المشاريع الثقافية تحتاج إلى نفس مواصفات القادة في المشاريع المادية، إذا لابد من وجود عقلية مثقفة يمكنها قيادة العمل الطوعي الثقافي الذي يتمدد في اتجاهات ومحاور الطبقة الأوسع لكي تنتشر الثقافة بين أفرادها وبالتالي نشر الأفكار والقيم والمبادئ والأهم من هذا كله، انتشار السلوك الناجح بين هؤلاء الأفراد...
يندرج هذا المقال في إطار سلسلة من المقالات حول الثقافة الأفقية، والهدف من هذه السلسلة كيف يمكن أن نسمو بثقافة الطبقة الأوسع من المجتمع، والثقافة هنا ليست المعلومات الفكرية والحضارية والأدبية والفلسفية التي يتميز بها مجتمع ما عن المجتمعات الأخرى، وإنما المقصود كيف يحوّل المجتمع ذلك المتراكم الثقافي إلى منهج سلوك متقدم في الحياة.
لهذا حاولت شخصيا أن أطوّر بعض الأفكار التي تفتح لي نوافذ تتحرك نحو مشاريع طوعية في المجال الثقافي، والهدف منها أن نرتفع بالمستوى الثقافية وطبيعة التفكير ومنهج السلوك للطبقة الأوسع في المجتمع العراقي ونعني بها، طبقة الشباب بالدرجة الأولى.
فإذا تثقّفت شريحة الشباب تثقيفا جيدا، سوف ينعكس هذا على طرائق التفكير، ومن ثم على منهج السلوك الشبابي، وبالتالي سوف يكون هناك تمدّد لهذا المنهج السلوكي نحو الشرائح الأخرى، لهذا نحن نسعى أن نفكر بمشاريع ثقافية طوعية الهدف منها نشر الثقافة الفعلية إلى أوسع مدى ممكن بدءا بالشباب، ومن ثم الانتقال إلى الشرائح الأخرى.
في المجالات العملية والبنائية المادية، عادة ما تكون المشاريع ذات منحى مادي مثل بناء المدارس والمؤسسات الخيرية ودور الأيتام والجوامع وغيرها، أما المشاريع الثقافية الطوعية فهي ليست بناء مادي ملحوظ، وإنما هي بناء فكري تثقيفي معنوي، ولكن في نفس يحتاج هذا النوع من المشاريع إلى أشخاص يحملون إرادات قوية، صبورة، تحمل عقولا ذات نظرة استراتيجية بعيدة المدى.
لا فائدة من الثقافة المجردة
فالمشروع الطوعي الملموس أو المادي يحتاج أولا لقائد هذا المشروع، ولتحلي هذا القائد بالإخلاص وقوة الإرادة والإقناع والمثابرة والصبر، مع تحليه بالشخصية المؤثرة بالآخرين، مثل هذه الشخصيات يمكنها أن تقود المشاريع الطوعية العملية وتنجح فيها.
المشاريع الثقافية تحتاج إلى نفس مواصفات القادة في المشاريع المادية، إذا لابد من وجود عقلية مثقفة يمكنها قيادة العمل الطوعي الثقافي الذي يتمدد في اتجاهات ومحاور الطبقة الأوسع لكي تنتشر الثقافة بين أفرادها وبالتالي نشر الأفكار والقيم والمبادئ والأهم من هذا كله، انتشار السلوك الناجح بين هؤلاء الأفراد.
فالثقافة يجب أن تتحول إلى فعل، ويجب أن تتجسد في مشاريع يكون لها مخرجات ملموسة من قبل الناس والمجتمع كله، وإلا لا توجد فائدة من الثقافة المجردة، ولا من الأفكار التي تبقى تدور في رأس الإنسان ولا تهبط إلى الواقع.
على المستوى العملي قمنا فعلا بتكوين مشغل ثقافي أدبي سردي يقوم أساسا على العمل الطوعي، ويمكن أنعدّه من المشاريع الثقافية الطوعية، حددنا أولا أهداف هذا المشغل، ومن ثم بدأنا نناقش الرؤى المطروحة من الأعضاء الذين يتشكل منهم هذا المشغل.
الارتقاء بالثقافة الأفقية
صرنا نلتقي ونجتمع في لقاءات دورية منتظمة أسبوعية، وفي كل لقاء نطرح الخطط والأفكار التي تطور مشروعنا الثقافي الطوعي، نحن في الحقيقة نريد أن ننشر الأفكار المختلفة عبر هذا المشروع، نريد أن نعلم الشباب (بنين وبنات)، كيفية تطوير علاقتهم مع الآداب، كيف يحبون اللغة ويتعاملون معها بمحبة واحترام وشغف.
نأمل أن نفتتح في هذا المشروع دورات للشباب، يتعلمون فيها كيفية كتابة الرواية، والقصة والقصيدة، وتطوير الأفكار التي يحصل عليها من خلال تأملاته الشخصية في الحياة وفيما يطلع عليه في الكتب ومواقع التواصل المختلفة والفنون والأفلام وسواها.
الإطار العام لمشروعنا الثقافي مطروح ومعدّ، والكادر موجود أيضا، وحين نطرح هذا النموذج فإننا نعلم بيقين تام، أن المجتمع الكبير وشريحة الشباب الواسعة، والفقر الكبير الذي يطال الثقافة الأفقية، لن يفي حقّه مثل هذا المشروع إذا بقي وحيدا، بل يمكن أن يكون نموذجا لمشاريع ثقافية أخرى، يكون الهدف منها الارتقاء بالثقافة الأفقية إلى الأعلى والأغنى دائما.
في خلاصة ما نريد أن نصل إليه، نحن نأمل أن يفكر المثقفون والمفكرون في إطلاق مشاريع ثقافية طوعية هدفها نشر الأفكار والقيم الحيوية بين الشباب، وأن لا يتردد القادرون على تقديم خبراتهم للشباب أو غيرهم في هذا المجال. كما أننا نناشد الناس الموسَّرين الأغنياء ماديا أن يكون دورهم في رعاية المشاريع الثقافية الطوعية حاضرا وقويا، فالهدف خيري واضح، والمردود منه سيعود بالربح المعنوي على من يشارك فيه ويدعمه.
فالذي يشارك في دعم المشاريع الثقافية الطوعية، هو في الحقيقة يدعم المجتمع الذي يعيش فيه هو أطفاله، لكي يكون مجتمعا حيويا مثقفا ومتطورا.
اضف تعليق