لو كانت روسيا دولة طبيعية، لكان تمرده أدى الى محاكمته، لا يعقل قتل شخص من دون محاكمة، خصوصا وأنه لم يكن مختبئا. لكن في عالم بوتين، عالم رجال العصابات، هذه هي الطريقة الوحيدة للقيام بالأمور. بوتين اعتاد على الثأر المتأخر. مقتل بريغوجين أتى مبكرا. حياته أصبحت مهددة مذ تمرّد...
لا تزال الظروف الدقيقة المحيطة بالوفاة المرجحة لزعيم مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين غير واضحة الخميس، الا أن قناعة راسخة بدأت تتولّد لدى العديد من المحللين: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتقم من "طاهيه" السابق.
وفاة يفجيني بريجوجن رئيس مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة في حادث تحطم طائرة تجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقوى على المدى القصير بعد التخلص من شخصية قوية تحدت سلطته وهددت بجعله يبدو ضعيفا.
لكن موته، الذي لم يصدر تأكيد رسمي له باستثناء بيان من هيئة الطيران يقول إنه كان على متن الطائرة، سيحرم الرئيس الروسي أيضا من لاعب قوي وذكي أثبت فائدته للكرملين بإرساله مقاتلي المجموعة إلى بعض من أكثر المعارك دموية في حرب أوكرانيا وكذلك بتعزيزه المصالح الروسية في أنحاء أفريقيا.
وأشاد بوتين ببريجوجن ووصفه بأنه رجل أعمال موهوب، وقدم تعازيه لأسر الذين لقوا حتفهم في حادث سقوط الطائرة.
وأضاف بوتين في تصريحات تلفزيونية أنه يتعين الانتظار حتى ظهور نتيجة التحقيق الرسمي في الحادث الذي قُتل فيه جميع من كانوا على متن الطائرة وعددهم 10.
وبينما كانت أجهزة الطوارئ تنتشل الجثث من موقع تحطّم الطائرة، كان الرئيس فلاديمير بوتين يلقي كلمة بمناسبة الذكرى الثمانين لمعركة كورسك في الحرب العالمية الثانية.
وزار بوتين هذه المنطقة الواقعة في جنوب غرب روسيا قرب الحدود مع أوكرانيا لإحياء هذه الذكرى أمام حشد من مواطنيه.
ولم يتطرّق الرئيس الروسي في كلمته إلى تحطّم الطائرة، مكتفياً بتوجيه تحيّة إلى الجنود الروس "المخْلصين" الذين "يقاتلون بشجاعة وتصميم" في أوكرانيا.
وشدّد الرئيس الروسي على أنّ "الإخلاص للوطن والولاء للقَسَم العسكري يوحّد جميع المشاركين في العملية العسكرية الخاصة"، الاسم الذي تطلقه موسكو على هجومها على أوكرانيا.
وكان بوتين وصف بريغوجين، من دون أن يسمّيه، بالـ"خائن" إثر التمرّد الفاشل الذي قاده زعيم فاغنر ضدّ القيادة العسكرية الروسية في حزيران/يونيو.
وقالت السلطات الجوية الروسية إن بريجوجن وساعده الأيمن دميتري أوتكين وثمانية أشخاص آخرين كانوا على متن طائرة خاصة تحطمت شمالي موسكو دون أن ينجو منها أحد.
ولم يظهر أي دليل يدعم الاعتقاد السائد بأن بريجوجن قُتل انتقاما لتنفيذه تمردا في أواخر يونيو حزيران الماضي، وهو الافتراض الذي قال محللون إنه ربما يناسب بالفعل أغراض بوتين.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسِسة شركة (آر. بوليتيك) الاستشارية "مهما كانت أسباب تحطم الطائرة، سيرى الجميع أنه عمل انتقامي وعقابي، ولن يتدخل الكرملين بوجه خاص في هذا".
وأضافت "من وجهة نظر بوتين وكثيرين من أفراد قوات الأمن والجيش، يجب أن يكون موت بريجوجن عبرة لأي أتباع محتملين".
