الموقف يمكن قراءته إما كمحاولة إسرائيلية لجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية أو رغبة من نتنياهو في تحقيق نصر يروج به لنفسه لدى الإسرائيليين. الرد القوي على مقتل هنية قد يؤدي إلى رد قوي من جانب إسرائيل، مما قد يقود إلى حلقة مفرغة وفتح كل أبواب الجحيم...
دعت دول في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لتجنب اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط بعد أن أدى مقتل اثنين من قيادات حركة حماس وحزب الله إلى زيادة التوتر.
ودخل الصراع في الشرق الأوسط مرحلة جديدة بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في طهران الذي يُشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذته، وبعد ضربة جوية إسرائيلية في بيروت استهدفت القائد العسكري البارز لجماعة حزب الله المدعومة من إيران.
واغتيل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في العاصمة الإيرانية طهران في ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء في هجوم أثار تهديدات بالثأر من إسرائيل وفاقم المخاوف من تحول الصراع في غزة إلى حرب أوسع نطاقا. وقال الحرس الثوري إن هنية قتل بعد ساعات من حضوره حفل تنصيب الرئيس الجديد للبلاد.
ورغم الافتراضات بأن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم، لم تعلن الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها عنه وقالت إنها لن تعلق على عملية الاغتيال.
ولم يشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مقتل هنية في بيان أذاعه التلفزيون مساء يوم الأربعاء لكنه قال إن إسرائيل وجهت ضربات ساحقة لوكلاء إيران في الآونة الأخيرة، بما في ذلك حماس وحزب الله، وسترد بقوة على أي هجوم.
ومضى نتنياهو يقول “مواطنو إسرائيل، تنتظرنا أيام صعبة. منذ الضربة في بيروت، هناك تهديدات من جميع الاتجاهات. نحن مستعدون لأي احتمال وسنقف متحدين وعازمين في وجه أي تهديد. ستفرض إسرائيل ثمنا باهظا لأي عدوان عليها من أي ساحة”.
وقد تقوض التطورات الأخيرة على ما يبدو فرص التوصل إلى أي اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار بالحرب المستمرة منذ عشرة شهور في قطاع غزة.
وعبرت واشنطن عن قلقها إزاء احتمالات التصعيد. لكن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي قال إن الولايات المتحدة لا ترى ذلك وشيكا أو حتميا وتعمل على منع حدوثه.
وقال لصحفيين إن المخاطر “متزايدة بالتأكيد الآن. إنها تعقد تحقيق هدف خفض التصعيد والردع”.
ونصحت الولايات المتحدة المواطنين بعدم السفر إلى لبنان، كما أوقفت شركتا طيران أمريكيتان، وهما يونايتد ودلتا، رحلاتهما إلى تل أبيب.
وجاءت عملية الاغتيال بعد أقل من 24 ساعة من إعلان إسرائيل أنها قتلت قياديا كبيرا في جماعة حزب الله اللبنانية وصفته بأنه وراء هجوم دام في هضبة الجولان المحتلة.
وأكدت جماعة حزب الله مقتل القائد العسكري الكبير فؤاد شكر في غارة جوية إسرائيلية في إحدى ضواحي بيروت.
ونقل تلفزيون لبنان يوم الأربعاء عن المديرية العامة للدفاع المدني القول إن سبعة أشخاص قتلوا وأصيب 78 في الغارة على بيروت. وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية إن مستشارا عسكريا إيرانيا كان من بين القتلى.
اسطول عسكري لتهدئة التوترات
بدورها أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الجمعة أنّ الولايات المتّحدة ستعزّز وجودها العسكري في الشرق الأوسط عبر نشر مزيد من السفن الحربية والطائرات المقاتلة “لتخفيف احتمالات تصعيد إقليمي من جانب إيران” أو وكلائها.
وقالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ في بيان إنّ وزير الدفاع لويد أوستن “أمر بإدخال تعديلات على الموقف العسكري الأميركي بهدف تحسين حماية القوات الأميركية، وزيادة الدعم للدفاع عن إسرائيل، وضمان استعداد الولايات المتّحدة للردّ على شتّى الحالات الطارئة”.
وبحسب المتحدثة باسم البنتاغون فإنّ “وزارة الدفاع تواصل اتخاذ خطوات للتخفيف من احتمال التصعيد الإقليمي من قبل إيران أو شركائها ووكلائها”.
وأضافت أنّه “منذ الهجوم المروّع الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أكّد وزير الدفاع أنّ الولايات المتّحدة ستحمي أفرادنا ومصالحنا في المنطقة، بما في ذلك التزامنا القوي الدفاع عن إسرائيل”.
وفي بيانها أوضحت سينغ أنّ أوستن أمر بأن تحلّ حاملة الطائرات لينكولن ومجموعتها البحرية الضاربة محلّ الحاملة روزفلت ومجموعتها الضاربة في المنطقة.
كما أمر وزير الدفاع، وفقاً لسينغ، بإرسال طرّادات ومدمّرات إضافية إلى الشرق الأوسط والمناطق الخاضعة لسيطرة القيادة العسكرية المركزية الأميركية “سنتكوم”، مشيرة إلى أنّ هذه القطع البحرية قادرة على التصدّي للصواريخ البالستية.
كذلك، أمر أوستن بإرسال سرب مقاتلات إضافي إلى الشرق الأوسط.
وفي نيسان/أبريل، شنّت إيران أول هجوم عسكري مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية. ويومها، أطلق الحرس الثوري على إسرائيل وابلًا من الطائرات المسيّرة والصواريخ، وذلك ردّاً على غارة استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
وفي تلك الليلة، ساهمت القوات الأميركية بقوة في الدفاع عن إسرائيل ضدّ الهجوم الإيراني.
وفي بيانها، قالت سينغ “كما أثبتنا منذ تشرين الأول/أكتوبر ومرة أخرى في نيسان/أبريل، فإنّ الدفاع العالمي للولايات المتحدة ديناميكي ووزارة الدفاع تحتفظ بالقدرة على الانتشار في غضون مهلة قصيرة لمواجهة التهديدات المتزايدة للأمن القومي”.
لكنّ البيان شدّد في الوقت نفسه على أنّ “الولايات المتّحدة تظل أيضاً تركّز بشكل مكثّف على تهدئة التوترات في المنطقة والدفع نحو وقف لإطلاق النار في إطار صفقة رهائن تتيح إعادة الرهائن إلى ديارهم وإنهاء الحرب في غزة”.
من جهته المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي قال لصحفيين إن واشنطن لا تتوقع صراعا شاملا في المنطقة باعتباره وشيكا أو حتميا، وإنها تعمل على منع حدوث ذلك.
وقال كيربي في إفادة يومية بواشنطن “عندما تكون لديك أحداث.. أحداث درامية.. أحداث عنيفة تسبب فيها أي طرف.. فإن هذا بالتأكيد يصعّب مهمة تحقيق هذه النتيجة”.
وقال إن الولايات المتحدة لا تزال تعتقد أن هناك عملية “قابلة للتطبيق” للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء القتال المستمر منذ أكثر من تسعة شهور بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، على الرغم من المخاوف من أن هذه الجهود تعرضت لضربة خطيرة.
خطر اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط
من جهتها دعت دول في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لتجنب اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط بعد أن أدى مقتل اثنين من قيادات حركة حماس وحزب الله إلى زيادة التوتر.
وقال شينو ميتسوكو نائب ممثل اليابان لدى الأمم المتحدة “نخشى أن تكون المنطقة على شفا حرب شاملة”، وحث على بذل جهود دولية للحيلولة دون مثل هذا الصراع.
