أصدر ملتقى النبأ للحوار تقريرا، بعنوان (العراق وتشكيل النواة الوطنية) وذلك يوم السبت 7/5/2016، تناول من خلاله مجموعة من المشاركين العوامل والتداعيات لنظام المحاصصة على العملية السياسية وعلى مستقبل البلاد.
أجرى الحوار الكاتب الصحفي علي الطالقاني وشارك في الملتقى مجموعة من المثقفين والنخب من بينهم ( د. واثق الهاشمي، الشيخ صباح الساعدي، د سامي شاتي، د. صلاح الجابري، د. قحطان حسين، أ. عبد الحميد الصائح، د. عبد الامير الفيصل، د. احمد الميالي، الشيخ ناصر الأسدي، أ. مسلم عباس.
وملتقى النبأ للحوار هو مجتمع يسعى إلى تحفيز المناقشات بهدف توليد الأفكار من أجل دعم المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وإسداء النصح لها من خلال تقارير دورية، ويساهم من خلاله مجموعة من الباحثين والمشاركين.
نص الحوار
منذ سقوط النظام عام في العراق2003 وانتهاء حقبة الديكتاتورية، كان الشعب العراقي يأمل بأن تكون هناك وحدة وطنية بالمعنى الحقيقي تستطيع ان تجمع بين المكونات لكن الحال لم يتغير رغم ظهور عدد من الجهات التي حاولت جاهدة تجاوز حقيقة غياب النواة الوطنية فقد كانت حقيقة الهوية الوطنية غائبة مغطاة بشعارات دون العمل، ما جعل دوام الاضطراب في العراق.
اليوم في ظل ما يجري من حراك تشهده البلاد منادياً بتجاوز المحاصصة والطائفية، برأيكم هل تهيأت الظروف الملائمة لظهور نواة وطنية؟ وما هي الحيثيات والركائز التي تستوجب هذا تشكيل هذه النواة؟
د. واثق الهاشمي:
موضوع النقاش مهم جدا ومنه نخرج بتساؤل هل فعلا نجحت الطبقة السياسية الحالية بتشكيل نواة وطنية ومن ثم التأسيس لدولة مؤسسات. ما حدث حرب طائفية أهلية احترق فيها الاخضر واليابس ومن ثم التحول الى صراع داخل البيت الشيعي وداخل البيت السني وكذلك الكردي .كل التحديات والمخاطر التي مر بها العراق لم تسطيع الطبقة السياسية ان تعيد مفهوم المواطنة وتنطلق من رؤية عراقية .الاجندة الخارجية كانت هي من يتحكم بالمشهد وتغذية للمواطن في عرقيا وطائفيا وقوميا .تفشي الفساد وعدم الارتقاء لمستوى المسؤولية. قد يقول قائل اني متشائم ولكن أعكس واقع مرير لا يمكن ان يجمل .
يبدو ان الديمقراطية والتي تسعى الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية لترسيخها في العراق والدول الاخرى. ولكن هذه الديمقراطية لتتشكل الجميع وإلا كيف نفسر دعم امريكا والغرب لبقاء مسعود البرزاني رئيسا للإقليم وهو المنتهية ولايته ..فضلا عن طرده رئيس البرلمان وحل البرلمان !
