تعهد ترامب، بإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، والحد من البرنامج النووي الإيراني ومواجهة الصين مع تعزيز الجيش الأمريكي. ولكن في السنوات القليلة الماضية، أقام الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين "شراكة بلا حدود، تقدم خلالها بكين لروسيا الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه لدعم حربها في أوكرانيا....

خلال ولايته الأولى في المنصب، طبق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسلوبه الخاص في الدبلوماسية مع خصوم واشنطن، فأعلن صداقته العلنية مع روسيا وكوريا الشمالية بينما مارس على نحو منفصل ضغوطا على الصين وإيران.

هذه المرة يواجه ترامب تحديا من نوع مختلف: مجموعة أكثر اتحادا من خصوم الولايات المتحدة الذين تقاربوا بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.

وتعهد ترامب، الذي تولى منصبه يوم الاثنين، بإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، والحد من البرنامج النووي الإيراني ومواجهة الصين مع تعزيز الجيش الأمريكي.

ولكن في السنوات القليلة الماضية، أقام الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين "شراكة بلا حدود"، تقدم خلالها بكين لروسيا الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه لدعم حربها في أوكرانيا.

واقترح بوتين وشي يوم الثلاثاء تعميق شراكتهما الاستراتيجية بشكل أكبر خلال مكالمة هاتفية طويلة بعد أداء ترامب اليمين رئيسا للولايات المتحدة.

كما وقعت روسيا اتفاقيات استراتيجية مع كوريا الشمالية في يونيو حزيران 2024 ومع إيران يوم الجمعة.

ويقول المحللون إن تجمع أربعة أعداء للولايات المتحدة، والذي وصفه سفير الرئيس السابق جو بايدن في الصين مؤخرا بأنه "تحالف غير مقدس"، يؤدي إلى فقدان الولايات المتحدة وشركائها النفوذ.

وقال دانييل راسل من معهد (آشيا سوسايتي بوليسي إنستيتيوت) ومقره واشنطن، والذي ترأس سياسة شرق آسيا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما "المعضلة التي يواجهها ترامب، الذي عبر عن رغبته في "التوافق مع روسيا" والذي يحاول الضغط على الصين في التجارة، هي أن شراكة موسكو مع بكين تحد من رغبة روسيا في التعامل مع واشنطن وضعف الصين أمام الضغوط الأمريكية".

ونجحت روسيا في الصمود في مواجهة العقوبات الغربية الشديدة إلى حد بعيد بفضل مشتريات الصين الضخمة من النفط الروسي وإمدادات السلع ذات الاستخدام المزدوج التي قالت إدارة بايدن إنها تدعم القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، وهي التهمة التي تنفيها الصين.

وتزود كوريا الشمالية روسيا بالجنود والأسلحة في أوكرانيا وأحرزت تقدما سريعا في برنامجها الصاروخي والنووي. ويخشى الخبراء أن تتمكن إيران من استئناف جهودها لصنع سلاح نووي على الرغم من إضعافها بسبب هجوم إسرائيل على وكلائها الإقليميين.

ويقر أعضاء الإدارة الجديدة بالتحدي.

وقال مايك والتز، مستشار الأمن القومي الجديد في مقابلة مع فوكس نيوز في نوفمبر تشرين الثاني "الصين تشتري النفط من إيران بثمن بخس، وطهران تستخدم هذه الأموال لإرسال الصواريخ والطائرات المسيرة إلى روسيا، ثم تضرب البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا".

وفي جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الصين بأنها أخطر تهديد تواجهه الولايات المتحدة واتهم موسكو وطهران وبيونجيانج ببث "الفوضى وعدم الاستقرار".

قال زاك كوبر، وهو زميل كبير يركز على آسيا في معهد أمريكان إنتربرايز، إنه يعتقد أن فريق ترامب "سيحاول إبعاد الدول عن الصين".

