اللون الأبيض هو الضامن والمحصلة النهائية التي فيه تتوافق الرؤى المختلفة في صنع القرار. إذ يجب أن يكون الموقف المتزن في الطرح والتصرف مقبول من جميع الأطراف المهتمة من أجل حماية التوافق دون الانزلاق في هاوية الخلافات. فرض الإرادات أحادية اللون ينذر بنشوب صراعات داخلية محتملة نتيجة للتباين...

هل ستقود الاحداث الاخيرة في المنطقة الى حرب شاملة ام الى تهدئة دائمة؟ وما هو موقف العراق من الاحداث الاخيرة والحرب المحتملة؟

من يراقب السلوك السياسي والتصعيد العسكري الإسرائيلي المبرمج بنهج حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يرأسها مخضرم سياسي عنيد مؤمن بطموحات استعمارية في تحقيق حدود إسرائيل الكبرى، لا يمكن أن يساوره شك بأن مفردات السلام والهدنة والتصالح مع هذا التجمع اليميني المتطرف المستحوذ على السلطة في هذا الكيان هي مفردات ليس لها وجود ومعنى في قاموس هذه الحكومة وأدبياتها المعلنة وغير المعلنة. 

فشلت جميع محاولات التفاهم والوساطة في وقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم كل الضغوطات التي سلطها العالم على الحكومة الإسرائيلية منذ ما يقارب العام، حيث لم ينجح اي جهد جدي وصادق في إقناع رئيس وزراء إسرائيل "نتنياهو" في إنهاء هذه المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من أربعين ألف بريء فلسطيني! هذه الروح الانتقامية الشرسة وهذا السلوك الحاقد المنبعث عن نفسية مريضة ستبقى وسيبقى نهج لهذه الحكومة في كل تصرفاتها وفي كل أفعالها وردود أفعالها حتى اشعار آخر!.

 ردود أفعال هذه الحكومة لا تتناسب ولا تتقارن مع طبيعة الفعل وشدته ومقداره، كما لا تمتلك هذه الحكومة أي معايير أخلاقية أو إنسانية أو دبلوماسية، بل ليس لديها هواجس او تحسبات فهي لا تميز بين ما يمكن وما لا يمكن فعله. لا تتردد هذه الحكومة باستخدام كل وسائل القوة المفرطة المتاحة لها وكل الأساليب الملتوية الأخرى في تبرير وصولها لأهدافها واراداتها. 

بمعنى مختصر هي حكومة همجية غير منضبطة، تستهتر بقيم الإنسان وحقوقه، لا تخشى ولا تعتبر بل تستخدم قوتها الذاتية الفائقة بل وتستعين بالقوى الحليفة لها والتي تقف خلفها في سحق وتدمير كل من يقف أمامها ويتصدى لها.

 استدلالا بهذا التعريف المختصر لطبيعة السياسة الإسرائيلية الحالية، فلا ضير من ذكر بعض السيناريوهات محتملة الوقوع في قابل الايام بما يخص تصرفات الحكومة الإسرائيلية في ظل الأوضاع والوقائع الجارية الآن وهي باختصار كالآتي:

أولا: لن تكون هناك هدنة أو سلام أو تهدئة عسكرية بين هذه الحكومة الإسرائيلية الحالية واي كيان أو طرف أو قوة تناهضها أو ترفع السلاح بوجهها، حتى وإن جنحت هذه الأطراف للسلام والهدنة، طالما تبقى هذه الحكومة شاعرة باحتمالية وصولها للنصر وبقدرتها على الفوز واستطاعتها تدمير الطرف الآخر والخلاص منه نهائيا.

ثانيا: لابد أن يكون لهذه الحكومة قرار بردة فعل عسكرية عنيفة إزاء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل. المتوقع منها أن تقوم بهجوم عسكري قاسي وكبير ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتناسب أضراره مع الأضرار العسكرية التي احدثها الهجوم الإيراني عليها، بل يفوقه بأضعاف مضاعفة!. أهدافهم هذه المرة ستتركز في أحداث أضرار حقيقية في البنية التحتية الإيرانية الهامة ولا يقتصر الأمر بضرب الأهداف العسكرية الإيرانية فقط وكما حصل سابقا.

ثالثا: إن نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها المرجوة من خلال هجومها المتوقع على إيران، فهذا يعني حصول دمار ملموس ومؤثر في البنية التحتية الإيرانية، وبالأخص المنشآت النووية الإيرانية او المنشآت النفطية ومنشآت الطاقة ومصانع السلاح ومراكز صنع القرار وغيرها. في هذه الحالة لابد لإيران أن تنتقم لنفسها وترد بزخم اقوى من السابق مما يعجل من وقوع ما نخشاه ويخشاه العالم كله في نشوب صراع مرير ومدمر وشامل بين الأطراف المتنازعة الذي قد يمتد لغيرها من الأطراف الاخرى.

رابعاً: فشل إسرائيل في هجومها المتوقع على إيران في تحقيق أهدافها الاستراتيجية المرجوة، قد يقنع الإيرانيين بعدم الرد من أجل إيقاف عجلة التصعيد الخطير الذي لن يكون في صالحها في نتائجه النهائية في الوقت الحالي. هذا السيناريو إن حصل ولم يتطور فهو السيناريو الأسلم والافضل لجميع الأطراف المتنازعة بشكل خاص وللمنطقة بأكملها والعالم بشكل عام.

خامساً: في حالة عدم الانزلاق في صراع شامل بين الأطراف طبقا للسيناريوهات المطروحة، فسوف تبقى التشنجات السياسية والعسكرية قائمة بين الأطراف المتنازعة دون هوادة ولكن دون تصعيد ساخن مهدد لحالة التوازن والاستقرار في هذه الفترة الحرجة والاستثنائية التي تقوم فيها الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الرابع من شهر تشرين الثاني " نوفمبر" القادم. 

بعد حسم هذه الإنتخابات ووضوح نتائجها ستتحدد المواقف طبقا للسياسات الأمريكية الجديدة على الساحة والأحداث المناطة بها.

أما فيما يخص المواقف والوضع العام في العراق والمتعلق بالاحداث الحالية، فبدون شك سيرتبط الوضع ارتباطا وثيقا بطبيعة السيناريوهات المذكورة آنفا والمتحققة مستقبلا.

لا يمكننا أن نتصور أن يبقى العراق في معزل تام عما يدور حوله، حتى وإن تخالفت الآراء والرؤى بين مكونات النسيج العراقي بما يخص المواقف وردود الأفعال، فسيبقى العراق ضمن ما سماه البعض سابقا بـ "الهلال الشيعي"، فله ما له وعليه ما عليه طوعا أو كرها!. ومهما يكن من أمر، فالنهج المتوقع للحكومة العراقية الحالية لا يمكن أن يكون نهجا أحادي اللون طالما كان التكوين المجتمعي في العراق "قوس قزحي" بألوانه، فلا يمكن للون واحد أن يطغي على تأثيرات واشعاعات باقي الألوان.

 اللون الأبيض هو الضامن والمحصلة النهائية التي فيه تتوافق الرؤى المختلفة في صنع القرار. إذ يجب أن يكون الموقف المتزن في الطرح والتصرف مقبول من جميع الأطراف المهتمة من أجل حماية التوافق دون الانزلاق في هاوية الخلافات. فرض الإرادات أحادية اللون ينذر بنشوب صراعات داخلية محتملة نتيجة للتباين في ردود أفعال الأطراف على ضوء ما يحصل من أحداث في محيط العراق. العودة إلى حلبة الصراع الداخلي في ظل صراع خارجي خطير قد يجعل العراق رهينة صراعات داخلية وخارجية في نفس الوقت وفريسة سهلة للمتصيدين في الماء العكر يوم يكون الخيار الصحيح صعبا!.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحت عنوان: (سيناريوهات الحرب الشاملة في الشرق الأوسط.. التحديات والمخاطر)

اضف تعليق