تواصل خروج الفلسطينيين من رجال ونساء وأطفال بأعداد كبيرة من شمال القطاع، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل فتح ممر جديد للإخلاء لعدة ساعات. وفر 1,5 مليون شخص من أصل تعداد سكاني قدره 2,4 مليون نسمة في قطاع غزة، بسبب الحرب، فيما يتكدس مئات آلاف اللاجئين في وضع يائس في...
واصل الفلسطينيون الفرار من شمال قطاع غزة المدمر إلى الجنوب مع خروج عشرات الآلاف الخميس سيرا على الأقدام هربا من القصف والمعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس. وبعد أكثر من شهر من القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل ردا على هجوم حماس غير المسبوق على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ما زال مئات آلاف المدنيين عالقون في وضع إنساني كارثي في شمال القطاع، بحسب الأمم المتحدة.
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة في بيان يوم الجمعة إن 11078 فلسطينيا على الأقل قتلوا، من بينهم 4506 أطفال، في الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وأفادت الوزارة بأن 21 مستشفى و47 مركزا صحيا خرجت من الخدمة. ومن الجانب الفلسطيني، قتل 10812 شخصا بينهم 4412 طفلا، بحسب آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس الخميس.
واستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مجددا الخميس وقفا لإطلاق النار، قائلا "وقف إطلاق النار مع حماس يعني الاستسلام".
وأعلن نتانياهو أن أداء جيشه "جيد بشكل استثنائي" في هجومه على حركة حماس في غزة، مشددا على أن إسرائيل لا تخطط لاحتلال القطاع الفلسطيني.
وقال نتانياهو لشبكة فوكس نيوز "أعتقد أن أداء الجيش الإسرائيلي جيد بشكل استثنائي"، مضيفا "نحن لا نسعى إلى حكم غزة. ولا نسعى إلى احتلالها، لكننا نسعى إلى منحها ومنح أنفسنا مستقبلا أفضل".
هدن للإخلاء الجماعي
تواصل خروج الفلسطينيين من رجال ونساء وأطفال بأعداد كبيرة من شمال القطاع، على ما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل فتح "ممر" جديد للإخلاء لعدة ساعات.
وأعلن البيت الأبيض الخميس أن إسرائيل وافقت على تنفيذ "هدن" يومية لأربع ساعات للسماح للسكان بالتوجه جنوبا، بينما استبعد الرئيس الأميركي جو بادين أي إمكانية لوقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحافيين "ستبدأ إسرائيل بتنفيذ هدن لمدة أربع ساعات في مناطق بشمال غزة كل يوم، مع الاعلان عنها مسبقا قبل ثلاث ساعات".
ويشن الجيش الإسرائيلي عملية برية منذ 27 تشرين الأول/اكتوبر وتتحرك وحداته منذ عدة أيام في قلب مدينة غزة، بما يشمل محيط مستشفى الشفاء حيث أعلن "القضاء على أكثر من خمسين إرهابيا في معارك عنيفة".
وتكبدت المنطقة أضرارا جسيمة واضطر أحد سكانها يدعى محمود المصري وهو مزارع في الستين من العمر، إلى دفن أشقائه الثلاثة وأبناؤهم الخمسة في بستان منزله في بيت حانون في شمال شرق القطاع بالقرب من الحاجز الفاصل مع إسرائيل، قبل الفرار جنوبا.
وروى الرجل الستيني الذي لجأ مع عائلته إلى مستشفى في خان يونس بجنوب قطاع غزة "لا خيار لدينا، فالمقبرة تقع في المنطقة الحدودية التي توغلت فيها الدبابات" مضيفا "الوضع خطير جدا، سوف أنقل الجثث بعد الحرب".
ووصف الطبيب الجراح في اللجنة الدولية للصليب الأحمر توم بوتوكار وضعا "كارثيا" في المستشفى الأوروبي في خان يونس. وقال لفرانس برس "رأيت في الساعات الـ24 الأخيرة ثلاثة مرضى في جروحهم ديدان".
وأظهر شريط فيديو لوكالة فرانس برس، وقوع انفجارات ضخمة على مقربة من المستشفى الاندونيسي في بيت لاهيا بشمال غزة، ما أثار ذعرا في أرجائه.
