تمثل مخرجات لوزان انتصارًا متأخرًا لتركيا، فقد مثلت معاهدة لوزان بالنسبة للكماليين والعلمانيين انتصارًا على أوروبا. ولكن بالنسبة للإسلاميين المحافظين، الذين هم في السلطة منذ عقدين من الزمن، ارتبطت هذه الوثيقة بشكل أساسي بفقدان الأراضي وتفكك الإمبراطورية العثمانية. ويجتمع أبناء الجالية الكردية بانتظام في الذكرى السنوية للمعاهدة...
لا تزال معاهدة لوزان التي شكلت تركيا الحديثة تحظى بتقدير البعض، لكنها تمثل في الوقت نفسه مصدرا لخيبة الأمل وتنكأ جراح آخرين من بينهم الأكراد والأرمن الذين كانوا يأملون في إقامة مناطق لهم تتمتع بحكم ذاتي وأن تأخذ العدالة مجراها فيما يتعلق بجرائم الحقبة العثمانية.
تمثل مخرجات لوزان انتصارًا متأخرًا لتركيا، فقد مثلت معاهدة لوزان بالنسبة للكماليين والعلمانيين انتصارًا على أوروبا. ولكن بالنسبة للإسلاميين المحافظين، الذين هم في السلطة منذ عقدين من الزمن، ارتبطت هذه الوثيقة بشكل أساسي بفقدان الأراضي وتفكك الإمبراطورية العثمانية.
ووردت بعض هذه الآراء في معرض حمل اسم "حدود" ينظمه متحف تاريخ المدينة السويسرية لتسليط الضوء على أهمية المعاهدة التي جرى توقيعها بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد مئة عام من توقيعها بين تركيا وقوى متحالفة منها بريطانيا وفرنسا في 24 يوليو تموز من عام 1923.
وأحيى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذكرى ببيان أصدره العام الماضي، وأشاد فيه ببنودها وقال إن تركيا تراقب بدقة متناهية تنفيذها.
وقالت سيفجي كويونجو التي ولدت في قرية كردية وتعمل الآن في لوزان في مقابلة جرى تصويرها في القصر الذي شهد توقيع المعاهدة إنها تجاهلت شعبها.
وشارك نحو ستة آلاف متظاهر كردي في مسيرة جابت أنحاء المدينة ورفعوا فيها أعلاما وشكلوا سلاسل بشرية.
أما بالنسبة لمانوشاك كارنوسيان، التي تقيم في سويسرا وسبق أن فر أجدادها الأرمن في أوائل القرن العشرين مما صارت اليوم تركيا، فإن المعاهدة بمثابة "إبادة جماعية ثانية".
وقصدت كارنوسيان بذلك مذابح 1915 والترحيل القسري للأرمن إبان الإمبراطورية العثمانية، وهو ما تصنفه عشرات الدول حاليا على أنه إبادة جماعية فيما تنفيه تركيا التي تقول إن الآلاف من كل من الأتراك والأرمن قتلوا في أعمال عنف عرقية.
وتابعت لرويترز "لا يمكنك أن تنسى. عليك أن توضح ما الذي تعنيه (هذه المعاهدة)"، معتبرة أنها "نقطة الانطلاق لإنكار ما حدث" للأرمن.
وقال جوناثان كونلين المؤرخ في مشروع يدرس تداعيات المعاهدة إنه رغم أنها قوبلت بحفاوة في ذلك الوقت باعتبارها فرصة لتحقيق سلام دائم فإنه ينظر الآن إلى بعض نتائجها على أنها "خطأ فادح" مثل تبادل ترحيل أكثر من 1.5 مليون من اليونانيين والأتراك.
وأضاف "أعتقد أنها (المعاهدة) صمدت لأن الجميع غير راضين عنها بنفس القدر".
آلاف الأكراد يتظاهرون
نُظّمت تظاهرة كردية كبرى في لوزان شارك فيها نحو ستة آلاف شخص وفق مصادر شرطية وإعلامية، لمناسبة الذكرى المئوية الأولى للمعاهدة التي أبرمت في هذه المدينة السويسرية ورسّمت حدود تركيا الحديثة، مندّدين بتداعياتها على الأكراد.
ويجتمع أبناء الجالية الكردية بانتظام في الذكرى السنوية للمعاهدة، في تظاهرات يشارك فيها المئات منهم، لكن هذه المرة كان العدد أكبر بكثير من المعتاد، وفق المصادر نفسها.
وانطلق المتظاهرون من جوار فندق "شاتو دوشي" الواقع على ضفاف بحيرة ليمان والذي استضاف المحادثات التي أفضت إلى المعاهدة.
وقد ساروا رافعين أعلاما تحمل صور الزعيم الكردي المسجون منذ العام 1999 عبدالله أوجلان، وصولا إلى قصر رومين في وسط المدينة حيث وقّعت المعاهدة.
وقال خير الدين أوزتكين وهو عضو في المركز الثقافي الكردستاني في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية "نريد الإفادة من هذه المئوية لكي نظهر للعالم بأسره أن القضية الكردية لا تزال بلا حل"، مندّدا بـ"تداعيات معاهدة لوزان" وعواقبها "المأسوية" التي ما زال الأكراد يعانون منها.
والمعاهدة بحسب المركز الثقافي الكردستاني "أقرت توزيع الشعب الكردي على أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا، وهي دول فاشلة ديموقراطيا إلى حد كبير".
في تركيا تخلّت القوى الكبرى عن الأكراد "لدولة تركية قومية وعنصرية، ما أدى إلى قرن من المجازر وعمليات التهجير القسري وسياسات القمع والاستيعاب"، بحسب المركز الثقافي الكردستاني.
وقال المتحدث باسم المجلس الديموقراطي الكردي في فرنسا بيريفان فرات إن "الشعب الكردي، على غرار جميع شعوب العالم، يطالب بالحق في العيش بهويته على أرضه". وأضاف لوكالة فرانس برس "هذه المعاهدة فتحت الباب أمام كل المضايقات وكل المذابح بحق الشعب الكردي".
وتابع "منتقدونا هم أسوأ الديكتاتوريين في الشرق الأوسط وقد حان الوقت لإلغاء تجريم الحركة الكردية وقبل كل شيء لمراجعة معاهدة لوزان التي لا قيمة لها بالنسبة إلينا. إنها باطلة ولاغية".
انعقد مؤتمر لوزان في تشرين الثاني/نوفمبر 1922 لإعادة التفاوض على معاهدة سيفر المبرمة في العام 1920 بين الحلفاء والإمبراطورية العثمانية والتي رفضها الزعيم الاستقلالي التركي مصطفى كمال أتاتورك الذي أصبح لاحقا مؤسس تركيا الحديثة.
وتولّت الدبلوماسية البريطانية تنسيق المؤتمر الذي ضم خصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا.
ومن بين التداعيات التي نجمت من المعاهدة تبادل قسري للسكان بين تركيا واليونان. وألحق شرق الأناضول بتركيا الحالية في مقابل تخلي الأتراك عن المطالبة بمساحات في سوريا والعراق كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية.
وتُرك الأرمن والأكراد على الهامش وتم تجاهل طموحاتهم المتعلقة بإنشاء كيان لهم.
وقال كاردو لوكاس لارسن (41 عاما) المقيم في الدنمارك لفرانس برس "نعلم أنه لا يوجد بلد يمكنه مساعدتنا (...) في اتخاذ القرار الصحيح لحل المشكلة الكردية". وأضاف "تظاهرة كهذه تجمع الشعب الكردي وتمنحنا الشعور بالانتماء إلى وطن".
ما هي اتفاقية لوزان؟
عقب خوض الأتراك حروب التحرير بين عامَي 1919 و1922، جرى توقيع معاهدة لوزان يوم 24 يوليو 1923 في مدينة لوزان السويسرية، بين ممثلي المجلس الوطني الكبير (البرلمان) التركي من جهة، وممثلين عن المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا وبلغاريا والبرتغال وبلجيكا ويوغوسلافيا، من جهة أخرى.
