تمثّل بريكس بتركيبتها الراهنة 40 بالمئة من سكان الأرض وربع الاقتصاد العالمي. وتتشارك المجموعة التي تضم قوى متباينة الحجم الاقتصادي والنظام السياسي، التوجه حيال بديل لنظام عالمي تهيمن عليه القوى الغربية يخدم مصالح الدول النامية بشكل أفضل. العالم يتغيّر والوقائع الجديدة تتطلب إصلاحا جذريا لمؤسسات الحوكمة العالمية لكي...
يبحث قادة دول "بريكس" في توسيع المجموعة المؤلفة من خمس دول والباحثة عن تعزيز دورها على الساحة الدولية والحد من هيمنة القوى الغربية.
واجتمع زعماء مجموعة بريكس لرسم مسار مستقبل تكتل الدول النامية لكن الانقسامات عادت للظهور قبل نقاش حيوي عن التوسع المحتمل للمجموعة بهدف تعزيز نفوذها العالمي.
وأضاف التوتر العالمي المتصاعد الذي أثارته الحرب في أوكرانيا وتصاعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة إلحاحا على دفع الصين وروسيا، التي سيحضر رئيسها فلاديمير بوتين الاجتماع افتراضيا، للسعي لتقوية بريكس.
ويسعى البلدان لاستغلال القمة التي تنعقد بين يومي 22 و24 أغسطس آب في جوهانسبرج لجعل المجموعة التي تضم أيضا جنوب أفريقيا والبرازيل والهند قوة موازية للهيمنة الغربية على المؤسسات العالمية.
وتسعى الصين، أبرز دول المجموعة التي تضم أيضا روسيا والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، لتوسيع "بريكس" المؤلفة من الاقتصادات النامية الكبرى، في خضم منافسة محمومة مع الولايات المتحدة.
وبينما أبدت أكثر من 40 دولة رغبتها في الانضمام الى "بريكس"، تحاذر الهند في الموافقة على هذه الخطوة. ويعدّ هذا الملف البند الرئيسي على جدول أعمال قمة المجموعة التي تستضيفها جوهانسبرغ على مدى ثلاثة أيام، وانطلقت رسميا اعتبارا من الثلاثاء.
وتمثّل "بريكس" بتركيبتها الراهنة 40 بالمئة من سكان الأرض وربع الاقتصاد العالمي. وتتشارك المجموعة التي تضم قوى متباينة الحجم الاقتصادي والنظام السياسي، التوجه حيال بديل لنظام عالمي تهيمن عليه القوى الغربية يخدم مصالح الدول النامية بشكل أفضل.
وقال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا في افتتاح الجلسة العامة لبريكس إن "العالم يتغيّر".
وأضاف "الوقائع الجديدة تتطلب إصلاحا جذريا لمؤسسات الحوكمة العالمية لكي تكون أكثر تمثيلا وقادرة على أن تردّ بشكل أفضل على التحديات التي تواجه البشرية".
ويحضر القمة كل من الرئيس الصيني شي جينبينغ والبرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إضافة الى نحو 50 مدعوا من قادة دول أخرى.
ومن بين زعماء المجموعة، غاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصادرة بحقه مذكرة توقيف دولية على خلفية شبهات بارتكاب قواته جرائم حرب في أوكرانيا. ووجّه بوتين كلمة الى القمة عبر الفيديو بينما مثّل روسيا حضوريا وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمة الى المجتمعين إن "مسار التاريخ ستحدده الخيارات التي نتخذها"، مشيرا الى أن أن المحادثات في جوهانسبرغ لا ترمي إلى "الطلب من بلدان اختيار طرف ضد آخر أو خلق مواجهة جماعية، بل توسيع نطاق هندسية السلام والتنمية".
وأضاف في خطاب ألقاه بالإنابة عنه وزير التجارة وانغ وينتاو "بغض النظر عن أي مقاومة قد تواجهها، مجموعة بريكس هي قوة إيجابية وراسخة من أجل النوايا الحسنة وهي تنمو باستمرار".
وأضاف "سنقيم ضمن بريكس شراكة استراتيجية أقوى... وسندفع قدما نحو توسيع نطاق العضوية" و"المساعدة في جعل النظام العالمي أكثر عدالة وإنصافا".
وقال الرئيس الصيني "في الوقت الحالي، تتكشف التغيرات في العالم، وفي عصرنا، وفي التاريخ، على نحو غير مسبوق، مما ينقل المجتمع البشري إلى منعطف حرج".