والتزم الكرملين الصمت حيال الحادث وأسبابه.
افتراض خاطئ
جاء الحادث بعد شهرين من اليوم الذي نفذ فيه بريجوجن ومقاتلو فاجنر المرتزقة تمردا سيطروا فيه على مدينة في جنوب روسيا وتقدموا نحو موسكو، وأسقطوا عددا من طائرات القوات الجوية الروسية مما أودى بحياة طياريها.
ووصف بوتين، الذي تحدث في الماضي عن كراهيته للخونة، الأمر بأنه "طعنة في الظهر".
وبعد التمرد، توقف بريجوجن عن انتقاداته المتواصلة لمؤسسة الدفاع لكنه واصل عملياته وتحرك بحرية فيما يبدو داخل وخارج روسيا على الرغم من اتفاق مع الكرملين كان من المفترض أن ينتقل بموجبه إلى روسيا البيضاء.
س جالياموف، وهو كاتب خطب سابق في الكرملين وتصفه روسيا حاليا بأنه "عميل أجنبي"، إن بريجوجن افترض خطأ أن بوتين لا يمكنه الاستغناء عنه بسبب نطاق وأهمية أنشطته.
وشملت هذه الأنشطة عمليات واسعة النطاق في أفريقيا حيث قامت فاجنر بتوسيع خدمات مقاتليها في بلدان مثل مالوقال عباي وجمهورية أفريقيا الوسطى مقابل امتيازات تعدين الذهب والماس.
ووضع الكرملين هذه الأنشطة في إطار أنها محض عمليات تجارية خاصة، لكنه استخدم فاجنر لتوسيع النفوذ الروسي في القارة في منافسة مع قوى غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة.
وقال جالياموف إن بريجوجن "افترض أن بوتين لا يريد المخاطرة بكل هذا... لقد قلل من مدى أهمية أن يبعث بوتين رسالة لجميع المتمردين المحتملين مفادها: أيها الرجال، لا تعتقدوا أن بوسعكم اقتراف هذا والبقاء على قيد الحياة".
لعبة العروش
لكن وفاة بريجوجن، إذا تم تأكيدها، لن تخلو من كلفة يتكبدها بوتين.
وقال محللون إن ذلك يفتح احتمال نشوب صراع فوضوي من أجل السيطرة على إمبراطورية فاجنر التجارية الضخمة، واحتمال حدوث انقسام بين البراجماتيين الراغبين في الاندماج مع وزارة الدفاع وبين الفصيل القومي المتطرف المستاء والذي ينفس بالفعل عن غضبه على قنوات التواصل الاجتماعي.
وقال آندرو بورين، المدير التنفيذي لشركة (فلاشبوينت) لاستخبارات التهديدات وهو مسؤول سابق في الاستخبارات الأمريكية "أعتقد أنه من الممكن من نواح كثيرة أن تظهر بيئة (تشبه مسلسلي) ’لعبة العروش’ أو ’آل سوبرانو’ يكون لدينا فيها تنافس بين فصائل وجماعات منبثقة أصغر من فاجنر".
وأضاف "على المدى الطويل، أعتقد أنها خسارة استراتيجية" لروسيا.
وقال صامويل راماني، المحلل في مركز (روسي) البحثي في لندن ومؤلف كتاب "روسيا في أفريقيا"، إن فقدان شبكة بريجوجن الواسعة سيؤثر سلبا على لبوتين.
وأضاف راماني في مقابلة هاتفية إن بوتين "سيفقد علاقات شخصية كثيرة استطاع بريجوجن إقامتها في تلك القارة، بما في ذلك نوع العلاقات التي قد تكون ضرورية لتصدير الذهب والماس من الدول الخاضعة لعقوبات مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى".