المعاهدة المكونة من 143 بنداً ومقدمة و4 فصول، دخلت حيّز التنفيذ يوم 23 أغسطس/آب 1923، بعدما صادق عليها البرلمان التركي. وبموجبها، أعلن مصطفى كمال أتاتورك، تأسيس الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923.
ووفقاً لتقارير تركية، نصت بنود المعاهدة على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية فيها، مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.
كما احتوت بنوداً تتعلق بتنظيم وضع تركيا الدولي الجديد، وترتيب علاقتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة، وتعيين حدودها مع اليونان وبلغاريا.
كما تضمنت تنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية وأي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، إلى جانب تنظيم استخدام المضائق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم.
ومن خلال المعاهدة، ضمنت تركيا اعترافاً دولياً بسيادتها واستقلالها، كما أنها ألغت أحكام معاهدة "سيفر" التي كانت الدولة العثمانية قد وقّعتها في 10 أغسطس 1920.
كذلك نصّت معاهدة لوزان على الاعتراف بحدود اليونان كما وردت في معاهدة مودانيا (أكتوبر 1922)، فيما تنازلت اليونان عن منطقة قرة أغاج لصالح تركيا، كتعويض عن الحرب.
وفي كل عام مع حلول الذكرى السنوية لتوقيع معاهدة لوزان، يتجدد اللغط حول العديد من الادعاءات حولها، التي من أبرزها أن المعاهدة تنتهي بعد مرور 100 سنة. والحقيقة من خلال قراءة نص الاتفاقية كاملة، فإنه لا توجد أي مواد فيها تحدد فترة سريان المعاهدة أو تتحدث عن تاريخ انتهائها.
وفي السياق، ذكر رئيس تحرير وكالة "أنباء تركيا"، حمزة تكين، لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من عدم وجود بند يحدد صلاحية اتفاقية لوزان، إلا أنه بسبب خروقات الطرف اليوناني لبعض نصوص المعاهدة، لا سيما في ما يخص تسليح الجزر في بحر إيجه، ما يهدد الاتفاقية بشكل جزئي أو كلّي، فإن ذلك قد يستدعي أن تتحرك تركيا، في الذكرى المئوية للمعاهدة، لحماية حدودها ومصالحها وأمنها القومي بمعزل عن اتفاقية لوزان.
إلى جانب ذلك، يوجد لغط حول سيادة تركيا على المضائق التركية، المتمثلة في البوسفور والدردنيل، وأن تركيا بموجب معاهدة لوزان لا يحق لها تحصيل رسوم مرور السفن عبر المضائق. وهذا الكلام أيضاً لم يرد في نص المعاهدة وملاحقها، وخصوصاً في ظل وجود معاهدة مونترو التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1936، وتنظم حركة السفن في المضائق التركية الاستراتيجية، وتُعتبر مكملة لمعاهدة لوزان.
في غضون ذلك، لفت تكين إلى أن أنقرة تحظى بسيادة منقوصة على المضائق، خصوصاً في ما يتعلق بالإعفاءات الخاصة بالرسوم ومرور بعض السفن العسكرية. ولفت إلى أنه لو تم مشروع قناة إسطنبول (غير المدرجة ضمن معاهد لوزان)، فإنها ستحقق لتركيا سيادة كاملة ومكاسب اقتصادية ضخمة، ولذلك يشهد مشروع القناة هجوماً كبيراً.
وفي العموم، رأى تكين أن معاهدة لوزان لها إيجابياتها وسلبياتها، كأي اتفاق يجري في التاريخ، فبموجبها تمّ ترسيم حدود جمهورية تركيا الجغرافية، وبالتالي أمّنت بقاء هذه الجمهورية، وفي الوقت ذاته، فبسببها تخلت تركيا عن جزء كبير من الإرث العثماني.
انتصار أم هزيمة؟
وخلال اجتماعه بالمخاتير في عام 2016، انتقد أردوغان اتفاقية لوزان، قائلاً إن "البعض يحاول إظهار اتفاقية لوزان على أنها انتصار، انظروا إلى إيجه، نصف جزره منحناها لليونان في اتفاقية لوزان، أهذا انتصار؟ هذه الجزر ملك لنا، لدينا مساجد ومعابد هناك، فضلاً عن وجود حقوق لدينا متعلقة بالحدود الجوية والبحرية والمنطقة الاقتصادية المحصورة، والتي ما زلنا لا نعيها بشكلها الصحيح؟ ما هذه الاتفاقية التي خسرنا فيها حقوقنا؟".
ونقلت وسائل إعلام تركية، عن مديرة مركز "مبادئ أتاتورك وتاريخ الانقلاب للأبحاث" التابع لجامعة تراقيا، نورتان جتين، قولها إن معاهدة لوزان "كانت بمثابة وثيقة اعتراف بسيادة واستقلال تركيا التي كانت قد خرجت للتو من الكفاح الوطني".
وشدّدت جتين على ضرورة تقييم بنود وتفاصيل معاهدة لوزان للسلام، وفق الظروف والمعادلات التي كانت سائدة حين توقيعها، من أجل استيعابها بشكل صحيح. وأشارت إلى أن مذكرة التعليمات كانت تتضمن 14 بنداً، تؤكد الإصرار على بعض الأمور والمقاومة من أجل عدم القبول بغيرها، مثل قبول حدود تراقيا (إقليم غرب تراقيا شرقي اليونان) بهيئتها التي كانت عليها عام 1914.
من جهته، وصف المؤرخ التركي مصطفى أرمغان اتفاقية لوزان، بأنها "هزيمة واضحة"، مشيراً إلى أن "الميثاق القومي" حدّد للهيئة المفاوضة الأهداف الأساسية لعملية التفاوض، فجزر إيجه وإقليم غرب تراقيا وقبرص وباتوم التابعة لجورجيا، كانت ضمن أهداف الميثاق، ولكن تم تسليمها كلها للجانب الآخر على طبق من ذهب، بحسب قوله.
وأضاف أرمغان أن "الشعب التركي قدم الكثير من الشهداء في حرب التحرير، ولكن دماءهم ذهبت هدراً في عملية المفاوضات، لاسيما تسليم الطرف التركي إقليم غرب تراقيا الذي يحتضن نسبة عالية من المواطنين الأتراك، لليونان". ورأى أنه لا يمكن توضيح هذا التنازل بأي حال من الأحوال.
وعما إذا كانت هناك احتمالية لإحداث تغييرات في بنود المعاهدة، أكد الباحث الفرنسي ماتيو راي، المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في المركز الفرنسي، في مقال له، أنه من الصعب إحداث تغييرات في المعاهدات القديمة، على الرغم من تغير الظروف التاريخية والسياسية التي كانت قائمة حين توقيع المعاهدة.
وأضاف راي أنه في ما يتعلق بمسألة الحدود التي ثبتتها المعاهدة، فإنه لن يمكن مستقبلاً لتركيا أن تكتسب أراضي جديدة، أو أن تخسر جزءاً من أراضيها الحالية، علاوة على أنها، أي تركيا، لن تسعى إلى ذلك.
تقطيع أوصال الإمبراطورية
تمثل مخرجات لوزان انتصارًا متأخرًا لتركيا. في عام 1920، قبل ثلاث سنوات، كان للقوى المنتصرة في الحرب العظمى خطة مختلفة تمامًا. وكان من المقرر، وفقًا لمعاهدة سيفر، التنازل عن أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية السابقة لفرنسا والمملكة المتحدة واليونان. كما كان من المخطط له إنشاء أرمينيا مستقلة في الشرق ودولة مستقلة للأقلية الكردية. بحسب سويس انفو.
يوضح تشيغديم أكيول أن القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، بقيادة فرنسا والإمبراطورية البريطانية، قررت تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية السابقة المتعددة الأعراق. وأصبحت الدولة التركية الجديدة في مناطق الاناضول غرب نهر الفرات وظل الدردنيل تحت سيطرة الحلفاء. كانت معاهدة سيفر تعني خسارة 80٪ من الأراضي، وهو لم يقبل به الاتراك.
منحت معاهدة سيفر لعام 1920 لتركيا أراض أصغر بكثير من تلك التي كان من المقرر الحصول عليها بمقتضى معاهدة لوزان في عام 1923.
معاهدة سيفر لم توقّع في النهاية، لكن الصراع على السلطة في بقايا الإمبراطورية العالمية السابقة احتدم منذ بداية القرن العشرين، بين السلطان والوفد المرافق له، من ناحية، وحركة الشباب الأتراك العلمانية، من ناحية أخرى. وخلال مفاوضات معاهدة سيفر، كانت هناك بالفعل حكومتان: واحدة في اسطنبول وأخرى في أنقرة. في نهاية المفاوضات، اتهم القوميون السلطان محمد السادس بالخيانة، واستولوا على السلطة أخيرًا، ورفضوا التوقيع على المعاهدة.
ويعتبر الأكراد أكبر شعب في العالم بلا وطن مستقل، فقط أقلية منهم تتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق منذ سبعينات القرن الماضي. كما خرجت أرمينيا كأكبر خاسر من مؤتمر لوزان. وأُسند جزء صغير من الأراضي الأرمنية إلى الاتحاد السوفياتي، وأما الجزء الاكبر فعاد إلى تركيا.
كما تمثل معاهدة لوزان عودة تركيا إلى الساحة الدولية، كما يوضح تشيغديم أكيول. ومع ذلك، لم تكن هذه المعاهدة مرادفة للسلام فقط. بل مثلت بداية لعمليات الإخلاء القسري والترحيل وتسببت في فقدان ملايين الأشخاص لمنازلهم "، في إشارة إلى اتفاقية" التبادل الإجباري للسكان "الموقعة أيضًا في لوزان.
وهكذا تم «تبادل» سكان الأناضول الأرثوذكس اليونانيين بالسكان المسلمين الأتراك في اليونان. والغالبية العظمى من هؤلاء الناس عاشوا في بلدانهم لأجيال ويتكلمون اللغة المحلية، ولكن ليس لغة البلد الذي تم ترحيلهم إليه الآن. ويعلّق المؤرخ غابي فيرز على ذلك بالقول: «لم يكن تبادلًا، بل ترحيلًا قسريًا».
يرجع هذا الوضع أيضًا إلى العقيدة السائدة في ذلك الوقت: «دين، لغة، دولة». كان هذا هو مفهوم الدولة القومية كما تم تصوره في القرن التاسع عشر. يقول غابي فيرز: «كانت هذه العقيدة نقيضًا للإمبراطورية العثمانية متعددة الأعراق، لكنها مع ذلك تم تطبيقها بصرامة».
وفي غضون بضعة أشهر، تم "تبادل" حوالي 1.5 مليون شخص في إطار عملية لم يكن السكان المحليون مستعدين أو متحمّسين لها. يّذكر أن رقم الـ 1.5 مليون شخص مصدر جدل وغير دقيق.
توظيف لذكرى تاريخية
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه حتى الفائز الكبير في ذلك الوقت، تركيا، لديها اليوم رؤية مختلفة لمعاهدة لوزان. ففي عام 2020، عندما احتفل الرئيس رجب طيب أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا الشهير إلى مسجد، اختار يوم 24 يوليو للقيام بذلك، اليوم الذي وُقّعت فيه معاهدة لوزان.
كان هذا بمثابة إهانة لمؤيدي تركيا العلمانية، كما يعتقد تشيغديم أكيول: "بالنسبة للكماليين واللائكيين، مثلت معاهدة لوزان انتصارًا على أوروبا. وبالنسبة للإسلاميين المحافظين، الذين هم في السلطة منذ عقدين من الزمن، ارتبطت هذه الوثيقة بشكل أساسي بفقدان الأراضي وتفكك الإمبراطورية العثمانية. "
لقد أعادت معاهدة لوزان، التي وُقعت قبل 100 عام، رسم الحدود وتشكيل الجغرافيا السياسية لبلدان عدة في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تركت أيضًا أسئلة كثيرة دون إجابة، وقسّمت العائلات وأجبرت ملايين الأشخاص على الفرار. ولم تحقق هدفها المتمثل في إحلال السلام في تلك المنطقة.
اضف تعليق