اكثر من عام مر وكان الحرب السعودية على اليمن في بدايتها، المواجهات مستعرة على الحدود في جيزان وباقي المدن الحدودية التي يؤكد اليمنيون انها اراض مغتصبة اخذت رغما عنهم، والعاصمة صنعاء والمدن الشمالية لا تزال تحت سيطرة الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، وعلى الجبهة الخارجية سحبت الولايات المتحدة الامريكية خبرائها الذين شاركوا في التخطيط للعمليات العسكرية السعودية ما يعطي اكثر من اشارة ابرزها عدم امكانية الحسم العسكري والاعتراف بالهزيمة في الاراضي اليمنية فضلا عن كون ذلك يعطي الضوء الاخضر لروسيا للضغط اكثر في الجبهة اليمنية للحصول على تنازلات في الجبهة السورية اذا ما اخنا في الحسبان تداخل ازمات الشرق الاوسط وتعقيداتها.
المجلس السياسي الاعلى الذي شكله الحوثيون بالاتفاق مع حليفهم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح اكد تماسك هذا التحالف وعدم قدرة السعودية على زرع بذور الشقاق فيه من خلال الانحياز لطرف على اخر اثناء المفاوضات في الكويت، لتاتي التظاهرات التي انطلق يوم امس الجمعة وتؤكد ان الشعب اليمني ما زال متمسكا برفض السعودية وتحالفها العربي وان عامل الوقت الذي راهنت عليه الرياض لم ينجح في زرع الياس في قلوب الشعب اليمني.
منذ نهاية تموز/يوليو، استعاد النزاع المستمر منذ قرابة 17 شهرا بين قوات الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف السعودي، والحوثيين وحلفائهم من الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، حماوته الميدانية المعهودة بعد اشهر من الهدوء النسبي الذي ترافق مع مشاورات سلام في الكويت رعتها الامم المتحدة. ومع التصعيد على الجبهات بين الحكومة والحوثيين، استأنف التحالف للمرة الاولى منذ ثلاثة اشهر، غاراته على منطقة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ ايلول/سبتمبر 2014. في المقابل، كثف هؤلاء عملياتهم الحدودية مع السعودية من خلال محاولات التسلل والقصف.
ويرى محللون ان التصعيد محاولة من الطرفين لاثبات انهما في موقع افضل في القتال بعد مشاورات السلام التي لم تحقق نتيجة ملموسة منذ بدئها اواخر نيسان/ابريل لحين تعليقها في السادس من آب/اغسطس. ويقول الباحث في مركز كارنيغي الشرق الاوسط فارع المسلمي "الطرفان يحاولان اثبات ان وضعهما في الحرب افضل من السلام". ويرى انطوني كوردسمن من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، ان النزاع "يبدو حربا طويلة ومتواصلة" بلا مستقبل واضح، خصوصا بسبب وجود "العديد من الفصائل والعناصر المنخرطة" فيه.
وبدأ التحالف عملياته في اليمن نهاية آذار/مارس 2015، دعما لحكومة المستقيل عبد ربه منصور هادي ضد الحوثيين الذين تتهمهم السعودية بتلقي الدعم من خصمها الاقليمي اللدود ايران. واقتصرت عمليات التحالف بداية على الغارات، الا انه وسع مهامه في صيف 2015 موفرا دعما بالجنود والعتاد لقوات هادي، ما مكنها من استعادة خمس محافظات جنوبية ابرزها عدن. وفي الاشهر الماضية، بدأ التحالف ايضا باستهداف التنظيمات الوهابية التي افادت من النزاع لتعزيز نفوذها في جنوب البلاد.
وكان بعض المحللين اعتبروا في الاشهر الماضية ان السعودية تبحث عن مخرج من النزاع، لاسيما في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لارتفاع عدد الضحايا المدنيين جراء غاراته الجوية. وخلال اقل من اسبوع، واجه التحالف موجتي انتقادات بعد مقتل 19 شخصا في قصف مستشفى تدعمه "اطباء بلا حدود" في محافظة حجة الاثنين، بحسب آخر حصيلة للمنظمة، ومقتل عشرة اطفال السبت في قصف مدرسة بمحافظة صعدة.