الشيخ صباح الساعدي:
ان التخلص من المحاصصة يجب ان يكون بخطوات البعض يقوم بها الشعب في الطبقة السياسية والبعض تقوم به المؤسسات الدستورية ونعتقد ان هناك خطوتين مهمتان هما كالآتي
اولا : اول خطوة للتخلص من المحاصصة هي تغيير النظام الانتخابي من انتخاب القوائم الى انتخاب الافراد وتتعد الدوائر الانتخابية في نفس المحافظة الواحدة حسب الإعداد السكانية
ان هذه الخطوة من شأنها إفراز مجموعة من ممثلي الشعب يتميزون بالاتي :
١- تنافس حقيقي والفائز بالأصوات الأكثر يكون ممثلا للشعب وليس بأصوات زعيم القائمة
٢- علاقة حقيقية مباشرة بين النائب وبين دائرته الانتخابية التي ستكون محددة ويستطيع ان يوفي بالتزاماته امام ناخبيه وأبناء دائرته الانتخابية
٣- صعود النائب بأصوات دائرته وليس بأصوات زعيم القائمة يؤدي الى امتلاكه حرية القرار والتمثيل النيابي وبالتالي تخفيف سلطة الكيانات السياسية على النواب
٤- يعطي هذا النظام فرصة مشجعة للشخصيات المستقلة في التنافس الانتخابي وبالتالي نشوء طبقة سياسية جديدة تتحكم فيها إرادة الناخب الحقيقية لان مرجع النواب الى الناخبين في الدائرة الانتخابية وليس الى رؤساء الكيانات
٥- هذا النظام الانتخابي ينتج مجلس نواب متنوع وهو بدوره ينتج حكومة متنوعة تتغير فيها قواعد ( التشكيل ) عن سابقتها التي كانت محددة بمجموعة كيانات منذ عام ٢٠٠٣ ولليوم الحاضر مما يساعد على تشكيل تحالفات ونشوء طبقة سياسية جديدة عابرة تفكك المحاصصة من جهة وتخرج عن الاصطفافات الطائفية من جهة اخرى
هذه الخطوة من شأنها ان تأذن ( ببداية النهاية ) لمتلازمة ( المحاصصة والطائفية السياسية )
ثانيا : بعد خطوة تغيير النظام الانتخابي الذي أشرنا اليه سابقا نتقدم بخطوة اخرى لإنهاء ( المحاصصة السياسية ) في الوظيفة العامة في كل مواقعها دون مستوى الوزير وهي ( الوظيفة العامة في مواقعها ) ما يمثل جسد الدولة الحقيقي فان استبعدنا منصب الوزير الذي يُشار الى انه سياسي في جهة من جهاته فان باقي مواقع الدولة من وكلاء الوزارة والمدراء العامين والمستشارين والخبراء والدرجات الخاصة ورؤساء الهيئات المستقلة وغير المستقلة ومدراء الشركات العامة والجهات غير المرتبطة بوزارة فما دون من كل مواقع الوظيفة العامة هم يمثلون الدولة الحقيقية التي تأخذ على عاتقها اتخاذ القرارات الإدارية وتنفيذ الخطط والبرامج الوزارية والمؤسساتية
ولإنهاء حالة المحاصصة السياسية فيها لابد من تفعيل ( مجلس الخدمة العلمة الاتحادي ) المنصوص عليه دستوريا والمشرع قانونه من قبل مجلس النواب والذي عطل تشكيله من اجل استمرار ( التحاصص ) على مواقع الدولة العميقة او ( اختطافها ) من فصيل سياسي محدد مستعينا على ذلك بالسلطة التي يمتلكها وضعف الآخرين
ان تشكيل مجلس الخدمة العامة الاتحادي يشكل ضربة قوية للمحاصصة السياسية لأنه كتبنا في قانونه ( اعادة النظر في شاغلي الوظيفة العامة ) ممن أشرنا اليهم اعلاه من مواقع ومناصب ودرجات وتقييم مدى موافقتهم لمؤهلات استلام هكذا مناصب او اشغال هكذا مواقع قيادية في مؤسسات الدولة كافة ووفقا ( لمعايير مهنية ) بحتة يضعها لكل شخص يشغل المناصب والمواقع اعلاه.
ان اختيار أشخاص ( اكفاء مستقلين خبراء نزهاء ) لعضوية هذا المجلس الاستراتيجي يكفل اعادة الدولة من مختطفيها ويضمن ( نزعها ) من المحاصصة السياسية نزعا.