وأدانت الصين وروسيا والجزائر ودول أخرى اغتيال هنية، وهو ما وصفه سفير إيران لدى الأمم المتحدة بأنه عمل إرهابي، بينما تحدثت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عما قالت إنه دعم إيراني لجهات تزعزع الاستقرار في المنطقة.
وقال فو كونغ سفير الصين لدى الأمم المتحدة إن الفشل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة هو سبب تفاقم التوتر.
وأضاف “يتعين على الدول ذات النفوذ الكبير أن تمارس المزيد من الضغوط وأن تعمل بشكل أكثر قوة… لإخماد نيران الحرب في غزة”.
ودعت باربرا وودوارد سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة إلى الهدوء وضبط النفس، وجددت الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وقالت إن إسرائيل وحماس بحاجة إلى العودة للالتزام بعملية السلام التي من شأنها أن تؤدي إلى حل دولتين يفضي إلى إسرائيل آمنة ودولة فلسطينية ذات سيادة.
وقالت “يجب أن يكون الطريق إلى السلام من خلال المفاوضات الدبلوماسية. لا يمكن تحقيق سلام طويل الأمد بالقنابل والرصاص”.
ودعا روبرت وود نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة أعضاء مجلس الأمن الذين لديهم نفوذ على إيران “إلى زيادة الضغط عليها لوقف تصعيد صراعها بالوكالة ضد إسرائيل وغيرها من الأطراف”.
وقال السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني إن طهران تمارس باستمرار أقصى درجات ضبط النفس، لكنها تحتفظ بحقها في الرد بحزم. ودعا مجلس الأمن إلى إدانة إسرائيل وتوقيع عقوبات عليها.
ودعا جوناثان ميلر نائب ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن إلى إدانة إيران بدعوى دعمها للإرهاب بالمنطقة وزيادة العقوبات على طهران.
وقال ميلر “سندافع عن أنفسنا ونرد بقوة كبيرة ضد أولئك الذين يؤذوننا”، داعيا العالم إلى دعم إسرائيل.
قلق في مجلس الأمن الدولي من اتساع نطاق النزاع بعد اغتيال هنية
وقال السفير الجزائري إنّ “إسرائيل اتّبعت سياسة سفك دماء وأرض محروقة تخلّف الدمار وموجة لا نهاية لها من العنف الذي يجتاح غزة والضفة الغربية واليمن ولبنان والآن جمهورية إيران الإسلامية”.
وأضاف “أين سيتوقف هذا الجنون؟”، متّهماً الدولة العبرية بـ”تخريب” جهود السلام في الشرق الأوسط.
لكنّ أغلبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن أعربت ببساطة عن مخاوفها من اتساع رقعة النزاع في المنطقة.
بدورها، قالت نائبة السفير الفرنسي ناتالي برودهيرست “ندعو إلى تحمّل أكبر قدر من المسؤولية وأقصى قدر من ضبط النفس لتجنّب اندلاع حريق إقليمي”.
وقبيل انعقاد المجلس، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه من عمليتي الاغتيال اللتين وقعتا بفارق بضع ساعات في بيروت وطهران وراح ضحية الأولى القيادي العسكري الأول في حزب الله فؤاد شكر وفي الثانية هنية.
وحذّر غوتيريش من أنّ ما حدث في طهران وقبلها في الضاحية الجنوبية لبيروت “يمثّل تصعيداً خطراً”.
وأضاف “ينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل سوياً بشكل عاجل لمنع أيّ عمل يمكن أن يدفع الشرق الأوسط بأكمله إلى الفراغ، مع ما لذلك من آثار مدمّرة على المدنيين”.
وخلال جلسة مجلس الأمن، قال نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة روبرت وود إنّه “من الأفضل عدم التكهن بتأثير الأحداث الأخيرة على السلام والأمن في الشرق الأوسط، فاندلاع حرب أوسع ليس وشيكاً ولا حتمياً”.
