في أوائل أغسطس آب من العام الماضي طار ضابط شاب برتبة لفتنانت يدعى كي نيان لين إلى ولاية راخين مع مئات الجنود في جيش ميانمار، كانت تلك المجموعة على وشك بدء حملة ستسفر عن طرد مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا من بيوتهم وتشعل النار في المنطقة، غير أن أول ما فعله اللفتنانت كي نيان لين من ضباط فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين كان بالضبط ما سيفعله أي شاب...
(رويترز) - في أوائل أغسطس آب من العام الماضي طار ضابط شاب برتبة لفتنانت يدعى كي نيان لين إلى ولاية راخين مع مئات الجنود في جيش ميانمار، كانت تلك المجموعة على وشك بدء حملة ستسفر عن طرد مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا من بيوتهم وتشعل النار في المنطقة، غير أن أول ما فعله اللفتنانت كي نيان لين من ضباط فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين كان بالضبط ما سيفعله أي شاب: فقد نشر رسالة على صفحته على فيسبوك، قالت الرسالة المنشورة في العاشر من أغسطس آب ”في طائرتنا. لا بد أن نأكل كعكة“، وعلق أحد أصدقائه قائلا ”هل ستأكلون لحما بنغاليا؟“ ويشير كثير من البورميين إلى الروهينجا بلفظ البنغاليين أو بكلمة ”كالار“ التي تنم عن الاحتقار، وكان رد الضابط ”سأفعل ذلك“، كان الضابط كي نيان لين فردا فيما يطلق عليه بعض المحللين العسكريين الغربيين ”رأس الحربة“ متمثلا في مئات من الجنود الذين اكتسبوا خبرة في المعارك من فرقتي المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين والتاسعة والتسعين اللتين اشتهرتا بقسوتهما في حملات التصدي لتمرد الأقليات العرقية الكثيرة في البلاد، وعندما شن مسلحون من الروهينجا هجمات عبر شمال ولاية راخين في أغسطس آب من العام الماضي كانت الفرقتان 33 و99 على رأس قوة التصدي لهم. ودفعت الحملة التي أعقبت ذلك نحو 700 ألف من الروهينجا إلى الفرار إلى بنجلادش المجاورة.
وقالت الأمم المتحدة إن الجيش ربما ارتكب إبادة جماعية ووصفت الولايات المتحدة الحملة بأنها تطهير عرقي، وتنفي ميانمار تلك الاتهامات.
وقد نشر الكثير عن ارتكاب جنود ميانمار لعمليات قتل جماعية وحرق قرى الروهينجا. غير أن تحقيقا استقصائيا أجرته رويترز يمثل أول تقرير عن الدور الذي لعبته فرقتا المشاة الخفيفة 33 و99 على وجه التحديد وكيف نفذتا الهجوم في شمال ولاية راخين والعلاقات القديمة بين الجنرال مين أونج هلاينج القائد العام للقوات المسلحة وبين الوحدات الخاصة التابعة للجيش.
وتحاورت رويترز مع عشرات من اللاجئين الروهينجا في بنجلادش وبوذيين في ولاية راخين وأجرت مقابلات نادرة مع أعضاء في قوات الأمن بميانمار لإعادة تصوير أفعال هاتين الفرقتين. وتشير المقابلات مع الروهينجا وشهود عيان في ولاية راخين ورجال الشرطة إلى تورط قوات فرقتي المشاة في إشعال الحرائق وأعمال القتل.
ويتمسك الجيش بالتكتم الشديد حتى أن المتحدث باسمه نادرا ما يتحدث مع وسائل الإعلام. غير أن فيسبوك يحظى بشعبية طاغية في ميانمار وقد توصلت رويترز إلى حسابات جنود نشروا رسائل عن الحياة العسكرية وتحركات القوات والحملة التي شنها الجيش في ولاية راخين، وتكشف صفحات اثنين من أفراد فرقتي المشاة الخفيفة عن كراهية عرقية فجة، قال الضابط كي نيان لين من الفرقة 33 لرويترز إن رد فعل الجيش مبرر لأن الجنود كانوا يتعرضون للهجوم من ”إرهابيين بنغاليين“.