وأضاف "مسار التاريخ تشكله الاختيارات التي نتخذها".
وتغيب شي عن المنتدى على الرغم من حضور نظرائه، الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامابوسا والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ولم يتضح على الفور سبب عدم حضور شي الذي اجتمع مع رامابوسا في وقت سابق من يوم الثلاثاء.
وأنشئت بريكس في 2009 وانضمت إليها جنوب إفريقيا في العام التالي.
قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك ساليفان إن واشنطن لا ترى أن مجموعة بريكس "بصدد التحوّل إلى منافس جيوسياسي للولايات المتحدة".
وشدد على أن بلاده ستدفع قدما باتّجاه "علاقات قوية وإيجابية مع البرازيل والهند وجنوب إفريقيا"، مضيفا "سنواصل إدارة علاقاتنا مع الصين كما سنواصل التصدي لعدوان روسيا".
واعتمدت دول المجموعة موقفا مغايرا للموقف الغربي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، اذ امتنعت الصين والهند وجنوب إفريقيا عن إدانته بشكل صريح، بينما رفضت البرازيل حذو دول غربية بتزويد أوكرانيا بالأسلحة أو الالتزام بالعقوبات التي تمّ فرضها على موسكو.
تباين بشأن التوسع
وتعد الصين القوة الاقتصادية الأبرز بين دول بريكس. وتأتي زيارة الدولة التي يجريها شي جينبينغ الى جنوب إفريقيا، وهي الثانية له فقط خارج بلاده هذا العام، في وقت تدفع بكين نحو توسيع المجموعة وضمّ بلدان أخرى.
وأكد مسؤولون أن أكثر من 20 دولة من دول الجنوب قدّمت طلبا رسميا للانضمام الى المجموعة. وكما أعضاء بريكس الحاليون، تتنوع الدول الراغبة في العضوية لجهة الحجم والتأثير الاقتصادي، وعرف بعضها تقليديا بعدم الانحياز مثل اندونيسيا، أو بمناهضة الولايات المتحدة مثل إيران.
ورأى قادة دول بريكس ان هذا الاقبال يعكس الجاذبية المتنامية للمجموعة.
الا أن التوسع يشكّل نقطة تباين بين الصين وخصمها الاقليمي الهند، اذ تخشى نيودلهي أن تكون بكين تسعى الى إعادة تشكيل المجموعة بشكل يلائم مصالحها.
في المقابل، يحظى التوسع بدعم من جنوب إفريقيا والبرازيل التي أبدى رئيسها لولا تأييده لانضمام الأرجنتين.
وكشفت كلمة الرئيس البرازيلي عن وجود اختلافات في الرؤية داخل المجموعة التي يقول محللون سياسيون إنها تجد صعوبة منذ فترة طويلة في صياغة رؤية متسقة لدورها في النظام العالمي.
وقال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا خلال بث عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جوهانسبرج "لا نريد أن نكون نقطة مقابلة لمجموعة السبع أو مجموعة العشرين أو الولايات المتحدة... نريد تنظيم أنفسنا فحسب".
وتنعقد القمة الـ15 للمجموعة تحت شعار "بريكس وإفريقيا" وتأتي فيما باتت القارّة مسرحا للمعارك الدبلوماسية مجددا مع تنافس كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي.
وبالإضافة إلى مسألة التوسع، يناقش جدول أعمال القمة أيضا تعزيز استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء في التعاملات التجارية والمالية لتقليص الاعتماد على الدولار.
وقال بوتين في كلمة مسجلة سلفا "هدف التخلص من الدولار بلا رجعة في علاقاتنا الاقتصادية يكتسب قوة دافعة".
وتسعى المجموعة إلى إنشاء مصرف تنمية خاص بها ليكون خيارا بديلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقترح تقليص الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية.
ويقول المنظمون في جنوب أفريقيا يقولون إنه لن يجري مناقشة مسألة عملة لبريكس، وهي فكرة طرحتها البرازيل في وقت سابق من هذا العام كبديل للاعتماد على الدولار.
مايختلفون عليه اكثر مما يجمعهم
تضم بريكس مجموعة متباينة من الدول تمتد من الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم الذي يعاني حاليا من التباطؤ، إلى جنوب أفريقيا، التي تواجه أزمة طاقة تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي.
