يظهر المشهد الحقوقي في مصر مؤخرا، نوبات صراع جديدة على مستوى السلطات والجماعات المعارضة الإسلامية والعلمانية على حد سواء، وذلك على خلفية القوانين والاحكام التي صدرت في الآونة الاخيرة بحق ناشطين ومعارضين من جهة وبحق متهمين من النظام السابق، ابرزهم ابني الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، فيما قد يواجه القانون الذي اصدره الرئيس المصري السيسي مؤخرا، بعض المصاعب كونه يتعلق بالقواعد المنظمة لقوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، لكنه يمنح السلطات صلاحيات واسعة لحظر أي جماعات بتهم تتراوح من الإضرار بالوحدة الوطنية إلى الإخلال بالنظام العام، ويبرز هنا قلق جماعات حقوق الإنسان من انتقاص الحكومة للحريات التي اكتسبها المصريون عقب الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم مبارك بعد ثلاثة عقود.
إذ تشن السلطات حملة صارمة ضد المعارضة الإسلامية والعلمانية والليبرالية على حد سواء، منذ أن تدخل الجيش لعزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين العام الماضي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.
وتثير تلك الاحكام والقوانين مخاوف لدى بعض الحقوقيين من انعكاس وصول نظام يستخدم القوة الى السلطة على المناخ الحقوقي في البلاد، مما يؤثر سلبا على حرية التعبير، وهو أمر من شأنه ان يسهم في تراجع الحريات في بلاد مثل مصر، ويمثل هذا التراجع مؤشرا خطيرا شابته انتقادات واسعة من قبل النقابات والمنظمات الحقوقية في هذا البلد، كما أثار وضع الحقوق في مصر قلق حلفائها في الامم المتحدة وامريكا، حيث تراقب الولايات المتحدة الوضع عن كثب وحثت الحكومة مرارا على التحلي بضبط النفس في التعامل مع معارضيها.
إذ يرى معظم المحللين انه على الرغم من ان الحكومة المصرية التي تشكلت اثر ازاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي تظهر شيئا من الاستقرار في مصر، إلا ان استمرار تردي وضع الحقوق يضع حكومة السيسي أمام تحديات ضخمة أبرزها خطر ديمومة المواجهة العنيفة مع جماعة الاخوان، يضاف الى كل ذلك عودة التوتر الامني في الآونة الاخيرة، وعليه يرى معظم المحللين الحقوقيين انعدام الثقة وغياب الحلول الوسط أو تخفيف حدة الصراع بين الحكومة والجهات المعارضة، إذ يمكن لهذه الأزمة أن تطول مع ما ينعكس من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والسياسة وبالأخص على مسار التحول الديمقراطي، حيث وُضعت البلاد في حالة من عدم الاستقرار في المجالات كافة.
فربما تعلن معركة الحقوق والحريات في مصر عن تحدٍ وصراعٍ جديدٍ يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، وهو ما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب المصري من انزلاق مصر في وحل الفوضى مجددا.
قانون الإرهاب يتيح للحكومة سلطات واسعة
في سياق متصل أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرسوما بقانون يتعلق بالقواعد المنظمة لقوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين لكنه يمنح السلطات صلاحيات واسعة لحظر أي جماعات بتهم تتراوح من الإضرار بالوحدة الوطنية إلى الإخلال بالنظام العام.
وبموجب القانون يحق للحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي جماعات أو أفراد يشكلون خطرا على الأمن القومي ويشمل ذلك تعطيل المواصلات العامة وذلك في إشارة واضحة للاحتجاجات، ويتضمن القانون مصطلحات فضفاضة لتعريف الكيانات الإرهابية مثل الجماعات التي تضر بالوحدة الوطنية. وتقول جماعات حقوقية إن مثل هذه التعريفات قد تمنح الشرطة التي تواجه اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات الضوء الأخضر لسحق المعارضين، وتقول وزارة الداخلية إنها تحقق في كل المزاعم التي تتعلق بالانتهاكات والمخالفات وإنها ملتزمة بالتحول الديمقراطي في مصر. بحسب رويترز.
ويوكل القانون الجديد للنيابة العامة مهمة إدراج الكيانات والأفراد على قوائم الإرهاب بعد موافقة إحدى دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة على طلبها الذي لا بد وأن يقترن بتحقيقات ومستندات تؤيد هذا الطلب.
وينص القانون الجديد على حظر أي جماعة تدرج على قائمة الكيانات الإرهابية وكذلك تجميد الأموال الخاصة بها وبأعضائها ومموليها، وعقب عزل مرسي حظرت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها وأعلنتها جماعة إرهابية. وقال السيسي مرارا منذ توليه الحكم في 2014 إنها تشكل تهديدا للأمن القومي.
