q
على ضوء الترويج لفكره وإعادة فرض عبادة الشخصية وأهمية سلطته في قلب قيادة الحزب، تسير الأمور بالأحرى باتجاه شخص سيبقى في السلطة لفترة طويلة وربما مدى الحياة، شي سيحرص على توجيه رسالة واضحة: أي شخص يترقّى إلى اللجنة الدائمة لن يكون خلفا في المؤتمر الواحد والعشرين...

يستعد الرئيس الصيني شي جينبينغ لتكريس سلطته بالفوز بولاية جديدة من خمس سنوات على رأس ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي بدأ الأحد في بلد انغلق على نفسه منذ بدء تفشي وباء كوفيد-19.

وما لم تحصل مفاجأة، سيبقى شي البالغ 69 عاما والحاكم منذ 2012 في السلطة حتى 2027، ليصبح القيادي الأشد نفوذا منذ مؤسس النظام ماو تسي تونغ (1949-1976).

ويجتمع 2296 مندوبا قادمون من كل مقاطعات البلاد لحوالي أسبوع في قصر الشعب، المبنى الضخم الستالينيّ الهندسة الواقع في ساحة تيان أنمين بوسط بكين، في ظلّ إجراءات أمنية معززة.

وسيعين المندوبون اللجنة المركزية الجديدة التي هي بمثابة برلمان للحزب وتضم 200 عضوا، على أن تصوت بعد ذلك لاختيار المكتب السياسي، هيئة القرار المؤلفة من 25 عضوا.

وأوضح خبير الصين الفرنسي جان فيليب بيجا أن "كل شيء محسوم مسبقا لأن المؤتمر (الذي يعقد كل خمس سنوات) لا يجري قبل أن تتفق مختلف الفصائل".

وفي محطة أساسية من المؤتمر، يلقي شي جينبينغ خطابا في افتتاحه يعرض فيه تقريره الذي يمثل حصيلة لولايته ويعطي مؤشرات عن برنامجه للسنوات الخمس المقبلة.

وكان شي وعد خلال مؤتمر 2017 بـ"عصر جديد" للاشتراكية على النمط الصيني متعهدا بأن بلاده "ستنفتح أكثر" على العالم. وأكد أن "الانفتاح يجلب التقدم، والانغلاق يعيد إلى الخلف. الصين لن تغلق أبوابها".

التضحية بالنمو

بعد خمس سنوات، باتت الصين منغلقة أكثر من أي وقت مضى في ظل انتشار الوباء. وفيما يعود باقي العالم تدريجيا إلى حياة طبيعية، تتمسك بكين بسياسة "صفر كوفيد" صارمة تقلّص حركة الملاحة الجوية إلى أدنى حدّ ممكن وتفرض حجرا صحيا إلزاميا على الوافدين وتدابير عزل متتالية على مدن وبلدات.

وتثير هذه السياسة المتشددة استياء قسم من الصينيين وكذلك أوساط الأعمال التي تخشى التضحية بالنمو الاقتصادي من أجل القيود الصحية.

وقالت الباحثة يو جي من مركز "تشاتام هاوس" للدراسات إن "سياسة صفر كوفيد التي تتبعها بكين أحبطت الاستثمارات الضرورية ولم تنجح في الفوز بقلوب وأذهان الشباب الصينيين، الفئة التي عانت أكثر من سواها اقتصاديا واجتماعيا".

على الصعيد الدبلوماسي، عمّق البلد الهوة بينه وبين الولايات المتحدة، كما ضاعف الخلافات مع الهند وأستراليا وكندا، وأكد عزمه على إعادة ضم جزيرة تايوان ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر.

وبمعزل عن أزمة كوفيد، تبدو بكين عازمة في مطلق الأحوال على الحد من اعتمادها على العالم، ما يوحي بأن انغلاقها قد يدوم طويلا. وعلق جان فيليب بيجا أن "العديدين في الصين يقلقون لرؤية البلد يدخل مجددا ربما في حقبة عزلة" كما كان الحال قبل انفتاحه على التجارة العالمية في أواخر السبعينات.

ومن الصعب معرفة ما يجري في كواليس الحزب الشيوعي الصيني، أحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم بأعضائه الـ96,7 مليونا والذي يتسم بغموض شديد.

لكن هل يتولى الرئاسة لخمس سنوات أم أكثر؟

رأى الباحث جان بيار كابيستان المتمركز في هونغ كونغ والمشارك في مركز "إيجيا سنتر" للدراسات، أنه "على ضوء الترويج لفكره وإعادة فرض عبادة الشخصية وأهمية سلطته في قلب قيادة الحزب، تسير الأمور بالأحرى باتجاه شخص سيبقى في السلطة لفترة طويلة وربما مدى الحياة".

وحذر ستيف تسانغ مدير "معهد الدراسات الشرقية والإفريقية - الصين" (إس أو إيه إس تشاينا) في لندن أن اختيار محيطه على أعلى مستويات الحزب سيكون أمرا جوهريا.

واعتبر أن "شي سيحرص على توجيه رسالة واضحة: أي شخص يترقّى إلى اللجنة الدائمة لن يكون خلفا في المؤتمر الواحد والعشرين" عام 2027.

وهذا نبأ سيء حتما لناشطي حقوق الإنسان الذين ينددون بحملة قمع شديدة خلال عشر سنوات من حكم شي.

وقالت الباحثة ياكيو وانغ من منظمة هيومن رايتس ووتش أن "ولاية الرئيس شي الثالثة التي تولّد سابقة، هي مؤشر سيء لحقوق الإنسان في الصين وفي العالم".

حملة تطهير ضد الفساد قبل المؤتمر

مع اقتراب موعد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، قاد الرئيس شي جينبينغ "سلسلة أخيرة من عمليات التطهير" في سياق حملته ضد الفساد التي يسعى من خلالها برأي محللين إلى توطيد سلطته.

وباشر شي حملته لدى وصوله إلى السلطة قبل عشر سنوات، واعدا بإسقاط "النمور" في إشارة إلى كبار القادة و"الذباب" في إشارة إلى صغار الموظفين، متهما إياهم بتقاضي رشاوى واختلاس أموال.

ومنذ ذلك الحين، أسفرت الحملة عن معاقبة ما لا يقل عن 1,5 مليون شخص بحسب الأرقام الرسمية، وحققت الصين تقدما في ترتيب منظمة الشفافية الدولية لمؤشر الفساد.

غير أن منتقدي الرئيس الصيني يعتبرون أنه يستخدم الحملة أداة سياسية لإزاحة خصومه، وهو توجه ازداد مع اقتراب موعد المؤتمر.

ومنذ مطلع 2022 صدرت عقوبات في حوالى 1110 قضية، تطال واحدة منها النائب السابق لوزير الأمن العام سون ليجون وأخرى وزير العدل السابق فو زينهوا، وهما يقضيان عقوبة بالسجن مدى الحياة.

ورأى ويلي لام خبير الحزب الشيوعي الصيني في جامعة هونغ كونغ الصينية أن "هذه السلسلة الأخيرة من عمليات التطهير المموهة على أنها حملة ضد الفساد، ستسمح لشي ببسط سيطرة أكبر إن لم تكن سيطرة مطلقة على مسائل التعيينات والسياسة" خلال المؤتمر.

وكان سان ليجون يحظى في الماضي بثقة الرئيس، وهو الذي أشرف على القضايا الأمنية في هونغ كونغ خلال تظاهرات 2019. غير أنه فقد حظوته بسبب طموحاته السياسية واتهم بـ"الإساءة بصورة خطيرة إلى وحدة الحزب".

و"اعترف" المسؤول السابق عبر التلفزيون العام في كانون الثاني/يناير بأنه تلقى رشاوى بقيمة 13 مليون يورو أخفيت في علب تحتوي على ثمار بحر، لقاء "مساعدة" أفراد وشركات للحصول على مزايا وترقيات مناصب.

كما صدرت أحكام قاسية على شخصيات أخرى من "زمرته" السياسية مثل وزير العدل السابق وثلاثة قادة محللين للشرطة.

وأوضح يون سون خبير الصين في مركز ستيمسون للدراسات في واشنطن أن "قضية سان ليجون على ارتباط بالسيطرة المطلقة التي يريد شي جينبينغ فرضها على الجهاز الأمني لأن هذا ضروري من أجل تحقيق أهدافه السياسية" خلال المؤتمر.

وأضاف "إنها كذلك رسالة حازمة موجهة إلى كل الأصوات التي تنتقد نهج شي في الحكم".

وبالرغم من وحدة ظاهرية، يضم الحزب عدة فصائل تتصارع على النفوذ.

وقال أليكس بايات مدير مكتب "سيرسيوس غروب" ومقره في مونتريال إن "البعض معارض لشي لكنه مؤيد بشدة للحزب. وهم لا يستحسنون التوجه الذي اتخذه الحزب تحت إدارته".

ويشكل المؤتمر مناسبة للرئيس للحد من تهديدات فصائل أخرى معارضة له من خلال تعيين حلفاء له في مناصب مهمة داخل الحزب الشيوعي.

نجح شي جينبينغ خلال عشر سنوات إلى نسج نوع من "العبادة" حول شخصه لم تشهد الصين مثلها منذ الهالة التي كانت تحيط بمؤسس النظام ماو تسي تونغ.

وبات "فكر شي جينبينغ" يلقن للتلاميذ في المدارس.

وبسط الرئيس سيطرته حتى الآن على ثلاثة مفاصل مهمة للسلطة في الصين هي الجيش وجهاز الدعاية والأجهزة الأمنية، بعدما طرد الأصوات المنتقدة منها وعين مقربين فيها.

ويعرف الرئيس ووزير الأمن العام الجديد وانغ شياوهونغ بعضهما منذ التسعينات حين كانا يعملان في محافظة فوجيان بشرق الصين.

وشدد وو مولوان خبير السياسة الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية على أن "شي جينبينغ يختار أشخاصا أثبتوا ولاء مطلقا له على مدى عقود".

ويكتسب تعيين مقربين من حوله أهمية متزايدة في وقت يواجه الرئيس تباطؤا اقتصاديا وتوترا شديدا مع الولايات المتحدة واستراتيجية صحية بمواجهة وباء كوفيد تعزل بلاده عن باقي العالم.

واعتبر ويلي لام أن "لعب ورقة محاربة الفساد أداة مفيدة جدا لشي من أجل توجيه رسالة إلى عدد لا يزال كبيرا من المعارضين في أعلى دوائر الحزب".

وأضاف أن "كل من يعارض يتعرض لعقوبة سجن ... أو أقله لمضايقات من قبل وكالة مكافحة الفساد، من ضمنها مثلا الخضوع لمراقبة على مدار الساعة".

شي يشيد بصعود الصين

وأشاد الرئيس الصيني شي جينبينغ بصعود بكين كقوة عالمية ودعا إلى الالتفاف حول قيادته، لدى انطلاق أعمال مؤتمر الحزب الشيوعي الأحد، وفي خطاب في مستهل المؤتمر أمام حوالى 2300 ممثل عن الحزب الشيوعي تجمّعوا في قاعة الشعب الكبرى في بكين من أجل المناسبة، أشاد شي ودافع عن مجموعة واسعة من سياساته الأبرز بما في ذلك نهج "صفر إصابات كوفيد" وحملته ضد الفساد التي أطاحت بخصومه داخل الحزب.

وقال شي "الوحدة هي القوة والنصر يتطلب الوحدة"، بعدما صعد على المنصة وسط تصفيق حار من الحاضرين الذين تم اختيارهم بعناية للتصويت على قيادة الحزب للسنوات الخمس المقبلة خلال المؤتمر الذي يستمر مدة أسبوع.

وأضاف الرئيس الذي باتت الصين في عهده المتواصل منذ 10 سنوات قوة دولية كبرى أن "نفوذ الصين الدولي وجاذبيتها وقدرتها على تشكيل العالم ازدادت بشكل كبير".

وخلال "تقرير العمل" الذي قدّمته مدة 100 دقيقة بشأن السنوات الخمس الماضية، ركّز شي أيضا على أكثر قضايا الأمن والسيادة حساسية بالنسبة للصين إذ أشار في مستهل خطابه إلى هونغ كونغ، حيث تم سحق الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية، وتايوان.

ورحّب بانتقال هونغ كونغ من "الفوضى إلى الحكم"، بينما تعهّد بأن بكين "لن تلتزم قط بالتخلي عن استخدام القوة" عندما يتعلق الأمر بتايوان، في تصريحات قوبلت بتصفيق حار من الحضور.

وقال شي إن الحزب الذي يضم 96 مليون عضو “انتصر في أكبر معركة ضد الفقر في تاريخ البشرية”.

ووضع شي الصين منذ توليه السلطة قبل عشر سنوات على مسار استبدادي متزايد أعطى الأولوية للأمن وسيطرة الدولة على الاقتصاد باسم “الرخاء العام” ودبلوماسية أكثر حزما وجيشا أقوى وضغوطا مكثفة للسيطرة على تايوان.

ولا يتوقع محللون بشكل عام أي تغيير كبير في توجهات السياسة.

صفر كوفيد

واعتبر شي أن الجهود المتواصلة للقضاء على كوفيد والمتمثلة بفرض قيود مشددة على حياة السكان تعد إنجازا مهما، علما بأن هذه السياسات سددت ضربة للاقتصاد.

وقال إن هذا النهج وفّر "أعلى درجات الحماية لسلامة وصحة الناس".

كما لفت إلى ما اعتبره نجاح حملته لمكافحة الفساد التي سجن الآلاف على اثرها ويرى مراقبون بأنها استخدمت لسحق المعارضة.

لكن شي شدد على أن حملة مكافحة الفساد قضت على "مخاطر جدية كامنة" ضمن الحزب الشيوعي والجيش والدولة.

وقال إن "مكافحة الفساد حققت انتصارا ساحقا وتم تعزيزها بصورة شاملة".

وفي الخطاب الذي ركّز بمعظمه على القضايا الداخلية، قال شي إن الصين "ستشارك بشكل فاعل في الحكومة العالمية في ما يتعلق بتغير المناخ".

وشدد في الوقت ذاته على أن بلاده تعارض "عقلية الحرب الباردة" في الدبلوماسية الدولية، من دون أن يأتي على ذكر العلاقات مع واشنطن.

ولم يتطرق شي في خطابه إلى حرب أوكرانيا.

ولم يتضمن الخطاب أي إعلانات بشأن سياسته وكرّس الجزء الأكبر منه لمراجعة الوضع الحالي، وهو أمر رأى محللون بأن شي يسعى من خلاله إلى التركيز على الاستقرار.

وقال الفريد إل. تشان، وهو استاذ في كندا كتب سيرة شي، "إنها فترة اضطرابات في ظل أزمة كوفيد والتباطؤ الاقتصادي والوضع الدولي المتوتر خصوصا مع الولايات المتحدة".

وأضاف بأن "الحذر أكثر حصافة من التغييرات الكبيرة".

وفي حال تم اختياره زعيما للحزب لخمس سنوات أخرى، كما هو متوقع، فسيتم بلا شك انتخاب شي رئيسا خلال الاجتماع السنوي لمجلس الشعب الصيني المقرر في آذار/مارس.

رفع معدل المواليد في مواجهة شيخوخة السكان

وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين ستطبق سياسات لزيادة معدل المواليد مع شعور صناع السياسة بقلق من أن يلحق انخفاض وشيك في عدد سكان الصين ضررا بثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال شي “سنضع نظام سياسة لزيادة معدلات المواليد وانتهاج استراتيجية وطنية استباقية لمواجهة شيخوخة السكان”.

ويقول خبراء السكان إنه على الرغم من أن عدد سكان الصين يبلغ 1.4 مليار شخص، وهو أكبر عدد في العالم، إلا أن من المتوقع انخفاض عدد مواليدها إلى مستويات قياسية هذا العام ليتراجع إلى أقل من عشرة ملايين من 10.6 مليون طفل في العام الماضي والذي كان منخفضا أصلا 11.5 في المئة عن عام 2020.

وفرضت السلطات سياسة طفل واحد من عام 1980 إلى عام 2015، ثم تحولت فيما بعد إلى سياسة ثلاثة أطفال، معترفة بأن الشعب على وشك الانكماش السكاني.

حضور كثيف للشرطة

وانتشرت الشرطة بشكل كثيف في محيط بكين استعدادا للمؤتمر. وخضع المشاركون لسلسلة عمليات تفتيش قبل دخول القاعة حيث عُلّق شعار الحزب الشيوعي فوق المسرح حيث يجلس كبار القادة.

وكُتب على لافتات حمراء عُلّقت في القاعة "عاش الحزب الشيوعي المجيد والعظيم والصائب".

وقبيل انطلاق أعمال المؤتمر، حذفت هيئات الرقابة الصينية على الإنترنت جميع الإشارات إلى تقارير تحدّثت عن تظاهرة نادرة من نوعها خرجت في بكين ورفعت خلالها لافتات منددة بشي وسياسات البلاد في مكافحة كوفيد.

وأظهرت تسجيلات مصورة وصور انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي متظاهرا يعلّق على جانب جسر لافتتين تحملان شعارات تنتقد سياسات الحزب الشيوعي.

ونقل أسطول من الحافلات الصحافيين وغيرهم من الحضور إلى ساحة تيان أنمين التي بدت خالية تقريبا وإلى قاعة الشعب الكبرى.

تباطؤ اقتصادي

وتعلن الصين خلال انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي أرقام النمو الاقتصادي الفصلي الذي يتوقع أن يكون من الأضعف منذ 2020، في ظل القيود المفروضة لمكافحة وباء كوفيد وتبعات الأزمة العقارية.

يُكشف عن النسبة الرسمية للنمو في الفصل الثالث من السنة مع مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، فيما يتوقع أن يمنح مؤتمر الحزب في بكين ولاية ثالثة غير مسبوقة للرئيس شي على رأس الحزب وبالتالي على رأس البلد.

وتتوقع مجموعة من 12 خبيرا قابلتهم وكالة فرانس برس زيادة إجمالي الناتج المحلي لثاني أكبر اقتصاد في العالم بمتوسط 2,5% بوتيرة سنوية لفترة تموز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر.

وكان النمو تراجع في الفصل السابق إلى 0,4% فقط بوتيرة سنوية، مسجلا أسوأ أداء منذ 2020، بعد 4,8% في الفصل الأول.

ويعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن الصين ستواجه صعوبة في تحقيق هدفها للنمو المحدد بـ"حوالى 5,5%" لهذه السنة. علمًا أن صندوق النقد الدولي خفض مجددا توقعاته لإجمالي الناتج المحلي هذه السنة إلى 3,2% وللسنة المقبلة إلى 4,4%.

وأجمع محللون سألتهم وكالة فرانس برس على توقع متوسط للنمو قدره 3% للعام 2022، بفارق كبير عن نسبة 8,1% المسجلة في 2021. وستكون هذه أضعف وتيرة نمو خلال أربعة عقود في الصين، باستثناء فترة تفشي كوفيد-19.

وقال المحلل كليفورد بينيت من مكتب "إيه سي واي سيكيوريتيز" لفرانس برس إن "التحدي السياسي يكمن في الإقرار بأن الاقتصاد بلغ مستوى نضج معين وأن أرقام النمو ستبقى بشكل دائم" دون 5% للعقد المقبل.

وما أضر بالاقتصاد أيضا هو سياسة "صفر كوفيد" التي تتمسك بها السلطات.

وخلافا للقوى الاقتصادية الكبرى، لا يزال العملاق الآسيوي يطبق إستراتيجية صحية بالغة الصرامة تقضي بفرض حجر صحي على كل الذين تكشف الفحوص إصابتهم وتدابير إغلاق تشمل مدنا وبلدات وتتطلب فحوصًا إلزامية من أجل الدخول إلى الأماكن العامة.

وغالبا ما تؤدي هذه السياسة إلى إغلاق شركات ومصانع، فتضر بالنشاط الاقتصادي وبحركة النقل، كما تنعكس بشدة على استهلاك الأسر.

وبالرغم من وطأتها على الاقتصاد، حذر الخبير تينغ لو من بنك نومورا بأنه "لا يظهر أي مؤشر على تليين سياسة صفر كوفيد"، مشيرا على العكس إلى تشدّد في تطبيق التدابير الصحية.

وأكدت الصحافة الرسمية هذا الأسبوع أن التراخي حيال الفيروس سيكون "غير مسؤول"، مبددة أي أمل بالعودة إلى وضع طبيعي في المدى القريب.

وظهرت في الأيام الماضية بؤر إصابات جديدة بعثت مخاوف من العودة إلى القيود الصارمة وخصوصا في شنغهاي، الرئة الاقتصادية والمالية للصين التي شهدت تدابير إغلاق قاسية على مدى شهرين في الربيع.

بموازاة ذلك، يشهد البلد أزمة غير مسبوقة في القطاع العقاري الذي يشكل تاريخيا محركا للنمو في الصين.

ويواجه هذا القطاع الذي يمثل مع البناء أكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي الصيني، صعوبات بفعل إجراءات أقرتها بكين عام 2020 للحد من المديونية.

بعد سنوات من الارتفاع الحاد، تراجعت حركة بيع العقارات في العديد من المدن، وتكافح شركات تطوير عقاري عديدة من أجل البقاء فيما يرفض بعض الملاكين دفع أقساطهم الشهرية لقاء مساكن لم يكتمل إنشاؤها.

اقتصاد حديث

ورغم كل شيء، لفت المحلل توماس غاتلي من مكتب "غافكال دراغونوميكس" المتخصص في الاقتصاد الصيني إلى أن "مؤشرات كثيرة انتعشت بشكل جيد نسبيا" بعد تدابير الحجر في الربيع.

وأبقت مبيعات السيارات الخاصة في الصين على حيويتها في ايلول/سبتمبر مدعومة بالطلب القوي على السيارات المراعية للبيئة.

كما ازدادت الصادرات في آب/أغسطس بنسبة 7,1% بوتيرة سنوية وأطلقت الصين استثمارات في البنى التحتية دعما للنشاط.

لكن غاتلي حذر بأن "دعائم النمو هذه باتت هشة".

وأشار جان لوي روكا خبير الصين في معهد العلوم السياسية "سيانس بو" في باريس إلى أن "الاقتصاد الصيني يواجه مشكلات جوهرية أكثر" تتعلق بعملية تحول النموذج الاقتصادي.

فبعد عقود من النمو المبنى على الاستثمارات والتصدير، أوضح أن الصين "لم تعد تريد أن تبقى مشغلَ العالم" بل تطمح إلى "اقتصاد حديث" موجه نحو التكنولوجيات المتطورة والاستهلاك، تكون له قيمة مضافة أكبر.

والمشكلة المطروحة بحسب ما أوضح الباحث لفرانس برس، أن هذا الاقتصاد الجديد "يجد رغم كل شيء صعوبة في الحلول محل الاقتصاد القديم" والنقطة الأساسية بحسبه هي أنه "قلما يولد وظائف" وبالتالي "هل سنتمكن من الاستمرار في توظيف كل هذه الطبقة المتوسطة؟"

كلها أسئلة جوهرية مطروحة على الحزب الشيوعي الصيني الذي يستمد شرعيته الرئيسية تحديدا من زيادة القوة الشرائية للمواطنين.

التضخم في الصين

ارتفع تضخم أسعار المستهلكين في الصين إلى أعلى مستوى في 29 شهرا في سبتمبر أيلول مدفوعا بشكل أساسي بأسعار لحم الخنزير، لكن ضغوط الأسعار ظلت معتدلة إلى حد كبير في اقتصاد عصفت به قيود مكافحة جائحة كوفيد-19 وأزمة عقارات.

ويحاول البنك المركزي الصيني دعم النمو، بينما يتجنب في الوقت نفسه اتخاذ خطوات مشددة قد تذكي ضغوط الأسعار وتخاطر بهروب رؤوس الأموال، مع رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) وبنوك مركزية أخرى الفائدة لمكافحة التضخم المرتفع.

وكشفت بيانات من مكتب الإحصاءات الوطني أن مؤشر أسعار المستهلكين زاد 2.8 بالمئة على أساس سنوي مقارنة مع 2.5 بالمئة في أغسطس آب. وسجل أسرع وتيرة منذ أبريل نيسان 2020.

وتباطأ التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة إلى 0.6 بالمئة في سبتمبر أيلول من 0.8 بالمئة في أغسطس آب، مما يلقي الضوء على ضعف الاستهلاك في ظل قيود مكافحة كوفيد-19.

وزاد مؤشر أسعار المنتجين بأبطأ وتيرة منذ يناير كانون الثاني 2021 وارتفع 0.9 بالمئة على أساس سنوي مقارنة مع 2.3 بالمئة في الشهر السابق ومع توقعات بارتفاعه واحدا بالمئة.

وقال يي قانغ محافظ البنك المركزي الصيني في تصريحات منشورة إن البنك سيكثف دعمه للاقتصاد.

وتسارع التضخم مع زيادة أسعار الغذاء 8.8 بالمئة على أساس سنوي من 6.1 بالمئة في أغسطس آب. وزادت أسعار لحوم الخنزير 36 بالمئة من 22.4 بالمئة في الشهر السابق. وارتفعت أسعار الخضروات 12.1 بالمئة من ستة بالمئة في الشهر السابق.

هيكلة الجيش الصيني

خلال عقد من حكم شي جينبينغ، بنت الصين أكبر أسطول بحري في العالم وأعادت هيكلة أكبر جيش محترف في العالم وطورت ترسانة نووية وبالستية قادرة على إثارة قلق أعدائها.

مع سعي الدول المجاورة للصين الى اتباع هذا النمط، من المحتمل أن تترافق ولاية ثالثة من خمس سنوات لشي جينبينغ مع تسارع في السباق إلى التسلح في منطقة آسيا-المحيط الهادىء.

وقد شهدت مشتريات الأسلحة ارتفاعا، من كوريا الجنوبية التي طورت قوتها البحرية في أعماق البحار، إلى أستراليا التي تشتري غواصات نووية وغيرهما.

يفيد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره في لندن، أن نفقات الدفاع تجاوزت السنة الماضية التريليون دولار في منطقة آسيا-المحيط الهادىء.

خلال العقد الماضي، ضاعفت الصين والفيليبين وفيتنام حجم انفاقها العسكري، كما أن كوريا الجنوبية والهند وباكستان ليست بعيدة عنها.

حتى اليابان قدمت هذه السنة موازنة قياسية في مجال الدفاع منهية تحفظها متحدثة عن مناخ أمني "يزداد عنفا".

وقال مالكولم ديفيس المسؤول السابق في الدفاع الاسترالي والذي يعمل حاليا في معهد الاستراتيجية السياسية إن "كل اللاعبين الرئيسيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يردون بأسرع ما يمكن على تحديث الجيش الصيني".

على مدى سنوات، كان جيش التحرير الشعبي يعتبر قديما وغير فعال، حتى ان أحد المؤرخين وصفه بأنه "أكبر متحف عسكري في العالم".

كان مجهزا بمعدات عسكرية قديمة من صنع الاتحاد السوفياتي السابق وينخره الفساد ويستند بشكل أساسي على وحدات مشاة لم يكن أداؤها جيدا على الأرض في الخارج.

خلال الحرب الكورية، تدخل جيش التحرير الشعبي الى جانب كوريا الشمالية وخسر 400 ألف عنصر بحسب الغربيين، أو 180 ألفا بحسب بكين. واجه في العام 1979 فيتنام خلال حرب مقتضبة لكن دامية.

حين أصبح شي جينبينغ القائد العام للقوات المسلحة عام 2013 ، كانت الإصلاحات قد بدأت. وقد بوشرت في سنوات التسعينيات برئاسة جيانغ زيمين الذي أعجب بالبراعة العسكرية الأميركية خلال حرب الخليج وأزمة مضيق تايوان الثالثة.

وصرح المستشار الاستراتيجي الكسندر نيل لوكالة فرانس برس "لكن فقط مع وصول شي جينبينغ بدأت هذه الجهود تتحول الى قدرات".

كان جيش التحرير الشعبي قد وضع للتو قيد الخدمة أول حاملة طائرات له، اشتراها من أوكرانيا ومقاتلاته وهي قاذفات من نوع J-15 مستوحاة من طائرة سوخوي السوفياتية.

تسجل الموازنة العسكرية الصينية ارتفاعا متزايدا منذ 27 عاما بحسب المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم.

باتت الصين تملك الآن حاملتي طائرات قيد الخدمة، ومئات الصواريخ البالستية الطويلة المدى ومتوسطة المدى وآلاف الطائرات المقاتلة وأكبر قوة بحرية في العالم، متقدمة على الولايات المتحدة.

وقال كارل توماس قائد الأسطول السابع لوسائل إعلام أميركية "لديهم قوة بحرية كبيرة جدا، وإذا أرادوا الترهيب ووضع سفن في محيط تايوان، فيمكنهم القيام بذلك فعلا".

في الوقت نفسه فان "الترسانة النووية للصين تتزايد بشكل كبير وقد تكون قادرة، بحسب البنتاغون، على إطلاقها من البر والبحر والجو.

بحسب مجلة Bulletin of the Atomic Scientists، فان الصين تمتلك الآن حوالى 350 رأسا نووية، أي ضعف الكمية التي كانت تمتلكها خلال الحرب الباردة. وتقدر أجهزة الاستخبارات الأميركية أن هذا المخزون قد يتضاعف أكثر ليصل الى 700 رأس بحلول عام 2027.

ويتم بناء صوامع صواريخ نووية جديدة في شمال غرب البلاد.

وجاء في تقرير للبنتاغون عام 2021، أن الصين "هي الخصم الوحيد القادر على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكل تحديا طويل الأمد لنظام دولي مستقر ومنفتح".

وأضاف المصدر نفسه ان بكين "تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي ليتماشى بشكل أفضل مع نظامها السلطوي ومصالحها الوطنية".

هذا الاحتمال يثير مخاوف، وفي المنطقة تهدف الكثير من المشاريع كما هو واضح الى تعزيز القدرة الرادعة.

ترغب كوريا الجنوبية في تطوير قوة بحرية قادرة على العمل قبالة سواحلها وتخطط أستراليا لشراء ثماني غواصات نووية بمساعدة بريطانية وأميركية بموجب اتفاق أوكوس.

تتحدث كانبيرا أيضا عن شراء أسلحة تفوق سرعة الصوت وصواريخ بالستية طويلة المدى وحتى قاذفات شبح قادرة على الضرب في أي مكان في العالم بدون أن ترصد.

يقول مالكولم ديفيس إن هذه المشاريع تعكس إدراكا بأن الصين لديها قدرة متعاظمة على هندسة المنطقة وفقا لرغبتها.

وأضاف أن "الحقبة التي كانت تهيمن فيها البحرية الأميركية على البحار في غرب المحيط الهادئ تشارف على نهايتها". وأوضح "لم نكن لنرى أوكوس لو أن شي جينبينغ لم يكن موجودا. بطريقة ما، لقد أسدى لنا خدمة كبرى".

اضف تعليق