وتحطمت الطائرة في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وسائل الإعلام الرسمية الروسية إقالة سيرجي سوروفيكين، القائد السابق للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، من منصب قائد القوات الجوية. وقالت تقارير واسعة الانتشار لكن غير مؤكدة أن سوروفيكين خضع لتحقيق في احتمال ضلوعه في تمرد بريجوجن.
وقال راماني إن سقوط الرجلين قد يعيق قدرة موسكو على شن عمليات هجومية قادرة على الصمود في العام المقبل. والرجلان يعتبران على نطاق واسع من أكثر الأشخاص تأثيرا في حرب تعرضت فيها روسيا لإخفاقات كثيرة محرجة.
وأضاف راماني إنه إذا كان بوتين مسؤولا عن مقتل بريجوجن، فإن هذا يظهر استعداده للضلوع في قمع وحشي لأي نوع من المعارضة.
ومضى يقول "لكنه يكشف هشاشة أيضا لأنه سيتعين عليه استخدام القوة الآن لقمع هؤلاء القوميين المتطرفين الذين استطاع سابقا احتواءهم وترويضهم بضمهم إلى ائتلافه. وهذا ليس مؤشرا إيجابيا على قدرة بوتين على الاستمرار بعد عام 2024".
عالم رجال العصابات
يقدم محللون سلسلة من الأسباب التي تضع اغتيال بريغوجين بقرار من قمة الهرم في موسكو، على رأس الفرضيات المرجحة: غضب بوتين جراء التمرد المسلح في حزيران/يونيو، تاريخ الرئيس الروسي في القضاء على معارضيه، وتشدد الكرملين حيال أي معارضة منذ غزو أوكرانيا في 2022.
وكتب خودوركوفسكي عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) "لو كانت روسيا دولة طبيعية، لكان تمرده أدى الى محاكمته"، مضيفا "بصرف النظر عن رأينا ببريغوجين، لا يعقل قتل شخص من دون محاكمة، خصوصا وأنه لم يكن مختبئا".
وتابع "لكن في عالم بوتين، عالم رجال العصابات، هذه هي الطريقة الوحيدة للقيام بالأمور. من يدري ما كان (بريغوجين) ليقول خلال المحاكمة...".
من جهته، ذكر الباحث في مركز "روسي" البريطاني سامويل راماني بأن "ألكسندر ليتفينينكو وآنا بوليتكوفسكايا انتقدا حرب الشيشان مطلع الألفية وتم اغتيالهما في 2006".
وأضاف "بوتين اعتاد على الثأر المتأخر. مقتل بريغوجين أتى مبكرا".
وطرح السفير الأميركي السابق في موسكو مايكل ماكفاول أسئلة إضافية عبر "إكس"، منها "لماذا اختار بوتين قتل بريغوجين بهذه الطريقة الدرامية؟ لماذا سمح لبريغوجين بلقاء قادة أفارقة خلال قمة سانت بطرسبرغ" في تموز/يوليو.
كما سأل عن سبب السماح لمؤيدي فاغنر "بالتحدث عن الانتقام عبر منصات التواصل الاجتماعي الآن".
فرضية اسقاط الطائرة بصاروخ
وحفلت التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي الروسية، أكانت لحسابات قريبة من المعارضة أو من فاغنر، بالترجيحات التي تتوافق مع تحليلات مراكز الأبحاث الغربية: حياة بريغوجين أصبحت مهددة مذ تمرّد على القيادة العسكرية في حزيران/يونيو.
فتحت السلطات تحقيقا بشأن انتهاك قواعد الملاحة الجوية. وحضر عناصر من لجنة التحقيق التي تتولى البحث في الجرائم الخطرة، الى مكان التحطم بعد أقل من 24 ساعة على وقوع الحادث.
لم يعد لمجموعة فاغنر أي حساب رسمي على منصات التواصل منذ 26 حزيران/يونيو، وآخر ما نشرته كان تسجيلا صوتيا لبريغوجين. لكن حسابات قريبة منها تحدثت عن اسقاط الطائرة بصاروخ من نظام "أس-300" للدفاع الجوي، من دون أدلة على هذه الفرضية.
وسارعت الحسابات على منصات التواصل الى طرح هذه الفرضية بعيد الإعلان عن تحطم الطائرة. وتحدث حساب باسم "غراي زون" عن "آثار (خطوط) بيضاء" لصواريخ الدفاع الجوي، وفق شريط مصوّر قيل إنه يظهر الطائرة أثناء سقوطها.
ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التحقق من صحة هذا الفيديو المتداول.
لكن صورا وأشرطة أخرى أمكن التحقق منها، تظهر الطائرة التي ورد اسم بريغوجين على لائحة ركابها، وهي تسقط من الجو بطريقة لولبية.
وألمحت رئيسة تحرير شبكة "آر تي" التلفزيونية التي تعدّ مقربة من الكرملين، الى فرضية قتل بريغوجين.
وكتبت عبر منصات التواصل "شخصيا، أميل الى (الفرضية) الأكثر ترجيحا".
سيد الأوهام
قالت امرأة ذكرت أن اسمها يلينا لرويترز في موسكو "أول شيء أعتقده هو أن هذا الرجل ارتكب أخطر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها عسكري. أعتقد أن ما كان يضمن سلامته هو توقفه عما بدأه. لكنه لم يتوقف".
وقال رجل ذكر أن اسمه بوريس "كان هذا الرجل، في الواقع، سيد الأوهام. ربما لم يمت. لا أحد يعرف بعد. لن ينظموا جنازة أو يظهروا الجثة".
وأعلنت قناة جراي زون على تيليجرام، وهي مرتبطة بفاجنر، وفاة بريجوجن ووصفته بالبطل والوطني الذي مات على أيدي "خونة لروسيا".
ومع غياب الحقائق المؤكدة، اتهم بعض أنصاره الدولة بينما أشار آخرون إلى أوكرانيا التي احتفلت بعيد استقلالها.
وأيا كان المسؤول عن الحادث فإن من شأن موت بريجوجن أن يخلص بوتين من شخص كان بمثابة التحدي الأشد خطورة لسلطته منذ وصوله إلى السلطة عام 1999.
كما أن من شأن مقتل بريجوجن أن يترك فاجنر بلا قيادة مما يثير تساؤلات عن عملياتها المستقبلية في أفريقيا وأماكن أخرى. وأثارت المجموعة ثائرة بوتين في يونيو حزيران بتنظيم تمرد فاشل ضد كبار ضباط الجيش.
قيادات فاغنر
تحطمت الطائرة في منطقة تفير شمال موسكو خلال رحلة بين العاصمة ومدينة سان بطرسبرغ. وكان على متنها عشرة أشخاص بينهم ثلاثة من أفراد الطاقم، وفق قائمة نشرتها هيئة الطيران.
وأكدت وزارة الطوارئ الروسية مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة.
ونشر موقع "دوسييه" ("ملف") التابع لرجل الأعمال المعارض ميخائيل خودوركوفسكي المقيم في المنفى، نبذات مقتضبة عمن كانوا على متن الطائرة، وبعضهم من كبار قادة فاغنر.
كان أبرزهم الذراع اليمنى لبريغوجين دميتري أوتكين، الرجل الحليق الرأس والمعروف بملامحه الصلبة وآرائه المتعاطفة مع النازيين الجدد، والذي يعتقد أنه عمل سابقا في صفوف جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية.
ووفق الموقع، كان أوتكين "المسؤول عن القيادة والتشكيل القتالي" لفاغنر".
معه كان فاليري تشيكالوف، أحد مديري شركة "كونكورد" التي أسسها بريغوجين، وعمل معه منذ مطلع القرن الحالي. وهو أشرف على مشاريعه المدنية في العالم مثل "التنقيب الجيولوجي، انتاج النفط، أو الزراعة"، وفق الموقع.
ومساء الإثنين، ظهر بريغوجين في مقطع فيديو نشرته مجموعات قريبة من فاغنر على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيه إنّه موجود في أفريقيا ويعمل على "جعل روسيا أعظم في جميع القارات وضمان مزيد من الحرية في إفريقيا".
وكان ذلك أول ظهور لبريغوجين منذ أن قرّر وقف تمرّده ضدّ الحكومة الروسية في حزيران/يونيو الماضي.
وبدا بريغوجين في الفيديو مسلّحًا ويرتدي ملابس عسكرية في منطقة صحراوية.
وقال في الفيديو الذي بُثّ على حسابات في تطبيق تلغرام مقربة من مجموعته، "نحن نعمل! درجة الحرارة +50، مثلما نحبّها تماماً. مجموعة فاغنر تنفّذ مهمة استطلاعية، وهذا يعزّز عظمة روسيا في جميع القارات ويضمن مزيداً من الحرية لإفريقيا".
وبعد أن قال إنّ مجموعته تمثّل "كابوسًا" لجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، دعا بريغوجين إلى التطوّع في صفوف مجموعته "لتحقيق المهام التي تمّ تحديدها والتي وعدنا بالوفاء بها".
ولم يذكر في أيّ بلد هو، فيما تتواجد المجموعة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي حين استقر بعض مقاتلي فاغنر في بيلاروس حيث عملوا خصوصاً "مدرّبين" لجنودها، ظلّ مكان بريغوجين مجهولاً.
ويأتي تحطّم الطائرة في نفس اليوم الذي أعلنت فيه موسكو أنّ الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائد القوات الجوية الروسية وأحد أبرز ضباط الجيش، أُعفي من مهامه.
وجمعت صلات وثيقة بين الجنرال سوروفيكين الذي اشتهر بصلابته وقسوته، ومجموعة فاغنر.
وسرت شائعات منذ أسابيع عن عزله في أعقاب تمرّد المجموعة.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نقلًا عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن سوروفيكين كان على علم مسبق بتمرّد بريغوجين وأنّه قد يكون اعتُقل. لكنّ الكرملين نفى المعلومات الواردة في التقرير، من دون أن يلغي ذلك الغموض الذي يلفّ مصيره.
ردود الفعل الغربية
وتوالت ردود الفعل من القادة الغربيين إذ قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لا أعرف حقيقة ما حصل... قلما تحصل أمور في روسيا بدون أن يكون بوتين وراءها".
ورأت فرنسا أن ثمة "شكوكا منطقية" حيال الحادثة فيما اتفق ناطق باسم الحكومة مع تقييم بايدن.
وسخرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا من اختفاء بريغوجين مشيرة إلى أن "معدل حالات الموت في أوساط المقرّبين من بوتين مرتفع بشكل لافت.. إنه أمر محفوف بالمخاطر".
من جانبه، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن "لا علاقة لنا إطلاقا بهذا الوضع بكل تأكيد. أعتقد أن الجميع يعرف من المسؤول عن ذلك".
وقال الرئيس الليتواني غيتاناس نوسيدا "لا ينبغي لنا حقاً أن نعتقد أن وفاة بريغوجين ستجعلنا نشعر بالهدوء أو أنها تحسن الوضع الأمني بطريقة أو بأخرى" في المنطقة.
وبدا أن حتى شخصيات بارزة مؤيدة للكرملين مثل مارغاريتا سيمونيان، حليفة بوتين، أشارت إلى أن ما حدث يمكن أن يكون عملية اغتيال محتملة.
وقالت على وسائل التواصل الاجتماعي "من بين الروايات التي يتم تداولها هي أنه مسرحية. لكنني شخصيا أميل نحو (الرواية) الأوضح".
وفي أوكرانيا، احتفل البعض بمقتل بريغوجين المحتمل الذي عرف مقاتلوه بممارساتهم الوحشية.
وقالت الموظفة الحكومية إرينا كوتشيما لفرانس برس في كييف "أشعر بالسعادة حقا لمقتله، إذا كان الأمر صحيحا.. لنأمل أنه كذلك".
اللحظات الأخيرة
وفتح المحققون تحقيقا جنائيا لكن لم ترد أنباء رسمية عن سبب سقوط الطائرة أو حتى تأكيد رسمي لوفاة بريجوجن باستثناء بيان من هيئة الطيران يقول إنه كان على متن الطائرة.
وسقطت الطائرة الخاصة (إمبراير ليجاسي 600)، التي أقلعت من موسكو في طريقها إلى سان بطرسبرج، قرب قرية كوجينكينو بمنطقة تفير شمالي موسكو.
ورأى مراسل لرويترز في موقع السقوط رجالا يحملون أكياس جثث سوداء على محفات. وبدا جزء من ذيل الطائرة وقطعا أخرى متناثرة على الأرض قرب منطقة غابات نصب فيها محققو الطب الشرعي خيمة.
وأفاد منفذ بازا الإخباري، الذي له مصادر جيدة بين وكالات إنفاذ القانون، بأن المحققين يركزون على نظرية تفيد باحتمال زرع قنبلة أو اثنتين على متن الطائرة.
وقالت مصادر لم تُذكر بالاسم لوسائل إعلام روسية إنها تعتقد أن الطائرة أُسقطت بصاروخ أرض جو أو أكثر. ولم تتمكن رويترز من تأكيد أي من الروايتين.
وقال سكان كوجينكينو إنهم سمعوا دويّا ثم رأوا الطائرة وهي تسقط على الأرض. ولم تُظهر الطائرة أي علامة على وجود مشكلة حتى سقطت بشدة في آخر 30 ثانية، بحسب بيانات تتبع الرحلة.
ووضع أشخاص زهورا وأضاءوا شموعا قرب مقر فاجنر في سانت بطرسبرج.
وأظهر موقع فلايترادار24 على الإنترنت أن الطائرة اختفت عن شاشات الرادار الساعة 1511 بتوقيت جرينتش. وأظهر مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتسن التحقق منه، طائرة تشبه الطائرة الخاصة وهي تسقط من السماء.
وقال أحد سكان القرية لرويترز ويدعى فيتالي ستيبينوك (72 عاما) "سمعت انفجارا أو فرقعة. عادة إذا حدث انفجار على الأرض تسمع صدى للصوت لكن الأمر كان دويا فحسب ونظرت للأعلى فرأيت دخانا أبيض".
وأضاف "انفصل أحد الجناحين في اتجاه مغاير بينما سقط جسم الطائرة هكذا" مشيرا بذراعيه لتوجه الطائرة مباشرة صوب الأرض.
وقال "ثم انزلقت على جناح واحد لم تسقط بمقدمتها بل انزلقت" مشيرا إلى أنه كان يخشى أن تسقط على منازل في القرية.
وتابع الرجل "كنت هناك فقفزت على دراجتي ووصلت (لموقع التحطم) خلال نحو 20 دقيقة. كانت النيران تأكل كل شيء. وكان هناك أشخاص يتحركون حول الحطام. سحبوا شخصا أو رفات شخص.. لم أتبين الأمر جيدا. رأيت الرقم على الطائرة وأخبرتهم به".
وقال قروي آخر اسمه أناتولي "بالنسبة لاحتمالات ما حدث، أقول ما يلي.. ليست صاعقة برق بل انفجار معدني... سمعت أشياء كتلك من قبل... ثم سقطت هناك" وهو يشير صوب مزرعة.
قائد مجموعة فاغنر وعدو بوتين
سمح النزاع في أوكرانيا لقائد مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين بفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، لكنّ الملياردير الحليق الرأس الذي كان اسمه على قائمة ركاب طائرة تحطّمت في روسيا وقُتل كلّ من كان فيها أصبح عدواً للرئيس فلاديمير بوتين منذ قاد تمرّداً فاشلاً ضدّ القيادة العسكرية في موسكو في حزيران/يونيو.
وتجاوز هذا الرجل المتهوّر الذي يصعب التنبّؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرّر الانقلاب على سيّد الكرملين.
وفي 24 حزيران/يونيو، وهو اليوم التالي لبدء تمرد فاغنر، أدان الرئيس الروسي "خيانة" يفغيني بريغوجين التي عزاها إلى "الطموحات المفرطة والمصالح الشخصية".
وكان بريغوجين قد أعلن أنه استولى من "دون إطلاق رصاصة واحدة" على مقر الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف في اليوم السابق معسكرات مجموعته.
ثم حبس العالم أنفاسه عندما زحف رجاله "المستعدون للموت" نحو موسكو، وأسقطوا طائرات للجيش الروسي.
لكن في النهاية، تراجع زعيم المرتزقة البالغ من العمر 62 عامًا عن تمرّده بعد 24 ساعة على انطلاقه، وتفاوض على الذهاب الى منفى في بيلاروس مع رجاله، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن.
ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى أنه تم استقباله في الكرملين في الأيام التي تلت التمرد.
وفي حين أنه لم يظهر علناً، تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته.
وفي النهاية، ظهر مساء الإثنين 21 آب/أغسطس في مقطع فيديو قال فيه إنه يعمل في إفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة حيث ينفّذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
ففي جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وليبيا وسوريا... عُرفت فاغنر التي لم يعترف الكرملين بوجودها حتى نهاية عام 2022، منذ 10 سنوات على أنها شريك لأنظمة تريد التخلص من رعاتها الغربيين أو تبحث عن مقاتلين متكتمين ولا يرحمون.
سيد الاستفزاز
وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا.
قام بتجنيد عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة حيث واجه الجيش الروسي صعوبات.
وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، تواجد بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
في أيار/مايو 2023 بعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق اوكرانيا محتفيا بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك في ما بعد.
لكن خلال هذه المعركة أيضا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
وهذا أمر لا يمكن تصور أن يقدم عليه أي شخص آخر في روسيا التي لا تتساهل مع مثل هذه المواقف.
بدأ بريغوجين يظهر إلى دائرة الضوء في أيلول/سبتمبر الماضي بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا ما شكل انتكاسة لقارعي طبول الحرب على غراره.
وأكد يومها للمرة الأولى علنا أنه أسس في 2014 مجموعة فاغنر المسلحة الناشطة في أوكرانيا وسوريا وإفريقيا كذلك. وفرض نفسه قائدا أساسيا.
وشدد على أن هؤلاء "الشباب، هؤلاء الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وعن الفقراء الأفارقة والأميركيين اللاتينيين وأصبحوا إحدى ركائز وطننا".
في تشرين الأول/أكتوبر ذهب أبعد من ذلك عندما دشن بحفاوة مقر "شركة فاغنر العسكرية الخاصة" في مبنى زجاجي في مدينة سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا.
ونشر بريغوجين، سيد الاستفزاز، في شباط/فبراير مقطعا مصورا يظهره في طائرة حربية وهو يقترح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقرير مصير باخموت خلال منازلة جوية.
ولكي يبني جيشا على قدر طموحاته، راح بريغوجين المولود كما بوتين في سان بطرسبرغ، يجند آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا في مقابل العفو عنهم.
ويعرف يفغيني بريغوجين أوساط السجون جيّداً فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.
وخرج من السجن العام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على شفير الانهيار وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.
وارتقى السلّم بعد ذلك وصولاً إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.
وبعد وصول بوتين إلى سدّة الرئاسة في العام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفّر خدمات طعام للكرملين فحظي بلقب "طاهي بوتين" وقيل إنّه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر وهو جيش خاص ضمّ في صفوفه أولا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من كلّ من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.
وفي 2018، حين كانت هذه المجموعة لفتت الانظار إليها في اوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في إفريقيا أيضاً. وقُتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقاً حول هذه المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى.
اضف تعليق