومتعمد دبره وارتكبه" مسؤولون سعوديون.
تستر على الجريمة
قالت لين معلوف، مدير أبحاث الشرق الأوسط في المنظمة، في بيان: "هذا الحكم عبارة عن محاولة للتستر على الجريمة لا يجلب العدالة ولا الحقيقة لجمال خاشقجي وأحبائه لم يكن للرأي العام والمراقبين المستقلين حضور خلال المحاكمة، مع عدم توفر معلومات عن كيفية إجراء التحقيق"، وأضافت معلوف أن الحكم الصادر في القضية "فشل في معالجة تورط السلطات السعودية في هذه الجريمة المُؤسفة أو توضيح مكان رفات جمال خاشقجي".
وذكرت معلوف أن "محاكم المملكة العربية السعودية تمنع بشكل روتيني المتهمين من الاتصال بمحامين وتدين الأشخاص بالقتل بعد محاكمات جائرة للغاية، وبالنظر إلى انعدام الشفافية من جانب السلطات السعودية، وفي غياب القضاء المستقل، لا يمكن تحقيق العدالة لجمال خاشقجي إلا عبر تحقيق دولي ومستقل ونزيه"، وفي وقت سابق من اليوم، أعلنت النيابة العامة السعودية الحكم بإعدام 5 أشخاص في قضية قتل خاشقجي داخل مقر القنصلية السعودية باسطنبول في أكتوبر تشرين الأول 2018، بعد إدانتهم بالمشاركة في قتله، إضافة إلى معاقبة 3 متهمين بعقوبات متفاوتة يصل مجملها إلى السجن 24 عامًا، لتسترهم على الجريمة ومخالفة الأنظمة.
خطيبة خاشقجي: إعدام المدانين بقتله سيخفي الحقيقة
وصفت التركية التي كانت خطيبة الصحفي السعودي القتيل جمال خاشقجي الحكم الصادر في السعودية بإعدام خمسة متهمين في قضية مقتله بأنه ظالم وباطل مضيفة أن إعدامهم سيخفي الحقيقة بدرجة أكبر، بعد حكم الاعدام أحكام بحق خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين في القضية ورفضت المحكمة الاتهامات الموجهة لثلاثة آخرين لعدم ثبوت إدانتهم، لكن محققة من الأمم المتحدة اتهمت المحكمة "بالاستهزاء" بالعدالة من خلال السماح لشخصيات بارزة ربما أصدرت أوامر القتل بالإفلات من العقاب.
وقالت خديجة جنكيز في بيان إن المحاكمة لم تكشف عن السبب الذي دفع من أدينوا بقتله إلى فعل ذلك مشيرة إلى أن المحاكمة أجريت وراء أبواب مغلقة، وأضاف البيان "إذا تم إعدام هؤلاء الناس قبل أن تتاح لهم فرصة الحديث وشرح موقفهم فربما لن نعرف أبدا الحقيقة وراء هذا القتل" وأضافت "أدعو كل سلطة في العالم إلى إدانة هذا النوع من الحكم القضائي وأن تمنع بشكل عاجل أي إعدام لأن ذلك لن يكون سوى خطوة أخرى في إخفاء الحقيقة".
محاكمة صورية
قالت تركيا إن نتائج المحاكمة لم تخدم العدالة وانتقد فخر الدين ألتون مدير الاتصالات بالرئاسة التركية الحكم قائلا "إنه إهانة لذكاء أي مراقب منصف" وكتب ألتون على تويتر يقول "ينبغي أن تتابع وسائل الإعلام العالمية قضية خاشقجي إلى أن تتحقق المحاسبة الحقيقية... يتعين مثول المسؤولين عن هذا أمام العدالة إن عاجلا أو آجلا"، وأضاف "هذه الجريمة البشعة ارتُكبت في منشأة دبلوماسية بما يخالف كل الأعراف الدبلوماسية التي يمكن تصورها! سنتابع هذه القضية حتى النهاية لأقصى مدى"، وقال مصدر إن الخمسة الذين أدينوا بالقتل كانوا مجرد أدوات بالأساس لكن المحكمة برأت مسؤولين أمنيين كبيرين ربما لعبا دورا أكبر في الجريمة.
عقوبات جديدة
فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات إضافية على القنصل العام السعودي السابق في إسطنبول، محمد العتيبي، على خلفية ضلوعه بخروقات لحقوق الإنسان، وفقا لما أعلنته الوزارة وقالت الخارجية في بيان إعلامي إنها قررت فرض عقوبات إضافية على العتيبي بسبب ضلوعه في "خروقات جسيمة لحقوق الإنسان".
وكان العتيبي القنصل العام في تركيا أثناء عملية قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، داخل مبنى القنصلية في 2 أكتوبر/تشرين أول من عام 2018 على يد عدد من ضباط الاستخبارات السعوديين، وستمنع العقوبات التي فرضتها واشنطن الدبلوماسي السعودي السابق وجميع أفراد عائلته المقربة من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وجاء في بيان الخارجية الأمريكية: "إن عملية قتل جمال خاشقجي، جريمة شنيعة ومرفوضة، إجراؤنا اليوم خطوة إضافية مهمة للرد على مقتل خاشقجي".
