المسلمون الذين يُعدون بنحو (مليارين) نسمة في العالم يمثلون الإنسانية بكل تنوعها البديع. لكنهم كثيرا ما يواجهون التعصب والتحيز ضدهم لا لشيء سوى لمعتقدهم الديني. وفوق التمييز الهيكلي والمؤسسي والوصم الشامل للمجتمعات المسلمة، يعاني المسلمون من التهجمات الشخصية وخطاب الكراهية، ويُلامون على كل شيء، المسلمات يواجهن التمييز...
تحيي الأمم المتحدة اليوم الدولي الأول لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا)، داعية إلى تكثيف الجهود الدولية لتشجيع إقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قبل عام قرارا أعلنت بموجبه الخامس عشر من آذار/مارس من كل عام يوما دوليا لمكافحة كراهية الإسلام. وأعربت الجمعية العامة في قرارها عن "استيائها البالغ إزاء جميع أعمال العنف الموجهة ضد الأشخاص بسبب دينهم أو معتقدهم وما يوجه من تلك الأعمال ضد أماكن عبادتهم".
وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي، دعا أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى العمل للقضاء على سم هذه الكراهية.
وقال "المسلمون الذين يُعدون بنحو بليونَـيْ (مليارين) نسمة في العالم يمثلون الإنسانية بكل تنوعها البديع. لكنهم كثيرا ما يواجهون التعصب والتحيز ضدهم لا لشيء سوى لمعتقدهم الديني. وفوق التمييز الهيكلي والمؤسسي والوصم الشامل للمجتمعات المسلمة، يعاني المسلمون من التهجمات الشخصية وخطاب الكراهية، ويُلامون على كل شيء".
وقال غوتيريش إن المسلمات يواجهن التمييز من ثلاثة أوجه: بسبب جنسهن وعرقهن وعقيدتهن.
وذكر أن الكراهية المتزايدة التي يواجهها المسلمون ليست تطورا معزولا، بل هي جزء من انبعاث القومية العرقية، وأيديولوجيات النازيين الجدد المعتقدين بتفوق العرق الأبيض، ومن العنف الذي يستهدف الفئات السكانية الضعيفة، بما في ذلك المسلمون واليهود وبعض الأقليات المسيحية وآخرون.
وأكد الأمين العام ضرورة الإقرار بأن التنوع مصدر ثراء، وأن تكثف الاستثمارات السياسية والثقافية والاقتصادية الهادفة إلى تحقيق التماسك الاجتماعي.
كما شدد على ضرورة مجابهة التعصب من خلال العمل على التصدي للكراهية التي تنتشر في الإنترنت انتشار النار في الهشيم.
وقال إن رسالة الإسلام الحاملة لمعاني السلام والرحمة والإحسان ظلت منذ أكثر من ألف عام تُلهم الناس في جميع أنحاء العالم. وأشار إلى أن جميع الأديان والثقافات العظيمة تنادي بقيم التسامح والاحترام والوفاق.
وأضاف "في الجوهر، نحن بصدد قيم عالمية: فهذه القيم هي روح ميثاق الأمم المتحدة، وهي في صميم سعينا لإعمال العدل وحقوق الإنسان وإحلال السلام"
ودعا إلى السعي، في هذا اليوم وفي كل يوم، إلى إعمال القيم المشتركة والتصدي لقوى التفرقة، من خلال تأكيد التمسك بالإنسانية المشتركة.
فعالية رفيعة المستوى بالأمم المتحدة
وعقدت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، فعالية رفيعة المستوى لإحياء اليوم الدولي الأول لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) الموافق الخامس عشر من آذار/مارس.
يَعقد الفعالية رئيس الجمعية العامة، ووزير خارجية باكستان بصفة بلاده رئيسة لمجموعة دول منظمة التعاون الإسلامي. ويشارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي والممثل السامي لتحالف الحضارات وأكاديميون ومختلف الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
وكانت الجمعية العامة قد اعتمدت، في آذار/مارس 2022، القرار رقم 254/76 لإعلان 15 آذار/مارس يوما دوليا لمكافحة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا).
