q

يقال إن أية دولة تضحى بالحرية وبحقوق الإنسان بحجة الأمن لا تستحق لا حرية ولا أمن! وهذا ما يتوجب إيصاله إلى الرئيس والمرؤوس في الأجهزة الشرطية. وقد أثبتت التجارب الماثلة في بعض البلدان أن الأجهزة الشرطية التي تستخدم العنف المفرط هي أجهزة هشة لا تستطيع أن تقف أمام حركة الشعوب التي تناضل من أجل نيل حقوقها.

اليوم، إذا أردت أن تعرف أن هذه الدولة أو تلك هي دولة ديمقراطية أو دكتاتورية، فأن أفضل وسيلة لذلك هو أن تتعرف على سلوك أجهزتها الأمنية؛ لاسيما الشرطة، لان جهاز الشرطة هو المؤسسة الأكثر تعبيرا ووضوحا في معرفة الرؤية السياسية والأمنية التي تتعامل بها أجهزة الدولة مع مواطنيها. فان رأيت أن الشرطة يتعاملون مع مواطنيهم برفق ولين ويكلون الاحترام لهم؛ فاعلم أن الدولة هي دولة ديمقراطية، وإن رأيت أن الشرطة يتعاملون مع مواطنيهم بقسوة وقمع فعلم أنها دولة مستبدة، وإن كانت إحدى دول الخط الأول.

والسؤال المهم هو لماذا نربط النظام السياسي والأمني للدول برمته بسلوك الأجهزة الشرطية، فنحكم عليها بالإيجابية أو السلبية؟ ماذا يحدث عندما تنتهك الشرطة حقوق الإنسان؟

هناك من يرى أن احترام حقوق الإنسان يتعارض بشكل ما مع الإنفاذ الفعال للقوانين، وأنه يلزم "التحايل على القوانين" قليلا من أجل إنفاذ القوانين والإمساك بالمجرمين وضمان إدانتهم. ورأينا جميعا النزعة إلى استخدام القوة الهائلة في السيطرة على المظاهرات والضغط المادي لاستخلاص معلومات من المحتجزين أو القوة المفرطة لضمان الاعتقال. ووفقا لهذه الطريقة في التفكير يكون إنفاذ القوانين حربا ضد الجريمة. وحقوق الإنسان مجرد عقبات يضعها المحامون والمنظمات غير الحكومية أمام الشرطة. !!

لكن هناك من يرى أن هذا الكلام لا معنى له ولا قيمة، والواقع أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الشرطة إثما تزيد من صعوبة مهمة إنفاذ القوانين التي هي صعبة بالفعل. وعندما يصبح الشخص المسؤول عن إنفاذ القانون هو نفسه من يخرق القانون، فإن نتيجة ذلك هو اعتداء على الكرامة الإنسانية وعلى القانون ذاته وعلى كل مؤسسات السلطة العامة.

والآثار الناجمة عن انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان تنطوي على جوانب متعددة: فهي تقوض الثقة العامة؛ وتعرقل المحاكمات الفعالة؛ وتعزل الشرطة عن المجتمع؛ وتسفر عن إطلاق سراح المذنب ومعاقبة البريء؛ ولا توفر العدالة لضحايا الجريمة مما ألم بهم من معاناة؛ وتجلب العار لوكلاء ومؤسسات السلطة العامة؛ وتفاقم من القلاقل المدنية...

الحق أن حقوق الإنسان كحق الحياة؛ وحق التعبير والتجمع والتنقل؛ وعدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي؛ وعدم التعرض للتمييز؛ والتساوي في حق التمتع بحماية القانون؛ وعدم تعرض الشخص للتدخل التعسفي في حياته الخاصة أو في شئون أسرته أو مسكنه أو فيما يتلقاه من رسائل؛ وغيرها، هي ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية. ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات القيام ببعض الأشياء ويمنعها من القيام بأشياء أخرى صيانة لتلك الحقوق والحريات.

حيث لا يقتصر هذا الأمر على صعيد كل دولة على حدة، بل أن المجتمع الدولي تنبه بأسرة إلى أهمية دور الشرطة في حماية حقوق الإنسان. ويعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 الصادر في 17 ديسمبر/كانون الأول 1979 المصدر والأساس لذلك من خلال إقراره مدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (الشرطة).

هذه المدونة مجموعة من المبادئ التي تحكم عمل الشرطة في مجال حقوق الإنسان، والتي أكدت على مجموعة قضايا منها "على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم، احترام الكرامة الإنسانية وصونها، والمحافظة على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ورعايتها كون حقوق الإنسان المشار إليها محددة ومحمية بالقانون الوطني والدولي.. ولا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم.. وينبغي بذل كل جهد ممكن لتلافي استعمال الأسلحة النارية، ولا سيما ضد الأطفال أو المتظاهرين. وبوجه عام، لا ينبغي استعمال الأسلحة النارية إلا عندما يبدى الشخص المشتبه في ارتكابه جرما أو مقاومة مسلحة أو يعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أخرى وتكون التدابير الأقل تطرفا غير كافية لكبح المشتبه به أو لإلقاء القبض عليه. وفى كل حالة يطلق فيها سلاح ناري ينبغي تقديم تقرير إلى السلطات المختصة دون أبطاء وغيرها.

وبالتالي، إذا كان مطلوب من جميع مؤسسات الدولة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) احترام حقوق الإنسان وصونها والدفاع عنها وتوفير الضمانات الكفيلة برعايتها، فإن الأجهزة الشرطية مطلوب منها نفس الدور ولكن بدرجة أكبر كون هذه الأجهزة تقوم بموجب القانون أو بدونه في العديد من البلدان بأعمال قسرية تنطوي على القسوة والشدة ويتم استعمال القوة من قبلها بشكل مفرط في بعض الأحيان كما تقوم هذه الأجهزة ببعض الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية مثل القبض والتفتيش والاستجواب وانتزاع الاعترافات. ومن جهة أخرى فإن هذه الأجهزة تكون في مواجهة مباشرة مع الأفراد سواء بشكل جماعي مثل التظاهرات أو الاعتصامات أو المسيرات السلمية أو بشكل فردى من خلال مراجعة الأفراد لمراكز الشرطة كمشتكين أو مشتكى عليهم أو شهود، هذه المواجهة تفرض على الدولة وأجهزتها الشرطية احترام حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.

وبذلك فإن احترام الشرطة لحقوق الإنسان متطلب عملي لإنفاذ القوانين بالإضافة إلى أنه حتمية خلقية وقانونية وأخلاقية. وعندما تحترم الشرطة حقوق الإنسان وتوطدها وتدافع عنـها تكون النتيـجة بناء الثقة العامة وتعزيز تعاون المجتمع؛ والنظر إلى الشرطة باعتبارها جزءا من المجتمع يؤدي وظيفة اجتماعية بالغة الأهمية؛ والنزاهة في إقامة العدل ومن ثم الثقة في النظام؛ وضرب مثال يقتدي به الآخرون في احترام القانون؛ ومن ثم تصبح الشرطة قادرة على منع الجريمة ومكافحتها من خلال الأخذ بزمام المبادرة في تطبيق نظام الشرطة. وبالتالي الحصول على الدعم من وسائل الإعلام والمجتمع الدولي والسلطات العليا.

وبناء على ما تقدم، يتعين على الدولة اتخاذ التدابير الإدارية والتشريعية المناسبة التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان أثناء قيام الأجهزة الشرطية بأعمالها، وذلك من خلال ما يلي:

1 - إيجاد نوع من الانسجام أو الإدماج ما بين المعايير الدولية الواردة في مدونة سلوك الموظفين بإنفاذ القوانين والتشريعات الوطنية من خلال إدماجها في التشريع أو الممارسة الوطنية؛

2- إفهام رجال الشرطة أن العمل بموجب مدونة السلوك بشقيها الأخلاقي والقانوني هو التزام على عاتق الدولة تفرضه الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأن الفرد (المواطن العادي) لم يعد يندرج ضمن صميم سلطانها الداخلي إنما أصبح في عالم اليوم أحد أشخاص القانون الدولي؛

3- لابد من التدريب المستمر لأفراد الشرطة على حقوق الإنسان حيث يعد التدريب الفعال للشرطة في مجال حقوق الإنسان عنصرا جوهريا في الجهود العالمية الرامية إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان في كل بلد. ومن أجل حماية حقوق الإنسان، يجب على الشرطة أولا أن تعرف هذه الحقوق وتفهمها؛

4- الاهتمام بوسائل الإعداد العلمية والفنية والإجرائية في كشف الجريمة وضبطها، مع التأكيد على استخدام التقنيات الحديثة والأساليب المتطورة التي تساعد على الوصول إلى حقيقة الوقائع الجنائية المرتكبة، ومن دون اللجوء إلى وسائل الإكراه المادي أو المعنوي في مواجهة المتهمين؛

5- يتوجب على رجل الشرطة مراعاة قواعد السلوك القانوني أثناء عمله مثل افتراض قرينة البراءة عند التحقيق مع الأشخاص ومراعاة الضمانات القانونية للأشخاص عند القبض عليهم أو تفتيشهم أو احتجازهم؛

6- يلتزم رجال الشرطة عند تعاملهم مع الأفراد عدم التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو بين المواطنين من رعايا الدولة والأجانب المقيمين فيها؛

7- يتوجب أن تعمل المحاكم على إقرار بطلان كافة الأدلة المنتزعة من قبل الأفراد أثناء التحقيق الشرطي معهم إذا ثبت لها أنها أخذت تحت التهديد أو الإكراه؛

8- إنشاء آلية للرقابة ورصد الانتهاكات داخل المؤسسة الأمنية لا تكتفي برصد الخروقات والتوصية بالمساءلة عليها وفقا للقانون فحسب وإنما تمارس إلى جانب ذلك دورها التربوي في التبصير بالحدود الفاصلة بين دائرة اللامشروعية والانتهاكات، ودائرة المشروعية وتعزيز حقوق الإنسان.

9- دعم وتعزيز تجربة الشرطة الأسرية والشرطة المجتمعية القائمة في بعض مؤسسات الشرطة والتي من شأنها تعميق الطابع الاجتماعي والإنساني للعملية الأمنية والشرطية وبما يفضي إلى نتائج إيجابية لصالح تعزيز واحترام حقوق الإنسان والعدالة الجنائية.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://adamrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق