شهد العقدين الماضيين ارتفاعا في الطلب على الكهرباء خاصة في البلدان التي شهدت وتيرة سريعة في ارتفاع مستويات المعيشة مثل الصين والهند. وعلى وقع ذلك، أقدمت الحكومات على زيادة استخدام الفحم لتوليد الكهرباء في المناطق الريفية والمدن الكبرى مترامية الأطراف وربطها بشبكات الكهرباء لأول مرة...
بقلم: أجيت نيرانجان
تفيد الأبحاث حتى الآن أن موجات الحر والفيضانات والأعاصير المدارية ستزداد عنفًا إذا فشل العالم في التحول إلى إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة. فأين تقف البشرية من هذا الهدف حاليا؟ يتعين على الدول الغنية الوصول إلى كهرباء خالية من الكربون بنسبة 100 بالمائة بحلول عام 2035، فهل تحقق هذا الهدف؟
خلال قمة المناخ عام 2015، قطعت قرابة مائتي دولة على نفسها تعهدا بإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند حدود 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، بيد أنه وبعد مرور سبع سنوات على التعهد، ما زالت الحكومات تتبنى سياسات طاقة من شأنها أن تزيد الاحترار العالمي بمعدل ضعف المتوسط العالمي.
يتزامن هذا مع انعقاد قمة المناخ المعروفة اختصارا بـ "كوب 27" في شرم الشيخ المصرية. ومن أجل وفاء دول العالم بتعهداتها المناخية، يتعين عليها خفض الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة بمعدل سنوي يسفر عن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45 بالمائة بحلول نهاية العقد بهدف الوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
ولتحقيق هذا الهدف، يتعين إحداث ثورة في الانتقال إلى الطاقة النظيفة بما يشمل توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة لتمهيد الطريق أمام إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء.
حتى اليوم، يتم توليد الكهرباء في الغالب من الفحم الذي يُطلق عليه الوقود القذر، فيما يأتي بعد ذلك الغاز الطبيعي الذي يعتبر أنظف لكنه في الوقت نفسه يلوث الهواء.
وتؤدي عملية إحراق الوقود الأحفوري بكافة أنواعه إلى إطلاق الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مما يؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الأرض ومن ثم تكرار حدوث ظواهر الطقس المتطرفة.
وتبلغ نسبة توليد الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والطاقة المائية، أقل من 40 بالمائة على مستوى العالم.
وقد ارتفعت حصة الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء على مستوى العالم بوتيرة عالية خلال العقد الماضي فيما انخفضت حصة الطاقة النووية في ذلك المزيج. ورغم ذلك، ظلت حصة الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء ثابتة دون تغير.
شهد العقدين الماضيين ارتفاعا في الطلب على الكهرباء خاصة في البلدان التي شهدت وتيرة سريعة في ارتفاع مستويات المعيشة مثل الصين والهند. وعلى وقع ذلك، أقدمت الحكومات على زيادة استخدام الفحم لتوليد الكهرباء في المناطق الريفية والمدن الكبرى مترامية الأطراف وربطها بشبكات الكهرباء لأول مرة.
أما في البلدان الغنية التي حققت طفرة في توليد الكهرباء من الطاقة النظيفة مثل الولايات المتحدة وبلدان أوروبية، فقد تحولت المجتمعات إلى إنتاج الكهرباء من الغاز كمصدر رئيسي للكهرباء بدلا من الفحم.
وإجمالا، ينتج العالم ربع احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.
ويُتوقع أن تزداد نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة خلال الأعوام القادمة خاصة مع تركيب المزيد من محطات الألواح الشمسية وتوربينات الرياح بسبب التقدم الكبير في مجال الطاقة المتجددة التي جعلها أكثر كفاءة وأقل ثمنا.
وفي هذا الصدد، انخفضت تكاليف توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل كبير بمعدل يجعلها قادرة على منافسة الوقود الأحفوري، إذ أنه في معظم بلدان العالم، بات سعر بناء مزرعة شمسية جديدة لتوليد الكهرباء أقل من تكلفة محطة وقود احفوري، لا سيما الفحم.
وقد ساهمت المحطات الجديدة في خفض التكلفة، بيد أن التكاليف لا تشمل تكلفة تخزين الكهرباء في الأيام التي تسودها غيوم كثيفة أو ندرة في الرياح لتوليد الكهرباء أو حتى التكلفة الصحية الناجمة عن احراق الوقود الأحفوري.
توقعت الوكالة الدولية للطاقة أن يصل حجم الإنفاق على الطاقة النظيفة إلى 1.4 تريليون دولار في نهاية العام الجاري، لكن البيانات تظهر أن هذه الطفرة في الإنفاق تحدث في الغالب في بلدان غنية والصين في ضوء انخفاض تكاليف بني تحتية جديدة.
وفيما يتعلق بالبلدان ذات الدخل المتوسط، فإنها تجد نفسها مضطرة إلى انفاق المزيد من الأموال لخدمة الديون فضلا عن سعيها للحصول على قروض لتنفيذ مشاريع جديدة. فعلى سبيل المثال، تواجه بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى صعوبة في الحصول على تمويل رغم أن 600 مليون شخص من السكان في حاجة إلى الكهرباء.
يشار إلى أنه في عام 2010، تعهدت دول الشمال بتقديم مئة مليار دولار سنويا لمدة عشر سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، بما يشمل تزويد المزارعين في البلدان النامية بمحاصيل لمقاومة للجفاف أو دفع تكاليف إقامة منشآت لصد الفيضانات.
وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ترصد عملية التمويل، إلى أن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار في معدل أعلى من عام 2019 بنسبة 4 بالمائة، لكن المساهمة المالية كانت أقل من التعهد المتفق عليه.
يشار إلى أن تقرير صدر في أكتوبر / تشرين الأول الماضي عن مجموعة "تعقب العمل المناخي" و "معهد الموارد العالمية" ذكر أن العالم يشهد تزايدا في حصة مصادر الطاقة منخفضة الكربون.
ورغم ذلك، يتعين ارتفاع هذه الحصة بمعدل ستة أضعاف من أجل تمهيد الطريق أمام وضع العالم على المسار الصحيح للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
وفي سياق متصل، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته هذا العقد. لكن اللافت أنه من أجل خفض الانبعاثات بسرعة كافية، يتعين تزايد المحطات التي تولد الكهرباء من مصادر طاقة نظيفة بمعدل الضعف مع نهاية العقد، فيما سيتوجب على البلدان الغنية الوصول إلى كهرباء خالية من الكربون بنسبة 100بالمائة بحلول عام 2035 ، وبعد ذلك بخمس سنوات ينبغي على بقية دول العالم تحقيق هذا الهدف.
اضف تعليق