أما نائب السفير الإسرائيلي جوناثان ميلر فقال أمام مجلس الأمن “سنواصل العمل للدفاع عن الشعب الإسرائيلي بأسره”.
وأضاف أنّ “حزب الله وحماس والحوثيين لا يمكنهم أن يبثّوا سمومهم إلا بفضل رأس الأفعى”، مندّداً بالدعم الذي تقدّمه إيران، “الراعي الأول للإرهاب”، لهذه التنظيمات.
اما أندريه ناستاسين نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية فقد قال “تقف المنطقة الآن على شفا صراع عالمي… والأطراف تواصل إذكاء المخاطر”.
وتقول روسيا إن “هوس” الولايات المتحدة باحتكار عملية التسوية السياسية في الشرق الأوسط هو ما أفضى لهذا الوضع.
ونددت حكومة جنوب أفريقيا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إسماعيل هنية وقالت إن ذلك يهدد بمزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط.
وبرزت جنوب أفريقيا بين أشد المعارضين للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وتشبه محنة الفلسطينيين بتلك التي تعرض لها سكانها ذوي البشرة الداكنة خلال حقبة الفصل العنصري، وهي مقارنة ترفضها إسرائيل.
وقالت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا في بيان “تشعر جنوب أفريقيا بالقلق من أن يؤدي اغتيال الدكتور هنية والاستهداف المستمر للمدنيين في غزة إلى تفاقم الوضع المتوتر بالفعل في المنطقة بأكملها”.
وقدمت تعازيها لعائلة هنية، ودعت إلى التحقيق في اغتياله.
وتدعم جنوب أفريقيا بقوة قضية إقامة دولة فلسطينية منذ عقود. ورفعت دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية متهمة إياها بالإبادة الجماعية بسبب ما ترتكبه في غزة، وتنفي إسرائيل هذه التهمة.
وأثار موقف جنوب أفريقيا قلق بعض حلفائها الغربيين لكنها تؤكد أن دعمها للفلسطينيين لا يعني دعما لحماس التي تعتبرها الدول الغربية جماعة إرهابية تسعى إلى تدمير إسرائيل.
وقال رونالد لامولا وزير خارجية جنوب أفريقيا الجديد إن مقتل هنية يمثل انتهاكا للقانون الدولي ويقوِض الجهود الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأضاف في بيان “من الأهمية بمكان تقديم مرتكبي مثل هذه الأعمال للعدالة”.
ما مدى ارتفاع مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة؟
اغتيال إسماعيل هنية، وفؤاد شكر يفاقم احتمالات تصعيد محفوف بالمخاطر للحرب الإسرائيلية في غزة وتوتر إقليمي شديد بين إسرائيل وإيران ووكلائها.
وقال مسؤولون ومحللون في المنطقة إن هذا يشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عازم على تغيير قواعد الاشتباك في الحرب، والانتقال إلى ما هو أبعد من غزة للقضاء مباشرة على قادة حماس وضرب وكلاء إيران في أماكن أخرى.
ويرى المحللون والمسؤولون أن الهجوم واحد من أكبر الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران وحلفائها حتى الآن. وقالوا إن التوقيت والمكان اختيرا لإحراج طهران التي كانت تستضيف هنية وغيره من كبار الشخصيات الإقليمية في حفل تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان.
وقال مصدران إيرانيان لرويترز إن مقتل هنية أحدث صدمة وسط كبار القادة الإيرانيين الذين يخشون بشدة الآن من احتمال أن تكون إسرائيل اخترقت قواتهم الأمنية. ويتزايد القلق من قدرة عدوهم اللدود على الوصول إلى كبار المسؤولين الإيرانيين واغتيالهم.
وقال الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي إن الانتقام هو “واجب” إيران لأنه حدث في العاصمة الإيرانية. وأضاف أن إسرائيل قدمت بنفسها المسوغات اللازمة لمعاقبتها بشدة.
ويفرض مقتل هنية على بزشكيان الآن مواجهة أول أزمة كبيرة بعد توليه الحكم. وتبنت إيران سياسة مزدوجة تتمثل في تجنب الدخول في حرب شاملة مباشرة لكنها تدعم الجماعات المسلحة التي تطلق النار على إسرائيل من لبنان واليمن والعراق وسوريا.
وقال حسين علائي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني لموقع جماران الإيراني على الإنترنت، دون تقديم أدلة، “تعاونت الولايات المتحدة بالتأكيد مع إسرائيل عن كثب في الجانبين العملياتي والاستخباراتي في خطة اغتيال هنية”.
وأضاف “بتنفيذ هذا الاغتيال، أرادت إسرائيل أن تظهر للجماعات الفلسطينية أنه لا يوجد مكان آمن لهم في أي مكان في العالم… ورسالة أيضا لبزشكيان مفادها أننا لن نسمح بالتغييرات في إيران وإقامة علاقات جيدة مع العالم”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في سنغافورة إن الولايات المتحدة ليست ضالعة في مقتل هنية.
ما خيارات إيران للرد؟
يقول محللون ومسؤولون وقيادات مسلحة إن لدى إيران عددا من الخيارات لكن جميعها ينطوي على مخاطر التصعيد.
وقد ترد إيران بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ في ضربة انتقامية من إسرائيل على غرار الهجوم الذي شنته بعد استهداف إسرائيل لمجمع سفارتها في دمشق في أبريل نيسان أسفر عن مقتل سبع قيادات عسكرية بارزة.
وردت إسرائيل بهجوم محسوب بدقة على الأراضي الإيرانية لم يؤد إلى خسائر بشرية.
وتستطيع إيران أيضا اغتيال دبلوماسيين أو مسؤولين إسرائيليين أو مهاجمة البعثات الإسرائيلية في الخارج.
وقد تختار طهران الرد من خلال وكلائها المسلحين، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، عبر تكثيف هجمات الوكلاء على إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
ويقول محللون إن جماعة حزب الله ستضطر إلى الانتقام برد يضاهي مكانة شكر كأعلى قيادة عسكرية للجماعة، لكنها ستأخذ في الاعتبار أيضا أن إسرائيل ضربته في الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت.
وقد يهاجم حزب الله مناطق في إسرائيل لم يضربها بعد في الصراع الحالي، من بينها مراكز حضرية، مما يفافم احتمالات الوقوع في دوامة انتقام وانتقام مضاد.
يرى المحلّل في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن أن اسرائيل باستهداف الضاحية “صعّدت على مستوى الموقع، وكذلك على مستوى رتبة الشخص المستهدف”.
ويضيف “هذا يعدّ تصعيداً لافتاً، لكنه ليس بالضرورة دراماتيكياً لدرجة تعني أن حزب الله سيقوم بردّ دراماتيكي أيضاً”.
ويشير إلى انه استناداً إلى “الأنماط السابقة، يتوقع أن يكون ردّ حزب الله تصعيدياً بنوعه، كأن يطال هدفاً عسكرياً أعمق وأهمّ داخل اسرائيل”.
وسبق أن هدد حزب الله بشنّ هجمات في عمق اسرائيل، إذا ما استهدفت بيروت.
وعلى وقع التصعيد المتواصل، أعلن رئيس أركان الجيش الاسرائيلي هرتسي هاليفي “لن نسمح بالعودة إلى وضع يكون فيه (حزب الله) موجوداً على الحدود”.
وأضاف “يعرف الجيش كيف يعمل وكيف يصل إلى نافذة معينة في حيّ في بيروت، ويعرف كيف يستهدف نقطة معنية تحت الأرض، وكيف يعمل…في الميدان بشكل قوي جداً”.
ومنذ بدء التصعيد عبر الحدود، قتل 537 شخصاً في لبنان بينهم 110 مدنيين و349 مقاتلاً على الأقل من حزب الله، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات حزب الله ومصادر رسميّة لبنانيّة.
وأعلن الجانب الإسرائيلي من جهته مقتل 22 عسكرياً و24 مدنياً على الأقل.
وقف إطلاق النار في غزة ومحادثات الأسرى
وفي سياق متصل قال محللون ومسؤولون في حماس إن الخليفة الأكثر ترجيحا هو الزعيم السياسي لحماس خالد مشعل، نائب هنية في المنفى الذي يعيش في قطر. وقال محللون إن حماس برزت تحت قيادة مشعل كلاعب أكثر أهمية في الصراع في الشرق الأوسط بعوامل الكاريزما الشخصية وشعبيته ومكانته الإقليمية.
ونجا مشعل بأعجوبة من محاولة اغتيال أمر بها نتنياهو في عام 1997.
وقال المحللون إن خليل الحية، المسؤول البارز في حماس، من بين الاحتمالات أيضا لأنه من المفضلين لدى طهران وحلفائها في المنطقة. وتوترت علاقات مشعل مع إيران بسبب دعمه للتمرد السوري بقيادة السنة في عام 2011 ضد الرئيس بشار الأسد.
وسيظل يحيى السنوار، العقل المدبر لهجمات حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل، هو القائد في غزة.
وتقول مصادر من حماس ومحللون إن اغتيال هنية، وهو محاور مهم في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والمفاوضات بشأن الأسرى، قضى على أي فرصة للتوصل إلى اتفاق وشيك.
والتزمت حكومة نتنياهو الصمت بشأن مقتل هنية، على الرغم من أن بعض الوزراء المتشددين غير المرتبطين بوزارتي الدفاع وبالسياسة الخارجية نشروا رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي احتفلوا فيها باغتيال هنية.
وواجهت الحكومة انقسامات في قضايا من بينها إدارة حرب غزة، ومارست الأحزاب القومية الدينية المتشددة ضغوطا على الجيش لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
لكن الوزراء متفقون حول ضرورة تدمير حماس، ورحب زعيم المعارضة يائير لابيد بمقتل هنية، كما نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لإسرائيليين يحتفلون.
ويقول أورييل أبولوف، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة تل أبيب “سيحصل نتنياهو، في الوقت الحالي على الأقل، على ما يريده وهو أن يكون هو الراية التي يتجمع حولها الإسرائيليون. ومن المؤكد أن ائتلافه لن ينقلب عليه”.
وقالت عائلات الرهائن التي قادت احتجاجات للمطالبة باتفاق لوقف القتال إن الأمن الحقيقي يتوقف على إطلاق سراح كل الرهائن المتبقين وعددهم 115 رهينة، وحثت نتنياهو على قبول الصفقة التي اقترحها الرئيس الأمريكي جو بايدن.
التداعيات على أهداف بايدن في الشرق الأوسط
سيضاف التصعيد إلى عقبات كثيرة تواجه بالفعل مسعى بايدن الدبلوماسي الطموح لإنهاء حرب غزة وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية مع توفير الأمن لإسرائيل والتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل للتطبيع. وقد يؤدي قتل هنية أيضا إلى دفع الإدارة الأمريكية نحو الإسراع باتجاه تقليص التداعيات بدلا من جهود إعادة تشكيل المنطقة، وهي في أشهرها الأخيرة في السلطة.
وقال دبلوماسي غربي إن الموقف يمكن قراءته إما كمحاولة إسرائيلية لجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية أو باعتباره رغبة من نتنياهو في تحقيق نصر يروج به لنفسه لدى الإسرائيليين. وأضاف أن الرد القوي على مقتل هنية قد يؤدي إلى رد قوي من جانب إسرائيل، مما قد يقود إلى “حلقة مفرغة وفتح كل أبواب الجحيم”.
اضف تعليق