ولطالما تجاهلت إسرائيل القرار 194 الذي يضمن حق العودة أو التعويض للفلسطينيين الذين طردوا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948. كما تجاهلت القرارات التي تدين حيازتها أراضي وضم القدس الشرقية بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 وسياسة توسيع المستوطنات المتواصلة في الضفة الغربية. عدم امتثالها للقانون الدولي...

تدهورت العلاقة التي لطالما كانت شائكة بين إسرائيل والأمم المتحدة إلى حد يمكن اعتباره إعلان حرب هذا الأسبوع، مع حظر الكنيست نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الدولة العبرية والقدس الشرقية المحتلة.

تواجه إسرائيل انتقادات دولية حادّة بعدما أقّر برلمانها مشروع القانون الذي يحظر الأونروا التي تنسّق تقريبا كل المساعدات إلى قطاع غزة.

أدت الخطوة إلى تدهور العلاقة أكثر بين إسرائيل والأمم المتحدة بعد عام شهد تبادل الإهانات والاتهامات والهجمات بين الطرفين إلى حد التشكيك في إمكان إبقاء الدولة العبرية عضوا في الهيئة الدولية.

وجاء في مقال في صحيفة “لو تان” السويسرية الثلاثاء “هذه ذروة إعلان للحرب”.

منذ هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، احتدت الحرب الكلامية المشتعلة بين إسرائيل ومختلف الهيئات الأممية.

واتّهمت مؤسسات تابعة للهيئة الدولية مرارا إسرائيل بارتكاب “إبادة” في حربها المدمّرة على غزة التي جاءت ردا على هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

في الأثناء، اتّهم المسؤولون الإسرائيليون بشكل متزايد الأمم المتحدة بالانحياز، حتى أنهم اتّهموا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه “شريك في الإرهاب”.

وفي وقت سابق هذا الشهر، ذهبت إسرائيل أبعد من ذلك لتعلن الأمين العام للأمم المتحدة “شخصا غير مرغوب فيه” ما يعني منعه من دخول أراضيها لعدم إدانته هجوما صاروخيا عليها فورا.

وقال وزير خارجيتها يسرائيل كاتس إن “أي شخص لا يمكنه إدانة هجوم إيران الشنيع على إسرائيل بشكل قاطع لا يستحق أن تطأ قدماه التراب الإسرائيلي”، متّهما غوتيريش بـ”دعم الإرهابيين والمغتصبين والقتلة”.

وجاء ذلك بعد خطاب أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي عندما وصف الهيئة الدولية بأنها “مستنقع لمعاداة السامية”.

ندد نتانياهو أيضا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإشارته إلى أن إسرائيل مُدينة في وجودها إلى قرار من الأمم المتحدة وبالتالي عليها إظهار المزيد من الاحترام لقراراتها.

وارتفع مستوى التوتر أكثر منذ كثّفت إسرائيل ضرباتها على معاقل حزب الله في لبنان وأرسلت قوات بريّة إلى البلاد.

وأعلنت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) المتمركزة على طول المنطقة الحدودية بين البلدين “هجمات متعمّدة” نفّذها الجيش الإسرائيلي على عناصرها ومواقعها، ما أثار غضبا دوليا.

وخلال العام الأخير، توالت الانتقادات لإسرائيل من قبل المحاكم المرتبطة بالأمم المتحدة والمجالس والوكالات والموظفين على خلفية تحرّكاتها في غزة.

وقال مندوب الدولة العبرية لدى الأمم المتحدة في جنيف دانيال ميرون لفرانس برس أخيرا “نشعر بأن الأمم المتحدة خانت إسرائيل”.

بدأت الشكاوى الإسرائيلية من انحياز الأمم المتحدة قبل مدة طويلة، إذ أشارت مثلا إلى العدد الكبير من القرارات الصادرة ضدها.

ومنذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2006، استهدف أكثر من ثلث قرارات الإدانة التي يتجاوز عددها الثلاثمئة إسرائيل، بحسب ميرون الذي وصف الأمر بأنه “مذهل”.

وبدأت الدعوات الإسرائيلية لغوتيريش للاستقالة بعد أسابيع فقط على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما صرّح بأن الهجوم “لم يأت من فراغ. تم تعريض الشعب الفلسطيني إلى 56 عاما من الاحتلال الخانق”.

لكن الأونروا كانت هدفا لأشد الهجمات.

قُتل أكثر من 220 من موظفي الوكالة في غزة خلال العام الأخير بينما خُفِّض تمويلها بشكل كبير وصدرت دعوات إلى تفكيكها في ظل اتهام إسرائيل بعض العاملين فيها بالمشاركة في هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

إفلات من العقاب

يشير معارضو الدولة العبرية إلى أنها تجاهلت العديد من قرارات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية من دون أي عواقب مذ مهّد تصويت في الجمعية العامة سنة 1948 الطريق للاعتراف بإسرائيل.

ولطالما تجاهلت إسرائيل القرار 194 الذي يضمن حق العودة أو التعويض للفلسطينيين الذين طردوا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948.

كما تجاهلت القرارات التي تدين حيازتها أراضي وضم القدس الشرقية بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 وسياسة توسيع المستوطنات المتواصلة في الضفة الغربية.

وأفاد أستاذ علم الاجتماع السياسي في “معهد جنيف العالي” ريكاردو بوكو فرانس برس أخيرا أنه عبر السماح لإسرائيل بمواصلة “عدم امتثالها للقانون الدولي، يدفع الغرب الإسرائيليين إلى الاعتقاد أنهم فوق القانون الدولي”.

واتّفقت فرانشيسكا ألبانيزي، وهي خبيرة مستقلة ومثيرة للجدل في الأمم المتحدة بشأن الوضع الحقوقي في الأراضي الفلسطينية، مع هذه الرؤيا.

وقالت في تقرير جديد إن “الإبادة المتواصلة” في غزة هي “بلا شك نتيجة الوضع الاستثنائي والإفلات من العقاب واسع النطاق الذي مُنح لإسرائيل”.

وحذّرت ألبانيزي التي طالبت إسرائيل بطردها، الشهر الماضي من أن الدولة العبرية تتحوّل سريعا إلى دولة “منبوذة”.

وسألت الصحافيين “هل ينبغي إعادة النظر في عضويتها في هذه المنظمة التي يبدو أن إسرائيل لا تحمل أي احترام لها؟”.

حظر عمل وكالة الأونروا

هذا وكانت أقرت إسرائيل قد اقرت قانونا يحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) داخل إسرائيل، في خطوة يمكن أن تؤثر على عمل الوكالة في قطاع غزة الذي تعصف به الحرب.

وأشار أعضاء الكنيست الذين أعدوا هذا القانون إلى أن بعض موظفي الأونروا شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل وأن بعضهم أعضاء في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وجماعات مسلحة أخرى.

وأثار التشريع قلق الأمم المتحدة وبعض حلفاء إسرائيل من القوى الغربية التي تخشى من أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في غزة حيث تقاتل إسرائيل مسلحي حماس منذ عام.

ولم يشر القانون إلى حظر الوكالة في الأراضي الفلسطينية أو في أي مكان آخر.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منشور على منصات التواصل الاجتماعي بعد التصويت “يجب محاسبة العاملين في الأونروا المتورطين في أنشطة إرهابية ضد إسرائيل. ولأن تفادي الأزمة الإنسانية أمر ضروري أيضا، فيجب أن تظل المساعدات الإنسانية المستدامة متاحة في غزة الآن وفي المستقبل”.

وأضاف “في الأيام التسعين قبل سريان هذا القانون –وبعدها– نحن على استعداد للعمل مع شركائنا الدوليين لضمان استمرار إسرائيل في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة بطريقة لا تهدد أمن إسرائيل”.

كما أقر البرلمان ملحقا للقانون الجديد ينص على أن السلطات الإسرائيلية لا تستطيع بعد الآن الاتصال بالأونروا، ولكن يمكن السماح باستثناءات في المستقبل.

ووصف المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني التصويت بأنه “سابقة خطيرة” تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وتنتهك التزام إسرائيل بموجب القانون الدولي.

وقال في منشور على منصة إكس “هذه هي أحدث التطورات في الحملة المستمرة لتشويه سمعة الأونروا وإلغاء شرعية دورها في تقديم مساعدات وخدمات إنسانية وتنموية للاجئين الفلسطينيين”.

ويعمل لدى الأونروا عشرات الآلاف وتوفر خدمات تعليمية وصحية ومساعدات لملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.

والعلاقات بين الأونروا وإسرائيل متوترة منذ فترة طويلة لكنها تدهورت منذ بدء الحرب في غزة. ودعت إسرائيل مرارا إلى حل الأونروا ونقل مهامها إلى وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة.

وفي أغسطس آب، قالت الأمم المتحدة إن تسعة من موظفي الأونروا ربما شاركوا في الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وتم فصلهم من وظائفهم. كما تبين أن أحد قادة حماس في لبنان ـ الذي قُتل الشهر الماضي في غارة إسرائيلية ـ كان يعمل في الأونروا. كما عمل قائد آخر قُتل في غزة الأسبوع الماضي موظف إغاثة بالأمم المتحدة. وأكدت الأونروا أن الرجلين كانا من موظفيها.

وقالت عضو الكنيست شارن هسكل “إذا لم تكن الأمم المتحدة مستعدة لتطهير هذه المنظمة من الإرهاب ومن نشطاء حماس، فعلينا أن نتخذ إجراءات للتأكد من أنهم لن يتمكنوا من إيذاء شعبنا مرة أخرى”.

وأضافت “كان بإمكان المجتمع الدولي أن يتحمل المسؤولية ويتأكد من اختيار المنظمات المناسبة لتسهيل المساعدات الإنسانية مثل (برنامج) الأغذية العالمي واليونيسيف والكثير من المنظمات الأخرى التي تعمل في أنحاء العالم”.

وقالت متحدثة باسم الأونروا قبل التصويت إن القانون المقترح سيكون “كارثة” وسيكون له تأثير خطير على العمل الإنساني في غزة والضفة الغربية المحتلة.

وقالت جولييت توما، المتحدثة الرئيسية باسم الوكالة “نعلم أن المحاولات السابقة التي كانت تهدف إلى استبدال الأونروا وتقديم المساعدات الإنسانية فشلت فشلا ذريعا”.

وأضافت “أنه لأمر شائن أن تعمل دولة عضو في الأمم المتحدة على تفكيك وكالة تابعة للأمم المتحدة وهي أيضا أكبر مستجيب للعملية الإنسانية في غزة”.

ومن المرجح أن يؤثر القانون بشكل مباشر على مؤسسات الأونروا في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل في خطوة غير معترف بها في الخارج.

وقال بوعاز بيسموت عضو الكنيست وأحد المشرعين الذين صاغوا القانون إن عمل الأونروا كان دون جدوى لسنوات. وقال “إذا كنتم تريدون الاستقرار حقا، وإذا كنتم تريدون الأمن حقا، وإذا كنتم تريدون السلام الحقيقي في الشرق الأوسط، فإن المنظمات مثل الأونروا لن تحقق لكم ذلك”.

وواجهت إسرائيل ضغوطا دولية شديدة لبذل المزيد من الجهود لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة والسماح بوصول المزيد من المساعدات للأشخاص النازحين بسبب الحملة الإسرائيلية.

وقبل إقرار التشريع، أصدر وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا بيانا عبروا فيه عن “قلقهم البالغ”.

وقال البيان “من الأهمية أن تكون الأونروا والمنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة قادرة تماما على تقديم المساعدات الإنسانية ومساعداتها لأولئك الذين يحتاجون إليها بشدة، والالتزام بتفويضها بشكل فعال”.

وبعد إقرار القانون، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي “مشاريع القوانين التي أقرها الكنيست الإسرائيلي اليوم والتي تقيد عمل الأونروا خاطئة تماما”.

الأسئلة القانونية التي يثيرها حظر إسرائيل للأونروا؟

وأثار الحظر موجة من التنديد الدولي وتساؤلات حول شرعية القانون الإسرائيلي.

فقد أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة الوكالة في عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب الحرب التي تلت إعلان قيام إسرائيل، عندما نزح 700 ألف فلسطيني.

وتعمل الأونروا منذ عقود في قطاع غزة، وسعت خلال العام الماضي إلى مساعدة المدنيين الذين تقطعت بهم السبل جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في القطاع، حيث يعاني العديد من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من غياب المأوى والغذاء والرعاية الطبية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن الحظر الذي تفرضه إسرائيل على الأونروا، إذا تم تنفيذه، من شأنه أن ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التأسيسي واتفاقية الأمم المتحدة المعتمدة في عام 1946.

وفي رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعا جوتيريش إلى استمرار عمليات الأونروا وقال إن إسرائيل لا يمكنها استخدام القانون الوطني الذي يحظر الأونروا "كمبرر لعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي".

وتعتبر الأمم المتحدة غزة أرضا محتلة من قبل إسرائيل، ويتطلب القانون الدولي من القوة المحتلة الموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها وتسهيل ذلك "بكل الوسائل المتاحة لها".

وفي رسالته، كتب جوتيريش أيضا أن المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي تتطلب من إسرائيل "أن تقدم للأمم المتحدة كل المساعدة" في عملها.

كما أشار إلى مسألة قانونية أخرى وهي اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي اعتمدتها الجمعية العامة في عام 1946 وتتناول الامتيازات والحصانات الدبلوماسية الممنوحة لعمليات الأمم المتحدة.

ولفت إلى وجود خلاف في تفسير أو تطبيق الاتفاقية بين الأمم المتحدة وإسرائيل، وأن مثل هذه الحالات يمكن إحالتها إلى محكمة العدل الدولية.

وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون في بيان ردا على رسالة جوتيريش "ستواصل إسرائيل تسهيل المساعدات الإنسانية في غزة وفقا للقانون الدولي".

ومع ذلك، تزعم إسرائيل أن الأونروا كانت متواطئة في الهجوم الذي شنه مقاتلو حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، والذي أشعل فتيل حربها على غزة.

وقال دانون إن الوكالة "أصبحت تحت سيطرة حماس"، وأضاف أن الأونروا "فشلت في أداء مهمتها ولم تعد هي الوكالة المناسبة لهذه المهمة".

وقالت الأمم المتحدة في أغسطس آب إن تسعة من موظفي الأونروا ربما شاركوا في الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، وتم فصلهم. وفي وقت لاحق، تبين أن أحد قادة حماس في لبنان -الذي قُتل الشهر الماضي في غارة إسرائيلية- كان يعمل في الأونروا.

ما هي الآثار القانونية؟

ردا على حظر إسرائيل للأونروا وعقبات أخرى أمام المساعدات، قالت النرويج إنها ستقدم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل.

والسؤال المطروح أمام أعلى محكمة في الأمم المتحدة هو: هل تنتهك إسرائيل القانون الدولي عندما تمنع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والدول من تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال؟

رأي المحكمة سيكون استشاريا وغير ملزم بموجب القانون الدولي، ولكنه سيحمل أهمية قانونية وسياسية.

ولا تتمتع المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي بصلاحيات تنفيذية، لذا تجاهلت بعض البلدان الآراء الاستشارية والأحكام الملزمة في الماضي.

وقال وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي لرويترز إن النرويج تأمل في طرح مشروع القرار للتصويت في الجمعية العامة في الأسابيع المقبلة إذ من المرجح أن يتم اعتماده.