اعتقد ان موضوع تشكيل النواة الوطنية يجب ان يتزامن مع تطورات الأحداث الجارية والتي نعتقد فيها ( ومنذ زمن تجاوز الثلاثة أعوام ) بداية نشوء جيل سياسي جديد
ان كل الأحداث التي نراها انما هي تصب في مصب واحد هو تغيير جذري للوجوه التي لم تفلح في ادارة العراق وخسرت اكبر فرصة تاريخية لها في ان تقود العراق الى بناء دولة جديدة بكل ما للكلمة من معنى بما توافرت عليه المرحلة السابقة من دعم دولي الى سيولة مالية كبيرة جدا ودعم جماهيري متنوع وإرشاد مرجعي قبل كل ذلك وغيرها من عوامل النجاح ، ولكن اهتمام المتصيدين من ( دينصورات السياسة ) وجيل الحرس القديم في تجذير وضعهم الشخصي او الحزبي من خلال استغلال السلطة ومن خلال عمليات الفساد ونهب المال العام أدى الى ضياع فرصتهم التي أعطيت لهم ولن تعود مهما حاولوا ان يظهروا انهم مازالوا متماسكين وماسكين بالسلطة
اننا نعتقد ان الحقبة القادمة لن تشهد وجود هؤلاء الدينصورات السياسية والحرس القديم ولابد من وجود جيل جديد لم يتلطخ بدماء العراقيين او اموالهم يتصدى للمشهد السياسي وهؤلاء يمكن ان يكونوا حجر الزاوية ( توجه سياسي ) عابر للطائفية السياسية ، وغير محكوم بمتلازمة ( اتفاقات الخارج وتوافقات الداخل ) التاريخية
آن الاوان ان يخطو من يعتقدون بأنفسهم انهم المخرج للبلاد من طبقة سياسية كانت ولازالت تَخَلَّق الأزمات وتعتاش عليها ان يتصدوا للمسؤولية وفق برنامج محدد وواضح، ولا يعتقد هؤلاء ان الطريق سيكون معبدا ومفروشا بالورود وان دينصورات السياسة والحرس القديم الممسكين بالسلطة والذين يملكون المال ان يتركوا الساحة لهم لكن طريق آلاف الميل يبدأ بخطوة.
الشيخ ناصر الأسدي:
ان عملية التغيير عملية حضارية ومعقدة لا تتم بتأسيس دستور وان كان ارقى دستور في العالم ولا بالتعددية والانتخابات وحرية الكلمة وما شابه ذلك من مفردات اساسية في عمليات التغيير الجرية الكبرى ان الوقت له اكبر مدخل في تنجز التغيير ان ما يجري اليوم في الساحة السياسية امر طبيعي بل ضروري للتحول الى مرحلة متقدمة ذلك لان السياسي الحكم ينتشي ويستغرق في سكرة الحكم ولا يوقظه الا صفعة او صعقة كهربية تهز كيانه وهذا ما حدث والحمد لله باقتحام
الخضراء في المرحلة القادمة سيعرف كل مسؤول انه يحكم شعبا لو التهب غضبه يفعل كل شيء لعلاج تقصير المسؤول ومشكلتنا الاستراتيجية العميقة والمستعصية ندرة وجود الاكفاء المخلصين لوطنهم وامتهم فكل من نحسن به الظن ويستلم المسؤولية لا يؤدي واجبه الوطني ونتورط به ويصعب تغييره نحتاج الى رموز يكونون قدوة لمختلف شرائح شعبهم، المرحلة القادمة تكنوقراط او بيروقراط او غيرهما هي ايضا مرحلة وقطار التغيير صار على سكته فلابد لليلي ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامك.
مجموعة باحثين
تطلع العراقيون بعد 2003 الى بناء دولة المواطنة التي تعيد للإنسان كرامته واحترامه وحقوقه واستقراره، يحدوه الأمل بتجاوز سيئات الماضي من قمع وتهميش وتجهيل وتقتيل وتغييب وإبعاد وتهجير، وتجلى ذلك في نصوص الدستور العراقي الذي عكس جزء من هذا الحلم، لذلك كان خروج الشعب العراقي للتصويت عليه بمثابة عقدا اجتماعيا بينه وبين النخب السياسية المتصدرة للمشهد العراقي.
لقد ابتلى العراقيون طيلة المدة المنصرمة بمنهج المحاصصة البغيض والصراع المزمن بين الكتل السياسية الحاكمة وتغليب لغة التخوين والتشكيك والتهديد بدلا عن لغة الحوار والتواصل مما تسبب بإصابة العملية السياسية بالشلل المزمن والأزمات التي لا تنتهي .
وشعورا منا بالمسؤولية الوطنية فإننا نوجه نداؤنا إلى الرئاسات الثلاث وقادة الكتل السياسية للاستماع إلى مطالب الشعب عملا بالآتي :-
1- تقديم استقالة الحكومة الحالية وتكليف شخصية مستقلة تتعهد بعدم الترشح في الانتخابات القادمة تقوم باختيار شخصيات مستقلة من الكفاءات العراقية لقيادة حكومة ذات اهداف محددة تكون مهمتها توفير الامن والاستقرار والخدمات الاساسية وتحسين الاقتصاد واجراء انتخابات نزيهة وشفافة خلال السنتين القادمتين.
2- تقديم هيئة رئاسة البرلمان الحالية استقالتها واختيار هيئة رئاسة جديدة قادرة على تفعيل عمل مجلس النواب واعداد خطة تشريعية ملزمة لإنجاز القوانين الدستورية مثل المحكمة الاتحادية ومجلس الاتحاد وقانون النفط والغاز وغيرها وتشكيل لجنة للتعديلات الدستورية تطلق حوارات وطنية مع سقف زمني لا يتعدى السنة الحالية للتصويت عليها من قبل مجلس النواب.
3- تشكيل لجنة للمصالحة والحوار الوطني برئاسة شخصية وطنية مستقلة تضم في عضويتها شخصيات مدنية واجتماعية ودينية كممثلين عن كافة المحافظات العراقية.
4- اجراء اصلاحات عاجلة في السلطة القضائية لاستعادة الثقة بها ومنها اختيار رئيس جديد للمحكمة الاتحادية الحالية.
5- اشراك الفعاليات المدنية بشكل حقيقي في دوائر صنع القرار لضمان وجود صوت الشعب في العملية السياسية والاصلاحية.
6- اجراء اصلاحات جوهرية وحاسمة في ملف مكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة ومحاسبة وتضمين من يثبت تقصيره من المسؤولين السابقين والحاليين واستبدال رئس هيئة النزاهة الحالي وتكليف شخصية وطنية شجاعة ومهنية في ادارة ملف مكافحة الفساد .
ان عدم الاستماع الى تلك المطالب سيجر العراق الى مزيد من التدهور وستتحمل القوى السياسية الحالية المسيطرة على مقاليد الامور الفشل ولعنة التاريخ والشعب العراقي.
وشارك في هذا المحور الذي ارسل للملتقى مجموعة من الناشطين د . سامي شاتي عبيد، د. مزهر جاسم الساعدي، سعيد ياسين موسى، عباس العطار ، باسل هاشم الموسوي، د. فراس هاشم جاسم، سعد جبار نعمة البطاط ، احمد صادق حسين الموسوي، جابر شريف مكي، د . تحسين عباس العطار ، حيدر نصار، مهند نعيم الكناني.
د احمد الميالي:
لتشكيل نواة وطنية لابد من استثمار هذه الاحتجاجات وتحويلها إلى حركة إصلاحية قوية تشكل حلفاً أو تكتلاً يضم نواباً من كافة المكونات، يهدف إلى إخراج العراق من مأزق المحاصصة الطائفية والعرقية.
يحتاج العراق إلى كتلة سياسية معارضة تنهي هيمنه زعماء الكتل السياسية الحالية القائمة على الطائفية، والبحث عن قيادة حكيمة وطنية تشكل حكومة عابرة للطوائف والأعراق ونحتاج إلى خريطة طريق وطنية وإصلاح شامل من القمة إلى القاعدة. ونحتاج كذلك إلى خطة وطنية للقضاء على الفساد ومحاسبة كافة المسؤولين الحكوميين الفاسدين منذ عام 2003، وأن تصبح أي كتلة تضم شيعة فقط أو سنة فقط مرفوضة شعبياً قبل أن تكون مرفوضة قانونياً. ولا زال في العراق شرفاء وطنيون قادرون على إنهاء المحاصصة الطائفية والمذهبية، فالعراق اليوم أمام تحدٍّ وجودي: إما أن يكون أو لا يكون.
د صلاح الجابري:
الوطنية في العراق مفهوم عائم ولا يمتلك تعريفيا حقيقيا يفسره كل شخص حسب مرجعياته الفكرية فالطائفي يدعي الوطنية والمنتمي سياسيا الى حزب او جهة يجعل من عمله ضمن برنامج تلك الجهة عملا وطنيا والمستقبل يرى في نفسه اكثر وطنية من غيره على الرغم من ان في العمل السياسي لا وجود لمستقل ومن التناقض ان يدعي احد ما منخرط في العمل السياسي انه مستقل فهذه من التناقضات العجيبة في العراق، اخيراً لا أظن ولا ادعي اليقين ان في العراق بلغ النضج الى مستوى الطبقة السياسية العابرة للتصنيفات الطائفية والعرقية والحزبية فهذه أمنية وربما دعوى سقط فيها حتى المرتبطين بدون الولاء المطلق لشخص معين يختزل الأيديولوجيا ... ومع ذلك فهذا الامر ليس مستحيلا وما أسلفته قد تكون عقبات صعبة العبور ...
د. عبد الامير الفيصل:
الوطنية هي ليست مفهوما مؤطر يناسب البعض وهي ليست مفهوما نسبيا بل هو انتماء بأذرع متعددة وهي ليست حكرا على اشخاص او احزاب او كتل ولكن مفهومها الهلامي جعل البعض يلصق الوطنية به ويبعدها عن اخرين فقد يقرأ رايا لك ويتهمك بعدم الوطنية وقد يعتقد ان عدم تطابق وجهات النظر هو طعن بالمفهوم وهكذا تتعدد الرؤى ولكن ماذا نحتاج نحن ليكون للوطنية الدافع المشترك لبناء عراق مؤسساتي يشارك الجميع فيه منً خلال مشروع سياسي استراتيجي مشترك يشعر الكل بان له حصه حقيقية في وطن جاذب.
اعتقد القضية تحتاج وقت وجهد مشترك يكون للإعلام دور كبير فيه لتأصيل المفهوم والانتماء في نفوس الجميع، لتغيب الشعارات المنفرة ولتعلو المشتركات ليشعر الجميع بالخطر الواحد والتحدي الواحد والمستقبل الواحد.
أ.عبد الحميد الصائح:
موضوعيا ان اي تجمع او خلية بشرية والدولة كذلك حين يضعف المركز فيها تنسحب الحلقات الثانوية في المجتمع الى الحلقات الاصغر لتكون مراكز للحماية مثل الدين المذهب المنطقة العشيرة ..لتكون مراكز قوى بديلة ..لذلك من مصلحة الدولة توحيد المركز ..والمركز مرة يكون القانون ومرة الديكتاتور ..المهم هنالك قوة اقوى من الجميع .. الدولة تتأسس بالضوابط وليس بالمشاعر ..قوة القانون اهم من الشعور بالوطنية ..
ليس مهما للآخرين أنك تحترم القانون او لا تحترمه فذلك أمرٌ شخصي عائدٌ لك ، المهم والمفيد والناجع للمجتمع هو ان تخاف منه ، الاحترام الاختياري ، المزاجي غير الخوف الذي يتطلب قوة تخيفك وتعاقبك حسب حجم التجاوز او الخطيئة التي ترتكبها .
هل الناس في الدول المتقدمة تحترم القانون ام تخاف منه ؟ هل ان الالتزام بالسرعة اثناء قيادة السيارة مثلا في شوارع أوربا هو رُقي وتحضّر وفدوة لعيون القانون ؟ ام خوف من كاميرات المراقبة التي تلقطك وترسل لك صورة سيارتك وهي تتجاوز السرعة المحددة لتدفع الغرامة صاغرا؟.
اذن القانون – الديكتاتور الجبّار الصارم الحاسم العادل الذي لا يميز بين رئيس الوزراء وبائع الصحف هو ما يجعل الحياة مستقيمة لدى خلْق الله من شعوب تلك الدول .
عند وصولي بريطانيا لاجئا في تشرين ثان نوفمبر عام 1998 فوجئت بحملة تحذير من الاصدقاء بعدم الخروج منفردا الى الشارع خلال اليومين القادمين ، قلت هل يعقل ان اسمع هذا التحذير في مدينة ليدز البريطانية ! ما لذي يمكن ان يحصل ؟ السبب أن الفريق الانكليزي حينذاك كان قد خسر مع تركيا بكرة القدم رافقت المباراة احداث شغب وعنف بين الجمهور واللاعبين قتل اثرها احد لاعبي الفريق الانكليزي. فهاج الشارع في بريطانيا ضد الاجانب ذوي السحنة السمراء الخشنة اللي من جماعتنه، وحدثت وقتها اعتداءات متفرقة في عدد من الاماكن العامة، خاصة المدن الصغيرة. هذا الخبر نزل كالصاعقة على مهاجِر محبط ، مخيلته عباره عن ارشيف لكل ما هو سيء وارتجالي وقاس وفوضوي في بلاده واتهام اهلها بالعنصرية والعشائرية وعدم الالتزام بتعليمات المرور والنظافة وعدم احترام الراي الاخر ..كيف يحدث في بلد وشعب طالما تغنّينا عن بعد بتحضره وتقدمه واحترامه لحقوق الانسان ، ان ينتقم مواطنون فيه لرياضي قُتل في بلد بعيد ، من ابناء البلد المسالمين الامنين المقيمين او اللاجئين على ارضه ؟ ، دُهشتُ فعلا وانا الذي تعودت فقط في بلداننا العربية والاسلامية على الثأر وعلى (أن يزِروا الوازرَةَ وزرَ أخرى) وان اقارب المتهم لحد الدرجة العاشرة يقادون معه الى التحقيق ! سؤال بقيت منذ ذلك اليوم اتعقبه ، حين اشاهد المواطن الأوربي الناعم الهادئ اذا ما رآك تتجاوز دوره في الطابور على دكان او باص كيف ينقلب وحْشاً، وان ما يجعله مسالما معي وما يجعل المهاجرين من جميع اعراق العالم واديانه وملله المختلفين المتكارهين، منسجمين يعيشون ويعملون منظمين مثل الساعة هو القانون .. سلطة القانون وقوة فرضه. لان كل الناس الا من أخطأهُ الدليل انانيون مصلحجية قُساة في كل مكان ! والحكومات في الدول المحترمة لا تعتمد على الضمير او الاخلاق او التحضر او (الوطنية !) في فرض القانون واداء الواجب وتطبيق التعليمات بدأ من تجريم الاغتصاب واستخدام السلاح الى استحصال الضرائب ومنع التدخين في الاماكن العامة . بل تعتمد على قوة القانون وعلى قوة السلطة التي تطبقه ، وفرض القانون لا يعني التوسل بالناس لاحترامه ، بل بتحذيرهم من عواقب خرقه ، جميعا حكاما ومحكومين .
