يقود الروس حملة مكثّفة لاستقطاب استثمارات من دول الخليج الثريّة إلى بلادهم التي يعاني اقتصادها من عقوبات غربية قاسية وانسحاب شركات أجنبية كبرى على خلفية الحرب في أوكرانيا، في ملتقى الاستثمار السنوي الذي عُقد هذا الأسبوع في أبوظبي، عرضت الحكومة الروسية فرص الاستثمار في السوق الروسية...
يقود الروس حملة مكثّفة لاستقطاب استثمارات من دول الخليج الثريّة إلى بلادهم التي يعاني اقتصادها من عقوبات غربية قاسية وانسحاب شركات أجنبية كبرى على خلفية الحرب في أوكرانيا، في ملتقى الاستثمار السنوي الذي عُقد هذا الأسبوع في أبوظبي، عرضت الحكومة الروسية فرص الاستثمار في السوق الروسية في منتدَيين وجناح خاص لجمع شركات روسية بمستثمرين، مشدّدةً على أن الاقتصاد الروسي بخير رغم تداعيات الحرب، وقال مدير برنامج التعاون الثنائي بالإنابة في وزارة التنمية الاقتصادية الروسية بافيل كلاميتشيك لوكالة فرانس برس "إننا هنا لجذب مستثمرين أيًا كانوا ومن بينهم العرب".
وتنأى معظم دول الخليج بنفسها في الملف الأوكراني. وامتنعت الإمارات والسعودية عن انتقاد روسيا رغم أنهما دعتا إلى إنهاء الحرب. وتدفّق أثرياء روس إلى الإمارات خلال السنتين الماضيتين وأسسوا أعمالًا واشتروا عقارات هربًا من العقوبات المفروضة على بلدهم، ومنذ غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير 2021، تخضع روسيا لعقوبات شديدة ومتزايدة تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما وتستهدف شخصيات سياسية والصناعة والمصارف والقطاع النفطي. بحسب فرانس برس.
وأعادت موسكو توجيه علاقاتها التجارية من الغرب إلى الشرق، خصوصًا مع زيادة مستوى صادرتها النفطية إلى الصين والهند، بهدف تقليص تأثير العقوبات، وأكد وزير التنمية الاقتصادية الروسي ماكسيم ريشيتنيكوف أن التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو "أحد أولويات السياسة الاقتصادية الخارجية لروسيا" التي صدرت في آذار/مارس الماضي، واعتبر في كلمة ألقاها خلال منتدى روسيا - الشرق الأوسط "أنه الوقت (المناسب) لتطوير مشاريع مشتركة عبر اغتنام الفرص الجديدة التي تُفتح"، داعيًا إلى إقامة "نظام مالي ومصرفي مستقلّ" عن الدول الغربية لتسهيل المعاملات المالية والالتفاف على العقوبات.
أوقات غير سهلة
في "قاعة الفرص"، حيث كُتبت كلمة "موسكو" بالإنكليزية على شاشة كبيرة، عرض ممثلون عن السلطات الروسية إمكانات العاصمة "كواحدة من أكبر الاقتصادات الحضرية في العالم والأكبر في روسيا" وكوجهة للاستثمار.
وقال وزير حكومة العاصمة سيرغي شيريمين "حتى في هذه الأوقات غير السهلة التي نخضع خلالها للعقوبات، لا تزال موسكو رائدةً"، مشيرًا الى بنيتها التحتية والى النقل والتكنولوجيا والصناعة والسياحة وغيرها، وأضاف "بالنسبة للمستثمرين الأجانب، تقدّم موسكو عددًا من المزايا التنافسية... هي نقطة الدخول إلى سوق روسيا".
وطغى اللون الأبيض على جناح موسكو الذي زُيّن بشتول وتوسّطته طاولة خشبية عالية قدّمت عليها حلويات روسية وعربية وقهوة للزوار، على أحد أطراف الجناح كان ماكسيم أنيسموف، أحد مؤسسَي شركة ناشئة، يشرح أهمية آلة طباعة ثلاثية الأبعاد مصمّمة ومصنّعة في روسيا، معروضة في المكان. وقال لفرانس برس "نحن هنا لاستقطاب شركاء عرب وهذا الأمر مهمّ بالنسبة إلينا... أعرف أن في هذه المنطقة هناك الكثير من التطور والفرص"، وارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول الخليج بنسبة 40% عام 2021 مقارنة بالعام السابق ليبلغ 8,6 مليار دولار، بحسب مسؤولين.
عام 2022، ارتفع مستوى المبادلات التجارية بين روسيا والإمارات بنسبة 68% ليبلغ تسعة مليارات دولار، وفقًا لنائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف. وبحسب وسائل إعلام روسية، يمثّل هذا الرقم حوالى 55% من إجمالي التبادل التجاري بين روسيا ودول الخليج العام الماضي، ويوضح الخبير الاقتصادي في شؤون الخليج جاستن ألكسندر من مجموعة "خليج إيكونوميكس" الاستشارية أن "صناديق الثروة السيادية الخليجية انفتحت على روسيا خلال العقد الماضي، بالتنسيق غالبًا مع الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة"، في الفترة التي كانت تسعى خلالها دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها، ويضيف "لكن هذه الاستثمارات ضئيلة نسبيًا مقارنة بما تملكه في الدول الغربية".
في جناح موسكو، أكد المهندس الإماراتي عدنان النمر الزرعوني أنه مهتمّ بالاستثمار في روسيا، لأنها "بلد كبير ولديها فرص كثيرة وكبيرة"، مضيفا أنها "غنية بالمعادن والثروة الحيوانية والطاقة والزراعة والتكنولوجيا ولديها مبرمجون على مستوى عالٍ".
الاقتصاد صامد
وتوقّع صندوق النقد الدولي الشهر الفائت أن يتمكن الاقتصاد الروسي من الصمود عام 2023 للعام الثاني على التوالي، رغم الحرب والعقوبات، لكن على المدى المتوسط تبدو آفاق النمو محدودة.
في أبوظبي، أكد رئيس مؤسسة "روسكونغرس" التي تنظم منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي ألكسندر ستاغليف أن "الاقتصاد الروسي أظهر صمودًا وقدرةً على النمو في ظلّ الظروف الصعبة"، داعيًا المهتمّين بتطوير شراكات وأعمال تجارية في روسيا إلى المشاركة في المنتدى المقرر عقده في حزيران/يونيو المقبل، وأشار الى أن "انسحاب شركات غربية من السوق الروسية، أوجد فرصًا للشركات الأخرى التي تخطط لتطوير أعمالها في روسيا".
ومنذ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أوقفت مجموعات غربية شهيرة عمليّاتها في روسيا أو قلّصت نشاطها، من بينها "بريتيش بتروليوم" و"شل" و"ماكدونالدز" و"اتش اند ام" و"كوكا كولا"، ويشير الباحث غير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن روبرت ماسون الى أن "الاقتصاد الروسي تراجع بنسبة أقلّ من المتوقع عام 2022، بسبب ارتفاع أسعار النفط والإنفاق العسكري".
ويرى أن "الاستثمارات العربية قد تدعم قطاعات محدّدة، لكن مشهد الاقتصاد الروسي لا يزال يتحوّل"، مضيفًا "مع تطبيع عدد من دول الخليج العلاقات مع سوريا، لا يمكن تجاهل احتمال إقامة تعاون أمني أو اقتصادي، فعلي أو ضمني، عبر سوريا"، حليفة موسكو، رغم ذلك، يعتبر ماسون، الباحث المتخصص في سياسات الخليج والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، أنّ الاستثمارات العربية في السوق الروسية "لن تغيّر قواعد اللعبة في الوقت الحالي".
إلغاء رخصة مصرف روسي في الإمارات
أعلن مصرف الإمارات المركزي الجمعة أنه تقرر إلغاء رخصة فرع "بنك أم تي أس" الروسي في أبوظبي بعد إدراجه على لائحة عقوبات أميركية جديدة في شباط/فبراير، وقال المصرف في بيان إنه ستتم تصفية اعمال البنك الروسي "تحت إشراف المصرف المركزي خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ القرار وإغلاق الفرع"، وتابع أن القرار جاء "بعد دراسة الخيارات المتاحة بشأن وضع بنك أم تي أس الجديد ومع الأخذ بعين الاعتبار مخاطر العقوبات المرتبطة بالبنك بعد التصنيف"، وأوضح أنه "خلال فترة تصفية الأعمال، سيتم منع الفرع من فتح حسابات جديدة وإجراء معاملات ما عدا تلك المتعلقة بتصفية الالتزامات السابقة، وسيقتصر استخدام البنك لأنظمة دفع المصرف المركزي لهذا الغرض فقط".
وأعلنت الولايات المتحدة رزمة عقوبات جديدة على روسيا الشهر الماضي، بعد عام تماما على بدء غزوها أوكرانيا، علما بأنها استهدفت أيضا وسطاء أوروبيين، وخصوصا في سويسرا، وكان المصرف المركزي الإماراتي منح ترخيصا لبنك "ام تي اس" الروسي لفتح فرع في العاصمة الإماراتية أبو ظبي العام الماضي، وأدّى موقف الإمارات العربية المتحدة الداعي الى إنهاء الحرب على أوكرانيا من دون انتقاد روسيا العام الماضي، إلى جذب عدد كبير من الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات المفروضة على بلادهم.
اضف تعليق