وفي حين اعلن "فريق تقييم الحوادث المشتركة" الذي شكله التحالف قبل اشهر، فتح تحقيق في الحادثين، اكد المتحدث باسم التحالف اللواء الركن احمد عسيري ان ما تم قصفه السبت كان مركز تدريب للمتمردين وليس مدرسة، متهما المتمردين بتجنيد الاطفال للقتال.
وكان عسيري قال لوكالة فرانس برس في آذار/مارس 2016 ان التحالف بات "في نهاية مرحلة العمليات الكبيرة"، متحدثا بشكل اساسي عن الهدوء الذي كان بدأ يسود الحدود بين السعودية واليمن، بموجب تهدئة توصلت اليها الرياض والمتمردون بوساطة قبلية في الشهر نفسه. ومنذ بدء عمليات التحالف، قتل اكثر من مئة شخص معظمهم عسكريون، في جنوب السعودية جراء اشتباكات وقصف عبر الحدود. ويبدو ان التهدئة التي امتدت اشهرا، نسفت في الاسابيع الماضية، مع معاودة المتمردين محاولات التسلل واطلاق الصواريخ والقذائف.
وقتل 12 من الجنود وحرس الحدود السعوديين في معارك مع الحوثيين في الاسبوع الاخير من تموز/يوليو. وفي مدينة نجران بجنوب المملكة، قتل الثلاثاء سبعة مدنيين في سقوط "مقذوف عسكري" من اليمن، في اعلى حصيلة لقتلى مدنيين منذ بدء عمليات التحالف.
حرب استنزاف
ويرى المسلمي ان من اسباب تصعيد التحالف غاراته، تشكيل جماعة "انصار الله" (الحوثيون) وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، مجلسا سياسيا اعلى لادارة شؤون البلاد، قبيل تعليق مشاورات السلام. ويقول "كانت الخطوة غير متوقعة، خصوصا بالنسبة الى السعوديين"، مضيفا انه لا يمكنهم تقبل اي تهديد يطال "شرعية" رئاسة هادي.
وكانت هذه المسألة احدى ابرز نقاط الخلاف في المشاورات. ففي حين كان الوفد الحكومي يركز على اولوية انسحاب حركة انصار الله من المدن وتسليم السلاح الثقيل قبل اي خطوات سياسية، طالبت انصار الله بالاتفاق على "مؤسسة الرئاسة" وتشكيل حكومة وحدة تشرف على الانسحابات. وكبّد النزاع اليمنيين فاتورة اقتصادية وانسانية باهظة. وبحسب ارقام الامم المتحدة، قتل اكثر من 6500 شخص واصيب زهاء 33 الفا منذ آذار/مارس 2015، في حين نزح ما يناهز 2,8 مليوني شخص.
ويقول الباحث في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية آدم بارون "حتى في المناطق البعيدة عن المعارك، يشعر المدنيون اليمنيون بالعبء الاقتصادي والانساني للنزاع". ويرى المحللون ان كل الاكلاف والتعقيدات لن تسرّع في انهاء النزاع. ويعتبر المسلمي انه حتى في ظل القناعة بعدم وجود حل عسكري للازمة اليمنية، الا ان السعودية لن توقف عمليات التحالف في غياب ضغط بهذا الاتجاه من قبل حلفائها الغربيين، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين تعدان من ابرز موردي الاسلحة للمملكة.
ومنذ تعليق المشاورات، تركز القوات الحكومية على محاولة الاقتراب من صنعاء من جهة منطقة نهم (شمال شرق العاصمة)، وفك الحصار الذي تفرضه حركة انصار الله منذ اشهر على مدينة تعز (جنوب غرب). لكن هذه العمليات العسكرية لا تبدو سهلة بمواجهة الحوثيين الذين خاضوا ستة حروب ضد الحكومة اليمنية بين العامين 2004 و2010.
لا استشارة امريكية
مسؤولون أمريكيون قال إن الجيش الأمريكي سحب من الرياض مستشارين عسكريين كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية ضد اليمن وإنه قلص بشكل حاد عدد المستشارين الذين يشاركون في تقديم المشورة للحملة من أماكن أخرى.
وقال اللفتنانت ايان ماكونهي المتحدث باسم سلاح البحرية الأمريكية في البحرين لرويترز إن أقل من خمسة أفراد أمريكيين يعملون حاليا كامل الوقت في "خلية التخطيط المشترك" التي أنشئت العام الماضي لتنسيق الدعم الأمريكي ومنه تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود للمعلومات. وأوضح المتحدث إن هذا العدد يقل كثيرا عن عدد العسكريين الذي بلغ في ذروته نحو 45 فردا جرى تخصيصهم كامل الوقت في الرياض ومواقع أخرى.