وتحرص روسيا على أن تظهر للغرب أن مازال لديها أصدقاء، لكن الهند تعزز تقاربها مع الغرب، وكذا تفعل البرازيل في عهد زعيمها الجديد.
وتقع اشتباكات بين الهند والصين على طول حدودهما المتنازع عليها بين الحين والآخر، مما يزيد من صعوبة صنع القرار في مجموعة تعتمد على توافق الآراء.
وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض في إفادة صحفية إن الولايات المتحدة تستبعد تحول مجموعة دول بريكس إلى منافس جيوسياسي لها.
وأضاف "هذه مجموعة متنوعة من الدول.. لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".
وكان التوسع هدفا للصين منذ فترة طويلة إذ تأمل أن تضفي العضوية الأوسع نفوذا لمجموعة تضم بالفعل نحو 40 بالمئة من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتحرص روسيا أيضا على توسع المجموعة بينما عبر الرئيس الجنوب أفريقي رامابوسا عن دعمه للفكرة في اجتماعه مع الرئيس الصيني.
ويشارك القادة في اجتماع مغلق من المرجح أن يناقشوا فيه إطار عمل ومعايير القبول لدول جديدة.
لكن وزير الخارجية الهندي فيناي كواترا قال يوم الاثنين إن بلاده التي تشعر بالقلق من الهيمنة الصينية وحذرت من التسرع في التوسع، لديها "نوايا إيجابية وعقل منفتح". بينما تخشى البرازيل أن يؤدي توسع بريكس إلى إضعاف نفوذ المجموعة.
قال مصدر حكومي أرجنتيني مشارك في مفاوضات البلاد للانضمام إلى بريكس لرويترز إنه من غير المتوقع قبول أعضاء جدد في المجموعة أثناء هذه القمة.
لكن التوسع المحتمل لمجموعة بريكس ما زال معلقا، واعتزام المجموعة أن تصبح مدافعا عن العالم النامي وتقديم بديل لنظام عالمي تهيمن عليه الدول الغربية الثرية يجد صدى بالفعل.
بوتين وبناء الأغلبية العالمية
تسلّط القمة في جوهانسبرغ الضوء على الانقسام السائد مع الغرب حول الحرب الدائرة في أوكرانيا، والدعم الذي تلقاه روسيا من شركائها في بريكس في حين تواجه موسكو عزلة دولية.
ولم تصدر جنوب إفريقيا ولا الصين ولا الهند أي إدانة للغزو الروسي لأوكرانيا، أما البرازيل فقد رفضت الاقتداء بدول غربية تسلّح أوكرانيا أو تفرض عقوبات على موسكو.
ويعاني الاقتصاد الروسي من عقوبات غربية فرضت عليه بسبب حرب موسكو في أوكرانيا. وبوتين مطلوب بموجب مذكرة اعتقال دولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا ويمثله في القمة وزير الخارجية سيرجي لافروف.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات مسجلة أمام قمة مجموعة بريكس المنعقدة في جنوب أفريقيا يوم الثلاثاء إن المجموعة تسير في طريقها لتلبية تطلعات معظم سكان العالم.
وأضاف "نتعاون على أساس مبادئ المساواة ودعم الشراكة واحترام مصالح بعضنا البعض، وهذا هو جوهر المسار الاستراتيجي لمجموعتنا و(هو مسار) موجه نحو المستقبل، وهو المسار الذي يلبي تطلعات القسم الأكبر من المجتمع العالمي.. ما يسمى الأغلبية العالمية".
ولم يتمكن بوتين من حضور القمة بسبب مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه في مارس آذار بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
ورفضت روسيا الاتهامات ووصفتها بأنها شائنة، وقالت إن هذه الخطوة ليس لها أي دلالة قانونية لأنها ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية.
لكن جنوب أفريقيا ضمن الدول الأعضاء في المحكمة، مما يعني أنها كانت ستضطر إلى اعتقاله إذا سافر إلى هناك.
وقال بوتين إن القمة ستناقش بالتفصيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء باستخدام العملات المحلية وليس الدولار، وهي خطوة سيلعب فيها بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس دورا كبيرا.
وأضاف "يكتسب هدفنا المتمثل في التخلص من الدولار في علاقاتنا الاقتصادية زخما".
وتتزايد أهمية مجموعة بريكس بالنسبة لروسيا في وقت يواجه فيه اقتصادها عقوبات غربية بسبب الحرب في أوكرانيا، لذلك تتطلع موسكو إلى بناء علاقات دبلوماسية وتجارية جديدة مع آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقال بوتين إن روسيا تسعى لتطوير مشروعين رئيسيين على وجه الخصوص، هما طريق بحري شمالي يضم موانئ جديدة ومحطات وقود وأسطولا كبيرا من كاسحات الجليد، وممر آخر يربط الموانئ الروسية بالمحطات البحرية في الخليج والمحيط الهندي.
وأضاف أن روسيا ستظل موردا غذائيا موثوقا به لأفريقيا وأنها تضع اللمسات الأخيرة حاليا على محادثات من شأنها توفير الحبوب مجانا لمجموعة من الدول الأفريقية كما وعد في قمة عقدت في سان بطرسبرج الشهر الماضي.
وجاء هذا الوعد بعد انسحاب روسيا من اتفاق كان يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب من موانئها على البحر الأسود وقصف موسكو موانئ ومخازن حبوب أوكرانية، مما دفع كييف والغرب إلى اتهامها باستخدام الغذاء سلاحا في الحرب.
لماذا ترغب الدول في الانضمام إلى بريكس؟
وفي أواخر 2021، انضمت الإمارات العربية المتحدة، وبنغلاديش، وأوروغواي إلى بنك التنمية الجديد التابع للتحالف، بينما انضمت مصر رسمياً إليه في نهاية مارس آذار الماضي، بعد تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على وثيقة الانضمام التي نشرتها الجريدة الرسمية للبلاد.
من جهته، قال مراد كواشي، الخبير الاقتصادي الجزائري والأستاذ الجامعي لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «العديد من الدول الناشئة، خاصة الدول التي تطلعت سابقاً إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ثم اصطدمت بنظام عالمي جائر، لذلك أصبحت تبحث عن بدائل أخرى لإقامة شراكات اقتصادية، وتحقيق رخاء اقتصادي منشود، كثير منها الآن ترى في (بريكس) المخلص والمنقذ والسبيل لتعافي اقتصاداتها، خاصة لأن المجموعة قدمت العديد من الاستراتيجيات الاقتصادية، وهناك بنك التنمية الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار، ويساعد في تمويل مشاريع البنى التحتية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء، إضافة إلى وجود اقتراحات بإنشاء عملة بديلة للتخلص من سيطرة الدولار».
بدوره، قال أشرف غراب، الخبير الاقتصادي المصري ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «الدول تسعى إلى الانضمام إلى بريكس لنهضة اقتصاداتها؛ عن طريق تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول المؤسسة للمجموعة، إضافة إلى زيادة حجم تبادلها التجاري، فضلاً عن الهروب من سيطرة الدولار على الاقتصادات الدولية باعتباره العملة الاحتياطية الأولى».
وأوضح أن «وجود نظام عالمي آخر وعملة احتياطية أخرى مهم في تنشيط الاقتصاد العالمي وكسر هيمنة الدولار».
وعلى الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لدول أعضاء « بريكس»، يبقى السؤال كيف يمكن أن ينعكس ذلك على الدول التي تقدمت بطلب للعضوية، بهذا الشأن قال كواشي إن «النظام العالمي سينتقل من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد القطبية، وهذه الدول تسعى إلى الاستفادة من النظام العالمي الجديد؛ من خلال الحصول على استثمارات صينية أو هندية أو روسية، كما يمكن الاستفادة من تمويل مشاريع البنى التحتية، أو يمكنها من خلال بنك البريكس الحصول على التكنولوجيا الهندية مثلاً، والاستفادة من التجربة الروسية في مجال الفلاحة، وغير ذلك».
وأضاف «كل هذه الاقتصادات الناشئة لم تنل فرصتها كاملة سابقاً في ظل نظام اقتصادي قاسٍ بأذرعه التجارية المتمثلة في صندوق النقد والبنك الدولي، لذلك تسعى إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس للاستفادة من كل الفرص المحتملة».
تأثير العملة المشتركة على الدولار
إنشاء عملة موحدة سيمكّن دول المجموعة من تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ويعزز قدرتها التنافسية في النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأميركي.
وإذا نجحت دول المجموعة في استغلال التقنيات الذكية لدعم عملتها المقترحة (مثل استخدام تقنيات البلوكتشين، والعملات الرقمية، والعقود الذكية)، فستتمكن من إحداث ثورة حقيقية في النظام المالي العالمي، وتعزيز التكامل الاقتصادي فيما بينها بشكل لا مثيل له.
ويهيمن الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبح العملة الأكثر استخداماً حول العالم، إذ تمثل العملة الأميركية أكثر من 70 في المئة من إجمالي التعاملات التجارية الدولية، وما يقرب من 100 في المئة من الصفقات النفطية، و59 في المئة من إجمالي الاحتياطي النقدي للبنوك المركزية حول العالم، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
ويرى الخبراء أن إنشاء عملة البريكس قد يكسر هيمنة الورقة الخضراء على النظام المالي العالمي، خاصة مع اتجاه العديد من الدول بالفعل للبحث عن بدائل لتقليص اعتمادها على الدولار، مثل استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية.
ففي الربع الأول من هذا العام، وقعت الصين أكبر منافس للاقتصاد الأميركي، والبرازيل أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية، اتفاقاً لاستخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية فيما بينها.
وفي وقت سابق، أعلنت المملكة العربية السعودية -أحد أكبر مصدري النفط في العالم- أنها تدرس استخدام اليوان الصيني في تعاملاتها التجارية مع الصين.
ومؤخراً، أعلنت الحكومة الهندية عن بدء تسوية التجارة الثنائية مع دولة الإمارات بالعملات المحلية للدولتين (الروبية الهندية والدرهم الإماراتي)، وأوضحت أن مؤسسة النفط الهندية دفعت مستحقات شركة أبوظبي الوطنية (أدنوك) بالروبية للمرة الأولى في تاريخ التعامل التجاري بين البلدين.
في الوقت نفسه، أجبرت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعض الدول على تسوية مشتريات النفط الروسي بعملات غير الدولار (مثل الدرهم الإماراتي والروبل الروسي)، ومن بينها الهند التي تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم، وفقاً لما أوردته وكالة «رويترز».
وعلى الرغم من اتفاق الخبراء على أن إنشاء عملة مشتركة لدول البريكس سيؤثر بشكل كبير على هيمنة الدولار الأميركي، فإنهم أشاروا إلى أن حجم هذا التأثير يعتمد على نطاق تبني العملة الجديدة، ومدى استقرارها، وقدرتها على توفير بديل موثوق للدولار في التعاملات الدولية على المدى الطويل.
وتستمد الولايات المتحدة قوتها من قوة عملتها المحلية؛ فالدولار القوي يمنح واشنطن نفوذاً اقتصادياً وسياسياً غير محدود، إذ يمكّنها من فرض العقوبات بشكل فردي على الدول الأخرى وحرمانها من الوصول لجزء كبير من النظام المالي العالمي.
كما يعزز ثقة المستثمرين العالميين في السندات الحكومية الأميركية التي تسهم بشكل كبير في تمويل أكبر اقتصادات العالم، خاصة مع تفاقم أزمة الدين العام الأميركي الذي قفز بخمسة أضعاف من 6.5 تريليون دولار منذ عشرين عاماً إلى 31.5 دولار في الوقت الحالي.
لكن نفوذ الدولار يواجه أصعب اختبار له حالياً، ولا يقتصر الأمر على عملة «البريكس» المطروحة على الساحة فحسب، فمعظم دول العالم -بما في ذلك الدول الصديقة للولايات المتحدة- تسعى لتقليل اعتمادها على الدولار خشية أن تتحول يوماً ما إلى «روسيا جديدة».
وهناك العديد من الدلالات على ذلك بالفعل. على سبيل المثال، تراجعت حصة العملة الأميركية من الاحتياطي الأجنبي للبنوك المركزية العالمية من 70 في المئة منذ عشرين عاماً إلى أقل من 60 في المئة حالياً.
كما تسعى الصين والدول الأوروبية على السواء لبناء نظم مالية عالمية جديدة بعيداً عن نظام «سويفت» القائم على الدولار، فضلاً عن توجه العديد من البلدان لاستخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية.
يُضاف إلى ذلك تفكير الكثير من الدول في إصدار عملات رقمية رسمية، وقد أعلن البنك الصيني المركزي عن إصدار عملة رقمية بالفعل.
وإذا نجحت كل هذه المحاولات في كسر هيمنة الدولار على المعاملات المالية الدولية، فحينها سيكون على الأميركيين القلق بشأن نفوذ بلادهم السياسي والاقتصادي.
اضف تعليق