كانت صور بوعزيزي التونسي وخالد سعيد المصري والتي انتشرت انتشار النار في الهشيم بين أوساط الشباب هي الباعث القوي لاندلاع الثورات على الديكتاتورية في البلدين. لكن مع فشل التجربة الديمقراطية في بلاد، وحصارها ومحاولة إجهاضها في بلاد أخرى أصبحت الإنترنت ومستخدميها هم العدو الأول لتلك الأنظمة...
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي أدركت الأنظمة مدى أهمية الانترنت ودورها المحوري في التواصل والتأثير في مجريات الأمور داخلياً وخارجيا. لذا لجأت الثورات المضادة والأنظمة المختلفة إلى الحد من تأثير الانترنت، فهل نجحت في ذلك؟
منذ انطلاق الربيع العربي عام 2011 أدركت الأنظمة السلطوية مدى أهمية الانترنت كوسيلة مقاومة لدى شعوبها. فقد كانت صور بوعزيزي التونسي وخالد سعيد المصري والتي انتشرت انتشار النار في الهشيم بين أوساط الشباب هي الباعث القوي لاندلاع الثورات على الديكتاتورية في البلدين. لكن مع انتصار الثورات المضادة في المنطقة العربية وفشل التجربة الديمقراطية في بلاد، وحصارها ومحاولة إجهاضها في بلاد أخرى أصبحت الإنترنت ومستخدميها هم "العدو الأول" لتلك الأنظمة.
العراق.. إظلام كامل!
وفق آخر تقرير من مرصد نت بلوكس لتتبع نشاط الانترنت في العالم فإنه قد مر نحو 100 ساعة منذ أن فرضت الحكومة العراقية إغلاقًا شبه كامل للإنترنت وسط احتجاجات شعبية واسعة النطاق. وأشار المرصد إلى أنه لم يتسن الوصول إلى خدمات الإنترنت سوى من خلال شبكة افتراضية خاصة والتي تقوم بإخفاء موقع الجهاز المستخدم للولوج إلى الانترنت.
فبعد انطلاق موجة الاحتجاجات، حجبت السلطات العراقية أغلب مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تقطع الإنترنت بشكل شبه كامل، تاركة المتظاهرين بلا وسيلة تواصل عدا الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة، فيما بدا أنها خطوة تهدف لتضييق الخناق على المشاركين في الاحتجاجات. ويقول النشطاء إن الحكومة العراقية عمدت لذلك بهدف منع نشر مايثبت انتهاكات القوات الأمنية وتعاملها العنيف مع المحتجين، والحد من وضع العالم الخارجي في صورة ما يحدث على الأرض، ومنع التواصل بين المتظاهرين.
وتقول الحكومة العراقية إن "قناصة مجهولين" يطلقون الرصاص على المحتجين وأفراد الأمن على حد سواء لخلق فتنة. لكن النشطاء العراقيون نجحوا بوسائل مختلفة في تحميل محتوى من الصور والفيديوهات التي يقولون إنها تثبت عكس ما تزعمه الحكومة العراقية. وتحدث نشطاء عراقيون عن أشخاص من دول مجاورة اخترقوا الحدود وشاركوا في عمليات قمع للمتظاهرين، وهو أمر لايمكن التحقق منه.
وقال نشطاء في تغريدات متفرقة إن عدداً من هؤلاء الأشخاص تخفوا في صورة متظاهرين واندسوا بين الجموع وقاموا باختطاف أكثر من شخص من وسط التظاهرات، وانتشرت على مواقع فيسبوك وتويتر وانستاغرام وسوم عدة شهدت مشاركات كبيرة من داخل وخارج العراق كان أبرزها #العراق_ينتفض و #ساحة_التحرير و #مظاهرات_العراق و #نريد_وطننا، كما شهدت وسوماً باللغة الانجليزية مثل #Save_the_Iraqi_people و #revolution_now_in_iraq مشاركات كبيرة أيضاً.
مصر.. خطأ 2011 لن يتكرر!
أما في مصر فإن الحملة على مستخدمي الإنترنت متصاعدة، خصوصاً بعد انتشار فيديوهات الفنان والمقاول المصري محمد علي والذي تحدث عن فساد واسع النطاق مشيراً في ذلك إلى شخص الرئيس المصري وأبنائه وعدد من قيادات القوات المسلحة.
ومنذ عام 2011 واندلاع الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، بدأ النظام المصري في أعقاب 2013 في الانتباه لأهمية الانترنت، فتم حجب أكثر من 500 موقع إخباري وحقوقي بجانب مدونات، فيما أقر البرلمان المصري حزمة من القوانين المشددة الخاصة بالممارسات على الانترنت والتي أدت إلى اعتقال الكثيرين بسبب تغريدات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي كان آخرهم أستاذي العلوم السياسية البارزين حازم حسني وحسن نافعة.
ومع استجابة غير متوقعة لدعوات محمد علي للتظاهر في مصر، بدأت الحكومة المصرية في تصعيد إجراءاتها ومن ضمن ذلك إبطاء سرعة الإنترنت بحسب نشطاء، كما أن أحد الإعلاميين المحسوبين على النظام المصري أشار إلى احتمال توقيع عقوبات قاسية على من ينشرون فيديوهات محمد علي قد تصل في بعض الأحيان إلى الإعدام.