وتعرضت المناطق المحيطة بعدد من المستشفيات في شمال القطاع للقصف ليل الخميس الجمعة، حسب وزارة الصحة التابعة لحماس، بما في ذلك مستشفى الشفاء، وهو الأكبر في قطاع غزة وحيث لجأ 60 ألف شخص، ومستشفى الرنتيسي للأطفال والمستشفى الإندونيسي. وأبلغت حماس عن وقوع إصابات من دون أن تتحدث عن سقوط قتلى.
وبحسب الأمم المتحدة، فر 1,5 مليون شخص من أصل تعداد سكاني قدره 2,4 مليون نسمة في قطاع غزة، بسبب الحرب، فيما يتكدس مئات آلاف اللاجئين في وضع يائس في الجنوب حيث يتراجع مخزون المواد الغذائية بصورة خطيرة، وفق المنظمة الأممية.
من جهتها، نفت اسرائيل أن يكون هناك "أزمة إنسانية" في غزة، مقرة في المقابل بـ"صعوبات كثيرة" يواجهها المدنيون فيما تصل المساعدات الدولية بشكل بطيء من مصر من خلال معبر رفح.
وأعيد الخميس فتح المعبر للسماح بمرور عدد محدود من الجرحى والأجانب وحاملي جوازات السفر الأجنبية وإدخال شاحنات مساعدات، وفق ما أفاد مدير إعلام المعبر وائل أبو عمر.
وتفرض اسرائيل منذ التاسع من تشرين الأول/أكتوبر "حصارا مطبقا" على قطاع غزة حارمة سكانه من المياه والكهرباء والمواد الغذائية والوقود. ويخضع القطاع أساسا لحصار إسرائيلي بحري وجوي وبري منذ العام 2007 بعد سيطرة حماس عليه.
وفي شمال القطاع، ما زال مئات آلاف الفلسطينيين في شمال وادي غزة "في وضع إنساني كارثي" بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) الذي اشار إلى أنهم "يكافحون للحصول على أدنى قدر ممكن من الماء والطعام الضروريين لبقائهم على قيد الحياة".
والمستشفيات التي لم تغلق بعد تعاني نقصا في الأدوية والوقود لتشغيل مولدات الكهرباء.
ووصف الطبيب أحمد مهنا في مستشفى العودة في جباليا وضعا "محزنا ومأسويا" مشيرا إلى أن الجراحين يجرون العمليات تحت "التخدير الموضعي" لعدم توافر الكهرباء لتشغيل المعدات الضرورية للتخدير العام.
توازيا أكّد الجيش الإسرائيلي أنّ مسيّرة مجهولة المصدر تحطّمت الخميس على مدرسة ابتدائيّة في مدينة إيلات على البحر الأحمر في جنوب إسرائيل، ما سبّب أضرارا مادية وحالا من الذعر.
نكبة جديدة
قال فلسطينيون يمشون بتثاقل أمام الدبابات الإسرائيلية والجثث المتحللة عبر ممر على خط الجبهة يؤدي إلى خارج مدينة غزة المحاصرة إنهم يخشون حدوث "نكبة" جديدة على غرار "كارثة" التهجير الجماعي للفلسطينيين بعد قيام إسرائيل عام 1948.
وتحرك الآلاف جنوبا على طريق صلاح الدين من مدينة غزة، وهو طريق الخروج الوحيد للمدنيين الفارين من الحصار المشدد مع توغل الدبابات الإسرائيلية أكثر في قطاع غزة.
وقالت امرأة تدعى أم حسن "ايش اللي فضل ورانا، دمار وموت"، مضيفة أنهم غادروا وهم خائفون. وكانت قد عبرت للتو إلى جنوب غزة قادمة من شمال الجيب الصغير المزدحم.
وتابعت "نحنا الشعب الفلسطيني الفقير اللي دمرت بيوته"، واصفة ما حدث بالنكبة الثانية.
ولا تزال حرب عام 1948، عندما فر الفلسطينيون أو طُردوا من منازلهم، محفورة في ذاكرتهم الجماعية. وعبر الكثيرون عن مخاوفهم من أنهم إذا أُجبروا على ترك منازلهم الآن، فلن يُسمح لهم بالعودة أبدا مثل أسلافهم.