ويبدو أن سحب المستشارين -الذي يقول مسؤولون أمريكيون إنه يأتي بعد هدوء في الغارات الجوية في اليمن مطلع العام الجاري- سيخفض الانخراط اليومي للولايات المتحدة في تقديم المشورة للحملة التي تعرضت لانتقادات لتسببها في سقوط مدنيين. وقال المسؤولون إن الولايات المتحدة سحبت المستشارين العسكريين من الرياض في يونيو حزيران.
وقال كريس شيرويد المتحدث باسم البنتاجون إن "التغيير لن يقلص الالتزام الأمريكي تجاه دعم العمليات العسكرية التي تقودها السعودية." وأضاف قائلا "فريق خلية الدعم الذي كان في السعودية يتمركز الآن في البحرين." وتابع أن طائرات التزود بالوقود الأمريكية لا تزال تمد الطائرات السعودية بالوقود.
وقال المسؤولون إن تقليص عدد المستشارين العسكريين لا يرتبط بالمخاوف الدولية المتزايدة بشأن الضحايا المدنيين في الحرب اليمنية المستعرة منذ 16 شهرا والتي أدت إلى مقتل نحو 6500 شخص نصفهم مدنيون. كما أكد المسؤولون الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم أن الولايات المتحدة قد تقرر تعديل دعمها عندما تزيد الضربات مرة أخرى.
ورفض اللواء أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية تأكيد التفاصيل بشأن نقل مستشارين عسكريين أمريكيين لكنه قلل من أهمية مثل تلك الإجراءات. وقال عسيري لرويترز إن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة إستراتيجية وإن الإجراء يتصل بأمر "على المستوى التخطيطي". وأضاف المتحدث السعودي أن الولايات المتحدة ربما تجري تغييرا في المواقع لكن ذلك ليس له تأثير على العلاقة المشتركة بين البلدين.
ومنذ انطلاق الحملة يقوم الجيش الأمريكي بطلعتين يوميا في المتوسط لتزويد طائرات التحالف بالوقود. وقدمت الولايات المتحدة أيضا دعما محدودا في مجال معلومات المخابرات لكن المسؤولين يؤكدون إن واشنطن لم تختر أي أهداف. وقال مسؤولون أمريكيون إنهم بحثوا عن سبل لمساعدة التحالف في تحسين تحديد الأهداف ووفروا حصول السعودية على ذخيرة توجه بدقة. لكن الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية وأيضا بعض المشرعين الأمريكيين انتقدوا في الآونة الأخيرة الضربات الجوية لطائرات التحالف.
وذكر تقرير سنوي للأمم المتحدة عن الأطفال والصراعات المسلحة أن التحالف الذي تقوده السعودية يتحمل المسؤولية في 60 في المئة من وفيات وإصابات الأطفال في اليمن العام الماضي. وقالت السعودية إن التقرير يعتمد على معلومات غير دقيقة. وضربت غارة جوية للتحالف يوم الثلاثاء مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في اليمن مما أدى لمقتل 19 شخصا ودفع المنظمة لإجلاء موظفيها من ست مستشفيات. وأرجعت المنظمة إجراءاتها إلى "فقدان الثقة في قدرة التحالف الذي تقوده السعودية على منع وقوع هجمات فتاكة."
دعم مالي
العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز اتخذ قرارا بصرف راتب شهر إضافي لكل جندي يشارك في العمليات العسكرية الجارية في اليمن، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية. وتم الإعلان عن هذه المكافأة على خلفية تكثيف العمليات ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء وشمال البلاد.
وقالت وكالة الأنباء السعودية ليل الأحد الإثنين إن العاهل السعودي أمر "بصرف راتب شهر للمشاركين الفعليين في الصفوف الأمامية لعمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل" في اليمن. مضيفة أن هذا يشمل "منسوبي وزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني"، لكنها لم تحدد كم سيكلف ذلك الخزينة العامة. وتأتي هذه النفقات الإضافية فيما تواجه السعودية عجزا كبيرا في الميزانية (80 مليار يورو معلنة للعام 2016) ناجم عن تراجع أسعار النفط.
