تستعد القيادة الإيرانية وحلفاؤها لما يعتبرونه نتيجة مروعة للانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة، وهي عودة دونالد ترامب إلى السلطة. وبصفته رئيسا جمهوريا، قد يمنح ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي مزيدا من الحرية في التعامل مع النزاعات التي لا تزال مستعرة في قطاع غزة ولبنان. وهو المرشح الذي سيخدم مصالح إسرائيل...

أظهرت أحدث استطلاعات للرأي أن مرشح الحزب الجمهوري ترامب تمكن من أن يقلص إلى حد بعيد التقدم المبكر الذي كانت تتمتع به منافسته مرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس كاملا هاريس. هذا التقدم اثار الكثير من القلق في العالم خصوصا في الشرق الأوسط وبالذات ايران وحلفاؤها، لكنه اعطى أملا لنتنياهو وحلفائه من المستوطنين الذين يرون أن ترامب هو المرشح الذي سيخدم مصالح إسرائيل على أفضل وجه.

حيث تستعد القيادة الإيرانية وحلفاؤها لما يعتبرونه نتيجة مروعة للانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة، وهي عودة دونالد ترامب إلى السلطة.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المنافسة لا تزال متقاربة بين الجمهوري ترامب والديمقراطية كامالا هاريس. لكن قادة إيران وحلفاءهم في لبنان والعراق واليمن يشعرون بالقلق من احتمال فوز ترامب في انتخابات الخامس من نوفمبر تشرين الثاني مما قد يزيد معاناتهم.

ويقول مسؤولون إيرانيون وعرب وغربيون إن مبعث القلق الرئيسي لدى إيران يتمثل في احتمال أن يُمكن ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ضرب مواقع نووية إيرانية واغتيال أشخاص بعينهم وإعادة “سياسة أقصى درجات الضغط” من خلال تشديد العقوبات على قطاع النفط.

ويتوقع المحللون أن ترامب، الذي تولى الرئاسة في الفترة بين عامي 2017 و2021، سيمارس أقصى درجات الضغط على الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي للاستسلام وقبول اتفاق يقوض البرنامج النووي الإيراني بشروط يحددها هو وإسرائيل.

وقد يكون لهذا التغيير المحتمل في القيادة الأمريكية آثار بعيدة المدى على توازن القوى في الشرق الأوسط وربما يعيد تشكيل السياسة الخارجية لإيران ومستقبل اقتصادها.

ويرى محللون أنه سواء كانت الإدارة الأمريكية المقبلة بقيادة هاريس أو ترامب، ستفتقر إيران إلى النفوذ الذي كانت تتمتع به ذات يوم بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية التي بدأت قبل عام لإضعاف حلفاء إيران المسلحين، ومن بينهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وجماعة حزب الله في لبنان.

وأضاف المحللون أن من المتوقع أن يسبب موقف ترامب ضررا أكبر لإيران بسبب دعمه الذاتي التلقائي لإسرائيل.

وذكر عبد العزيز الصغير رئيس مركز الخليج للأبحاث أن “ترامب إما أنه سيضع شروطا صعبة جدا على إيران أو سيسمح لإسرائيل بشن ضربات محددة على منشآتها النووية. فهو مؤيد تماما للعمل العسكري ضد إيران”.

وقال لرويترز “يوم الأحلام بالنسبة لنتنياهو هو اليوم الذي يعود فيه ترامب إلى البيت الأبيض”.

كأس مسمومة؟

قال مسؤول إيراني بارز رفض الكشف عن هويته لرويترز إن طهران “مستعدة لكل الاحتمالات. وجدنا دوما (لعقود) طرقا لتصدير النفط، وتخطي العقوبات الأمريكية القاسية… وعززنا علاقاتنا مع بقية العالم بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض”.

لكن مسؤولا إيرانيا آخر قال إن فوز ترامب سيكون “كابوسا. (لأن ترامب) سيزيد الضغط على إيران لإرضاء إسرائيل… وسيتأكد من تطبيق العقوبات النفطية بالكامل. وإذا حدث هذا، فستصاب مؤسستنا بالشلل الاقتصادي”.