وأضاف "يريدون على ما يبدو إبعاد روسيا وكوريا الشمالية وإيران عن الصين، وهذا يعني التمييز بين هذه التهديدات بدلا من الإشارة إلى أنها مترابطة. لذا فإن الدفع نحو التوصل إلى اتفاق مع بيونجيانج وآخر مع موسكو يبدو لي الأكثر ترجيحا".

غير أن إحداث انقسام بين الشركاء لن يكون سهلا.

وقال مايكل فورمان، الذي كان ممثلا تجاريا خدم في إدارة أوباما وهو الآن رئيس مؤسسة مجلس العلاقات الخارجية البحثية، إن كوريا الشمالية قد يكون لديها حافز أقل للتعامل مباشرة مع الولايات المتحدة.

وبينما اعتقد ترامب خلال فترة ولايته الأولى أنه يمكنه التوصل إلى اتفاق مع بيونجيانج، قال فورمان إنه من غير الواضح ما إذا كانت كوريا الشمالية لديها مصلحة في التعامل مع الولايات المتحدة الآن بعد أن حصلت على دعم أوسع من روسيا والصين.

وعقد ترامب قمما لم يسبق لها مثيل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون خلال فترة ولايته الأولى ويروج لعلاقتهما. ويناقش فريق ترامب مرة أخرى استئناف المحادثات المباشرة مع كيم.

وبدأ بعض التصدع يظهر في علاقات حلف أعداء الولايات المتحدة.

فقد تساءل روبرت وود نائب السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة في عهد بايدن عما إذا كانت طهران يمكن أن تعتمد على موسكو للمساعدة، مشيرا إلى عدم وجود دعم روسي لحليفها الرئيس السوري السابق بشار الأسد، قبل وقت قصير من الإطاحة به.

وأضاف وود "لو كنت مكان إيران ونظرت إلى كيف تخلت روسيا عن الأسد، فسأكون قلقا للغاية".

وفيما يتعلق بإيران، من المرجح على ما يبدو أن يعود ترامب إلى السياسة التي انتهجها في ولايته السابقة والتي سعت إلى تدمير اقتصادها لإجبار طهران على التفاوض على اتفاق بشأن برنامجها النووي والصاروخي وأنشطتها في الشرق الأوسط.

وقال وود إن كل هذه الجهود ستكون أسهل إذا ركزت الإدارة الجديدة على تعزيز التحالفات الأمريكية، وهي أحد الأصول الأمريكية التي قلل ترامب من أهميتها خلال ولايته الأولى.

وأضاف في إشارة إلى الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية "إننا نحاول تقسيمها حيثما نستطيع. ومن الأهمية بمكان أن نمتلك هذا النوع من التحالفات ونعتمد عليه، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تواجه كل هذه الأطراف بمفردها".

الصين بمواجهة دونالد ترامب

أكدت الصين مرة جديدة الثلاثاء دعمها لاتفاقية باريس حول المناخ ولمنظمة الصحة العالمية، بعد سحب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الولايات المتحدة منهما فور تنصيبه الإثنين.

وسئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن قرارات ترامب فأعرب عن “قلق” بكين حيالها مؤكدا مرة جديدة التزام بلاده بالتعاون الدولي.

وقال غوو جياكون خلال مؤتمر صحافي إنه “من الواجب تعزيز دور منظمة الصحة العالمية وليس إضعافه” مؤكدا أن “الصين ستدعم كما فعلت على الدوام منظمة الصحة العالمية للاضطلاع بمسؤولياتها” والعمل من أجل “صحة البشرية”.

كما أعرب غوو عن “قلق” بلاده بعدما أمر ترامب بالانسحاب للمرة الثانية من اتفاقية باريس للمناخ، في خطوة تشكل تحديا للجهود الدولية المبذولة لمكافحة ظاهرة الاحترار.

وعلق مشددا على أن “التغير المناخي تحد مشترك تواجهه البشرية أجمع، ولا يمكن لأي بلد أن يبقى بمنأى عن المشكلة أو أن يحلها وحده”.

وبذلك تكرر الصين الموقف الذي اتخذته عند سحب ترامب بلاده من اتفاقية باريس خلال ولايته الأولى، حين أبقت على التزامها بالوثيقة وبأهدافها البعيدة المدى

ورأى مارك جوليان مدير مركز آسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن بكين تسعى اليوم مثلما فعلت عام 2017 “لاغتنام فك أميركا ارتباطها بالمنظمات والاتفاقيات الدولية، لتقدم نفسها كجهة فاعلة مسؤولة يمكن توقع ردود فعلها في العلاقات الدولية”.

كما تستعد الصين لمواجهة عودة محتملة للتوتر التجاري مع واشنطن الذي ساد خلال ولاية ترامب الأولى.

قام الرئيس الأميركي آنذاك بفرض رسوم جمركية مشددة على الواردات الصينية متهما بكين باعتماد ممارسات تجارية غير نزيهة، وأبقى خلفه جو بايدن على القسم الأكبر من هذه التدابير.

وتوعد ترامب خلال حملته الانتخابية العام الماضي بزيادة الرسوم الجمركية مجددا على المنتجات الصينية، ما سيسدد ضربة قاسية للاقتصاد الصيني الذي ما زال يعول بشدة على الصادرات لتعزيز نموه.

وحذر نائب رئس الوزراء الصيني دينغ شويشيانغ الثلاثاء لدى مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا من أن “لا رابح في الحروب التجارية”، مؤكدا أن “الحمائية لا تقود إلى مكان”.

كما علق غوو على هذه المسألة مؤكدا أن بلاده “على استعداد لتعزيز الحوار والتواصل مع الولايات المتحدة والتعامل بالصورة المناسبة مع الاختلافات وتوسيع التعاون المتبادل”.

وأضاف أن بلاده “تأمل أن تعمل الولايات المتحدة مع الصين لتشجعا معا النمو … المستقر للعلاقات الاقتصادية والتجارية” بينهما.

وإذ أقر بوجود “خلافات واحتكاكات” بين البلدين، شدد على أن “المصالح المشتركة ومجالات التعاون بين البلدين هائلة”.

وأخيرا، نددت الصين بشدة بقرار ترامب بموجب أحد مراسيمه الإثنين إعادة إدراج كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد أيام على شطب سلفه جو بايدن هذا البلد عنها في إطار اتفاق لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

ورأى المتحدث أن هذا القرار “يخالف الوقائع” و”يكشف تماما عن وجه الولايات المتحدة المتسلط والمتنمر”.

وأضاف “خلال أيام قليلة، أزيلت كوبا عن القائمة المزعومة، ثم أعيدت إليها، وكأنها مسألة عرضية” معتبرا أن ذلك يثير شكوكا حول “مصداقية” واشنطن.

والصين من كبار حلفاء كوبا السياسيين إلى جانب روسيا وفنزويلا، وترتبط بهذا البلد بشراكة وثيقة في الاقتصاد والسياسة والثقافة.

وشهدت العلاقات بين بكين وواشنطن حيال هذا الملف توترا في حزيران/يونيو 2023 حين أوردت عدة وسائل إعلام أميركية أن بكين تعتزم إقامة قاعدة تجسس في كوبا قبالة سواحل جنوب شرق الولايات المتحدة، وهو ما نفته الصين.

وبعد أيام قال مسؤول في البيت الأبيض إن الصين تدير منشأة تجسس في كوبا منذ سنوات.

 وقال المتحدث الصيني إن “بكين تحض مجددا الولايات المتحدة على رفع حصارها التام عن كوبا بصورة سريعة وسحبها عن قائمة الدول الداعمة للإرهاب واتخاذ تدابير ملموسة لتحسين العلاقات بين واشنطن وهافانا”.

أما بالنسبة لتطبيق تيك توك الذي حدد له ترامب مهلة 75 يوما للعثور على مشتر غير صيني في الولايات المتحدة مانحا المنصة الصينية مهلة هي بأمس الحاجة إليها، فقال غوو إن بلاده تأمل أن توفر واشنطن بيئة أعمال عادلة للشركات الصينية.

الصينيون لا ينتظرون الكثير

يقول العديد من الصينيين حين يُسألون عن رأيهم في عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إنهم لا ينتظرون الكثير من ولايته الثانية معتبرين أن “الخلافات لا يمكن تفاديها”، في وقت تدخل العلاقات الثنائية عهدا جديدا من الضبابية.

لطالما حمّل ترامب الصين المسؤولية عن مجموعة من المشاكل الاجتماعية التي تعانيها بلاده وتعهّد اتباع نهج متشدد حيال بكين مع عودته إلى البيت الأبيض.

لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه منفتح على عقد محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي لطالما عبّر علنا عن إعجابه به. وتحدث الزعيمان هاتفيا الجمعة وتعهّدا تحسين العلاقات.

يقول سكان في العاصمة الصينية إنهم يتوقعون من ترامب المعروف بمزاجيته البقاء على نهج ولايته الأولى.

وقال جانغ يو (44 عاما) “بداية، إنه يتحدث عن أميركا أولا. كما أنه خاض حربا تجارية مع الصين. هذان الأمران هما اللذان بقيا محفورين في ذاكرتي”.

وأضاف جانغ الذي يعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات من خارج مطعم ماكدونالدز وسط بكين “بالطبع، نأمل كصينيين بأن تكون الصين أولا”.

وأكد لفرانس برس “إنه يخوض (حروبا تجارية) منذ سنوات لكن الأمر لم يأت قط بأي منفعة على أي البلدين أو على العالم”.

وتابع “أشعر شخصيا بأنه سيكون من الأفضل التعاون مع الجميع بلا تأخير”.

وقبيل عودته إلى البيت الأبيض، تعهّد ترامب زيادة الرسوم أكثر، ليفاقم قلق ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.

واجهت بكين صعوبة في دعم الاستهلاك في اقتصاد يعاني من التباطؤ ولطالما اعتمد على الصادرات لتحقيق نمو ثابت.

الاتحاد الأوروبي يعتمد البراغماتية مع ترامب

عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية الثلاثاء في دافوس عن توجه أوروبا للبحث عن حلفاء جدد واعتماد البراغماتية في التعامل مع دونالد ترامب في مقابل انتهاج سياسة اليد الممدودة مع الصين التي حذّرت بدورها من حروب تجارية “لا منتصر فيها”.

وقالت أورسولا فون دير لايين التي ألقت إحدى الكلمات الافتتاحية في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع التزلج السويسري إن “أولويتنا القصوى ستكون الدخول في حوار بدون تأخير لاستشراف مصالحنا المشتركة والاستعداد للتفاوض” مشددة على أن الكتلة ستدافع عن “مصالحها” و”قيمها”.

وأكدت أن الاتحاد الأوروبي سيتعامل “ببراغماتية” مع الولايات المتحدة “لكننا لن نتخلى عن مبادئنا لحماية مصالحنا والدفاع عن قيمنا”.

وفي حين وقع الرئيس الأميركي الجديد أمر انسحاب الولايات المتحدة مجددا من اتفاق باريس للمناخ، أكدت أورسولا فون دير لايين التي لم تسمِّ ترامب بالاسم ولا نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ الذي خلفها على المنصة، أن أوروبا ستواصل نهجها، مشددة على أن هذا الاتفاق “يظل أفضل أمل للبشرية جمعاء”.

وبانتظار معرفة كيف ستتطور العلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد الذي سيتحدث عبر دائرة الفيديو في دافوس الخميس، أعلنت فون دير لايين الموقف الأوروبي.

وقالت “ستستمر أوروبا في الدعوة إلى التعاون، ليس فقط مع أصدقائنا القدامى الذين يشاركوننا قيمنا، بل وأيضا مع جميع البلدان التي لدينا مصالح مشتركة معها. ورسالتنا إلى باقي العالم بسيطة: نحن مستعدون للدخول في حوار معكم إذا كان لذلك منافع متبادلة”.