الى ذلك قالت وسائل إعلام سعودية إن المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حث رجال الأعمال والبنوك على تأسيس صندوق لمساعدة الجنود "المجاهدين والمرابطين" على الحدود الجنوبية مع اليمن لرد الجميل لوطنهم. وتعكس تلك الدعوة الانتقادات المتنامية لمجتمع الأعمال السعودي إذ يرى البعض أنه لا يفعل ما يكفي للبلاد في وقت انخفضت فيه عائدات المملكة بشدة بسبب هبوط أسعار النفط الأمر الذي بدأ يؤثر على مستويات المعيشة.
وقال المفتي العام في برنامج إذاعي أسبوعي من مكة إن الجنود السعوديين يخاطرون بحياتهم "للدفاع عن الدين والوطن". وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة الرياض شبه الرسمية "يجب على رجال الأعمال الذين أعطاهم الله من الخير والنعمة ما أعطاهم أن يقفوا موقف الباذل وأن يبذلوا من أموالهم ما يعين المرابطين على الصبر في هذه الميادين."
وقال الشيخ "فالدولة وفقها الله لم تقصر في هذا الأمر بل ساعدت ووفت وبذلت وضمدت الجراح وأنفقت الأموال لأبناء المجاهدين في سبيل الدفاع عن هذا الوطن بمكافآت جزلة ورعت أسرهم وأولادهم لا سيما الشهداء." وأضاف "لكن المؤسسات الأهلية على اختلافها من البنوك وغيرها يجب أن يكون لهم موقف مشرف."
وتسبب هبوط أسعار النفط في تسجيل عجز في الموازنة السعودية - أكبر مصدر للنفط في العالم - بلغ ما يقرب من 100 مليار دولار العام الماضي. وفي 2014 ندد الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي كان حينها ولي العهد موقف البنوك في المملكة بسبب مساهماتها المتواضعة في المجتمع مقارنة بما استفادت به من الدولة. ونشرت وسائل إعلام سعودية مرارا تقارير عن جنود وحرس حدود يواجهون صعوبات في سداد ديونهم للبنوك وعن تدخل وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز لدفع الديون الشخصية المستحقة على عشرات المجندين.
تحرك روسي
لم يكن مستبعدا ان تدخل روسيا على خط الازمة اليمنية فقد أعرب ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية، المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط عن قلق موسكو العميق لاستمرار القتال في اليمن، وناشد أطراف النزاع العودة إلى طاولة المفاوضات.
وورد في بيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية في أعقاب مباحثات عقدها بوغدانوف ووزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي في مدينة جدة السعودية السبت 20 أغسطس/آب: "لقد بحث الجانبان وبشكل مفصل الأوضاع العسكرية والسياسية والإنسانية في اليمن".
وأضاف البيان: "شدد الجانبان على ضرورة تحقيق التسوية السلمية والعاجلة للأزمة اليمنية. الجانب الروسي، أعرب خلال الاجتماع عن قلق موسكو العميق تجاه احتدام القتال مؤخرا في اليمن، ودعا سائر القوى المنخرطة في النزاع اليمني للعودة إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، وعملا بقرار مجلس الأمن الدولي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني اليمني"... "لقد بحث الجانبان بالتفصيل سبل التصدي الفعال للزمر الإرهابية التي تخندقت في أراضي اليمن".
كما أكد بوغدانوف والمخلافي كذلك على ضرورة تبني خطوات عملية وعاجلة، لكسر الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني الكارثي الذي يعانيه هذا البلد. وفي ختام البيان، ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن الجانبين اتفقا على استمرار الاتصالات السياسية والدبلوماسية المكثفة بين روسيا واليمن، انطلاقا من أواصر الصداقة التي تربط الشعبين والبلدين.
وفي ظل هذه الاوضاع الصعبة التي تعيشها السعودية في اليمن وانسحاب المستشارين الامريكان ودخول روسيا على خط الازمة يبدو ان التورط السعودي اصبح في وسط نفق مظلم قد لا تخرج السعودية فيه حتى باقل الخسائر، فالهزيمة باتت تلوح في الافق اذا ما اخذنا في الحسبان ان حركة انصار الله وحليفها علي عبد الله صالح لا يزالون يملكون الكثير من الاوراق التي ستؤثر على مجريات الحرب مستقبلا.
اضف تعليق