وقال إيدي "توضيح ما هو قانوني وما هو غير قانوني لا يزال أمرا منطقيا، حتى لو لم يتحول إلى تغيير سياسي بين عشية وضحاها".

ماذا عن القانون الأمريكي؟

بموجب قانون المساعدات الخارجية الأمريكي، لا تستطيع واشنطن تقديم مساعدات عسكرية لدول تعرقل بشكل مباشر أو غير مباشر إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية.

وقالت الولايات المتحدة لإسرائيل في رسالة يوم 13 أكتوبر تشرين الأول إنها يجب أن تتخذ خطوات خلال 30 يوما لتحسين الوضع الإنساني في غزة أو ستواجه قيودا محتملة على المساعدات العسكرية الأمريكية.

وحذرت إسرائيل أيضا في الرسالة من إقرار حظر الأونروا بسبب التأثير الإنساني على غزة والضفة الغربية المحتلة، لكن ذلك لم يكن مدرجا كشرط لتجنب التحرك الأمريكي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر للصحفيين "قد تكون هناك عواقب بموجب القانون الأمريكي والسياسة الأمريكية لتنفيذ هذا التشريع".

حظر عمل الأونروا قد يودي بحياة مزيد من الأطفال في غزة

بدورها قالت وكالات تابعة للأمم المتحدة إن قرار إسرائيل حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد يعرض مزيدا من الأطفال للموت ويمثل نوعا من العقاب الجماعي حال تطبيقه بالكامل.

وأثار إقرار إسرائيل قانونا بحظر عمل الأونروا داخل إسرائيل مخاوف حيال عدم تمكن الوكالة من استمرار تقديم مساعدات في غزة بعد مرور أكثر من عام على الحرب.

وتوظف الآلاف للعمل في غزة، وتقدم الإمدادات الأساسية لجميع سكان القطاع الساحلي تقريبا مع تلبية احتياجاتهم عبر إسرائيل.

وقال جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الذي عمل عن كثب في غزة منذ بداية الصراع في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، في مؤتمر صحفي "إذا لم تتمكن الأونروا من العمل، فمن المرجح أن نشهد انهيار المنظومة الإنسانية في غزة... وقرار مفاجئ مثل هذا يعني أن (إسرائيل) عثرت على طريقة جديدة لقتل الأطفال".

وأظهرت بيانات صادرة عن السلطات الصحية الفلسطينية أن ما يربو على 13 ألف طفل، تأكدت هوياتهم، لاقوا حتفهم جراء الحرب. ويُعتقد بأن العديد من الأطفال الآخرين ماتوا بسبب أمراض ناجمة عن انهيار نظام الرعاية الصحية ونقص الغذاء والماء.

ووصفت وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة بأن عمل الأونروا لا غنى عنه.

وقال طارق ياساريفيتش من منظمة الصحة العالمية إن نحو ثلث العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يشاركون في حملة التطعيم الجارية من شلل الأطفال يعملون مع الأونروا، مضيفا أن الوكالة لديها نحو ألف عامل في مجال الصحة في غزة.

وقال ينس لايركه المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ردا على سؤال عما إذا كان الحظر يمثل نوعا من العقاب الجماعي لسكان غزة "أعتقد أنه وصف عادل لما قرروه هنا. فإذا طُبق، فسيزيد من أعمال العقاب الجماعي التي نشهد حدوثها في غزة".

والعقاب الجماعي، الذي يرقى إلى جريمة حرب، هو مصطلح يشير إلى فرض عقوبات على مجموعة بأكملها أو ترويعها ردا على أفعال ارتكبها أفراد منها.

وقالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب إن المنظمة لا تستطيع أن تحل محل الأونروا في غزة لكن بإمكانها تقديم مزيد من المساعدات للمتضررين من الأزمة.

ما طبيعة عمل الأونروا؟

تأسست الأونروا في عام 1949 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أعقاب الحرب التي أحاطت بقيام إسرائيل، عندما فر 700 ألف فلسطيني أو هُجروا من منازلهم.

ويعمل حاليا في الوكالة بشكل مباشر 30 ألف فلسطيني في جميع أنحاء المنطقة، وتخدم الاحتياجات المدنية والإنسانية لنحو 5.9 مليون من هؤلاء اللاجئين، في قطاع غزة والضفة الغربية وفي مخيمات منتشرة في الدول العربية المجاورة.

وفي غزة، توظف الوكالة 13 ألف شخص، وتدير مدارس القطاع وعيادات الرعاية الصحية الأولية وغيرها من الخدمات الاجتماعية، فضلا عن توزيع المساعدات الإنسانية. وزادت أهمية خدماتها في غزة منذ عام 2005، عندما فرضت إسرائيل حصارا على القطاع بينما شددت مصر الإجراءات على الحدود، مما تسبب في انهيار اقتصادي مع ارتفاع معدلات البطالة إلى واحدة من أعلى المعدلات في العالم.

ومنذ أن شنت إسرائيل حربها في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، لجأ مئات الآلاف من سكان قطاع غزة إلى مدارس الأونروا والعيادات والمباني العامة الأخرى.

ويعتمد معظم سكان غزة الآن على الأونروا في توفير أساسيات الحياة الضرورية، منها الغذاء والمياه ولوازم النظافة.

وقتل ما لا يقل عن 220 من موظفي الأونروا منذ بدء الصراع، مما يجعله أكثر صراع يسقط فيه قتلى من موظفي الأمم المتحدة على الإطلاق.

من هم المانحون الرئيسيون؟

تستقي الوكالة معظم تمويلها من مساهمات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومنها دول إقليمية والاتحاد الأوروبي. كما تتلقى تمويلا من الميزانية الاعتيادية للأمم المتحدة ومساهمات مالية من هيئات المنظمة الدولية الأخرى.

وفي عام 2022، كانت أكبر الحكومات المانحة هي الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد والنرويج واليابان وفرنسا والسعودية وسويسرا وتركيا.

وعلقت دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا تمويلها للوكالة عندما ظهرت اتهامات في يناير كانون الثاني تتعلق بالاشتباه في تورط نحو 12 من موظفي الأونروا الفلسطينيين في هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول. وأعادت معظم الدول ضخ التمويل منذ ذلك الحين.

وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إن تصويت نواب البرلمان الإسرائيلي يعد "سابقة خطيرة"، وإنه أحدث إجراء في حملة مستمرة لتشويه سمعة الوكالة و"نزع الشرعية عن دورها في تقديم المساعدات والخدمات التنموية البشرية للاجئين الفلسطينيين".

وذكرت وكالات للأمم المتحدة أن قرار إسرائيل قد يعرض مزيدا من الأطفال للموت ويمثل نوعا من العقاب الجماعي حال تطبيقه بالكامل.

وقال جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) "إذا لم تتمكن الأونروا من العمل، فمن المرجح أن نشهد انهيار المنظومة الإنسانية في غزة... وقرار مفاجئ مثل هذا يعني أن (إسرائيل) عثرت على طريقة جديدة لقتل الأطفال".

وتدعو السلطات الإسرائيلية منذ فترة طويلة إلى تفكيك الوكالة بحجة أن مهمتها عفا عليها الزمن وأنها تغذي المشاعر المعادية لإسرائيل بين موظفيها وفي مدارسها وفي رسالتها الاجتماعية الأوسع. وترفض الأونروا بشدة هذا التوصيف.

ودعا نتنياهو من قبل الولايات المتحدة، أهم حليف لإسرائيل وأكبر مانحي الوكالة، إلى سحب دعمها للأونروا. وأشاد بإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتوقفه عن تمويل الوكالة.

وواجهت الأونروا صعوبات أخرى في الماضي. ففي 2019، استقال مفوض عام الوكالة وسط تحقيق في سوء سلوك. وفي 2014، عبر أمين عام الأمم المتحدة عن قلقه إزاء العثور على صواريخ في مدرسة شاغرة تابعة للأونروا قبل أن تختفي في وقت لاحق.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق