شكلت واقعة اقتحام البرلمان مسردا مهما في انتزاع التحليلات حيال ما جرى من حراك شعبي وما تبعه من اجراءات حزبية وحكومية وسياسية وامنية.
ولمحاكاة تلك الحقيقة، عقد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية (مطبخه الفكري) تحت عنوان (ما بعد اقتحام البرلمان قراءة في المشاهد المحتملة) في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، لمناقشة هذه القضية مع مجموعة من الباحثين الأكاديميين والقانونيين.
أكد مدير الجلسة الفكرية الدكتور قحطان الحسيني التدريسي في جامعة كربلاء والباحث المختص في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، على العبارة التي أطلقها السيد مقتدى الصدر في احد خطاباته حيث قال (اليوم نعتصم خارج اسوار المنطقة الخضراء وغدا سيكون الشعب فيها)، ولم يكن احد يتوقع ان تتم العملية بهذه الطريقة لا بل لم ينظر الكثير من الساسة بعين الجدية الى هذا التصريح.
واعتبروه خطابا عاطفيا يداعب مشاعر مئات الالاف من المتظاهرين والملايين من الناقمين الغاضبين على الحكومة واداءها الاكثر من سيء، حدث كل شيء بسرعة غير مسبوقة وبسلمية غير معهودة امام انظار حمايات المنطقة الخضراء وصمتهم بل ودهشتهم، مما يجري في ظل تساؤلات المراقبين عن السر الكامن وراء هذا الانهيار والانكسار في مؤسسات الدولة واجهزتها خصوصا الامنية منها.
مضيفا شكل هذا الحدث ثورة سلمية ولكنها من نوع مغاير لمفهوم الثورات التي عرفها التاريخ، انها ثورة بيضاء كسرت حواجز الخوف النفسية التي قيدت العراقيين لسنوات ومنعتهم من اقتحام المنطقة الحصينة رغم معرفتهم انها سبب بلاء العراقيين ومأساتهم الحقيقية.
تلك المنطقة التي توفر لساكنيها من الزعماء والقيادات ما يفتقده العراقيون الاخرون انه حدث في الوقت الذي اصاب فيه الحكومة والبرلمان بالرهبة فانه اعاد للشعب الثقة بقوته وقدرته على زعزعه عروش الظالمين، وهذا ما عكس ارتياحا شعبيا لكنه يخفي وراءه قلقا من المستقبل.
واشار الحسيني الى ان اقتحام البرلمان من قبل المجاهير الغاضبة المحسوبة على التيار الصدري قد يفضي الى نتائج عدة يمكن ان تكون كالاتي:
1- اصابة عمل الحكومة بالشلل بعد ان غادر وزراء الكرد بغداد وبعد ان انسحب وزراء التيار الصدري من جلسات مجلس الوزراء، الامر الذي جعل المجلس غير قادرا على تحقيق النصاب الكامل لاتخاذ القرارات المطلوبة في ظل غياب 13 وزيرا.
2- تعطيل جلسات مجلس النواب بسبب هاجس الخوف لدى اعضاءه من امكانيه تكرار الاقتحام مرة اخرى وكذلك بسبب الخوف من حدوث مشاكل ومشادات كلامية بين اعضاءه وخصوصا بين النواب المعتصمين واولئك المؤيدين لبقاء الامور على ماهي عليه. الامر الذي يجعل من اي جلسة متوقعة عديمة الجدوى والفائدة.
3- حدوث حالة من الفراغ الدستوري قد تؤدي الى فوضى سياسية في البلد ضمن اطار ما يسمى بالصراع من اجل الشريعة التي يحاول كل طرف سحبها من الطرف الاخر والصاقها بنفسه في ظل صمت واضح ومقصود من المحكمة الاتحادية.
4- تصدع الجبهة المنادية بالإصلاح بعد ان اصابها اليأس وخصوصا بعد انسحاب الصدرين منها واعلان هذه الجهة بانها سوف تلجئ الى القيام بدور المعارضة اذا فشلت جهود الاصلاح.
5- ان اقتحام البرلمان وقيام الجمهور الغاضب بضرب بعض النواب وترديد عبارات معادية لبعض زعماء الكتل والى ايران قد جعل التيار الصدري يقف بمفرده في ساحة المناداة بالتغيير بعد تصاعد ردود الفعل المنددة بهذه الممارسات مما قلص امامه فرص النجاح في اجراء التغيير المطلوب خصوصا مع وجود دعم ايراني وامريكي للإبقاء على الرئاسات الثلاث.
6- ان تقييمنا لأداء التيار الصدري واساليبه المتبعة في تحقيق التغيير وصولا الى الاصلاح يسجل وجود بعض الاخطاء منها ما يتعلق بالفشل في توظيف الكتل السياسية التي دعمته في مسعاه نحو الاصلاح ومنها ما يتعلق بغياب القراءة الدقيقة لردود افعال ومواقف الدول الفاعلة في المشهد العراقي خصوصا ايران والولايات المتحدة.
7- ما اضعف موقف التيار وجود ممانعة قوية من هاتين الدولتين لأحداث تغيير وفق ما يرتأيه ويخطط له التيار الصدري انهم لا يرون فيه مصلحه لدولهم.
وبناءاً على ما تقدم فأن اقتحام البرلمان من قبل الجماهير الغاضبة المحسوبة على التيار الصدري قد شكل حسب بعض المراقبين حدثا مميزا وفريدا، فتح الباب امام العديد من الاحتمالات، البعض يرى فيها ايجابيات والبعض الاخر يرى انها قد وضعت العراق أمام مفترق طرق جميعها تؤدي الى نهايات مغلقة.
ومن اجل اغناء الموضوع بالأفكار والآراء العملية الموضوعية قدم مدير الجلسة للحضور الكريم التساؤلين الآتيين:
السؤال الاول/ كيف نقرأ تبعات اقتحام البرلمان وماهي طبيعة ردود الفعل المتوقعة من الكتل السياسية تجاه هذا الحدث؟
الاستاذ باسم عبد عون تدريسي وباحث في مركز الفرات، تساءل عن وجود اتفاق مسبق بين قادة تلك التظاهرات وبين رئاسة الحكومة الممثلة بشخص السيد العبادي. ويعتقد ان الثورة كانت بيضاء وان حاجز الخوف لم يعد له وجود في ضمير القوى الشعبية العراقية، المشكلة تبقى في اليات الاصلاح خصوصا وان لا اصلاح من داخل العملية السياسية اما من الخارج فليست هناك من جهة تتبنى الاصلاح بشكل علني، اضف الى ذلك فان التيار الصدري وقع امام عدة اشكاليات على اعتباره هو من تبنى التظاهرات.
الدكتور حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات، قال ان الاعتصامات التي استمرت ليومين لم تحقق شيئا وكذلك الحال بالنسبة للتظاهرات، بل على العكس من ذلك هي اثرت على الاصلاح بشكل مباشر، لاسيما وان القوى السياسية الداعمة للإصلاح في وقت سابق هي اليوم تطالب برد الكرامة والهيبة للبرلمان ولأعضاء البرلمان.
مضيفا حتى رئاسة الحكومة اتخذت اجراءات تصعيدية هذا من جانب ومن جانب اخر الخطاب الاخير جاء ليؤكد ان العراق لا يدار الا بالشراكة اي (المحاصصة)، وحتى القوى الدولية مواقفها جاءت مساندة لرئاسة الحكومة العراقية، وبالتالي حتى الاجراءات الامنية باتت امرا واقعا واكثر تعقيدا من ذي قبل.
من جهته قال الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات ان موقف التيار الصدري في التظاهرات الاخيرة كان منفردا وفوت على نفسه فرصة الدعم الداخلي والخارجي، وهي بمثابة الطلقة الاخيرة على الضغط الشعبي والجماهيري فلم يعد بمقدور اي جهة تهديد المؤسسة الحكومية.
يضيف جويد من نتاجات تلك الحركة هي ابراز مواقف الكتل السياسية وايهما أقرب للمحاصصة من الاخر، وعلى العموم ان التفاوت الحاصل في المواقف لا يعني انه يصب بمصلحة الامة بل هو يدور في فلك اي الطرق أقرب واسهل للحصول على مكاسب حزبية وشخصية اكبر، اضف الى ذلك الحكومة بدل ان تناقش الثغرات التي سببت خروج الناس هي تتبنى نهجا جديد لقهر ارادة الناس وسحق مطالبهم.
من جانبه الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، ذهب الى احتمالية ان يكون لهذه القضية فصول مخفية وان ما برز منها هو مجرد اشياء بسيطة، خصوصا وان العراق يعيش في ازمة حقيقية وان العملية السياسية تحتضر الان.
يضيف الصالحي ان عملية اقتحام البرلمان لم تتبناها اي جهة سياسية، وهذا مما يجعل الكتلة الصدري غير معنية بأي خرق كونها لم توعز لقاعدتها الجماهيرية بالدخول الى البرلمان، اضف الى ذلك فأن تلك الخطوة خلطت الاوراق وهشمت التحالفات السياسية السابقة، وان مستوى الحراك السياسي والشعبي سوف يكون بمستوى ضعيف على مدى الاشهر المقبلة.
في الوقت ذاته طرح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حيدر الجراح، بأن حركة الجماهير الغاضبة وتموضعها داخل البرلمان كان يحمل بين طياته سمة الاتفاق ما بين السيد العبادي ومقتدى الصدر، وعلى هذا الاساس جاءت التظاهرات سلمية كما يقال عنها.
يكمل الجراح وذلك لان القوى الامنية لم تعترض طريق الجماهير المهاجمة، وان الاخ الاكبر الممثل بأمريكا وايران الكل منهم له ادوار مرسومة يتحرك من خلالها في الساحة العراقية ووفق خطط مدروسة بعناية فائقة، وان القوى الكردية رغم موقفها الضعيف والخاسر الا انها متحدة من حيث المبادئ ضد الحكومة الاتحادية في بغداد ويصطف الى جانبها المجلس الاعلى على اعتباره الخاسر الثاني بهذه الجولة.
ويضيف الجراح انا لا اتفق مع فكرة الثورة البيضاء بل هي انتفاضة وانتفاضة مؤقتة، وان اقتحام البرلمان هو خرق حقيقي لهيبة الدولة ولا يوجد فراغ سياسي في العراق واكبر شاهد على ذلك ما تعيشه التجربة اللبنانية منذ سنوات، وسوف يشهد الوضع العراقي هدوء الى ان تحصل الانتخابات بقانون جديد وان يعاد تشكيل مفوضية الانتخابات المستقلة قولا وفعلا.
الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، قال الكلام ليس حول حول كون الاقتحام صحيح ام خاطئ، بل الكلام حول الحركة هل كانت ناجحة ام فاشلة، فتلك الحركة هزت قواعد اللعبة وارتج البنيان وهم قالوا صراحة هيبة الدولة سقطت، وان من قام بهذا الاقتحام اضاف الى رصيده الجماهيري اعداد اخرى وسيشكل هذا المعنى نجاحا ايام الانتخابات، كما كسروا حتى هيبة الدول الاقليمية واوصلوا رسالة بان العراق لم يكون يوما محكوما لأي دولة.
والتوقعات تقول بأن العراق يتجه نحو الامام وعلى البرلمان ان يعقد جلسته، خصوصا وان الدول الكبيرة يهمها انجاح التجربة العراقية ولا يعنيها دلال وتذمر بعض الكتل السياسية العراقية.
في الوقت ذاته قال الأستاذ الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون، بعض الاخوة اثاروا موضوعة مدى مشروعية دخول المتظاهرين الى المنطقة الخضراء او الى مبنى البرلمان، فنحن لدينا حزمة قوانين في الدستور تقول بأن نظام الحكم في العراق جمهوري ديمقراطي.
مضيفا بالقول معنى الديمقراطية في أبسط التعريفات هو حكم الشعب او ارادة الشعب او رأي الاكثرية، ومن ناحية اخرى في المادة السادسة من الدستور تقول ان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، فاليوم حركة التيار الصدري هي ليست خاصة بالتيار الصدري ككتلة سياسية بل هي حركة جميع فصائل الشعب العراقي.
ويكمل الحسيني الدخول الى المنطقة الخضراء ليس فيه اشكالا قانونيا، الا ان الدخول للبرلمان فيه نوع من الاشكال البسيط ويمكن التغلب عليها، خصوصا وان ما دام الشعب هو مصدر السلطات وهو يريد من خلال ذلك تصويب العملية السياسية وجعلها في المسار السليم وان الجهة التي تتحدث عن الانتهاك هي اول من انتهك مؤسسات وهيبة الدولة.
ويضيف أيضا ان المحكمة الاتحادية الى الان تعتبر غير دستورية وتشكيلها وفق المرحلة الانتقالية وليس وفق الدستور العراقي النافذ لعام 2005، وهي عودتنا دائما ان تنتظر الاتفاق السياسي ولا تخرج عن بوتقة السياسيين، وعلى هذا الاساس التغيير لابد ان يطول المحكمة الاتحادية ابتداءا.
