(رويترز) - قبل عشرة أيام من اختفاء طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني اتصل بباحثة جامعية في ألمانيا عبر سكايب من شقته في القاهرة، حدث ذلك في منتصف يناير كانون الثاني وكانت الشرطة المصرية تتأهب لاحتجاجات سياسية قبل حلول الذكري السنوية الخامسة لانتفاضة 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك.
كان صوت ريجيني يشي بشيء من التوتر، قالت جورجيتا أوكتور الباحثة في معهد التنمية الألماني في بون الذي أمضى فيه ريجيني بضعة أسابيع عام 2015 "لم نتحدث كثيرا لأنه كان من المتوقع أن نلتقي لاستكمال الحديث فيما بعد"، وأضافت "قال إنه يشعر بأنه بحاجة لتوخي الحرص في الأماكن التي يذهب إليها في المدينة وفيمن يقابل"، ولم يتحدث الاثنان بعد ذلك، وقال مصدر في الشرطة إن ركاب حافلة تعطلت عثروا في الثالث من فبراير شباط على جثة ريجيني ملقاة على جانب طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي.
وقال خبراء الطب الشرعي في مصر إن آثار تعذيب كانت ظاهرة على الجثة ومنها آثار ضرب وحرق بالسجائر، وقالت باولا والدة ريجيني للبرلمان الايطالي فيما بعد إن الجثة كانت مشوهة وإنها لم تتعرف على ابنها سوى من طرف أنفه. وقالت جماعات حقوقية مصرية إن التعذيب يوحي بأن أجهزة أمنية مصرية هي التي قتلت الطالب الإيطالي. ونفت الأجهزة الأمنية والحكومة بشدة هذه الاتهامات، وفي أبريل نيسان قالت مصادر في المخابرات وأجهزة أمنية لرويترز إن الشرطة ألقت القبض على ريجيني خارج محطة لمترو الأنفاق بالقاهرة في 25 يناير كانون الثاني ونقلته إلى مجمع يديره جهاز الأمن الوطني.
وتنفي الحكومة والأجهزة الأمنية أن ريجيني كان محتجزا لديها، ولا يزال الغموض يحيط بمن قتل ريجيني أو سبب قتله. لكن تتبع نشاطه في الشهور التي سبقت مقتله يبين أن عاملين وضعاه في دائرة الخطر وهما اهتمامه الشديد بقضايا سياسية واقتصادية وإيمانه أن مصر بحاجة للتغيير. وقالت ثلاثة مصادر أمنية مصرية لرويترز إن ريجيني أثار الشبهات لدى أجهزة الأمن المصرية لأنه التقى بنشطاء نقابيين وكان يجري أبحاثا في موضوعات حساسة سياسيا.
وقال أحد المصادر "الأمن الوطني راقب ريجيني مع عدد من زعماء المعارضة والنقابات العمالية. وقد حضر عدة اجتماعات"، وقال مصدر أمني ثان "هو أجنبي ولا يعمل في الإعلام وهذا ما جعل أمن الدولة يتبعه ويراقبه"، وقال مصدر أمني ثالث إن لقاءات ريجيني كانت مثيرة للشبهات لأنها حدثت "في وقت كانت دول كثيرة تتدخل فيه فيما يحدث في مصر." وأضاف أن ذلك أثار احتمال أن الطالب الإيطالي يجمع معلومات لحساب دولة أجنبية.
لكن مسؤولين أمنيين مصريين آخرين قالوا إنه حتى إذا كان رجال أمن يراقبون أنشطة ريجيني فلم يكن لهم دخل في موته، وقال مسؤولان مصريان أحدهما في جهاز أمني والآخر في الحكومة إنه لو ارتابت الأجهزة الأمنية أن ريجيني جاسوس لتم ترحيله ببساطة.
وقال سفير إحدى الدول الغربية إن ذلك ربما كان صحيحا في الماضي لكن الأمر لم يعد كذلك. وأضاف "هذا ما كان يحدث في الحرب الباردة. وهذه هي مصر في عهد السيسي" مشيرا إلى عبد الفتاح السيسي قائد الجيش الذي أصبح رئيسا.
كما علمت رويترز أن خلافا شخصيا ربما كان سببا في اشتباه السلطات في ريجيني. فقد قال رئيس إحدى النقابات إن شخصية نقابية أخرى تحدثت مع الشرطة على الأرجح عن ريجيني بعد أن رفض الإيطالي شراء هاتف محمول وتذاكر طيران للرجل الثاني.
كان ريجيني (28 عاما) يجري أبحاثا بشأن النقابات المستقلة في مصر لرسالة الدكتوراه. وقال معارفه إنه كان مهتما أيضا بالبدائل الممكنة لهيمنة الدولة والجيش على الاقتصاد المصري، وهذان الموضوعان من الموضوعات الحساسة في مصر. فنادرا ما يثار الحديث عن هيمنة الجيش على الاقتصاد في بلد حكمه رجال القوات المسلحة منذ الإطاحة بالملك فاروق عام 1952، وقد ساهمت النقابات المستقلة في تنظيم الاضطرابات العمالية والإضرابات التي مهدت السبيل لانتفاضة عام 2011. وبعد عامين أيد النشطاء النقابيون الاحتجاجات الواسعة التي أدت للإطاحة بالرئيس محمد مرسي الذي وصل إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية.
وكانت الباحثة أوكتور الزميلة بمعهد نورمبرج للاقتصاد في جامعة إرلانجن تعمل مع ريجيني على بحث بعنوان "دولة التنمية في القرن الحادي العشرين – الدعوة إلى عقد اجتماعي جديد"، وقالت إن ريجيني كان يتوق "لرؤية ثمار 2011. كان يعتقد أن دولة أكثر شمولا للجميع ضرورية. كان يؤمن بأن مشاركة المزيد من الفئات الاجتماعية سيكون مفيدا"، لكن حكومة السيسي الذي كان في فترة من الفترات على رأس جهاز المخابرات الحربية وأطاح بمرسي من الحكم تحسب ألف حساب للنقابات.
ورغم ظهور عدد كبير من النقابات المستقلة بعد انتفاضة 2011 فقد ضعفت منذ تولى السيسي أمور البلاد. وقد انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية حكومة السيسي وقالت إنها توقفت عن "التعامل مع النقابات العمالية المستقلة وهو ما دفع النشطاء العماليين للخوف من تآكل المكاسب التي تحققت للحقوق العمالية منذ 2011".
ليدز وأوكسفورد
كان ريجيني الذي ولد في بلدة فيوميتشلو الصغيرة قرب أوديني في شمال شرق إيطاليا يملك رغبة واضحة على مدى أعوام في أن يكون العالم أفضل، وقال مايك هاتلي المشرف على مسكن للطلاب كان يعيش فيه ريجيني في مدرسة ثانوية في سانتافي بولاية نيو مكسيكو الأمريكية لمدة عامين إن الباحث الإيطالي كان لديه فضول دائم لمعرفة الكيفية التي تسير بها الأمور، وتذكر هاتلي زيارة قام بها ريجيني للمدرسة عام 2014 وحديثا دار بينهما حينها لمدة ثلاث ساعات، وقال "كان بإمكان جوليو التعامل مع أي صعوبات سواء كانت مشادة مع شخص ما أو حقيقة أنه كان يعيش مع أربعة في غرفة واحدة. كان يتمتع بالوقار أكثر من أي شخص في عمره"، وفي جامعة ليدز البريطانية حيث حصل على شهادته الجامعية في اللغة العربية والسياسة تابع ريجيني اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر بشغف كبير.
وقال هندريك كريشمر وهو أستاذ مساعد في دراسات الشرق الأوسط بجامعة ليدز إن الطالب الشاب كانت لديه "عقلية نقدية" ويتحدى المعتقدات السائدة. وبرغم هدوئه كانت يتمتع بثقة في النفس. وتذكر كريشمر عندما كتب ريجيني في نهاية ورقة أحد الاختبارات أنه يستحق أعلى الدرجات. وتخرج الطالب الإيطالي من الجامعة بعد حصوله على مرتبة الشرف الأولى، وفي عام 2013 التحق ريجيني بشركة أوكسفورد أناليتيكا التي تقدم استشارات للحكومات والمؤسسات. وقالت هانا واديلاف التي زاملت ريجيني في الشركة إن موهبته جعلته "طموحا بلا هوادة". وقال زميل آخر إنه كان واضحا فيما يتعلق بالمجال الذي يريد التخصص فيه وهو "النقابات العمالية كوسيلة للإصلاح والتنمية في مصر".
وأضاف "لقد كان مفعما بالحياة... الكثير من الحيوية والشغف الفكري والإحساس بالعدالة الاجتماعية"، وتأسست أوكسفورد أناليتيكا على يد ديفيد يانج الذي كان عضوا في فريق الأمن القومي الخاص بالرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون. ومن ضمن العاملين فيها السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة جون نيجروبونتي. ويوجد مقر الشركة في مبنى أنيق في شارع ضيق في مدينة أوكسفورد الإنجليزية. وكان يعمل ريجيني في إعداد نشرة بالمخاطر السياسية وكان يتولى أيضا الإشراف على الباحثين المستقلين مع المؤسسة البحثية، وأصبحت باز زاراتي وهي محامية حقوقية من تشيلي صديقة مقربة من ريجيني. وكان الاثنان يشتريان الآيس كريم ويجوبان المروج الأنيقة في أوكسفورد سويا ويتناقشان في كل شيء بدءا من الموضوعات التي ينبغي على ريجيني دراستها وحتى الأمور المتعلقة بحياته الشخصية.
كمبردج
قرر ريجيني الحصول على درجة الدكتوراه من جامعة كمبردج البريطانية وكان أحد أسباب ذلك انبهاره بأعمال محاضرة مصرية-هولندية تدعى مها عبد الرحمن، وأصبحت مها المشرفة على رسالته واستقر ريجيني على موضوع البحث وهو تأسيس النقابات العمالية المستقلة في مصر بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك والتنمية المؤسسية الديمقراطية، وركز اهتمامه على نقابة الباعة الجائلين.
وقضت مها التي لم تعلق على هذه القصة بعض الوقت في القاهرة لإجراء بحث عن جماعات حقوق الإنسان. وتنظر حكومة السيسي لمثل هذه الجماعات بعين الريبة، وفي إحدى كتاباتها ركزت مها على لغة الخطاب الذي صنعته أجهزة الأمن المصرية ويرتكز على أنها هي المنقذ للمصريين من خطر الإرهاب المتنامي.
وكتبت العام الماضي في مجلة إلكترونية تدعى (ريسيت ديالوجز أون سيفيليزيشنز) أن "النظام الذي لا يتمتع بأي مصدر للشرعية فيما عدا تعهده بضمان الأمن للأمة لا يقف عند حد في تضخيم خطاب للأمن القومي يحشد حوله المواطنين الساخطين على ما هو غير ذلك"، وأضافت أن "العنصر الجوهري لتدعيم هذا الخطاب الأمني هو تجنيد قطاعات واسعة من السكان ليصبحوا لاعبين نشطين في المراقبة والإبلاغ عما يدور في المجتمع"، ويقول مسؤولون مصريون ودبلوماسيون غربيون إن مثل هذه المشاعر تعزز وجهة نظر الحكومة المصرية أن البلاد تتعرض للهجوم من نواحي متعددة.
مصر
مع أواخر العام الماضي كانت مصر في حالة ارتياب مرضي. ودرجت محطات التلفزيون والإذاعة الحكومية على تصوير البلاد بأنها ضحية لمؤامرات أجنبية. ووصفت تقارير صحفية منتقدي الحكومة بأنهم خونة أو إرهابيين بينما كانت قوات الأمن تقبض على الخصوم المزعومين.
لقد جعلت الحكومة التظاهر بدون تصريح جريمة ووصل عدد المعتقلين لأسباب سياسية إلى أربعين ألفا بحسب ما قالت جماعات معنية بحقوق الإنسان. وتقول هذه الجماعات إن الدولة تمارس التعذيب على نطاق واسع، وهو زعم تنفيه الحكومة.
يقول أكاديميون إنه قبل أن يجري طلاب جماعة كمبردج بحوثا في الخارج فإنهم يقومون بتقييم متمعن دقيق للمخاطر مع المشرفين على هذه البحوث. ووافق ريجيني على عدم التعامل مع الناشطين السياسيين بحسب ما قاله من زاملوه. فقرر التركيز على رابطة الباعة الجائلين التي اعتقد أنها ستثير جدلا أقل لأنها ليست نشطة سياسيا كباقي الاتحادات والنقابات. وكان يعتزم أيضا إجراء مقابلات مع مسؤولين في وزارة القوى العاملة المصرية كي يكون متوازنا في بحثه، ولكن شغفه بما يفعل جعله في بعض الأحيان يبدو مهووسا.
وقال تيلمان ألتينبيرج رئيس إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المعهد الألماني للتنمية إن ريجيني كان "مثاليا" ويمكن أن تستبد به فكرة ما. فقد كان الشاب الإيطالي باحثا زائرا في المعهد لأسابيع قليلة في صيف 2015. ويتذكر ألتينبيرج نزهة للعاملين على ضفاف نهر الراين لم يكن ريجيني يناقش فيها إلا النموذج الاقتصادي الذي هيمن على مصر على مدى عقود وكيف يمكن تغييره، "ولم تكن هناك تفاصيل أخرى في اليوم سوى الاستمتاع به"، لم يكن ريجيني الأكاديمي الوحيد من جامعة كمبردج الذي يأمل في حدوث تغيير في مصر. ففي أوائل نوفمبر تشرين الثاني وبعد أسابيع من مغادرته متوجها للقاهرة احتشدت مجموعة من الناس في لندن للاحتجاج على زيارة مقبلة يقوم بها السيسي للبلاد. لم تكن عبد الرحمن في ذلك الحشد ولكن آن ألكسندر زميلته الناشطة والأكاديمية في جامعة كمبردج كانت هناك.
قالت ألكسندر في كلمة صورت ووضعت على موقع يوتيوب "أعتقد أننا وجهنا رسالة واضحة اليوم ولكننا بحاجة لنقول ذلك بصوت أعلى وأكثر إلحاحا. نريد أن نضمن ألا يتجول عبد الفتاح السيسي في أنحاء العالم متظاهرا بأنه رجل دولة. إنه ليس رجل دولة. إنه قاتل. ليس مجرد قاتل بل يجب أن يكون منبوذا"، ورفع المتظاهرون في ذلك الاحتجاج لافتات تدعم الإخوان المسلمين الذين حظر نشاطهم في عهد السيسي. ويصف السيسي الجماعة بأنها إرهابية وتشكل خطرا وجوديا على مصر، ولم تعلق ألكسندر التي لم تكن قريبة من ريجيني على قضيته، وقال مسؤولون أمنيون مصريون إنهم يتابعون مثل هذه الاحتجاجات في الخارج وكل من يعارض حكومة القاهرة بشدة سيكون خاضعا للرقابة إذا ما زار مصر.
البحث
طردت مصر عدة أكاديميين خلال الأعوام القليلة الماضية. ولاذ آخرون يجرون بحوثا في مصر بالفرار خشية التعرض لاعتقال، وقضت فاني أوير (23 عاما) وهي طالبة من فرنسا وقتا في مصر تجري فيها بحثا عن حركة 6 إبريل التي كانت قوة دافعة في انتفاضة عام 2011. وتأسست الحركة عام 2008 لمساعدة العمال الذين يعتزمون القيام بإضراب عن العمل في مدينة صناعية. وحظر نشاط الحركة الآن.
في يوليو تموز من العام الماضي كانت الباحثة تقيم في فندق ببلدة رأس البر الواقعة على البحر المتوسط، فبعد يوم من لقائها مع أعضاء بحركة 6 إبريل عادت إلى الفندق وكان هناك طرق على الباب. قالت إن سبعة من رجال الجيش والشرطة دخلوا الغرفة مسلحين بمسدسات. كانت لغتها العربية محدودة للغاية ولكنها تمكنت من فهم أنها لوحقت في مدينة الإسكندرية قبلها بأسبوعين.
ونقلت أو إلى القاهرة ومن ثم جرى ترحيلها دون إبلاغها بالسبب. قالت "حينما علمت بأمر جوليو ريجيني قلت في نفسي: أنا محظوظة وهو غير محظوظ"، وقالت طالبة أخرى في جامعة كمبردج طلبت عدم الإفصاح عن اسمها إنها فرت من مصر عام 2014 بسبب ما اشتبهت بأنه ملاحقة لها من جانب أجهزة الأمن.
يقول أصدقاء ريجيني وأسرته إنه حينما وصل انغمس في عالم الباعة الجائلين. فبالإضافة إلى عمله البحثي كان يريد مساعدة الباعة. وقال والداه في رسالة لرويترز بالبريد الإلكتروني "نعلم أنه كان يشعر مع هؤلاء الناس بحياتهم الصعبة.. وكان يأمل أن تتحسن ظروفهم،" ورابطة الباعة الجائلين في مصر ليست جماعة سياسية. فأعضاؤها يبيعون كل شيء من أول كتب التلوين الخاصة بالأطفال وحتى الملابس الداخلية والنعال. وتسعى الرابطة لاكتساب حقوق للباعة الجائلين الذين أزالت السلطات كثيرا من أكشاكهم في القاهرة في الأعوام الأخيرة، ولا يخلو العمل مع الباعة الجائلين من المخاطر. فيقول مسؤولون أمنيون إن بعضهم يعمل كمخبرين مع الشرطة.
وقال عمرو خليل وهو فنان كان صديقا لريجيني في القاهرة إن الشاب الإيطالي كان يعلم أن الشرطة تعتمد بانتظام على المخبرين في مصر. ولكن ذلك لم يثنه عن محاولة مساعدة الباعة الجائلين "من خلال إيصالهم بالمنظمات التي يمكن أن تدعمهم" في إشارة إلى الجمعيات الخيرية والهيئات المالية.
كان ريجيني يزور الباعة الجائلين في وسط القاهرة وفي شرقها. ويقول عدد من أعضاء النقابة كان ريجيني أجرى معهم مقابلات إنه كان مهتما بمعرفة كيف تقبل النقابات الأعضاء وكيف تقدم لهم المساعدة.
وبعد وفاة ريجيني نشرت صحيفة إل مانيفيستو مقالة صغيرة كان قد كتبها بالتعاون مع أكاديمي إيطالي آخر. وجاء في المقالة أن النقابات المستقلة "ترفض الاستسلام" على الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد أفراد الشرطة والجيش وبرغم أن مصر "هي من أسوأ منتهكي حرية الصحافة".
مخبر؟
يقول أحد العاملين في دار الخدمات النقابية والعمالية إنه في 11 ديسمبر كانون الأول حضر ريجيني اجتماعا عاما في الدار بمقرها بوسط القاهرة. والدار واحدة من أقدم الجماعات المستقلة التي تدافع عن حقوق العمال، وقال ثلاثة من أصدقاء ريجيني وآخرون عمل معهم إن ريجيني أبلغهم في وقت لاحق أن رجلا في الاجتماع قد وقف ووجه هاتفه نحوه والتقط صورة له.
وقال زعيم نقابي إن أجهزة الأمن ربما كانت معنية بريجيني لأنه "كان يبحث في النقابات العمالية وليس الممثلين أو لاعبي كرة القدم. وكما تعلمون.. العمال هم ما يلزم لأي تحرك تعبوي"، وقال قيادي في رابطة الباعة الجائلين لرويترز إن رئيس فرع النقابة في غرب القاهرة محمد عبد الله طلب من ريجيني أن يشتري له هاتفا محمولا وتذكرة للسفر للخارج فرفض ريجيني ذلك. يقول القيادي في الرابطة إنه يشك في أن عبد الله أبلغ الشرطة بشأن ريجيني بعد هذا الرفض.
وأشار خليل إلى أن ريجيني ذكر له طلب عبد الله بالحصول على هاتف محمول وتذاكر للسفر وأنه بعد ذلك الموقف بدأ ريجيني تقليل اتصاله بالرابطة، وقال عبد الله إنه كان معجبا بريجيني ولكنه يقول الآن إنه يأسف لتعامله معه. وأضاف أنه التقى بريجيني ست مرات وحسب. وفي إحدى المرات عرض ريجيني "إقامة ورشة عمل تدريبية للرابطة".
يقول عبد الله إنه ساورته مخاوف بأن ورشة العمل هي بتمويل أجنبي. وهو أمر يثير حنق الحكومة. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية تعرض عاملون بمنظمات غير حكومية أجنبية لاستجوابات وجمدت أرصدة منظمات وسط اتهامات بأنها ساعدت في زعزعة استقرار البلاد قبل انتفاضة عام 2011"، وقال عبد الله لرويترز "أنتم تعلمون الموقف من التمويل الأجنبي هنا في مصر".
وأشار عبد الله إلى أن ريجيني أكد له أن الأمر لا مشاكل فيه، وأضاف أنه بعد أن تبين وفاة الشاب الإيطالي استجوبته السلطات المصرية عدة مرات منها إدارة الأمن الوطني بوزارة الداخلية. وتحدث إليه أيضا محققون إيطاليون.
وتابع قائلا "سألوني نفس الأسئلة التي سألها الآخرون منذ وقوع كل تلك الأحداث. متى وأين التقيت به.. لم ألتق به في أي مكان سري. كانت اللقاءات جميعها في السوق"، وقال مصدران في الأمن الوطني إن عبد الله كثيرا ما زار واحدا من المجمعات الأمنية في وسط القاهرة وإنه التقى أيضا بضابط في الأمن الوطني قبل ستة شهور من وفاة ريجيني، وقال أحد المصدرين لرويترز "لست متأكدا مما إذا كان متعاونا مع الأمن أو لا. ولكنه كان تحت المراقبة بالتأكيد.. إن شخصا كهذا لا بد أن تكون له علاقة مصلحة متبادلة مع الأمن. أي أن الأمن سيساعده في أن يستمر على رأس الرابطة وفي إطلاق سراح أي من الباعة الجائلين في حال اعتقالهم".
إيطاليا
بعد وفاة ريجيني سافر والداه إلى القاهرة وقضيا بضعة أيام في شقته مع زميله في السكن محمد الصياد. وزعمت صحف إيطالية أن الصياد الذي يعمل محاميا مخبر هو الآخر لدى أجهزة الأمن المصرية، ونفى الصياد تلك المزاعم قائلا "كل ما تقولونه كذب"، وقال والدا ريجيني إن الصياد يبدو ودودا وحزينا بحق على وفاة ابنهما.
وتباطأت وتيرة إحراز تقدم في القضية إلى حد كبير. وأدى مقتل ريجيني إلى توتر العلاقات بين مصر وإيطاليا. واشتكت روما مرارا من أن السلطات المصرية لا تتعاون، وقال مدع إيطالي يتعامل مع القضية إنه طلب من القاهرة تسجيلات كاميرا مراقبة محطة المترو حيث قالت مصادر أمنية ومخابراتية إن آخر مرة شوهد فيها ريجيني كانت في محطة للمترو. ولكن شهورا مرت ولم يتلق المدعي أي شيء، قال "قالوا لنا إنهم سجلوا أفلاما أخرى فوق الشريط".
اضف تعليق