سجن الناشط المصري علاء عبد الفتاح
فيما قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المشدد خمس سنوات على الناشط المصري البارز علاء عبد الفتاح في قضية تظاهر بدون إذن اتهم فيها مع 24 آخرين بالتعدي على الشرطة، وقالت مصادر قضائية إن متهما آخر يدعى أحمد عبد الرحمن عوقب بالسجن المشدد خمس سنوات أيضا كما عوقب 18 متهما بالسجن المشدد ثلاث سنوات.
وقال شاهد من رويترز إن نحو 200 من أقارب ومؤيدي المحكوم عليهم والمحامين هتفوا في قاعة المحكمة بعد النطق بالحكم "يسقط يسقط حكم العسكر" و"ثوار أحرار حنكمل المشوار" مرددين شعارات من انتفاضة 2011 التي أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقالت ليلى سويف والدة عبد الفتاح "أتمنى أن يتمتع (ابني في السجن) بنفس الروح التي كان يتمتع بها والده" في اشارة الى الناشط الحقوقي الراحل سيف الاسلام عبد الفتاح خلال خمس سنوات قضاها في السجن في عهد مبارك.
ويقول قانونيون إن عقوبة السجن المشدد تحرم المحكوم عليه حسن السير والسلوك من عفو عن جزء من العقوبة في أي من المناسبات الوطنية أو الدينية، وكان عبد الفتاح قام بدور في تنسيق الاحتجاجات التي أسقطت مبارك.
وكانت المحكمة قضت غيابيا في 2014 بالسجن 15 عاما على جميع المتهمين لكنها أعادت محاكمة 23 منهم تقدموا بطلب إعادة المحاكمة. وأبقيت العقوبة السابقة وهي 15 عاما على ثلاثة متهمين لم يحضروا إعادة المحاكمة، وقال مصدر إن المحكوم عليهم - بمن فيهم عبد الفتاح وهو مهندس ومدون - عوقبوا أيضا بغرامة 100 ألف جنيه لكل منهم (13 ألفا و106 دولارات) والمراقبة مدة مساوية لمدة الحكم بعد تنفيذه.
وقال رئيس المحكمة المستشار حسن فريد إن المحكمة قضت "ببراءة جميع المتهمين الحاضرين من تهمة السرقة بالإكراه المنسوبة إليهم". وكانت قائمة الاتهام تضمنت تهمة سرقة جهاز اتصال لاسلكي خاص بأحد ضباط الشرطة وكذلك قطع الطريق والتجمهر.
ويحق لمن حكم عليهم يوم الاثنين الطعن على الحكم أمام محكمة النقض أعلى محكمة مدنية مصرية، وقال المحامي خالد علي المرشح الرئاسي السابق إنه سيطعن على الحكم. ووصف المحامي محمد عبد العزيز الذي دافع عن عبد الرحمن الحكم بأنه "ظالم".
وشوهد عبد الرحمن يبكي بشدة داخل قفص الاتهام بعد صدور الحكم، وفي وقت سابق أجلت المحكمة إلى الثامن من مارس آذار نظر القضية التي تعاد فيها محاكمة اثنين من صحفيي قناة الجزيرة التلفزيونية بتهمة نشر أخبار كاذبة عن مصر لمساعدة "جماعة إرهابية" في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين. بحسب رويترز.
قال المتحدث باسم حزب الدستور الليبرالي خالد داود للصحفيين إن المسؤولين عن مقتل مئات خلال المظاهرات التي أسقطت مبارك ما زالوا يعيشون في حرية، وأضاف "لم يصدر حكم على مسؤول واحد من نظام مبارك أو ضابط شرطة واحد... عندنا شباب يموتون يوميا ولم يحكم إلا على المؤمنين بالتظاهر السلمي."
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قالت في يناير كانون الثاني إنه لا وجه لإقامة الدعوى على مبارك بتهم تتصل بقتل المتظاهرين خلال الانتفاضة وبرأت وزير داخليته حبيب العادلي وكبار مساعدي الوزير من تهم مماثلة.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمة إلى الشعب عبر التلفزيون إنه ستتم محاسبة المسؤول عن مقتل الناشطة اليسارية شيماء الصباغ خلال مسيرة في وسط القاهرة الشهر الماضي وكذلك أي مسؤول تثبت إدانته في واقعة مقتل نحو 20 من مشجعي كرة القدم في تدافع أمام ملعب في العاصمة في وقت سابق هذا الشهر، وكان ناشط آخر بارز هو أحمد دومة قد حكم عليه بالسجن المؤبد هذا الشهر لإدانته بتهم منها التظاهر دون إذن والتحريض على العنف والاعتداء على قوات الأمن وممتلكات عامة.
محكمة مصرية تبرئ أحمد نظيف وحبيب العادلي
الى ذلك أعلنت مصادر مصرية أن محكمة مصرية برأت يوم الثلاثاء رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وأسقطت التهم الموجهة لهما بالتربح والإضرار بالمال العام في القضية المعروفة إعلاميا باسم اللوحات المعدنية.
قالت مصادر قضائية إن محكمة مصرية برأت اثنين من كبار المسؤولين في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في إعادة محاكمتهما في قضية فساد وذلك بعد يوم من الحكم بسجن ناشط بارز لخمس سنوات.
وأضافت المصادر أن المحكمة أسقطت الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي بالتربح والإضرار بالمال العام في القضية المعروفة إعلاميا باسم اللوحات المعدنية.
وتتعلق القضية بلوحات سيارات معدنية كانت تستورد من ألمانيا، وقالت النيابة إن سعرها المدون في السجلات يزيد عن سعرها الحقيقي.
وكانت محكمة أخرى حكمت على نظيف بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وعلى العادلي بالسجن لخمس سنوات في نفس القضية عام 2011 لكن محكمة النقض ألغت الحكم وأمرت بإعادة المحاكمة في 2013.
وقال نظيف للصحفيين بعد حكم اليوم "أنا سعيد بالبراءة... أنا خدمت مصر والتاريخ سيحكم".
وكان نظيف عوقب بالسجن لثلاث سنوات في قضية أخرى بتهمة الكسب غير المشروع، لكن محكمة النقض أمرت أيضا بإعادة المحاكمة ولم تبدأ إعادة محاكمته حتى الآن. وسجن لفترة على ذمة القضية لكن أخلي سبيله في حزيران/ يونيو 2013.
وصدر حكم نهائي على العادلي بالسجن لثلاث سنوات في قضية تتعلق بتسخير مجندين للقيام بأعمال في أملاك خاصة به. وتجري حاليا إعادة محاكمته في قضية أخرى متهم فيها بالكسب غير المشروع.
وبرأته محكمة في تشرين الثاني/نوفمبر في إعادة محاكمته في قضية منفصلة تتصل بقتل متظاهرين إبان الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك عام 2011 وقضت نفس المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى المقامة ضد مبارك في القضية.
وفي حين قضت المحاكم المصرية ببراءة أغلب رموز مبارك من اتهامات تتعلق بالفساد أصدرت أحكاما بسجن العديد من المعارضين الإسلاميين والليبراليين.
وقضت محكمة جنايات القاهرة أمس الإثنين بالسجن المشدد خمس سنوات على الناشط الليبرالي البارز علاء عبد الفتاح في إعادة محاكمته بتهمة التظاهر بدون تصريح والاعتداء على قوات الأمن.
حزب يقوده سياسي إسلامي بارز يقاطع الانتخابات
من جانب مختلف قال حزب مصر القوية برئاسة السياسي الإسلامي المعتدل عبد المنعم أبو الفتوح يوم الأربعاء إنه سيقاطع الانتخابات البرلمانية المقبلة نظرا لعدم توفر "الأجواء الديمقراطية المناسبة".
وتجرى انتخابات مجلس النواب التي طال انتظارها على مرحلتين في مارس آذار وابريل نيسان المقبلين في خطوة تأمل الحكومة أن تسهم في تحقيق الاستقرار السياسي وجذب الاستثمارات الأجنبية بعد أربع سنوات من الاضطرابات.
وتصف الحكومة انتخابات مجلس النواب القادمة بأنها حاسمة وهي آخر خطوة في خارطة طريق للتحول الديمقراطي أعلنها الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.
وقال حزب مصر القوية في بيان "نظرا لتغييب الأجواء الديمقراطية المناسبة لإجراء انتخابات تنافسية حقيقية فقد قرر حزب مصر القوية مقاطعة انتخابات مجلس النواب."
وتأسس الحزب عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك عام 2011 وزادت الآمال في تحقيق الديمقراطية. وأبو الفتوح مؤسس الحزب ورئيسه قيادي منشق عن جماعة الإخوان وحل رابعا في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرسي عام 2012.
ورغم تأييد الحزب لخارطة الطريق التي أعلنها الجيش عقب عزل مرسي قاطع أبو الفتوح الانتخابات الرئاسية التي أجريت العام الماضي وفاز بها وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي
ومنذ عزل مرسي شنت السلطات المصرية حملة أمنية صارمة على جماعة الإخوان المسلمين وأعلنتها جماعة إرهابية. وقتل المئات من مؤيديها في احتجاجات واشتباكات مع قوات الأمن واعتقل آلاف آخرون.
كما صدرت أحكام بالسجن على عدد من النشطاء العلمانيين بتهمة انتهاك قانون لتنظيم التظاهر أقر في أواخر 2013 ويقول منتقدوه إنه يحد بشكل كبير من حرية التظاهر.
وفي يناير كانون الثاني أعلن التيار الشعبي وهو حركة سياسية يقودها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال في بيان صدر يوم الثلاثاء "المناخ السياسي الذي يشهد تضييقا يوما بعد آخر وتقييدا للحريات العامة والخاصة ومصادرة للفضاء العام لا يسمح بمنافسة حقيقية لمن لا يدورون في فلك النظام".
اضف تعليق