وفي كلمة أثناء حملته الانتخابية في أكتوبر تشرين الأول، قال ترامب إنه لا يرغب في خوض حرب مع إيران، لكنه قال إن إسرائيل يجب أن “تضرب البرنامج النووي الإيراني أولا، ثم تهتم بالباقي لاحقا”، ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر تشرين الأول.

وردت إسرائيل بضربات جوية على أهداف عسكرية إيرانية، وخاصة مواقع إنتاج الصواريخ، في 26 أكتوبر تشرين الأول.

ويقول محللون إن خيارات إيران محدودة في المستقبل.

وقال حسن حسن، وهو مؤلف وباحث في الجماعات الإسلامية “الحقيقة هي أن ترامب سيدعم نتنياهو ويوافق له على أي شيء يريد فعله… ترامب أسوأ بكثير (من هاريس) بالنسبة لإيران”.

وأشار حسن إلى أن واشنطن أعطت لإسرائيل قدرا كبيرا من المسؤولية في الصراع مع إيران ووكلائها، مع تصدر إسرائيل المشهد. وأضاف “الولايات المتحدة متورطة بما يكفي بدعمها لإسرائيل، ربما أكثر من ذي قبل”.

ومضى يقول “هذه المرة الأمور سيئة حقا بالنسبة لإيران. فالجمهوريون والديمقراطيون على السواء ينظرون لإيران على أنها مشكلة”.

وفي مسار حملتها، وصفت هاريس إيران بأنها قوة “خطيرة” و”مزعزعة للاستقرار” في الشرق الأوسط، وقالت إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل. وقالت أيضا إن واشنطن ستعمل مع حلفائها للتصدي “للسلوك العدواني” الإيراني.

وقال مسؤولون إقليميون إن إعادة انتخاب ترامب ستكون “كأسا مسمومة” لخامنئي.

فإذا أعاد ترامب فرض العقوبات الخانقة، سيضطر خامنئي إلى التفاوض وقبول اتفاق نووي أكثر ملاءمة لشروط الولايات المتحدة وإسرائيل للحفاظ على الحكم الديني في إيران التي تواجه ضغوطا أجنبية متزايدة وشهدت موجات من الاحتجاجات الجماهيرية في الداخل في السنوات القليلة الماضية.

ويواجه خامنئي تحديا كبيرا أيضا تمثله اتفاقية دفاع أمريكية سعودية ترتبط بإقامة الرياض علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وهذه الاتفاقية في مراحل التفاوض النهائية الآن.

ويهدد هذا التحالف بتغيير توازن القوى الإقليمي من خلال بناء جبهة موحدة ضد إيران تضر بمكانتها الجيوسياسية واستراتيجيتها في الشرق الأوسط.

وقال الباحث حسن إن أحدث الهجمات على إيران والجماعات المتحالفة معها يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها نجاح كبير لإسرائيل. فقد أتاحت نظرات معمقة لما قد تبدو عليه ضربة محدودة لإيران، مما يشكل سابقة ويغير الافتراضات القائمة على تصور أن اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران من شأنه أن يشعل حتما حربا أوسع في الشرق الأوسط.

وقال مسؤول أمني عربي كبير إن طهران “لم تعد قادرة على التلويح بنفوذها من خلال وكلائها المسلحين” بعد الضربات الإسرائيلية التي قتلت قادة حزب الله وحماس.

ومن جانبها فإن إيران لديها كل الأسباب التي تدعو للخوف من ولاية أخرى لترامب.

وكان ترامب هو الذي أعلن في عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 مع القوى العالمية، وأمر بقتل قاسم سليماني، اليد اليمنى لخامنئي والعقل المدبر للهجمات الخارجية على مصالح أمريكا وحلفائها.