وقال ”كانوا هم البادئين بإرهابنا. ولذلك جرى تكليفنا بالتصدي لهم. وأثناء حملتنا عليهم هرب سكان قرى بأكملها“، وأضاف أنه لم يشارك في أي أعمال قتل أو إشعال حرائق.
ولم يرد الجيش والحكومة على أسئلة من رويترز. وفي الماضي نفت الحكومة اتهامات التطهير العرقي في راخين وقالت إن قوات الأمن شنت عمليات مشروعة للتصدي للتمرد استهدفت مسلحي الروهينجا. وقالت وزارة الداخلية المسؤولة عن الشرطة لرويترز إنها ترفض الادعاءات بأن رجال الشرطة شاركوا في حرق قرى الروهينجا.
كانت ولاية راخين قد أصبحت بالفعل برميل بارود على الصعيد العرقي قبل وصول فرقتي المشاة الخفيفة. وكانت سنوات العنف بين الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين، الروهينجا المسلمين والراخين البوذيين، قد أدت إلى سقوط مئات القتلى وتشريد الآلاف وأغلبهم من الروهينجا، وهزت هجمات مسلحي الروهينجا في 2016 قوات الأمن التي اتهمت الأفراد العاديين من الروهينجا بإيواء ”الإرهابيين“.
وكان وصول فرقتي المشاة الخفيفة في أوائل أغسطس آب 2017 بداية حشد عسكري كبير. وتبين صور التقطت في تلك الفترة وصول الجنود إلى مطار سيتوي أو في زوارق امتلأت عن آخرها بهم.
وقالت حكومة أونج سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل في بيان في ذلك الوقت إن نشر القوات سيجلب ”السلام والاستقرار والأمن“. غير أن استقدام قوات مدججة بالسلاح متهمة بأن لها تاريخا طويلا من انتهاكات حقوق الانسان كان له أثر عكسي. فقد قال سكان القرى من الروهينجا إن ذلك غذى الخوف والتوتر في المنطقة المضطربة.
وفي 25 أغسطس آب جاءت هجمات جيش إنقاذ روهينجا أراكان (أرسا). فقد شنت هذه الجماعة المسلحة عشرات الهجمات على مواقع الشرطة وقاعدة للجيش في راخين. وكانت الفرقتان 33 و99 موجودتين في مواقعهما مع قوات أمنية أخرى وردت تلك القوات بحملة وحشية ساقت فيها فعليا أعدادا غفيرة من المدنيين الروهينجا أمامها في اتجاهي الشمال والغرب إلى بنجلادش، ويعتبر الروهينجا أنفسهم من المواطنين الأصليين في ولاية راخين. غير أن ميانمار تحرم معظمهم من الجنسية وتقول إنهم ليسوا من السكان الأصليين. كما أن الأغلبية البوذية في البلاد تشهر بهم، وروى أفراد من الشرطة وأهالي القرى من البوذيين الراخين لرويترز كيف أنهم نسقوا مع القوات من الفرقتين لحرق قرى الروهينجا حتى لا يصبح لأصحابها بيوت يعودون إليها، ويأتي التحقيق الذي أجرته رويترز عن فرقتي المشاة وقادتهما في وقت تتصاعد فيه الدعوات العالمية لمحاسبة المسؤولين عن عمليات الطرد الجماعي للروهينجا، ففي 25 يونيو حزيران دعا الاتحاد الأوروبي وكندا إلى فرض عقوبات على سبعة من كبار القادة العسكريين في جيش ميانمار وضباط الشرطة بما في ذلك قادة الفرقتين 33 و99.
ويواجه السبعة تجميد أرصدتهم كما أنهم ممنوعون من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات سوى على قائد واحد من قادة جيش ميانمار بسبب انتهاكات ارتكبت خلال حملة راخين.
ولم تستهدف العقوبات الجديدة الرجل الذي يملك السلطة المطلقة على الفرقتين 33 و99 وهو القائد العام للجيش مين أونج هلاينج، والقائد العام شخص ضئيل الجسم كثيرا ما يرتدي نظارة مستديرة العدسات بلا إطار ويبدو أشبه بموظف يؤدي عملا مكتبيا منه إلى قائد واحد من أكبر جيوش المنطقة. وقد ارتبط صعود نجمه في صفوف الجيش بالتاريخ الدموي لفرقتي المشاة الخفيفة.
يعمل ثوانج واي أو مؤرخا عسكريا خدم برتبة عقيد في الفرقة 33 كما خدم برتب أقل في فرقتين أخريين من المشاة الخفيفة. وعندما سئل عمن يملك السلطة المطلقة على فرقتي المشاة قال ”الجنرال الكبير مين أونج هلاينج. هذا السؤال في غاية السهولة“.
ورغم أنه رفض مناقشة العملية التي نفذها الجيش في ولاية راخين فقد قال إن القائد العام ِوحده هو الذي يستطيع نشر فرق المشاة الخفيفة في الهجمات الكبرى، وأضاف ”القرارات النهائية تصدر من الجنرال الكبير مين أونج هلاينج“.
وخلال حياته العسكرية قاد مين أونج هلاينج فرقة المشاة الخفيفة الرابعة والأربعين. وفي 2009 وبصفته قائدا للعمليات الخاصة أشرف على نشر الفرقة 33 في حملة لإخراج متمردين مسلحين من جيب في شرق ميانمار وفر في تلك الحملة حوالي 37 ألفا عبر الحدود إلى الصين. وأصبح قائدا عاما للجيش في 2011.
وكان مين أونج هلاينج هو الوجه الرسمي للحملة في ولاية راخين. وقبل أيام من نشر الفرقتين 33 و99 عقد اجتماعا أمنيا حظي بتغطية إعلامية واسعة مع قيادات البوذيين في ولاية راخين، وفي عز الحملة الأمنية قال في أول سبتمبر أيلول ”المشكلة البنغالية مشكلة قائمة منذ مدة طويلة وقد أصبحت مهمة لم تكتمل“، وفي 19 سبتمبر أيلول زار مدينة سيتوي عاصمة الولاية وتقول صفحته على فيسبوك إنه تلقى تقريرا مفصلا من كبار الضباط عن سير عملية الجيش في راخين، ولم يرد الجيش على طلب من رويترز للحصول على تعليق من مين أونج هلاينج، ولم يعر العالم الهجمات العسكرية السابقة التي شنتها الفرقتان 33 و99 التفاتا. غير أن دورهما في الحملة الأمنية على راخين كانت له آثار بعيدة المدى.
فقد أدى ذلك إلى أزمة لاجئين متواصلة في بنجلادش التي تعد من أفقر دول العالم وغير مهيأة للتعامل معها. كما أضرت الحملة بصورة سو كي على مستوى العالم كواحدة من أيقونات الديمقراطية.
ويتهم ناشطو حقوق الانسان سو كي بعدم الدفاع بقوة أكبر عن الروهينجا الذين تعرضوا طويلا للاضطهاد ثم تأييد ما ردده الجيش عن الأحداث. ورفض مكتبها التعليق، وفي ديسمبر كانون الأول قدرت جماعة الإغاثة الدولية أطباء بلا حدود أن 6700 على الأقل من الروهينجا قتلوا في الشهر الأول وحده من الحملة الأمنية، ولم يعلق الجيش على عدد القتلى في ولاية راخين أو على الاتهامات المحددة عن الانتهاكات التي ورد وصفها في هذا التقرير.
وفي نوفمبر تشرين الثاني قال الجيش إن 13 من أفراد القوات الأمنية قتلوا في الصراع وإنه انتشل جثث 376 من مقاتلي جيش إنقاذ روهينجا أراكان في الفترة من 25 أغسطس آب إلى الخامس من سبتمبر أيلول وهو التاريخ الذي انتهى فيه الهجوم رسميا.
إذا كانوا بنغاليين فالقتل مصيرهم
تبين ثلاث صور وزعتها وكالة ميانمار للصور الصحفية وصول الجنود إلى مطار سيتوي في العاشر من أغسطس آب. كما تظهر في اثنتين من الصور طائرات عسكرية من طراز شانجي واي-8 الصينية الصنع القادرة على نقل أكثر من 100 جندي وهي تقف صفا على أرض المطار أمام أسطول من شاحنات الجيش. وظهر على كتف أحد الجنود بوضوح رمز الفرقة 33، وكان ممن سافروا جوا إلى ولاية راخين وإن لم يكن بالضرورة على متن واحدة من تلك الطائرات اللفتنانت كي نيان لين من فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين. ويعرف نفسه على فيسبوك باسم ماي نوانج لين. ويظهر اسمه كي نيان لين على صفحته الرئيسية على فيسبوك وفي صورة نشرها من حفل زفافه. وهو في الرابعة والعشرين من العمر.
وفي 11 أغسطس آب نشر صورة من أيقونات الوجوه على فيسبوك لوجه يتكلف الابتسام وكتب بجوارها ”إذا كانوا بنغاليين فالقتل مصيرهم“، وكان الجنود الذين يظهرون في الصور التي تم التقاطها في مطار سيتوي وفقا لمعايير جيش ميانمار مزودين بمعدات جيدة ومدججين بالسلاح. وكانوا يرتدون خوذا وصديريات واقية من الرصاص ويحملون بنادق ومدافع مورتر، وفي الصور المنشورة في أغسطس آب 2017 على فيسبوك تظهر قوات وشاحنات تمتليء بها سفينة إنزال تابعة للبحرية. وقال ثلاثة محللين درسوا هيكل القيادة العسكرية لجيش ميانمار واثنان من خبراء القانون الدولي إن استخدام الطائرات والسفن في نقل الجنود يوضح تنفيذ عملية مشتركة يشارك فيها سلاح الجو والبحرية والجيش.
وقال أحد الخبيرين وهو تايلر جيانيني المدير المشارك لوحدة عيادة حقوق الانسان الدولية بكلية الحقوق بجامعة هارفارد إن العملية المشتركة ونشر قوات من خارج المنطقة يشير إلى اشتراك ”القيادة المركزية على أعلى المستويات“.
وأنزلت السفينة التابعة للبحرية حملتها في راثداونج وهي إحدى ثلاث مدن تمثل شمال ولاية راخين. ومن هذا الموقع انطلقت فرقتا المشاة الخفيفة شمالا حسب ما قاله أكثر من 40 فردا من الروهينجا تحدثت رويترز معهم عن مشاهداتهم.
وتقدمت الفرقة 33 في الأساس على الجانب الشرقي من جبال مايو وهي سلسلة جبلية تغطيها الغابات تقسم مدينتي راثداونج وماونجداو. أما الفرقة 99 فسارت على الجانب الغربي، وأوضحت المقابلات التي تمت مع أفراد الروهينجا أن الفرقتين 33 و99 انتشروا في 22 قرية على الأقل في شمال ولاية راخين.
كان لنشر القوات وقعا شديدا في المنطقة. ففي 14 أغسطس آب أحصى أحد علماء الدين الروهينجا ويدعي عبد الجليل حوالي 350 جنديا يسيرون عبر قريته في ثا وين تشاونج. وقال ”ساروا في الطريق الرئيسي وشاهدهم الجميع“، كما أعلنت الفرقتان 33 و99 عن وصولهما في سلسلة من اللقاءات قال من شاركوا فيها من الروهينجا إنها بثت في نفوسهم القلق والخوف، وقالوا إن قيادات من طائفة الراخين المحلية شاركت أحيانا في تلك اللقاءات، وتشابهت الرسائل التي تم توصيلها من خلال تلك اللقاءات التي عقدت في أماكن مثل المدارس ومراكز الشرطة. فقد قال الضباط إنهم جاءوا ”لتطهير“ المنطقة واجتثاث ”الإرهابيين“ و“المجرمين“، وقال الحاضرون من الروهينجا إن الضباط اتهموا الروهينجا بإيواء ”أشرار“ وهددوا بحرق القرى وإطلاق النار على كل من يعتبر مشبوها.
وأجرت رويترز مقابلات مع ثلاثة من الروهينجا قالوا إنهم حضروا اجتماعا في منتصف أغسطس آب دعا إليه قادة الفرقة 99 في توانجبيوليتوي الواقعة على حدود ميانمار مع بنجلادش. وقال أحد الأعيان المحليين ممن حضروا الاجتماع واسمه عارف إن عشرات الجنود كانوا يحرسون القائد. وقال عارف إنه يتذكر أن الضابط قال ”إذا وجدنا أي إرهابيين فسنحرق قريتكم ونحولها إلى رماد. ولن تبقى لكم أجيال قادمة“.
وفي الجانب الآخر من جبال مايو في قرية تشوت بين حضر عبد البصير وقيادات أخرى من الروهينجا اجتماعا دعا إليه قائد من قادة الفرقة 33. وقال لهم القائد إنه كان يخوض في الآونة الأخيرة حربا عرقية أخرى في شمال ميانمار.
ونقل عبد البصير عن القائد قوله ”قبل أن نأتي إلى هنا كنا على الجبهة في ولاية كاشين. وتصرفنا تصرفات في غاية السوء في كاشين وهم مواطنون. أما أنتم فلستم مواطنين ولذا بوسعكم أن تتصوروا كيف سنتصرف“.
وأشار كثير من الروهينجا الذين التقت بهم رويترز إلى قوات الفرقتين 33 و99 بعبارة ”الجنود الجدد“ لتمييزهم عن الجنود المرابطين من قبل في المنطقة. وقالوا إن الروهينجا على مر السنين كانوا يرشون رجال الجيش والشرطة المحليين أو يساومونهم من أجل الحفاظ على الوضع القائم غير المستقر. غير أن مقاول البناء نور ألوم وهو من الروهينجا قال إن ”الجنود الجدد“ كانوا مختلفين.
فقد كان ألوم يبني مدرسة حكومية في قرية آه هتيت نان يار في راثداونج. وعندما وصل مئات الجنود صباح يوم مطير في منتصف أغسطس آب فر عماله. وقال ألوم الذي كان على صلة طيبة بالكتيبة المحلية إنه ظل في مكانه، وأضاف إنه تكور بعد دقائق وأصبح في وضع أشبه بالجنين بينما راح جنود الفرقة 33 يركلونه ويضربونه ويطالبونه بأن يقر بحقيقة ”الإرهابيين“ المختبئين في قريته، وأضاف ألوم الذي يعيش الآن في مخيم للاجئين في بنجلادش أن أحد الجنود قال له ”الحكومة المركزية أرسلتنا خصيصا لقتلكم أيها البنغاليين“.
ولم يتسن التأكد من الاعتداء على نور ألوم من مصدر مستقل. غير أن ثورا سان لوين قائد الشرطة شبه العسكرية في راخين في ذلك الوقت قال لرويترز إن قوات من الفرقتين 33 و99 أرسلت إلى قرى من بينها قرية آه هتيت نان يار.
أرسا يهاجم وبدء الحملة الأمنية
في الساعات الأولى من صباح 25 أغسطس آب شنت مجموعات من الروهينجا، قادها مسلحو جماعة أرسا أو قاموا بتجميعها، هجمات على 30 موقعا للشرطة وقاعدة للجيش. أسفرت الهجمات عن مقتل عشرة من رجال الشرطة وجندي من الجيش وأحد ضباط الهجرة على حد قول مكتب سو كي في بيان صدر في ذلك اليوم.
وفي مين هلوت وهي مجموعة من القرى على ساحل ماونجداو هاجم مجموعة من أفراد الروهينجا موقعا للشرطة بالعصي والحجارة والسهام وزجاجات المولوتوف على حد قول ضابط شرطة شارك في صد الهجوم مع تسعة ضباط آخرين. وطلب الضابط من رويترز عدم نشر اسمه، وقال إن اثنين من رجال الشرطة قتلا وجرح ثالث أثناء صد الهجوم. وأضاف ”عندما حاولوا كسر البوابة بدأنا نطلق النار عليهم. وسحبوا الرجال المصابين منهم بعيدا“، وأعلنت جماعة أرسا على حسابها على تويتر في 25 أغسطس آب مسؤوليتها عن سلسلة هجمات دون أن تذكر مين هلوت. وقالت حكومة ميانمار ومنظمة العفو الدولية إن جماعة أرسا وراء مقتل عشرات من السكان الهندوس من قرية أخرى نائية في ولاية راخين. ونفت الجماعة ذلك الاتهام. ولم ترد الجماعة على أسئلة من رويترز.
وقرأ جندي من الفرقة 99 يدعى ساي سيت ثواي أونج التقارير الأولى عن هذه الهجمات. ويشير حسابه على فيسبوك أنه كان لا يزال في ذلك الوقت في بلدة ميكتيلا مقر الفرقة 99 بوسط ميانمار، وكتب يقول ”من فضلكم أرسلونا بسرعة إلى راخين حيث يوجد الإرهابيون. من فضلكم أريد أن أحارب. لا أستطيع السيطرة على رغبتي الوطنية في الانتقام“، وكان له ما أراد. فقد نشر فيما بعد صورة على حسابه قال إنها له وهو في طريقه إلى شمال راخين.
وفي تحذير إلى ”الكلاب المسلمين“ كتب في 27 أغسطس آب يقول ”سأقوم بتحصيل دين دم الناس بكل اشتياق“. وأبدى أكثر من ألف شخص ”إعجابا“ بهذه العبارة. وعلق أحدهم قائلا ”اقتل هؤلاء الملاعين“.
وقال ساي سيت ثواي أونج لرويترز إن عبارة ”الكلاب المسلمين“ تشير فقط إلى مسلحي جماعة أرسا وإن له ”أصدقاء مسلمين كثيرين“. كما قال إنه لم يطلق الرصاص على أحد أو يقتل أحدا في ولاية راخين.
وفي ذلك الوقت كان الضابط كي نيان لين من الفرقة 33 مشغولا بالعمليات العسكرية حسب ما نشره على صفحته على فيسبوك. إذ كتب يقول في 26 أغسطس آب ”لم أنم مرة أخرى لأنني اضطررت للخروج والمساعدة في محاصرة قرية من قرى الكالار. لكن عندما وصلنا إليها كان جميع الكالار قد رحلوا“.
ثم راح يروي رحلته الشاقة عبر الجبال إلى قرية إن دِن على ساحل موانجداو. وهناك تناول وجبة طيبة واتصل بزوجته. وكتب يقول ”استرخي الآن في حالة من السكينة“.
وبالنسبة لسكان قرية إن دِن من الروهينجا كانت القرية في ذلك الوقت منطقة حرب. وكانوا قد بدأوا في ذلك الوقت يفرون إلى الغابات القريبة. وفي غضون أيام من وصول الفرقة 33 انضم الجنود ورجال الشرطة إلى البوذيين الراخين المحليين في حرق معظم بيوت الروهينجا في إن دِن حسب ما نشرته رويترز في فبراير شباط الماضي.
وذكرت رويترز في فبراير شباط إن الجنود احتجزوا في أول سبتمبر أيلول عشرة من الرجال والصبية من الروهينجا. وفي اليوم التالي وبمساعدة أهل القرية من الراخين أطلقوا عليهم النار أو قتلوهم ضربا بأسلحة بيضاء ثم ألقوا بجثثهم في قبر جماعي غير عميق.
وقال اثنان من رجال الشرطة إن بعض الجنود في قرية إن دِن كانوا ينتمون مثل اللفتنانت كي نيان لين للكتيبة الحادية عشرة من فرقة المشاة الخفيفة 33. وقال الضابط كي نيان لين لرويترز ”لم أشارك في القتل في إن دِن. وبالقطع لم أرتكب أي عمليات قتل أخرى أيضا“.
وفي ديسمبر كانون الأول ألقت السلطات القبض على صحفيين من رويترز بعد أن علمت الشرطة أنهما يتحريان عن مذبحة إن دِن. وفي الشهر التالي اعترف الجيش بأن جنودا شاركوا في قتل العشرة وقال إن محكمة قضت بسجن سبعة جنود عشر سنوات. ولم يذكر الجيش أسماء المحكوم عليهم أو رتبهم أو الفرق التي كانوا ينتمون إليها.
ولا يزال الصحفيان وا لوني وكياو سوي أو في السجن بتهمة مخالفة قانون الأسرار الرسمية. وإذا تم توجيه الاتهام لهما رسميا فربما يحكم عليهما بالسجن فترة تصل إلى 14 عاما.
وقال سكان من الروهينجا يعيشون الآن في مخيمات في بنجلادش إن الجنود راحوا يهدمون قرية مين جي المعروفة أيضا باسم تولا تولي في 30 أغسطس آب في شمال ماونجداو.
ويقول محققون يعملون لحساب منظمة هيومن رايتس ووتش إن مذبحة وقعت في تولا تولي. وقال تقرير للمنظمة الحقوقية إن الجنود أطلقوا النار على الروهينجا الفارين وألقوا القبض على المئات.
وأضاف التقرير أن الجنود راحو بعد ذلك و“بشكل منهجي يقتلون الرجال على مدى عدة ساعات“ وذلك قبل قتل نساء وأطفال من الروهينجا واغتصاب العديد من النساء.
وتبين مقابلات رويترز مع اثنين من أهل القرية في راخين أن الفرقة 99 كانت في القرية. كما تؤكد المقابلات مع الناجين من الروهينجا مشاركة جنود الفرقة في ارتكاب فظائع فيها.
وقال أحد سكان القرية ويدعى ماونج هلا سين لرويترز إن السكان من عرق الراخين اعتبروا أفراد الفرقة 99 منقذين لهم. وأضاف ”لو لم يصلوا لكان الكالار قتلوا الجميع“. وقال إنه سمع إطلاق نار وانفجارات من ناحية قرية تولا تولي لكنه لم ير ما حدث فيها.
وقال أونج كياو ثين رئيس القرية من عرق الراخين إن أكثر من 100 جندي من الفرقة 99 نفذوا ”عملية تطهير“ في تولا تولي. وقال لرويترز في نوفمبر تشرين الثاني ”لا أعرف بالضبط عدد من قُتلوا من المسلمين لأننا لم نجرؤ على مغادرة قريتنا“. ونسب الفضل في حماية أهل القرية من عرق الراخين للفرقة 99.
وتحاورت رويترز مع ثلاثة من نساء الروهينجا قلن إن جنودا في جيش ميانمار يرتدون رمز الفرقة 99 على أذرعهم اغتصبوهن في تولا تولي.
وقالت إمرأة من الثلاثة من عائلة تحمل اسم بيجوم إن جنودا أخذوها إلى بيت في تولا تولي مع 11 إمرأة وبنتا أخرى من بينهن شقيقتها الصغيرة. وقالت إن ستة من جنود الفرقة 99 دفعوا بها إلى غرفة مليئة بالجثث ثم ذبح أحد الجنود شقيقتها. وقال وهي تبكي وترتعد ”لم أتحمل النظر وأدرت وجهي“.
وقالت المرأة إنها تعرضت للركل والضرب حتى غابت عن الوعي. وعندما أفاقت، كان الظلام حالكا وكانت النار مشتعلة في ظهرها وساقيها ورأسها مضطربة. وزحفت خارجة من المكان بينما كانت عشر نساء أخريات تحترقن وهن غائبات عن الوعي، ولم يتسن التحقق من صحة روايتها من مصدر مستقل.
وبدت على جسدها آثار حروق أثناء حديثها مع رويترز. وقال سكان من عرق الراخين لرويترز في نوفمبر إن جنودا من الفرقة 99 كانوا لا يزالون في تولا تولي وإن جميع بيوت الروهينجا سويت بالأرض.
وفي الخامس من سبتمبر أيلول كتب ساي سيت ثواي أونج الجندي بالفرقة 99 على صفحته على فيسبوك ”الكالار هادئون الآن“. وأضاف ”قرى الكالار احترقت“. وقال لرويترز إنه كان في شمال ماونجداو في ذلك الوقت وإنه لم يشعل أي حرائق. وأضاف أن الروهينجا أحرقوا بيوتهم ثم حملوا المسؤولية للجيش.
وقالت أونج سان سو كي في خطاب ألقته بعد أسبوعين إن الحملة التي شنها جيش ميانمار في ولاية راخين انتهت رسميا في الخامس من سبتمبر أيلول.
ومع ذلك تبين صور الأقمار الصناعية أن عمليات إشعال الحرائق في قرى الروهينجا استمرت لأسابيع. وخلال تلك الفترة شاهد صحفيون من رويترز في بنجلادش الدخان يرتفع كل يوم في ميانمار على الجانب الآخر من الحدود.
ويقول شاهد على الأحداث هو ضابط الشرطة الذي نجا من الهجوم على القاعدة في مين هلوت إن الفرقتين 33 و99 كانتا من بين المسؤولين عن عمليات الحرق.
وقال الضابط لرويترز إنه أمر بعد الهجوم بالانضمام لجنود من الفرقتين 33 و99 في ”عمليات تطهير“ في بعض قرى الروهينجا التي كان أهلها قد هجروها. ونشرت رويترز بعض أقواله في فبراير شباط.
وقال إن كل عملية شارك فيها من خمسة إلى سبعة من رجال الشرطة مع 20 جنديا من الجيش على الأقل. وحاصرت الشرطة بيوت الروهينجا بينما فتشها الجنود ثم أشعلوا النار فيها. وكانت أسقف البيوت من أوراق الشجر وجدرانها من الخيزران ولذلك كان من السهل حرقها، وقال الضابط ”لم تكن هناك حاجة لاستعمال الوقود“. وأضاف أنه تم حرق البيوت ”أساسا لأسباب أمنية“ لمنع الروهينجا من العودة وشن هجمات جديدة، وقد نفى الجيش حرق البيوت في ولاية راخين ويقول إن مسلحي الروهينجا أشعلوا النار في البيوت.
ووصف ضابط الشرطة كيف استخدمت الفرقتان 33 و99 إشعال الحرائق بشكل روتيني ومنهجي. وقال ”كنا نتوجه إلى قرية ونحرقها عن آخرها ... وفي اليوم التالي نتوجه إلى قرية أخرى. وفي المساء نتوجه إلى قرية غيرها“.
استقبال الأبطال
حظرت حكومة ميانمار على الصحفيين وغيرهم من المراقبين الأجانب بما في ذلك محققي الأمم المتحدة زيارة أغلب الأماكن في شمال ولاية راخين بحرية.
وقال مين أونج هلاينج لمبعوثي مجلس الأمن الذين زاروه في نايبيتاو في أبريل نيسان إن ما حدث في راخين ”مسألة داخلية“ وذلك وفقا لرواية عما دار في اللقاء نشرت على صفحته الرسمية على فيسبوك.
وفي إشارة إلى النزوح الجماعي للروهينجا قال ”البنغاليون لن يقولوا أبدا أنهم وصلوا إلى هناك وهم راضون. فلن يحصلوا على التعاطف والحقوق إلا إذا قالوا إنهم يواجهون الكثير من المصاعب والاضطهاد“.
ويشير مراقبون عسكريون إلى أنه تم في الآونة الأخيرة استبعاد بعض الضباط المشاركين في الحملة الأمنية على ولاية راخين من الخدمة الميدانية.
وكان من بينهم اللفتنانت جنرال أونج كياو زاو. ويقول مراقبون مخضرمون لجيش ميانمار إن من المفترض أنه نسق عملية ولاية راخين من مقر الجيش في نايبيتاو بصفته رئيس مكتب العمليات الخاصة لغرب ميانمار. ويقول الجيش إن أونج كياو زاو الذي كان من قادة الفرقة 33 خلال حياته العسكرية ”تلقى إذنا بالاستقالة“ في مايو أيار.
وقال الجيش إن الميجر جنرال ماونج ماونج سوي الذي كان قائدا للقيادة الغربية تم عزله من الجيش في 25 يونيو حزيران. ولم يرد الجيش على طلب تقدمت به رويترز للحصول على تعليق من أونج كياو زاو وماونج ماونج سوي، وورد اسما البريجادير جنرال ثان أوي قائد الفرقة 99 والبريجادير جنرال أونج أونج قائد الفرقة 33 في قوائم العقوبات التي نشرها الاتحاد الأوروبي وكندا في 25 يونيو حزيران.
واستقبل جنود جيش ميانمار استقبالا حافلا في المدن التي ترابط فيها معظم فرق المشاة الخفيفة، ومن الممكن الاطلاع على صور عودة القوات على الكثير من الحسابات على فيسبوك. ويظهر في تلك الصور جنود من الفرقتين 33 و99 وهم يسيرون عبر المدن والناس يقدمون لهم الورود وأوراق الغار رمزا للنصر وحسن الحظ.
وفي السادس من ديسمبر كانون الأول نشر ساي سيت ثواي أونج صورا لنفسه ولجنود آخرين من الفرقة 99 وهم يسيرون أثناء عودتهم وسط حشود من الناس في ميكتيلا. وكان يبتسم بينما كانت الزهور تطوق عنقه، وفي ذلك اليوم نشر لنفسه صورة ذاتية بالزي العسكري وعلق عليها أحد أصدقائه قائلا ”فخور بك لطرد الكلاب الكالار“.
اضف تعليق