وأكدت أن الاتحاد الأوروبي مستعد خصوصا “لمد اليد” إلى الصين و”تعميق” علاقاته مع بكين.

وقالت “أعتقد أن الأوان قد حان لإعادة التوازن لعلاقاتنا مع الصين بمبدأ الإنصاف والمعاملة بالمثل”.

كذلك، أعلنت فون دير لايين زيارة إلى الهند بهدف “تعزيز الشراكة الاستراتيجية” التي تربط الاتحاد الأوروبي بأكبر دولة من حيث عدد السكان وأكبر ديموقراطية في العالم.

وفي رسالة على منصة اكس الاثنين، أكدت فون دير لايين أن الهدف من المشاركة في دافوس هو “إقامة شراكات جديدة” و”العمل معا لتجنب سباق عالمي محموم”.

وخلفها على المنصة في دافوس المستشار الألماني أولاف شولتس الذي دعا إلى “الدفاع عن التبادل الحر، ركيزة الازدهار” في وجه مبدأ “العزلة” التجارية التي “تضر بالازدهار”.

والأوروبيون هم الأكثر قلقا من ولاية ترامب الرئاسية الثانية ويجدون أنفسهم “وحيدين” إزاء هذا الوضع، وفق تقرير حديث صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR) إثر استطلاع شمل أكثر من 28 ألف شخص في 24 دولة في العالم.

ويحذر المجلس الأوروبي من أن “القادة الأوروبيين قد يجدون صعوبة في الوقوف موحدين أو إيجاد حلفاء حول العالم إذا حاولوا تشكيل جبهة مقاومة” للرئيس الجديد.

أما نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ الذي تولى الكلام في دافوس، فهو لم يردّ مباشرة على دعوات أورسولا فون دير لايين. لكنه دعا في خطابه إلى الدفاع عن نهج متعدّد الأطراف، مع التشديد على ضرورة “حلّ النزاعات والخلافات بالحوار”.

وصرّح أن “الحمائية لا تجدي أيّ نفع وما من منتصر في الحروب التجارية”.

والعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين هي بدورها متوتّرة، مع تزايد المنازعات بين الطرفين. ولعلّ أبرز التدابير المتخّذة في هذا الخصوص فرض بروكسل العام الماضي ضرائب إضافية على المركبات المصنّعة في الصين.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي والصين يخشيان تداعيات النهج الانعزالي لترامب الذي يرفع شعار “أميركا أوّلا”، فإن قرارات الرئيس الأميركي الجديد ستؤثّر من دون شكّ إلى حدّ بعيد على أوكرانيا التي تناهز الحرب فيها عامها الثالث.

وبينما تقدم واشنطن الدعم العسكري والاقتصادي الحيوي لكييف، انتقد دونالد ترامب المساعدات وتعهد حل النزاع بسرعة. لكن بأي شروط؟ وتخشى الحكومة الأوكرانية أن يُفرض عليها تقديم تنازلات كبيرة.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي الثلاثاء من دافوس “نحن بحاجة إلى سياسة أوروبية في مجال الأمن والدفاع تكون موحّدة”، مشدّدا على ضرورة أن “تعرف أوروبا كيف تدافع عن نفسها لوحدها” وواصفا الولايات المتحدة في الوقت عينه بـ”الحليف الذي لا غنى عنه”.

ترامب قد يسحق أوروبا

واعتبرت المسؤولة الكبيرة في البنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل أنّ اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة أمر “محتمل جدا” في ظل رئاسة دونالد ترامب، محذّرة من أن هذا الأمر ستكون له عواقب سلبية على الحركة والأسعار. 

وقالت شنابل العضو في المجلس التنفيذي للبنك في مقابلة على قناة يوتيوب التابعة لموقع الاستشارات المالية الألماني “فينانزتيب” Finanztip إنّ الرسوم الجمركية “كانت محورية في تصريحات دونالد ترامب” وبالتالي “من المرجح جدا أن تندلع حرب تجارية”.

وهدّد ترامب بفرض تعريفات جمركية على منطقة اليورو، وخصوصا ألمانيا التي تتمتع بأعلى فائض تجاري مع الولايات المتحدة. 

وبالنسبة لمنطقة اليورو، فإن رفع التعريفات الجمركية قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وخصوصا إذا ردّت أوروبا بإجراءات انتقامية، ما سيفضي إلى “زيادة أسعار الواردات”، بحسب ما أكدت شنابل. 

وحذرت المسؤولة المصرفية من أنّ حالة عدم اليقين الحالية تشكل في الأمد القريب “سمّا للاقتصاد” إذ تؤدي إلى انكماش الاستهلاك والاستثمار.

وقالت إنّ الرسوم الجمركية تؤدي عموما إلى تراجع الرفاهية في العالم.

وأضافت أنه في حين حققت العولمة ثروات كبيرة لأوروبا “ربما يتعين علينا حاليا الاستعداد لرؤية تراجع بعض هذه المكاسب على الأقل”. 

بدوره حذر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو من أن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد “يُسحقان” بسبب السياسة المعلنة لدونالد ترامب، إذا لم يتحركا.

وأضاف بايرو أن “الولايات المتحدة قررت اتباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات”.

 وأضاف “إذا لم نفعل شيئا، فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق والتهميش.. والأمر مناط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين لاستعادة زمام الأمور”.

وقال بايرو أمام موظفي بلدية بو التي يترأسها، في جنوب شرق فرنسا، إن “تنصيب دونالد ترامب يضعنا أمام مسؤولياتنا”. 

وأشار كذلك إلى “قوة الصين” التي تجاوز فائضها التجاري في كانون الأول/ديسمبر حاجز الألف مليار دولار. وقال “إن فرنسا وأوروبا تواجهان اليوم تحديين”، أميركي وصيني.

قلق في أوساط الأمم الممتحدة

تثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مخاوف كبيرة في أوساط الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها التي تخشى أن يهزّ الرئيس الأميركي الجديد أركان منظومة متهالكة أصلا.

وخلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب (2017-2021)، خفّضت الولايات المتحدة مساهماتها المالية في عمليات الأمم المتحدة ووكالاتها وانسحبت من مجلس حقوق الإنسان ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومن اتفاق باريس حول المناخ وباشرت إجراءات الانسحاب من منظمة الصحة العالمية.

وقد اتُّخذت التدابير الأكثر شدّة وقتذاك، لكن هذه المرّة من المرتقب أن تسير الأمور بوتيرة أسرع، وفق عدّة خبراء.

واعتبر ريتشارد غوان من مجموعة “International Crisis Group” أن ترامب “سيتخلّى على الأرجح عن الاتفاقات والوكالات الأممية بلا حرج كبير”.

ويتوقّع خبراء كثيرون تخفيضا شديدا في الاشتراكات المالية للأمم المتحدة التي تعدّ أكبر مساهم في منظومة الأمم المتحدة.

وفي المنظومة الأممية، يحرص مسؤولون على التشديد على أهمّية الشراكة الأميركية. وقال ستيفان دوجاريك الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن “التعاون بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة ركيزة أساسية من ركائز العلاقات الدولية والمنظومة الأممية”.

غير أن هذا التقدير ليس دائما متبادلا بين الطرفين.

وترى النائبة الأميركية إليز ستيفانيك التي اختارها ترامب سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في إدارته الجديدة ان المنظومة “مؤسسة فاسدة ومحتضرة ومشلولة”.

ويخشى بعض المحلّلين أن تعتمد الإدارة الجمهورية قانونا ينصّ على انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة.

غير أن جوسي هانهيماكي أستاذ التاريخ الدولي في معهد “Graduate Institute” في جنيف يخفّف من وطأة هذا الخطر، معتبرا أن واشنطن لا ترغب في تسليم نفوذها للصين.

ويشير إلى أن “فرضية الانسحاب الكامل غير مرجّحة كثيرا”، خصوصا أنه خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب، باتت بكين وحلفاؤها أكثر حضورا في المنظمات التي تخلّى عنها الأميركيون في جنيف، على غرار مجلس حقوق الإنسان.

وكشفت سفيرة الولايات المتحدة المنتهية ولايتها لدى منظمة الأمم المتحدة في جنيف شيبا كروكر في تصريحات لوكالة فرانس برس أن “البعض من حلفائنا الاستراتيجيين استثمروا بكثافة للترويج لمصالحهم في جنيف، لذا أظنّ أن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة ومن مصلحتنا القيام بذلك”.

وأخذ الرئيس الأميركي جو بايدن زمام المبادرة العام الماضي وأحجم عن تقديم ترشيح بلده لولاية ثانية متتالية في مجلس حقوق الإنسان، في مسعى إلى تفادي انسحاب مدوّ جديد في عهد ترامب.

وقد تواجه منظمة التجارة العالمية من جهتها أوقاتا عصيبة في ظلّ تلويح ترامب بفرض رسوم جمركية قبل حتّى تولّيه الرئاسة، وفق قول هانهيماكي.

طهران تأمل بعقلانية ترامب وواقعيته

قال نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف يوم الأربعاء إن إيران تأمل في أن يختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “العقلانية” في تعامله مع الجمهورية الإسلامية، مضيفا أن طهران لم تسع قط إلى امتلاك أسلحة نووية.

وأضاف في كلمة بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا أن إيران لا تشكل تهديدا أمنيا للعالم.

وأبدى جواد ظريف أمله في أن يكون ترامب “أكثر جدية وأكثر تركيزا وواقعية” خلال ولايته الثانية.

وتعهد ترامب بالعودة إلى السياسة التي انتهجها في ولايته الأولى والتي سعت إلى استخدام الضغوط الاقتصادية لإجبار طهران على التفاوض على اتفاق بشأن برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية وممارساتها الإقليمية.

وتزايدت المخاوف بين كبار صناع القرار في طهران من أن ترامب قد يسمح خلال ولايته الثانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرب المواقع النووية الإيرانية بالتزامن مع تشديد العقوبات الأمريكية على صناعة النفط في البلاد.

وقد تُضطر طهران نتيجة لتلك المخاوف، فضلا عن تزايد السخط في الداخل بسبب المصاعب الاقتصادية، إلى الانخراط في مفاوضات مع إدارة ترامب بشأن برنامجها النووي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران تأمل في أن تتبنى الحكومة الأميركية الجديدة نهجا “واقعيا” تجاه طهران، وقال إسماعيل بقائي للصحافيين “نأمل أن تكون توجهات وسياسات الحكومة الأميركية (المقبلة) واقعية ومبنية على احترام مصالح … دول المنطقة، بما في ذلك الأمة الإيرانية”. 

وتدافع طهران التي أعربت عن رغبتها في استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق، عن حقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض المدنية وتنفي رغبتها في امتلاك أسلحة ذرية.

ينتهي العمل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين، في تشرين الأول/أكتوبر 2025.

وناقشت الدول الأوروبية الثلاث في كانون الأول/ديسمبر الماضي احتمال استخدام آلية إعادة فرض العقوبات على إيران “لمنعها من امتلاك السلاح النوي”.

وقال بقائي “إذا تم استخدام هذه الآلية على نحو تعسفي للضغط على إيران أو الحصول على تنازلات، فإن ردنا سيكون بالمثل وسيكون متناسباً”. 

وأضاف “لقد أوضحت إيران أنه في هذه الحالة لن يكون هناك سبب للبقاء في اتفاقات معينة”، متحدثا عن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. 

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية كاظم غريب آبادي إن بلاده سوف “تنسحب” من المعاهدة إذا قرر الغرب إعادة فرض العقوبات عليها. 

تفرض معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية على الدول الموقعة عليها الإعلان عن مخزونها من المواد النووية وإخضاعها لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق