تظهر سلسلة الاعتقالات التي تحصل ازدواجية كبرى بين إجراءات صارمة تمارسها السلطات السعودية ضد نشطاء حقوق المرأة وضد المعارضين عموماً، وبين حملات العلاقات العامة والإشادة الدولية بالإصلاحات التي طالبت بها الناشطات منذ فترة طويلة فبينما ينهمك الإعلام العالمي بخطوات فتح دور السينما وقيادة المرأة...
الإعلام السعودي والمؤسسات الحكومية تسعى جاهدة لنشر صورة إيجابية مشرقة عن السجون، لتَظهر كأنها فنادق 5 نجوم، لتأتي الحقائق عكس ما تشتهي السلطات فكل ما روجته السلطات السعودية حول السجون، أظهرت تقارير حقوقية عديدة وشهادات لمواطنين سعوديين حقائق تُبيّن الأوضاع الفظيعة التي يعيشها السجناء، والجانب المظلم فيها، لتوصف إثرها البلاد "مملكة الرعب والخوف في العالم".
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن تقارير طبية مسربة عن الأوضاع الصحية لسجناء الرأي في السعودية، أظهرت تعرضهم للتعذيب، وقالت الصحيفة إن هذه التقارير الطبية تعتبر أول إقرار من الديوان الملكي على سوء معاملة سجناء الرأي رغم النفي الرسمي العلني.
وشملت التقارير فحوصات أجريت على نحو 60 معتقلا بعد طلب من الملك السعودي إثر تزايد الضغوط على الرياض بسبب معاملة معتقلي الرأي، خصوصا بعد جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وخلصت التقارير الطبية إلى أن السجناء يعانون من كدمات وحروق وجروح ونقص حاد في الوزن، وقد عرضت الصحيفة تفاصيل تظهر هول معاناتهم.
صمت السجون السعودية
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تحقيقاً موسعاً عن التطورات الحاصلة في السعودية ونقل كاتب الموضوع روجر كوهين، مشاهدات ومقابلات ميدانية، من بينها تعليقات لهتون الفاسي، وهي واحدة من السعوديات اللواتي طالبن لسنوات بحق المرأة بالقيادة والمساواة.
نقل كوهين في مقابلته عن الفاسي قولها إنها تلقت مباشرة وبعد أربع ساعات من إعلان السماح بقيادة المرأة السعودية في أيلول/ سبتمبر عام 2017، اتصالاً من مسؤول طلب منها الصمت وعدم التفاعل مع القرار عبر "السوشيل ميديا" ويكمل كاتب مقال "نيويورك تايمز" بأنه فوجئ بجرأة مقاربة الفاسي للأوضاع في بلادها، وبأنها استنتجت حينها أن الحكومة لا تريد للإنجاز (قيادة المرأة) أن ينظر إليه بصفته نصراً لحملة حقوقية، وبأنها قلقة من تركز السلطة في شخص واحد وهو محمد بن سلمان الذي وصفته بأنه، "يفتقر للحكمة… هناك الكثير من الخطوط الحمر الجديدة والقديمة، وهناك رقابة دائمة ودعوات إلى حظر أي إعلام يتم وصفه بأنه معادٍ للسعودية".
الاعتقال والسجن واحد من أعمدة تثبيت السلطة
اليوم وعلى رغم الأجواء الاحتفالية التي تعيشها السعودية إعلامياً بعد السماح للنساء بقيادة السيارة والإعلان عن تحضر بعض السعوديات لقيادة الطائرات، ومع كل حملات الدعاية والترويج لخطوات الانفتاح الحاصلة والمهرجانات الفنية والثقافية والرياضية، يسود في المقابل قلق كبير جراء تكريس مبدأ الاعتقال والسجن كواحد من أعمدة تثبيت السلطة.
تتركز الأضواء على حملات الدعاية والترويج لخطة 2030 التي تختصر فلسفة حكم ولي العهد، وقوامها اعتمادٌ أقل على النفط، وتطوير مساحات الترفيه والأعمال والسياحة، وتمكين النساء من سوق العمل، ومن جهة ثانية إطلاق اليد سياسياً وخنق أي محاولة للمساءلة أو الاعتراض هذه هي السعودية التي يحاول محمد بن سلمان تسويقها للعالم، ويواصل الحضّ على المشاركة في حال الاحتفال المستمر في بلاده بشأن التغييرات فيها.
والبلاد تعيش على وقع الاعتقالات التي طاولت أكثر من عشر ناشطات سعوديات بارزات، كما طاولت حقوقيين ومثقفين ورجال دين، وحتى أمراء، في توقيفات فندق الريتز الشهيرة التي حصلت لكن توقيفات الأمراء وسمت بأنها لضبط الفساد وتمت تسوية معظمها بعد اتفاقات لم تتضح بنودها الأمر يختلف مع الحقوقيين والحقوقيات الذين تم تقديمهم جميعاً بصفتهم خونة وإرهابيين وحملات التخوين والإدانة حصلت إعلامياً ومن دون محاكمات واضحة ومن دون السماح بالنقاش حولها.
تظهر سلسلة الاعتقالات التي تحصل ازدواجية كبرى بين إجراءات صارمة تمارسها السلطات السعودية ضد نشطاء حقوق المرأة وضد المعارضين عموماً، وبين حملات العلاقات العامة والإشادة الدولية بالإصلاحات التي طالبت بها الناشطات منذ فترة طويلة فبينما ينهمك الإعلام العالمي بخطوات فتح دور السينما وقيادة المرأة والسماح للنساء بحضور مباريات الرياضة ومراقبة الحركة الجوية وشرطة المرور وغيرها من المجالات التي كانت محظورة على النساء، تبدو السلطة ماضية في إجراءات الاعتقال بالزخم نفسه، لكن من دون أي ضجة.
لقد هنأ عدد كبير من قادة العالم ولي العهد السعودي على رفع الحظر على القيادة لكن أحداً لم ينبس بشأن الاعتقالات إلا قلة قليلة جدا والنساء هن جزء من استراتيجية الأمير لإظهار أنه كسر القاعدة التاريخية في السعودية، التي كرست موقعاً هامشياً للنساء على مدى عقود، لكن الاعتقالات تظهر بأنه يحاول اجتراح توازن ما، تجاه مدى الانفتاح الذي يريد السماح به من جهة، ومدى الالتزام بسلطته ومرجعيته من جهة أخرى.
حقوق الإنسان الغائبة في السعودية
أفادت صحيفة بريطانية بأنَّ بعض المستشارين أوصوا الملك بأن يُصدر قرارًا بالعفو عن كافة السجناء السياسيين، والإفراج عمَّن سجنوا منذ عام 2017، وأولئك الذين يُعانون مُشكلاتٍ صحية، وتواصلت الصحيفة مع السلطات السعودية يوم 21 مارس (آذار) من أجل الحصول على تعليق وقال مُتحدِّث رسميٌ إنه سيُجيب على استفسارات الصحيفة، لكنَّه لم يُرسل تعليقًا حتى الآن.
وذكرت تقاريرَ إعلاميةٌ سابقةٌ أن المُتحدِّث باسم السفارة السعودية في واشنطن قال إنَّ المملكة وقَّعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتحظر استخدامه في البلاد وأضاف أن المملكة "تأخذ كافة مزاعم سوء المعاملة على محمل الجد، سواءٌ بحق المُتَّهمين الذي ينتظرون محاكمتهم، أو السجناء الذين يقضون فترة عقوبتهم".
وحذَّر عددٌ من خبراء حقوق الإنسان صحيفة "الجارديان"، إبان إعداد التقرير من أنَّ مُحاولة التواصل مع عائلات الأشخاص المُحتجزين ستُعرِّض أفراد العائلة الذين يعيشون داخل المملكة لمخاطرَ كبيرة، وأكَّدت المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين يتتبعون تلك الاحتجازات أنَّ تسعةً من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التقارير الطبية كانوا رهن الاحتجاز وتتنوع أسباب القبض عليهم، ولم تُنشر جرائمهم المزعومة في بعض الحالات.
وكانت مُنظمة "هيومان رايتس ووتش" قد دعت إلى "الإفراج الفوري عن كافة نشطاء حقوق الإنسان والمُعارضين السلميين المُحتجزين، ودعت المُراقبين الدوليين إلى فتح تحقيقٍ شاملٍ وشفافٍ بشأن المُعاملة التي تعرَّضوا لها".
وأضاف المُتحدِّث باسم المُنظمة: "زعم المُحتجزون السعوديون والناشطات من النساء أنَّ السلطات أساءت مُعاملتهم بقسوةٍ لا تُوصف وأنهم تعرَّضوا للصعق بالكهرباء والجلد والتحرش الجنسي ويبدو أنَّ التقارير الطبية المُكتشفة مؤخرًا تُؤكِّد ما يقولونه منذ عدة أشهر".
وقال ناشطٌ حقوقيٌ، تحدَّث للصحيفة بشرط الحفاظ على سرية هويته: "إنَّ الأوصاف المشمولة في التقارير تتوافق مع الأدلة التي جمعها النشطاء، بما في ذلك أنَّ السجناء يُحتجزون في زنازين الحبس الانفرادي"، وأضاف الناشط أنَّ الطريقة الوحيدة للتأكُّد من صحة التقارير بالكامل هي تمكين المُراقبين المُستقلِّين من الوصول إلى الأفراد المذكورين في التقارير، بحسب ما أوردته الصحيفة، ونشر تقييمهم للأوضاع أمام العامة.
وتابع الناشط أنَّ السجينات تعرضن للصعق بالكهرباء والتقييد إلى الكراسي، والضرب على الفخذين والظهر والأرداف بالعقال وأدَّى ذلك الجلد إلى كدماتٍ دائمة وقيل إنَّ السجينات يُعانين أيضًا فقدان وزنٍ شديد، لدرجة تناثر الأقاويل عن فقدان إحدى السجينات لنصف وزنها بحسب الناشط، وأوردت "الجارديان" تصريحات جاستن شيلاد، الباحث المساعد لشؤون الشرق الأوسط بلجنة حماية الصحافيين.
خفايا وأسرار سجون النساء في السعودية
جددت قبل ايام منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية مطالبتها، بالسماح للمراقبين الدوليين بتفتيش وزيارة الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة، المعتقلات بسجون السعودية، للتأكد من سلامتهن وصحتهم، في ظل تقارير تؤكد تعرضهن لأمور وحشية
وكشف تقرير للمنظمة، نشرته عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، وتابعته اليوم الثامن أنه بينما نفت وزارة الإعلام السعودية، تعرض 3 ناشطات للتعذيب والتحرش، تلقت "هيومن رايتس ووتش" تقريراً من مصدر مطلع بتعرض ناشطة رابعة لممارسة مماثلة، وشدد التقرير على ضرورة أن تحقق السعودية، فوراً وبطريقة موثوقة ومعلومات دقيقة واكيدة ، في ادعاءات سوء المعاملة اتجاه واثناء احتجاز وأن تُحاسب المتورطين في التعذيب وإساءة معاملة المعتقلات، وأن تنصف من أسيأت معاملتهن أثناء هذا الاحتجاز المطول قبل محاكمتهن.
حيث كشف نائب مدير المنظمة التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "مايكل بيج" إن أكاذيب السعودية المستمرة حول دور كبار المسؤولين في قضية "جمال خاشقجي" تعني أن نفي الحكومة لأي امور تعذيب الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة ليس كافياً، وكشف: "ما لم يتمكن المراقبون المستقلون من تأكيد سلامة الناشطات فلدينا كل الأسباب للاعتقاد بأن السلطات السعودية عاملتهن بقسوة لا توصف".
كشف ايضاً نائب المدير التنفيذي للمنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن جميع الناشطات معتقلات في سجن ذهبان، شمال جدة، لكن المصادر قالت إن أغلب ممارسات وحشية كانت تجري في مركز احتجاز غير رسمي، أطلقوا عليه اسم "فندق"، قبل نقل المعتقلات إلى ذهبان، وأضاف المصدر إلى أن المعتقلات تم اقتيادهن إلى غرفة تسمى "دار الضباط" لفعل امور قاسية، لكن أشار إلى أن موقع هذه الغرفة ليس واضحا له.
القحطاني اشد الرجال قسوة
إن من أساؤوا معاملة المعتقلات تابعون لـ"الأمن السيبراني"، في إشارة إلى احتمال كونهم ضباطا يعملون تحت سلطة مستشار الديوان الملكي السابق "سعود القحطاني" الذي يعتبر من اشد الرجال قسوه، الذي تم فصله، بموجب مرسوم ملكي، لدوره في التخطيط لقضية "خاشقجي".
وشغل "القحطاني"، المقرب من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، رئاسة مركز الدراسات والإعلام في الديوان الملكي، بالإضافة إلى رئاسة الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة، ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن تقارير إعلامية أن "القحطاني" وجه حملات إلكترونية ضد النقاد السعوديين، ووضع "بلاك لست" لاستهدافهم، مشيرة إلى أنه معروف في الدوائر الدبلوماسية باسم "أمير الظلام".
وبحسب مصادر مطلعة متعددة، فإن الطرق الوحشية المحققين السعوديين للمعتقلات، أثناء المراحل الأولى من الاستجواب، شمل تعرض 3 منهن على الأقل للتحرش والاعتداء الجنسيين، بما في ذلك العناق القسري والتقبيل والتعرض للإيماءات الموحية جنسيًا.
وكشف أحد المصادر أن ناشطة معتقلة أخبرته بأن "أحد كبار المسؤولين حضر عدة جلسات تعذيبها وهو يرتدي قناعا"، وهددها بـأن "الصعق الكهربائي التالي سيكون على رأسها" وهددهها، لكنه لم ينفذ ذلك، كما سأل المسؤول المقنع الناشطة المعتقلة عن ما إذا كانت تفضل عقوبة كبيره أو السجن مدى الحياة بسبب "خيانتها.
وفي أعقاب التحقيقات، ظهرت على المعتقلات علامات جسدية جراء الاعمال الوحشية، بما في ذلك صعوبة في المشي، وارتعاش غير متحكم في اليدين، وكدمات على الفخذين، وعلامات حمراء وخدوش على وجوههن وأعناقهن.
اضف تعليق