أ.مسلم عباس
هبوط اسعار النفط كان لحظة محورية ادت الى صعود ما يمكن ان نسميه بالتيار الوطني او الرغبة بتغليب الانتماء للوطن على حساب الانتماءات الاخرى، فقد كشفت هذه القضية زيف الاحزاب الحاكمة لا سيما بعدما بدأت دول الجوار باستغلال دعمها للعراق من اجل تمرير اجنداتها ورد المرجعية الدينية على تلك التطاولات كما حدث بالرد على تصريح مستشار الرئيس الايراني علي يونسي الذي وصف بغداد بانها عاصمة الامبراطورية الايرانية.
ورغم دعم المرجعية الدينية للتيار الوطني الا ان سلطة الاحزاب متجذرة بكل مفاصل الدولة واستطاعت وأد كل المحاولات الطامحة لتجاوز السياسات الطائفية.
والمحطة المهمة التي ادت الى تقوية التيار الوطني هي موجة التظاهرات والاعتصامات التي قادها التيار الصدري وقد استثمر التيار الصدري غضب الجماهير على الاحزاب الاسلامية من اجل تحقيق التغيير المنشود عن طريق المطالبة بحكومة عابرة للطوائف والمحاصصة.
والسؤال هنا اين يقف هذا التيار الوطني؟ نقتعد ان التيار الوطني هو اقوى من اي وقت مضى ولكن امامه طريق طويل ليكسب المعركة السياسية، وذلك لعدة اسباب:
اولا: محاولة بعض الكتل السياسية التي استشعرت الخسارة استغلال هذه الرغبة الجماهيرية وتجييرها لصالحها، فضلا عن محاولة كتل اخرى تشتيت الجهود الوطنية باي وسيلة كانت اما من خلال فتح جبهات مواجهة سياسية جانبية او الصاق تهمة المؤامرة وغيرها من الاساليب المعروفة لدى المتابعين للشأن العراقي.
ثانيا: عدم بروز قيادة وطنية خارج اطار الاحزاب الحالية قادرة على جمع كل المكونات العراقية تحت مظلة واحدة. وما يقال عن قدرة التيار الصدري على ذلك هو قراءة غير دقيقة للواقع، فالكتل الخاسرة لا يمكنها السكوت عن تاريخ التيار السابق فصلا عن عدم ثقة جماهير عريضة بنية الصدريين وما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي عن التناقض في التعامل مع النائب عمار طعمة وحاكم الزاملي يشير الى ذلك.
ثالثا: عدم قدرة التيار الوطني على تطيم جدران المحاصصة الحزبية والطائفية والتي كبلت اي مبادرة وطنية تعزيز مفهوم المواطنة.
ومن دون تجاوز هذه المعوقات لا نعتقد بان الطريق معبد امام بناء مشروع الهوية الوطنية العابرة للطائفية.
هنا استرسل عن بدايات صعود التيار الوطني منذ عام ٢٠٠٣ وظهور ملامحه بعد تجاوز العراق لمرحلة الحرب الطائفية ...لكني اعتقد ان هبوط اسعار النفط ادى الى حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة كشفت فشل الاحزاب الاسلامية في تحقيق مشاريع تخدم المواطن وهو ما رجح كفة الاصوات المنادية بالهوية الوطنية العابرة للمكونات
د قحطان حسين:
لا شك ان العراق من البلدان التي تعاني من أزمة انتماء وطني وعدم وضوح في الهوية الوطنية بسبب الاولوية المعطاة للانتماءات الدينية والمذهبية والقومية ...وفي ظل هذه الاجواء فأن مساعي بلورة مواقف وطرح مبادرات تدعو الى تشكيل نواة لجبهة وطنية شاملة لكل المكونات قد تصطدم بعقبات كثيرة اهمها عقبة الفشل السياسي في بداية المشوار لان النجاح يتطلب دعما ومساندة شعبية وبما ان المجتمع منقسم على نفسه ومشتت الى مكونات عدة فانه من الصعب ان يتقبل هكذا فكرة ...والقضية تحتاج الى وقت وجهود جبارة لتوعية المجتمع لا عادة الثقة المتبادلة بين مكوناته وإقناعه بان مصلحته مرتبطة بوحدته.
اضف تعليق