الإسلام سلام
ومع قرب حلول شهر رمضان المبارك، قال الأمين العام إن رسالة السلام والتعاطف والتراحم التي جاء بها الإسلام، منذ أكثر من 1400 عام، تشكل إلهاما للناس حول العالم.
وأشار إلى أن كلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.
وقال إنه رأى بنفسه عندما كان مفوضا ساميا لشؤون اللاجئين، سخاء الدول الإسلامية التي فتحت أبوابها لمن أجبروا على الفرار من ديارهم، في وقت أغلقت فيه دول أخرى كثيرة حدودها.
وأضاف أن ذلك السخاء يعد تجليا معاصرا لما جاء به القرآن الكريم في سورة التوبة:
”وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ“.
وقال إن هذه الحماية تكفل للمؤمنين وغير المؤمنين على السواء، وتعد تعبيرا مبهرا عن مبدأ حماية اللاجئين قبل قرون من إبرام اتفاقية عام 1951 للاجئين.
وأشار الأمين العام إلى خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية، وقال إنها تقدم توصيات ملموسة لدعم الحكومات بحيث يكون باستطاعة كل إنسان التمتع بحقه في ممارسة شعائر دينه بأمان.
وتطرق إلى استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية، التي توفر إطارا للدعم المقدم للدول الأعضاء في مواجهة هذه الآفة، مع الحرص في الوقت ذاته على احترام حرية التعبير والرأي.
وفي إطار "خطتنا المشتركة" تعمل الأمم المتحدة على إبرام الاتفاق الرقمي العالمي من أجل مستقبل رقمي مفتوح وحر وشامل وآمن للجميع، يرتكز إلى حقوق الإنسان. وقال إن الأمم المتحدة تدفع لوضع مدونة لقواعد السلوك لتعزيز النزاهة في الإعلام.
وأشار غوتيريش أيضا إلى إعلان ”الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك“ - الذي صدر عن قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر – وقال إنه نموذج للتعاطف والتضامن الإنساني.
وقال غوتيريش "إن كل الأديان والأعراف العظيمة تنادي بحتمية التسامح والاحترام والتفاهم. وفي الجوهر، نحن بصدد قيم عالمية: فهذه القيم هي روح ميثاق الأمم المتحدة، وهي في صميم سعينا لإعمال العدل وحقوق الإنسان وإحلال السلام".
ودعا إلى مواصلة السعي لإعمال هذه القيم وحماية القدسية والكرامة المكفولة لكل حياة بشرية، والتصدي لقوى الانقسام بإعادة تأكيد الإنسانية المشتركة.
الإسلاموفوبيا متجذرة
تشابا كوروشي رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة قال إن اعتماد قرار تخصيص يوم دولي لمكافحة الإسلاموفوبيا، بالإجماع العام الماضي، يظهر بوضوح الحاجة لإجراء حوار على مستوى عالمي للتشجيع على التسامح والسلام.
وقال مخاطبا الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "لقد أقررتم - بقلق عميق – بتنامي التمييز والتعصب والعنف ضد أفراد كثير من الأديان والمجتمعات الأخرى بأنحاء العالم بما في ذلك الحوادث المدفوعة بكراهية الإسلام. وبتخصيص هذا اليوم الدولي، تعهدتم بالعمل بهذا الشأن".
ومثل الكثير من العلل الاجتماعية، كما قال كوروشي، تتجذر الإسلاموفوبيا في كراهية الأجانب والخوف من الغرباء وبالتحديد الخوف من غير المألوف. وقال رئيس الجمعية العامة إن ذلك الخوف ينعكس في الممارسات التمييزية وحظر السفر وخطاب الكراهية والتنمر واستهداف الآخرين بسبب ملابسهم في بعض الأحيان.
وأضاف كوروشي إن الآثار الضارة لهذا التمييز تتضاعف على وسائل التواصل الاجتماعي، غالبا من قبل المتطرفين الذين يستخدمون الصور النمطية السلبية كأداة للتجنيد في صفوف جماعاتهم.
وقال "من ناحية أخرى، وللأسف، نجد حالات تُختطف فيها تعاليم الدين لإخضاعها لسياسات لا يمكن أن تتوافق مع النوايا الأصلية والحقيقية لهذه التعاليم".
وأضاف رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الإسلاموفوبيا جزء من عودة ظهور القومية العرقية والتفوق العرقي ووصمة العار والكراهية التي تستهدف المجتمعات الدينية والوطنية والعرقية واللغوية.
وقال "من واجبنا تغيير هذه الاتجاهات عبر دعم التنوع وحماية حقوق الأقليات". ودعا جميع الدول إلى حماية الحق في الدين والمعتقد. وشدد على أهمية التبادل الثقافي والديني الذي يوحد الجميع حول القيم المشتركة.
وشدد على أهمية أن تفعل شركات التواصل الاجتماعي المزيد عبر إزالة خطاب الكراهية من منصاتها ومحاربة انتشار المعلومات المضللة. كما أكد أهمية أن تشارك المرأة بشكل متساو في المناقشات حول الإسلاموفوبيا.
وفي ختام كلمته دعا رئيس الجمعية العامة إلى النهوض بالقيم المشتركة للتضامن والاحترام المتبادل وبناء مزيد من جسور التفاهم.
وتهدف فعالية اليوم لدعوة المجتمع الدولي إلى النظر في سبل مكافحة التعصب والتحريض على العنف والكراهية ضد أتباع الديانات والعقائد بمن فيهم المسلمون.
وستسعى الفعالية لتحقيق عدد من الأهداف منها النظر في سبل الحد من الإسلاموفوبيا عالميا، والدعوة للتضامن والتعاون لمكافحة التمييز والعنف ضد الأشخاص بناء على دينهم أو معتقداتهم، بما في ذلك الخطاب المعادي للمسلمين الذي قد يؤدي إلى التنميط العنصري والتمييز والصور النمطية السلبية ووصم المسلمين.
كما تهدف الفعالية أيضا إلى تعزيز العمل الجماعي من المجتمع الدولي لمحاربة كراهية الأجانب والتعصب والتحريض على العنف على أساس أي دين أو معتقد.
تعريف كراهية الإسلام أو ”الإسلاموفوبيا“
كره الإسلام أو كراهية الإسلام —أو ما تعرف بـ: ”الإسلاموفوبيا “— هي الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت. وتستهدف تلك الكراهية —بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية— الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما.
ويؤكد هذا التعريف على الصلة بين المستويات المؤسسية لكراهية الإٍسلام ومظاهر مثل تلك المواقف التي يؤجهها بروز هوية الضحية المسلمة المتصورة. ويفسر هذا النهج أيضًا كراهية الإسلام بوصفها شكل من أشكال العنصرية، حيث يُنظر إلى الدين والتقاليد والثقافة الإسلامية على أنها ”تهديد“ للقيم الغربية.
يفضل بعض الخبراء تسمية ”الكراهية ضدا على المسلمين“ خشية أن يؤدي مصطلح ”الإسلاموفوبيا “ إلى إدانة جميع الانتقادات الموجهة للإسلام، مما يتسبب بالتالي في يخنق حرية التعبير، ذلك أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الأفراد وليس الأديان. وربما أثرت كراهية الإسلام ”الإسلاموفوبيا “ كذلك على غير المسلمين، نظرا لخلط ما بناءً على تصورات عن الجنسية أو المنشأ العرقي أو المنشأ الإثني.
وباء الكراهية
وأفاد تقرير صدر مؤخرًا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين قد وصلت إلى أبعاد وبائية.
في الدول التي يمثلون فيها أقلية ، غالبًا ما يتعرض المسلمون للتمييز في الحصول على السلع والخدمات ، وفي العثور على عمل وفي التعليم. في بعض الدول ، يُحرمون من الجنسية أو من وضع الهجرة القانوني بسبب تصورات معادية للأجانب بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب. يتم استهداف النساء المسلمات بشكل غير متناسب في جرائم كراهية الإسلام.
ففي أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001 وغيرها من أفعال الإرهاب المروعة الأخرى التي يُزعم أنها نُفِّذت باسم الإسلام، تزايد الارتياب المؤسسي في المسلمين وفي من يُعتقد أنهم مسلمون إلى درجات وبائية. فعديد الدولي —إلى جانب هيئات إقليمية ودولية— ردت على التهديدات الأمنية باعتماد تدابير تستهدف المسلمين أكثر من غيرهم وتعرف المسلمين بأنهم في الوقت نفسه أناس يشكلون خطرا كبيرا وأناس معرضون لخطر التطرف. وقد أدامت قوانين وسياسات وممارسات كذلك أفكارا نمطية وعبارات مجازية مؤذية تصور المسلمين ومعتقداتهم وثقافاتهم على أنها تهديد، وذلك بالاستناد إلى اختزالات امبريالية ترسخت منذ وقت طويل تعتبر المسلمين ”آخرين“ من المنظور الثقافي. وأدت تلك التصورات المغلوطة والمنتشرة والصور النمطية المسيئة إلى إدامة التمييز والعداء والعنف تجاه المسلمين، أفرادا وجماعات.
وفي الدول التي يمثل فيهال المسلمون أقلية، غالبًا ما يتعرضون لممارسات تمييزية عند سعيهم للحصول على السلع والخدمات والأعمال والتعليم. وفي بعض الدول، يُحرمون من الجنسية أو من وضع الهجرة القانوني بسبب تصورات معادية للأجانب تصبغ المسلمين بصبغات تهديد الأمن القومي والإرهاب. كما تُستهدف المسلمات بصورة خاصة في الجرائم المرتطبة بكراهية الإسلام.
وتشير الدراسات إلى أن عدد جرائم الكراهية المعادية للإسلام يزداد بشكل متكرر بعد وقوع ما يعد خارجا عن سيطرة معظم المسلمين، بما في ذلك الهجمات الإرهابية وإقامة احتفالات سنوية بمثل تلك الهجمات. وتوضح هذه الواقع المحفزة كيف تنسب كراهية الإسلام مسؤولية أفعال قلة قليلة جدا على عاهل جميع المسلمين، مما يغذي بالتالي الخطاب التحريضي.
مكافحة كراهية الإسلام ”الإسلاموفوبيا “
أقدمت عديد الحكومات على أفعال ملموسة لمكافحة كراهية الإسلام بوضعها تشريعات وتدابير تُعنى بمكافحة جرائم الكراهية لمنع جرائم الكراهية ومقاضاة مرتكبيها، وبشن حملات تثقيفية عامة عن المسلمين والإسلام بهدف تبديد الخرافات والمفاهيم المغلوطة والمسيئة.
وتبنت الدول الستين الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، اعتبارا لكل ما سبق، قرارًا اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة حددت فيه يوم 15 مارس بوصفه اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام. وتشدد وثيقة القرار على أن الإرهاب والتطرف العنيف لا يمكن ولا ينبغي ربطهما بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية. كما تدعو إلى تشجيع إقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، استنادا إلى احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات.
وبمناسبة أول احتفال باليوم الدولي الأول لمكافحة الإسلاموفوبيا في عام 2021، أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى أن التعصب ضدا على المسلمين هو جزء من تيار أوسع لعودة ظهور القومية العرقية والنازية الجديدة ووصمة العار وخطاب الكراهية الذي يستهدف الفئات السكانية الضعيفة بما في ذلك المسلمين واليهود وبعض الأقليات المسيحية وغيرها، مشيرا إلى أن القرآن الكريم يذكرنا بأن الشعوب والقبايل خُلقت لتتعارف، وأن التنوع ثراء وليس تهديدا.
وتصديا للتصاعد المُقلق لخطاب الكراهية في كافة أنحاء العالم، دشن الأمين العام أنطونيو غوتيريس استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية.
اضف تعليق