وأفاد عدد من النشطاء بأن وزارة الداخلية المصرية نشرت المئات من عناصرها في الشوارع بهدف فحص الهواتف المحمولة للمارة، وأن بعضهم اعتقل بالفعل بسبب وجود رسائل على برنامج واتساب وصور وفيديوهات تتعلق بمعارضة سياسات النظام المصري.
وفي اعتراض نادر من نوعه، انتقد المجلس القومي المصري لحقوق الانسان (حكومي) عمليات إيقاف وتفتيش المحتوى الخاص بهواتف المواطنين في الشارع، مؤكداً على أنه إجراء غير قانوني أو دستوري، لترد وزارة الداخلية المصرية بأنها تتبع الإجراءات القانونية، وأن من حق أفرادها الذين يتمتعون بالضبطية القضائية استيقاف وتفتيش أي شخص يشتبه به.
الحكومات والنشطاء.. لعبة القط والفأر
وتتنوع طرق الحكومات في التصدي لأنشطة المغردين والمدونين ما بين الحجب الكامل للانترنت أو الجزئي أو تعمد تقليل سرعة الانترنت وهو الأمر الذي بدا أنه يحدث بشكل منتظم في مصر بحسب ما أفاد مغردون مصريون.
لكن هذه الإجراءات لم تفت في عضد النشطاء، ففي العراق تم اللجوء إلى وسائل إرسال سرية وأساليب غير مستخدمة على نطاق واسع ورسائل خارجية باهظة الثمن، للالتفاف على حجب الإنترنت، فعندما بدأ حجب فيسبوك تحرك العراقيون سرياً لتنزيل تطبيقات الـ"في بي أن" (شبكة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد)، وبدأ آخرون بنشر التفاصيل عن التظاهرات في قسم تعليقات شبكة "سينمانا"، وهو تطبيق بث برامج ومسلسلات ذو شعبية في العراق.
DW عربية تواصلت مع أحد النشطاء العراقيين - رفض ذكر اسمه - والذي قال إن المتظاهرين يحتاجون إلى الانترنت لتوثيق الفعاليات على الأرض و"خصوصاً حالات الاعتداء على المظاهرات السلمية بالضرب بالرصاص الحي". ويؤكد الناشط العراقي أنه "حتى الاتصالات الهاتفية تعاني من عدم الثبات فإذا ما زاد طول المكالمة عن دقيقة واحدة فإنها تنقطع فوراً."
وللتغلب على مشكلة حجب الانترنت، فإن "النشطاء يلجأون للتواصل وجهاً لوجه والاتفاق في الليلة السابقة على مكان وموعد الالتقاء في اليوم التالي أو الاتصال مع مسؤولي المجموعات عبر الهاتف ثم إبلاغ باقي المجموعات عبر الرسائل القصيرة SMS" – بحسب ما أكد الناشط لـ DW عربية.
ويضيف أنه نتيجة للقطع الكامل للانترنت فإن البعض ممن لديهم شريحة اتصالات أجنبية وبها انترنت يقوم برفع المحتوى المصور، "لكن تكلفة الاتصال الدولي بالانترنت مرتفعة للغاية وعدد من لديهم شريحة اجنبية فعالة داخل العراق قليل جداً، وأحيانا ننتظر عودة الانترنت لفترات قصيرة للغاية لنرفع المحتوى، فمثلاً قبل يومين عادت الانترنت بين الساعة الثالثة والنصف والخامسة صباحاً، وهنا قمنا فوراً بتفعيل تطبيق VPN لتجاوز حجب مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال هذه الفترة القصيرة نقوم برفع المحتوى الذي لدينا بأقصى ما نستطيع من سرعة".
نصائح تقنية
وينصح الناشط المصري حسام الحملاوي - في مقابلة له مع DW عربية- النشطاء بوجه عام بأن يكون لديهم حزمة من التطبيقات للتواصل والتراسل، "والأفضل تطبيقات التشفير ثنائي الجانب End to End encryption وهي بالترتيب تطبيق سيغنال Signal يليه تطبيق واير Wire ثم تطبيق واتساب whatsapp وأخيراً تليغرام Telegram".
وعن تطبيقات تجاوز الحجب، ينصح الناشط المصري بتحميل أحد تطبيقات VPN والتي تقوم أيضاً بالحفاظ على خصوصية المستخدم، "لكن المشكلة تكمن في أن أغلب هذه التطبيقات مجانية ما يعني خدمة بطئية للغاية أو محدودة بحجم محتوى معين، كما أن الشركات المطورة لها قد تحتفظ بسجلات لما تم تصفحه، وبالتالي فهناك احتمال أن تسلم هذه السجلات records للجهات الأمنية، لذا فمن الأفضل اللجوء إلى VPN التي يدفع مقابل للحصول على خدماتها، ويختتم الحملاوي بالقول إن الحل الأخير هو استعمال متصفح TOR وهو بديل بطئ لكنه الملاذ الأخير وآمن للغاية.
اضف تعليق