السعودية تحاول طي صفحة القضية
كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يحظى بالثناء من القادة الدوليين وكبار رجال الأعمال بسبب الإصلاحات التي أدخلها على المملكة المحافظة قبل مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر العام الماضي، وأدى تصاعد الغضب الدولي إثر مقتل خاشقجي إلى مواجهة الأمير محمد عزلة، ووضعت سجل حقوق الإنسان في المملكة تحت المجهر وأساءت لصورة السعودية.
وسعى الأمير منذ ذلك الحين إلى إصلاح سمعته عبر إطلاق حملات علاقات عامة من أجل جذب المستثمرين الأجانب مرة اخرى، مع تسريع ما يصفه المحللون ب"الميل نحو الشرق" عبر تعزيز التحالف مع دول لا تنتقده مثل الهند والصين، ولكن هذه الخطوة لم تحقق نجاحا كبيرا، ويؤكد بروس ريديل، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومؤلف كتاب عن السعودية أن "طيف جمال خاشقجي يطوف فوق مملكة السعودية" ويضيف "لم يتم نسيان الصحافي والمعلق المقتول كما كان يأمل ولي العهد محمد بن سلمان".
واعتبر الأمير محمد بن سلمان في تصريحات أدلى بها لشبكة "بي بي أس" التلفزيونية الأميركية أنّ جريمة قتل خاشقجي وقعت خلال وجوده في سدة الحكم ما يضعه في موقع من يتحمّل المسؤولية، لكنه شدّد على أنّها تمت من دون علمه، وقال "لقد حدثت في عهدي (...) تُلقى علي المسؤولية لأنها حدثت في عهدي" لكنه شدد على أن الجريمة وقعت من دون علمه.
وبحسب استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، فإن ولي العهد قد يكون هو من أمر بعملية القتل في القنصلية، وخلصت أنييس كالامار، خبيرة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة التي أجرت تحقيقاً مستقلاً في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلى أن هناك "أدلة موثوقة" تشير إلى "المسؤولية القانونية لكبار المسؤولين السعوديين بمن فيهم ولي العهد السعودي" عن العملية.
وعرضت كالامار التي تمكنت من الحصول على تسجيل صوتي من جهاز المخابرات التركي، تفاصيل مرعبة حول ما حدث وفق التسجيل في القنصلية السعودية في اسطنبول، قبل وصول الصحافي السعودي ثم بحضوره، ويشكل هذا ضربة للسعودية مع تصاعد الخلافات مع إيران بعد هجمات كبرى في 14 من ايلول/سبتمبر الماضي استهدفت منشأتين نفطيتين كبيرتين واتهمت واشنطن إيران بالوقوف وراءها، وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها سترسل 200 جندي وصواريخ باتريوت إلى السعودية للمساعدة في الدفاع عن المملكة في أعقاب الهجمات.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أهمية السعودية كمشتر للأسلحة الأميركية وكحليف ضد إيران، لكن يبدو أن النواب الأميركيين ما زالوا يشعرون بالغضب تجاه المملكة بسبب دورها في مقتل خاشقجي، ويؤكد كوينتين دو بيومودان، الخبير في شؤون السعودية في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأميركية أن "مقتل خاشقجي ترك السعودية إلى حد ما معزولة عالميا".
أردوغان: بعض قتلة خاشقجي يتمتعون "بحصانة" من العقاب
أصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا ستواصل السعي للوصول إلى الحقيقة في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول العام الماضي مؤكدا أن بعض القتلة أفلتوا فيما يبدو من العدالة، وبعد مرور عام على مقتل خاشقجي على أيدي مجموعة من العاملين بالدولة السعودية أرسلوا من الرياض إلى اسطنبول، قال أردوغان إنه مازال يريد معرفة مصير جثته ومن صاحب الأمر بتنفيذ الجريمة مشيرا إلى تنفيذها بأيدي سعوديين في "دولة ظل" بالمملكة.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة في مقابلة مع محطة سي.بي.إس التلفزيونية الأمريكية إنه لم يصدر الأمر مطلقا بقتل خاشقجي رغم أنه يتحمل المسؤولية لأنه في موقع السلطة، وقدمت السعودية 11 متهما من مواطنيها للمحاكمة في إجراءات تكتنفها السرية غير أن المحكمة لم تعقد سوى عدد قليل من الجلسات ودعا تقرير من الأمم المتحدة إلى التحقيق مع الأمير محمد وعدد من كبار المسؤولين السعوديين.
وقالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وحكومات غربية إنها تعتقد أن الأمير أصدر الأمر بتنفيذ العملية لكن مسؤولين سعوديين نفوا ذلك مرارا، وكان خاشقجي الصحفي السعودي والكاتب بصحيفة واشنطن بوست من كبار منتقدي سياسات ولي العهد، وفي مقال بصحيفة واشنطن بوست قال أردوغان إن سفر القتلة بجوازات سفر دبلوماسية و"تحويل مبنى دبلوماسي إلى مسرح للجريمة" يمثل سابقة خطيرة.
اضف تعليق