وطلبت القوات الإسرائيلية منذ أسابيع من الفلسطينيين مغادرة شمال غزة إلى الجنوب الذي تقصفه أيضا، قائلة إنه سيسمح لهم بالعودة إلى ديارهم بمجرد انتهاء الصراع. ومع تصاعد القتال داخل مدينة غزة، بدأ عدد كبير من السكان التحرك جنوبا.
وقال خالد أبو عيسى، من مخيم الشاطئ للاجئين المتاخم لمدينة غزة، إنه غادر بعد تعرض حيه للقصف المدفعي بشكل متكرر.
وأضاف أن "الرحيل كان صعبا جدا. كنت جالسا بأمان في المنزل وجاءت إسرائيل وشردتني مرة أخرى".
تم تسجيل معظم الفلسطينيين في غزة كلاجئين بعد أن فر أسلافهم من منازلهم داخل حدود إسرائيل في عام 1948. ومنذ السابع من أكتوبر تشرين الأول، تم تهجير أكثر من نصف سكان القطاع.
وقال العديد من الأشخاص الذين قاموا بالرحلة نحو الجنوب لرويترز إنهم رأوا جثثا على جانب الطريق، مما أثار رعب البالغين والأطفال على حد سواء.
وقال أبو عيسى "أثناء سيرنا رأينا جثثا متحللة. أشخاص (كانوا يستقلون) سيارات مدنية، مدنيون مثلنا، وليس مركبات عسكرية أو رجال حماس".
وفر معظمهم سيرا على الأقدام حاملين ما استطاعوا. وعندما مروا بالدبابات الإسرائيلية على خط المواجهة، رفعوا أذرعهم لإظهار بطاقات هوياتهم.
وقالوا إنه في جنوب غزة هناك عدد قليل فقط من السيارات التي لا تزال مزودة بالوقود ويتعين على الكثيرين مواصلة السير حتى يتمكنوا من العثور على مكان جديد للاحتماء.
الهروب من كل شيء
حياة أمل الربايعة اليومية معركة فعلية، فبعدما تمضي ليلتها مع آلاف النازحين الآخرين في مدرسة تابعة للأمم المتحدة بعد أن هُدم منزلها جراء قصف إسرائيلي، تنهض في الصباح الباكر للبحث عن ماء وطعام لعائلتها.
عند الساعة الثامنة صباحا، تغادر أمل الربايعة البالغة من العمر 45 عاما المدرسة التابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي لجأت إليها مع زوجها وأطفالها الستة وزوجة ابنها وطفليها، متوجهة إلى أنقاض منزل العائلة المهدم في رفح في جنوب قطاع غزة.
توضح أن مهمتها الأولى تقوم على "تدبر الدقيق لعمل الخبز ... ما أن أفتح عيني أفكر ماذا وكيف سأطعم أولادي؟".
ما أن يستيقظ، يسارع نجلها سليمان البالغ 24 عاما إلى المخبز للحصول على رقم في الطابور الذي يتشكل قبل أن ينطلق ليأخذ دوره أمام نقطة لتوزيع المياه.
ويقول لوكالة فرانس برس "بالكاد أنام الليل، ما أن يطلع الصباح ... أذهب للحصول على رقم للدور من المخبز ثم أعود حين يبدأون بالبيع، ثم أذهب للوقوف في طابور لتعبئة غالون أو اثنين من الماء".
ويوضح "يستغرقني ذلك إن كنت محظوظا ساعتين، لكن غالبا يصل الأمر لأربع أو خمس ساعات".
لكن الانتظار الطويل لا يفضي إلى نتيجة بالضرورة.
تؤكد والدته "نتناوب على الوقوف في الطابور، قبل يومين وقفت أمام المخبز منذ الثانية ظهرا حتى السادسة والنصف مساء قبل أن يصل دوري. لكن قالوا لي ان الخبز نفد، رجوتهم أن يعطوني بضعة ارغفة للأطفال لكنهم رفضوا".
وتروي أمل بأسى "حتى الحصان الذي كان يعمل عليه ابني لجر العربة والعمل في الزراعة قُتل، ذهب المال ورأس المال ولم يتبق لنا شيء".
لاحقا تنضم إليها سلفتها نسرين البالغة 39 عاما وهي تحمل كيسا صغيرا من الدقيق نجحت في الحصول عليه.
تسرع المرأتان إلى إضافة بعض المياه والخميرة إلى الدقيق وعجنه. ثم تذهب إحداهما للبحث بين الانقاض عن قطع حطب صغيرة لإشعال النار وخبز العجين.
مع أن الدخان المتصاعد يزعج بلال البالغ تسع سنوات ويدفعه إلى السعال، يحرص الطفل على المساعدة ويصيح مبتسما "انظروا ها انا اساعدكم حتى لا تقولوا إني لا أفعل"، وهو يهم برفع الغسيل الذي غسل بأقل قدر ممكن من المياه.
فالمياه عملة نادرة في قطاع غزة وينبغي استهلاكها بترو للتمكن من الاستحمام من وقت إلى آخر.
وتقول أمل مشيرة إلى حمام منزلها المدمر التي لا تزال حيطانه صامدة "نستحم هنا، على الأقل بقيت حيطان الحمام لسترنا رغم أنه مدمر من الداخل ورغم الخوف من أن ينهار علينا".
وتوضح "ننتظر توافر المياه لأحمم أطفالي واستحم أنا ايضا كل أربعة أو خمسة أيام. تتوافر المياه مرة وأحيانا لا تأتي".
يجلس زوجها عماد على الركام ويأخذ آلة الناي محاطا بالكثير من الاطفال ويبدأ عزف أناشيد فلسطينية يرددها الحضور معه.
يقول عماد "عودي تحت الركام هنا، لكني فرحت كثيرا بالعثور على الناي أعزف عليه كل يوم محاولا تفريغ الطاقة السلبية والترفيه عن الأطفال"، مضيفا "نجلس مع بعضنا في محاولة للهروب من كل شيء".
يسترجع عماد حياة العائلة ما قبل الحرب قائلا "كل يوم جمعة كنا نعد وجبة غذاء من الدجاج وخبز الصاج والأرز، لم نأكل مثل ذلك منذ بداية الحرب".
مع حلول العصر، كانت العائلة قد نجحت في الحصول على 27 ليترا من المياه ونصف كيلوغرام من المعكرونة وعبوة صلصة صغيرة، لنحو خمسين شخصا.
ويؤكد عماد "الأطفال جائعون، سنبدأ بهم" فيما يصطف الصغار حاملين الأطباق للحصول على بعض الطعام الذين يلتهمونه وقوفا وهم يتكئون على جدران ما زالت صامدة بين الأنقاض.
بعد الوجبة الصغيرة، يكتفي الوالدان بفنجان شاي واحد إذ ينبغي الاقتصاد في استهلاك علبة الشاي الصغيرة حتى تكفي أطول فترة ممكنة.
وسط هدير المسيّرات المتواصل، تسلك العائلة قبل مغيب الشمس طريق العودة إلى مدرسة الأونروا التي يبيت فيها الكثير من النازحين جراء الحرب.
وتقول أمل "اشعر بالقلق طيلة الوقت، الجو أصبح باردا في الليل ولا أعرف كيف سنتدبر ملابس شتوية للاطفال".
وتؤكد سلفتها "الأطفال لا ينامون وإن نام بعضهم يستيقظون في وسط الليل يصرخون. انتظر الصباح بفارغ الصبر حتى نأتي هنا بجوار المنزل".
مقابر جماعية
فر محمود المصري إلى رفح في جنوب قطاع غزة هربا من القصف وكان قبل ذلك قد دفن إخوته الثلاثة وخمسة من أبنائهم قضوا في قصف إسرائيلي في قبر جماعي حفره في بستان حمضيات تابع لمنزله.
قبل الحرب الأخيرة، كان المصري البالغ ستين عاما يعيش في منزل مكون من طابقين وسط بستان حمضيات كبير في بيت حانون في شمال شرق قطاع غزة قرب السياج الفاصل مع إسرائيل.
في بداية الحرب تجاهل المصري وهو مزارع، نداءات الجيش الإسرائيلي لسكان شمال قطاع غزة التي تطالبهم بالنزوح جنوبا، لكن اشتداد القصف في المنطقة دفعه إلى النزوح قبل حوالى عشرة أيام مع زوجته وأولاده إلى أحد المستشفيات.
ويقول لوكالة فرانس برس التي التقته في خان يونس في جنوب القطاع، إن القصف العنيف والمتواصل اضطره إلى دفن أفراد العائلة في البستان بعدما قضوا في ضربة إسرائيلية على بيت حانون .
ويضيف "لا خيار لدينا، فالمقبرة تقع في المنطقة الحدودية التي توغلت فيها الدبابات".
ويستدرك "الوضع خطير جدا، سوف أنقل الجثث بعد الحرب".
ويؤكد "علمت أن الجرافات (الإسرائيلية) هدمت بيتي لا أعرف هل بقي القبر أم دمروه".
وتسبب ارتفاع أعداد القتلى في اكتظاظ معظم مقابر القطاع مع استحالة الوصول إلى تلك الواقعة عند الحدود في مناطق يستهدفها القطف الإسرائيلي دونما هوادة.
واضطرت هذه الأزمة العائلات إلى تصرف وفق ما هو متوافر من إمكانات.
مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، قصفت إسرائيل مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن العشرات قضوا جراء القصف الذي استهدف منازل سكنية.
حينها، انتشل السكان نحو خمسين جثة بينها نساء وأطفال.
حمل الأهالي تلك الجثامين في صندوق شاحنة إلى المستشفى الإندونيسي قبل أن ينقل بعضها على عربات تجرها جياد إلى إحدى المقابر.
لكنهم لم يجدوا مكانا لدفنها. فتوجه المشيعون نحو ملعب ترابي لكرة القدم خلف المستشفى الأندونيسي وأقاموا حفرة كبيرة مستطيلة الشكل، قسموها إلى قسمين، واحد للذكور والثاني للإناث، دفنوا القتلى قبل أن يغطوا الحفرة بألواح من الصفيح ويرموا عليها الأتربة.
قبل الحرب، كان الملعب الواقع في منطقة تل الزعتر في مخيم اللاجئين مخصصا للمباريات المحلية وهو تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتحيط بالملعب ثلاث مدارس تابعة للأمم المتحدة تم تحويلها إلى مراكز لجوء للنازحين خلال الحرب، تتدلى من شرفاتها الملابس المغسولة.
يقول شحتة ناصر البالغ 48 عاما "ندفن الشهداء في أماكن عامة، في الملاعب، في أراض فارغة، لا مكان في المقابر".
ويضيف الرجل الذي شارك في الدفن الجماعي "يتم نقل الشهداء في عربات الحيوانات بسبب نفاد الوقود" اللازم لتشغيل المركبات.
مشهد قديم يتجدد
يعيد مشهد خيام النازحين الفلسطينيين حاليا ضمن أراضي غزة إلى ذاكرة دول مجاورة، خصوصا مصر والأردن، لحظات تاريخية مظلمة تغذي الشكوك الإقليمية بأن إسرائيل تخطط لإفراغ القطاع الساحلي من سكانه.
وتقول منظمة الميزان لحقوق الانسان ومقرّها غزة "هكذا بدأت النكبة" بتهجير 760 ألف فلسطيني في الحرب التي أدت إلى تأسيس إسرائيل قبل 75 عاما.
وأثارت الحرب الإسرائيلية المخاوف من أن التاريخ لربما يعيد نفسه.
يقطن قطاع غزة بالمجمل لاجئون فلسطينيون وأحفادهم ممن يرزحون وبالتالي، تثير الدعوات الإسرائيلية لإخلاء شمال القطاع مخاوف تاريخية أكبر.
وتقول منظمة الميزان "كل من يعرف التاريخ الفلسطيني يجب أن يرتجف عندما يرى هذه الخيام فهكذا بدأت النكبة".
وتابعت "العديد من أهالي غزة يفضلون الموت على أن يصبحوا لاجئين مرة ثانية".
لكن الشكوك حيال تخطيط إسرائيل لعملية تهجير واسعة تعززت بتصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون سابقون خلال مقابلات تلفزيونية إذ ذكروا بأن مصر يمكن أن تبني مدن خيام شاسعة في صحراء سيناء بتمويل دولي.
اضف تعليق