السؤال الثاني/ الى اين تتجه الامور في العراق؟
يعتقد باسم عبد عون، بأن الدراما سوف تستمر على ماهو عليه حتى تأتي الانتخابات، وان الاصلاح السياسي لابد ان يسبقه اصلاح في تركيبة النظام السياسي، خصوصا وان الولايات المتحدة تعتبر نفسها المراهن الحقيقي على استقرار النظام الديمقراطي في العراق، ووفق هذه الانظار سيتم اجراء بعض التغيرات في التركيبة السياسية في العراق وقبيل موسم الانتخابات.
من جانبه قال الدكتور علاء الحسيني، بأن هناك مزيدا من التغييرات الايجابية وقد شهدنا تمرد بعض النواب على رؤساء الكتل وهذه اول ثمار تلك الخطوة الطيبة، وايضا حصل انشقاق في بعض الكتل الا ان ذلك التغير من الطبيعي يحتاج الى مساحة زمنية.
الحقوقي احمد جويد، يرى بأن من اربك عملية الاصلاح هو غياب الثقة بين التيار الصدري وشخص المالكي، وان فكرة الاصلاح التي امتدت بالبرلمان كانت تستوعب طيف واسع من النواب العراقيين ومن جميع المكونات السياسية وهو نفس الشعار الذي تتبناه الولايات المتحدة.
الاستاذ عدنان الصالحي، من جهته يجد ان التغيير قادم ولكن بهدوء وبشكل تدريجي، وان التيار الصدري ومع ما يحتل من مساحة هو يعتبر العنصر المشاكس بالنسبة لإيران ولأمريكا وان وجوده في العملية السياسية يشكل بيضة القبان، وان السنوات القادمة تحمل على عاتقها مسؤولية اجراء بعض الاصلاحات في النظام الاساسي للدولة ومنها قانون الانتخابات والمفوضية وفصول اخرى من فصول عملية التغيير.
وان الامريكان اليوم امام الحدث الاكبر وهو تحرير الموصل والرقة، وكل التوقعات السياسية القادمة من كردستان تقول بان العراق بعد اقتحام البرلمان ليس هو قبل الاقتحام، وان الاكراد متخوفون مع من يضعون ايديهم من الكتل السياسية الشيعية.
حيدر الجراح، يصف الصورة بغير الواضحة والضبابية وان المتغيرات السياسية لا يمكن رصدها الان، خصوصا وان بوادر تلك الحالة تتمثل بعدم وجود اصلاح حقيقي او تغيير حقيقي في العملية السياسية وايضا تغيير على مستوى المجتمع والثقافة.
الشيخ مرتضى معاش، يجد ان الاصلاح بعيد المدى وهو يحتاج لعمل بنيوي وثقافي، وكذلك تغيير البنية الثقافية بتغيير الاعراف، اما التغيير فهو حاصل في العراق وهذا الامر نتيجة التغييرات الجيوستراتيجية العالمية، وان العراق ليس بمعزل عن تلك التغييرات فأمريكا على سبيل المثال الان حاصل فيها تغيير من خلال احتمالية فوز دونالد ترامب صاحب الافكار والنظريات المتطرفة.
مضيفا ايضا، الكل اصبح في مرمى التغيير وحتى التحالف الوطني هو ليس التحالف الوطني قبل اشهر وسنوات، وحتى الشعارات الاخيرة التي رددتها الجماهير هي فرصة لخلق توازنات جديدة بالمنطقة، ايضا امريكا تريد ان تجعل من العراق شركة رابحة في مشروع امريكا الكبير وهذا مما يفضي الى تحييد بعض قادة الكتل السياسية.
النتائج والتوصيات:-
1- تغيير قانون الانتخابات ومفوضية الانتخابات
2- استثمار التغيير الجزئي الحاصل الان
3- المزيد من الضغوط الشعبية للدفع بعجلة التغيير
4- على زعماء الكتل ان لا يتعاملوا بالطريقة التقليدية وان يكونوا اكثر جدية وبرغماتية
5- الدعوة للانتخابات وباشراف دولي وان يكون قانون الانتخابات منصف نوعا ما
6- ترك القوانين للدورة القادمة لان في حال اقرارها الان سوف تكون داعمة لبرنامج ومخططات الكتل السياسية.
7- على الكتل السياسية ان تتأقلم مع التغيير ولا تقاومه
8- على الكتل السياسية ان تدرس اخطائها في السابق وتكون اكثر عقلانية وتأتي بشخصيات كفؤة.
اضف تعليق