كما فرض ترامب عقوبات تستهدف عائدات صادرات النفط والمعاملات المصرفية الدولية لإيران، مما أدى إلى صعوبات اقتصادية شديدة وتفاقم السخط الشعبي في الجمهورية الإسلامية.

وقال ترامب مرارا خلال حملته الانتخابية إن سياسة الرئيس جو بايدن بعدم فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن وجرأت طهران، إذ سمحت لها ببيع النفط وجمع الأموال وتوسيع مساعيها النووية ونفوذها من خلال الجماعات المسلحة.

وفي مارس آذار قال ترامب في مقابلة مع صحيفة هايوم الإسرائيلية إن إيران يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا في غضون 35 يوما وإن إسرائيل تعاني من “جوار غادر وخطير للغاية”.

وتعتبر إسرائيل النشاط النووي الإيراني تهديدا وجوديا على الرغم من الاعتقاد على نطاق واسع بأنها الوحيدة التي تمتلك الأسلحة النووية في المنطقة.

وأشار مستشار حكومي عربي إلى أن طهران تدرك أن هناك “تشكيلا جديدا قيد الإنشاء”، ولكنها تدرك أيضا أن ترامب على الرغم من خطابه الصارم يعلم أنه لا يوجد بديل للاتفاق مع إيران نظرا لبرنامجها المتسارع لتخصيب اليورانيوم.

وقال المستشار “قد يسعى ترامب إلى اتفاق نووي جديد، وقد يقول إنه مزق اتفاق 2015 لأنه كان غير مكتمل ويبرم بدلا منه اتفاقا طويل الأمد ويروج له باعتبار أنه ’يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى’ ويحافظ على المصالح الأمريكية”.

ومع انحسار وضعف الاتفاق النووي لعام 2015 على مر السنين، رفعت إيران درجة نقاء تخصيب اليورانيوم، مما قلل من الوقت الذي قد تحتاجه لصنع قنبلة ذرية إذا أرادت، على الرغم من أنها تنفي رغبتها في ذلك.

وذكر موقع إيران أونلاين الإخباري الذي تديره الدولة أنه عندما انتهت ولاية ترامب الرئاسية كانت إيران تخصب اليورانيوم بمستوى 3.67 بالمئة فقط وفقا للاتفاق، وهو أقل بكثير عن مستوى 90 بالمئة الذي تتطلبه الأسلحة النووية.

وأضاف الموقع أن إيران الآن “تخصب اليورانيوم حتى 60 بالمئة باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة آي.آر-6” ويمكنها تحقيق القدرة على صنع الأسلحة النووية “في غضون أسابيع قليلة… إن إكمال حلقة الردع النووي هو أعظم ورقة رابحة لإيران في مواجهة ترامب”.

ويحذر مسؤولون عرب وغربيون من أنه كلما أشارت إيران إلى اقترابها من تطوير قنبلة ذرية، كلما أشعرت إسرائيل بالحاجة إلى توجيه ضربة.

وقال مسؤول غربي “إذا عاد ترامب إلى السلطة، فسوف يدعم الخطط الإسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية”.

السعودية ومخاطر في ولاية ثانية لترامب

بدوره يتوقّع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان علاقات شخصية أكثر دفئا مع البيت الأبيض إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، لكنّه يدرك أيضا المخاطر المصاحبة لعودة المرشح الجمهوري الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

ووسط الاضطرابات الجارية في الشرق الأوسط والغموض المحيط بـ”صفقة كبرى” للاعتراف بإسرائيل مقابل ضمانات أمنية أميركية للسعودية، يدرك بن سلمان أنّ ترامب قد يقوض أجندته، وفق ما يقول محلّلون.

بعد أن تعافت العلاقة مع إدارة الرئيس جو بايدن بعد بداية صعبة، يعتقد ولي العهد البالغ 39 عاما أنّ بوسعه العمل مع المرشحة الديموقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس إذا فازت في الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر.

وتقول المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية دینا اسفندياري “أعتقد، بشكل كبير، أن السعوديين أكثر حرصا على فوز ترامب”.

وتتابع “ظاهريا، سيكون أكثر دعما لهم وأقل انتقادا لهم. لكنهم قلقون بشأن بعض الأشياء غير التقليدية التي قد يفعلها”.

عند توليه منصبه في عام 2017، سارع ترامب إلى التودّد للسعوديين، فكانت أول رحلة خارجية له إلى الرياض حيث لقي ترحيبا واسعا شمل رقصا بالسيف مع الملك سلمان بن عبد العزيز وتحليق طائرات القوات الجوية فوق مكان الاحتفال.

ثم بردت فترة شهر العسل لاحقا بعد أن انتقد ولي العهد ترامب لفشله في الردّ بشكل أكثر قساوة بعد هجوم على منشآت نفطية سعودية في 2019 ألقي باللوم فيه على إيران وأدى إلى خفض إنتاج المملكة الخليجية من النفط الخام إلى النصف لبعض الوقت.

أما مع بايدن، فكان المسار معكوسا تماما، إذ تعهّد الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة “منبوذة” قبل أن يدخل معها في محادثات لتعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية الثنائية في مقابل اعتراف الرياض بإسرائيل.

وأدّت الحرب في قطاع غزة إلى تجميد مفاوضات التطبيع، لكن إحدى نتائج تحوّل بايدن تكمن في أن السعوديين “أصبحوا الآن مرتاحين بالقدر نفسه” مع وجود ترامب أو هاريس في البيت الأبيض، كما يقول المحلّل السعودي المقرّب من الحكومة علي الشهابي.

ويوضح الشهابي “إنهم يتمتعون بعلاقة جيدة مع ترامب ومستوى عال من التواصل معه، وفي الوقت نفسه لديهم الآن علاقة ممتازة مع إدارة بايدن-هاريس ولا يرون أي سبب لتغيير ذلك”.

ويؤكّد “أنها لحظة نادرة عندما يكون (السعوديون) راضين حقا عن فوز أي من الحزبين”.

وأدى غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل قياسي، ما عزّز نفوذ الرياض كقوة رئيسية في الشرق الأوسط وأكبر مصدّر للنفط الخام في العالم.

بحلول تموز/يوليو من ذلك العام، سافر بايدن إلى جدة حيث سلّم على محمد بن سلمان بقبضة اليد ما أثار جدلا، بعد سيل الانتقادات التي كان وجهها للرياض على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول في عام 2018. وانتقل الجانبان في مرحلة لاحقة الى وضع الخطوط العريضة لاتفاقية من ثلاثة أجزاء تعترف فيها السعودية بإسرائيل في مقابل اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة والمساعدة في برنامج نووي مدني.

ويقول الباحث السعودي في مؤسسة “أوبزرفر” للأبحاث في الشرق الأوسط عزيز الغشيان إن التقدم الذي أحرزه الطرفان دفع إلى الاعتقاد بأنه رغم نقاط الخلاف، فإن الديموقراطيين والجمهوريين على استعداد للعمل بشكل وثيق مع المملكة.

ويضيف “أعتقد أن بايدن الذي بدأ بخطاب قوي معاد للسعودية، يجسّد هذا الواقع.

ويوضح محللون أنّه من المرجح أن يكون ترامب وهاريس حريصين على استئناف المحادثات بشأن التطبيع.

وشدّدت السعودية أخيرا على أنه دون دولة فلسطينية، لن تكون هناك علاقات مع إسرائيل.

وخلال عهد بايدن، غيّرت السعودية نهجها بشأن العلاقة مع غريمتها الإقليمية إيران، بطريقة قد تجعلها أقلّ حماسا لولاية ثانية لترامب المعادي تماما لإيران.

في آذار/مارس 2023، أعلنت المملكة عن تقارب مفاجئ مع الجمهورية الإسلامية برعاية صينية بعد سبع سنوات من قطع العلاقات.

مذاك، كثّف الطرفان المحادثات والاجتماعات الثنائية خصوصا منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين إسرائيل وحماس المدعومة من إيران في غزة، وتعمل السعودية بشكل حثيث على احتواء توسّع الحرب.

ويشير سجّل ترامب إلى أنه قد يقوّض المسعى السعودي.

وانسحب الرئيس السابق من جانب واحد من الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه في العام 2015 حول ملف إيران النووي، وأمر باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عام 2020.

ويقول الغشيان “أتوقع أن الأمور ستتعقّد (مع السعودية) حول إيران إذا وصل ترامب الى الرئاسة”.

إلان أن الرياض وفريق ترامب يواصلان تعزيز روابطهما.

ويحضر كبار رجال الأعمال القريبون من ترامب مؤتمرات استثمارية كبرى في الرياض، كما أن مجموعة ترامب الاقتصادية تنشط في الخليج.

في تموز/يوليو، أعلنت المجموعة عن صفقة للشراكة مع مطوّر سعودي لبناء برج شاهق في مدينة جدة الساحلية.

كما ذكرت تقارير صحافية أن جاريد كوشنر، صهر ترامب، تلقّى استثمارا سعوديا بقيمة ملياري دولار في شركته الخاصة.

وتقول كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن صفقات مماثلة تعني أن ولاية ترامب الثانية “ستثير بالتأكيد أسئلة أخلاقية”، مضيفة أنها تساعد أيضا في تفسير سبب التفاهم الجيد بين الجانبين.

وتتابع “علامة ترامب التجارية تعكس إلى حد ما السياسة العائلية والمصالح العامة والخاصة المتداخلة في الخليج”.

الاتحاد الأوروبي بـ”صين مصغّرة” 

وفي سياق القلق الرائج من فوزه شبّه المرشح الجمهوري للبيت الأبيض دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي بـ”صين مصغّرة” على المستوى التجاري باتباعه سياسات حمائية.

وندد الرئيس الأميركي السابق خلال مقابلة إذاعية قائلا “إنهم لا يأخذون سياراتنا، ولا يأخذون منتجاتنا الزراعية، ولا يأخذون أي شيء”. 

وحذّر قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات الرئاسية “لدينا عجز قدره 312 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي”. 

وتابع دونالد ترامب “كما تعلمون، الاتحاد الأوروبي عبارة عن صين مصغّرة، ولكنه ليس صغيرا جدا”.

وفي الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، قضى المسؤولون الماليون الكثير من الوقت في بحث المخاوف إزاء التأثيرات المحتملة لعودة دونالد ترامب إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني.

وكان من بين المخاوف إمكانية قيام ترامب بقلب النظام المالي العالمي رأسا على عقب من خلال زيادات مهولة في الرسوم الجمركية، وإصدار ديون بتريليونات الدولارات، وتغيير مسار العمل لمكافحة تغير المناخ لصالح المزيد من إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري.

وقال محافظ بنك اليابان كازو أويدا "يشعر الجميع فيما يبدو بالقلق إزاء حالة الغموض الكبيرة بشأن من سيصبح الرئيس المقبل (للولايات المتحدة) والسياسات التي ستُتخذ في عهده".

وتعهد ترامب بفرض رسوم جمركية 10 بالمئة على الواردات من جميع البلدان، ورسوم جمركية 60 بالمئة على الواردات من الصين. ومن شأن هذه الرسوم أن تؤثر على سلاسل التوريد على مستوى العالم، مما قد يؤدي على الأرجح إلى إجراءات انتقامية وزيادة التكاليف.

وعلى النقيض، يعتبر مسؤولو المالية فوز هاريس استمرارا لعودة الرئيس الحالي جو بايدن إلى التعاون المتعدد الأطراف على مدى السنوات الأربع الماضية في مجالات المناخ وضرائب الشركات وتخفيف أعباء الديون وإصلاحات بنوك التنمية. ومع أنه من المرجح أيضا أن تؤدي خطط هاريس إلى زيادة الديون فسيكون ذلك بدرجة أقل بكثير مقارنة مع خطط ترامب.

وعندما سُئلت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا عن كيفية تأثير شبح عودة ترامب على الاجتماعات ونصائح صندوق النقد الدولي بشأن السياسة، قالت إن المناقشات ركزت على حل المشكلات الاقتصادية المطروحة.

وأضافت في مؤتمر صحفي "الأعضاء يشعرون أن الانتخابات من أجل الشعب الأمريكي. ما يتعين علينا تحديده هو التحديات وكيف يمكن لصندوق النقد الدولي معالجتها بشكل بناء".

وأكد رئيس اللجنة التوجيهية لصندوق النقد الدولي وزير المالية السعودي محمد الجدعان على التعاون السابق مع الإدارات الأمريكية السابقة سواء المنتمية للحزب الجمهوري أو الديمقراطي، بما في ذلك إدارة ترامب، قائلا "نحن بحاجة فقط إلى التأكد من أننا نواصل هذا الحوار". وأبدى آخرون نفس الموقف خلال الاجتماعات.

نتانياهو يأمل في فوز ترامب

من جهته يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، بحسب المحليين، ولو أن الرئيس الجمهوري السابق بعث رسائل متباينة بشأن سياسته في الشرق الأوسط.

وكان وجود ترامب في البيت الأبيض جيدا بالنسبة لنتانياهو المرة الماضية.

وتراوحت تصريحات ترامب بين تشجيع نتانياهو على قصف المنشآت النووية الإيرانية وهو ما امتنعت إسرائيل عن تنفيذه في هجومها السبت، وانتقاد الزعيم الإسرائيلي.

وقال ترامب “إن هجوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر لم يكن ليحدث أبدا لو كنت رئيسا” مشيرا إلى أنه سيضغط على إسرائيل لإنهاء الحروب.

وتبقى هذه السياسات غير واضحة وخاصة أنها تترافق مع شعار حملة ترامب “لنعيد لأميركا عظمتها” وهو ما يقول محللون إن نتانياهو يأمل بتحقيقه. 

وبصفته رئيسا جمهوريا، قد يمنح ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي مزيدا من الحرية في التعامل مع النزاعات التي لا تزال مستعرة في قطاع غزة ولبنان. 

يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس جدعون راهط لوكالة فرانس برس “الانتخابات الأميركية هي أحد أهم إنجازات نتانياهو، يصلي من اجل فوز ترامب الذي يعتقد أنه سيمنحه الحرية الكافية للحركة مما سيسمح له بالقيام بما يطمح إليه”. 

ويوافق المحلل السياسي أفيف بوشينسكي هذا التحليل ويقول “إن تجربته مع الجمهوريين جيدة جدا… على عكس الديموقراطيين الذين كانوا أكثر صرامة معه”. 

وعلى مدار 17 عاما من توليه رئاسة وزراء إسرائيل، فإن ترامب كان الرئيس الجمهوري الوحيد الذي يمر في عهده.

وخلال رئاسته، أقدم ترامب على عدة خطوات عززت مكانة نتانياهو محليا، بينما قلبت بعض السياسات الأمريكية الراسخة بشأن إسرائيل وصراعها مع الفلسطينيين والمنطقة الأوسع.

نقل الرئيس الجمهوري السفارة الأميركية إلى القدس التي تعتبرها إسرائيل عاصمتها الأبدية، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، وأشرف على تطبيع العلاقات بين ثلاث دول عربية وإسرائيل.

وقام ترامب أيضا بالانسحاب من الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الجمهورية الإسلامية.

في المقابل، لطالما تمتع الرئيس الأميركي جو بايدن بعلاقة فاترة مع نتانياهو، مع إصراره على “الدعم القوي” لإسرائيل.

وحذر بايدن نتانياهو من ضرب المنشآت النفطية أو النووية الإيرانية.

كما يتمتع ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بعلاقة شخصية وثيقة، حيث تباهى المرشّح الجمهوري هذا الأسبوع بمكالماته الهاتفية شبه اليومية مع نتانياهو.

وأكد في تجمع انتخابي في جورجيا “لدينا علاقة جيّدة للغاية” موضحا “سنعمل معهم بشكل وثيق للغاية”.

وأوضح بوشينسكي أن الإيجابيات ستفوق أي مخاوف، موضحا “أعتقد أن نتانياهو سيكون على استعداد لتحمل مخاطر عدم القدرة على التنبؤ بترامب”.

ويحظى ترامب أيضا بشعبية في أوساط الإسرائيليين.

وبحسب استطلاع رأي أجراه المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، (ميتفيم) فإن 68% من الإسرائيليين يرون أن ترامب هو المرشح الذي سيخدم مصالح إسرائيل على أفضل وجه. 

واختار 14% فقط نائبة الرئيس كامالا هاريس، على الرغم من إعلانها مرارا عن دعمها لإسرائيل وحق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها. 

ويرى ناداف تامير، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق في الولايات المتحدة وعضو في مجلس إدارة ميتفيم أنه “في إسرائيل، وأكثر من ديموقراطية ليبرالية اخرى خارج الولايات المتحدة، يتمتع ترامب بشعبية أكبر من هاريس”.

لكن يحذر تامير من أن إدارة ترامب الجديدة قد تأتي بمفاجآت.

وأوضح كيف أحاط الرئيس الأميركي السابق نفسه بجمهوريين “انعزاليين ولا يريدون أن تكون اميركا زعيمة العالم الحر أو التحالفات الدولية”.

على الجانب الفلسطيني، يؤكد خليل الشقاقي من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، أنه لا توجد حماسة تجاه أي المرشحين الأميركيين.

وتابع “الفلسطينيون لا يثقون في المرشحين، ولا يرون أي فرق بينهما”.

من جهته، أكد المسؤول في حماس طاهر النونو لفرانس برس أن “الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت دائما منحازة” لإسرائيل.

ويرى الفلسطينيون أنه بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأميركية، فإن حياتهم لن تتحسن.

وتوضح الطالبة في جامعة بيرزيت لين باسم (21 عاما) “لا اؤمن كثيرا بان تحدث الانتخابات الاميركية تاثيرا ايجابيا على واقعنا السياسي”.

واضافت “لكن اعتقد أن عودة ترامب الى الحكم في حال نجح في الانتخابات، ستؤثر سلبا على واقعنا (..) خاصة وان ذلك كان واضحا حينما كان رئيسا سابقا”. 

أما حسان انور ( 42 عاما) الذي يعمل كمهندس صوت فيقول “لا اعتقد ان هناك فرق بين هاريس وترامب، لان السياسة الاميركية واضحة تماما في دعمها ومساندتها لاسرائيل”.

بدورها قالت كاملا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي إنها غير قلقة من المحادثات بين الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدة مواقفها إزاء الصراع في الشرق الأوسط.

وردت هاريس قائلة “لا” عندما سُئلت عما إذا كانت تشعر بأن المحادثات بين ترامب ونتنياهو يمكن أن تقوض ما تحاول الحكومة الأمريكية الحالية تحقيقه.

وتحدث ترامب ونتنياهو في مناسبات عدة في الأسابيع القليلة الماضية. وكانت لديهما علاقات وثيقة عندما كان ترامب رئيسا، إذ نقلت الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي أسعد الإسرائيليين وأثار غضب الفلسطينيين.

وقالت هاريس لصحفيين “أعتقد أنه من الأهمية البالغة أن تشارك الولايات المتحدة بنشاط في تشجيع ذلك (وقف إطلاق النار)، وأن تنتهي هذه الحرب وأن نخرج الرهائن، ولكن أيضا أن يكون هناك التزام حقيقي بين الدول بحل الدولتين و”اليوم التالي” (في غزة)”.

مستوطنون إسرائيليون يأملون بفوز ترامب

وقبل أيام من الانتخابات الأميركية، يؤكد أميركيون يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة أنهم يتمنون فوز المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.

تقول إيلانا باسنتين (50 عاما) التي قدمت من سان فرانسيسكو عندما كانت طفلة، لوكالة فرانس برس “أنا فخورة بأن أقول إنني صوتت للرئيس ترامب”.

وترى باسنتين التي عاشت 29 عاما في مستوطنة عيلي في الضفة الغربية المحتلة، أن الرهان أكبر بالنسبة للمستوطنين منه بالنسبة للإسرائيليين عموما. 

تعتبر جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967، غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وتعمل باسنتين في المجلس الإقليمي للمستوطنة.

وتتذكر كيف ضغطت الإدارات الأميركية المتعاقبة على إسرائيل لوقف التوسع الاستيطاني، في مسعى لتحقيق حل الدولتين وإحلال السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.

وتضيف “الولايات المتحدة الأميركية، أعظم حليف لنا، نشكركم، ولكن نرجو أن تفهموا أننا نعرف كيف ندير بلادنا”.

وتوضح “لا أعتقد أن الإسرائيليين الذين يعيشون هنا يشكلون عقبة أمام السلام. بل على العكس، أعتقد أن الإسرائيليين الذين يعيشون هنا يبنون المنطقة للجميع”.

وأظهر استطلاع أجرته القناة 12 الإسرائيلية، أنه من بين الإسرائيليين الذين يصوتون لصالح الائتلاف اليميني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يؤيد 93٪ ترامب.

وتقول باسنتين “الأمور تغيرت منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر”، عندما شنت حماس هجومها على جنوب إسرائيل قبل أكثر من عام، ما أشعل فتيل الحرب في غزة.

وتوضح “أصبحت القصة مختلفة تماما الآن. لم يعد الأمر يتعلق بيهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)، بل بات يتعلق بإسرائيل”.

وتصر “لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا … وأعتقد أن الرئيس ترامب يحترم ذلك ويفهمه”.

ويقول بلوم (45 عاما) وهو جار لها ولد في نيوجيرزي، إنه صوت لصالح ترامب طارحا على نفسه سؤالا “أي نوع من المستقبل نريد أن يكون لدينا هنا في إسرائيل؟”. 

ويضيف “هل نريد مستقبلا يهدد بفرض حظر على إسرائيل في كل مرة ندافع فيها عن أنفسنا؟”

ويوضح “لن يقوم ترامب بالضغط على إسرائيل لتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار يسمح لحماس بالبقاء في السلطة في غزة. ولن يدفع إسرائيل لتوقيع اتفاق سلام مع لبنان يسمح لحزب الله بالبقاء في السلطة”.

ولكنه حذر بأنه في حال وصول كامالا هاريس إلى البيت الأبيض، ستكون إسرائيل تحت “ضغوط” مستمرة.

وأشار “سنتعرض للضغوط، وسنتعرض للحظر، وستكون هناك أموال إيرانية في جيوبهم. هذا ليس في مصلحة إسرائيل”.

وفي مستوطنة شيلو القريبة، حيث يقدر عدد الذين يحملون الجنسية الأميركية بنحو 20% من السكان، يقول يسرائيل ميداد (77 عاما) المولود في نيويورك، إنه يعتقد أن ترامب سيكون جيدا ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن أيضا “لأصدقاء أميركا في الخارج، بما في ذلك إسرائيل”. 

ويوضح “أعتقد أن السياسات التي يروج لها مرشح جمهوري مثل ترامب هي الأكثر إفادة للإدارة والكونغرس والشعب الأميركي”.

ويرى ميداد أن ترامب سيعامل الدولة العبرية “بطريقة أكثر إنصافا، من حيث عدم إنكار حقها في الدفاع عن نفسها… ليس فقط من الناحية المادية ولكن أيضًا على الصعيد الإيديولوجي”. 

وفي تعليق على حادثة وقعت مؤخرا خلال تجمع انتخابي ديموقراطي إذ لم تتصد هاريس لمحتج قال إن إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في غزة، قال مداد “ليست هذه نوع المرشحة التي أريدها في البيت الأبيض”.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق