بايدن غادر المملكة يوم السبت دون تحقيق الكثير من المكاسب الكبرى ووسط شكوك حول ما إذا كانت الزيارة تستحق هذا العناء. استهدفت رحلة بايدن إعادة العلاقات مع عملاق النفط العربي الخليجي والتأكيد على التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة ومواجهة النفوذ المتزايد لإيران وروسيا والصين. ستظل المصافحة بقبضة اليد...
اتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطوة صوب إصلاح علاقتهما المضطربة بمصافحة بقبضة اليد، لكن بايدن غادر المملكة يوم السبت دون تحقيق الكثير من المكاسب الكبرى ووسط شكوك حول ما إذا كانت الزيارة تستحق هذا العناء.
استهدفت رحلة بايدن التي استمرت أربعة أيام إلى إسرائيل والسعودية، وهي الأولى له إلى الشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة، إعادة العلاقات مع عملاق النفط العربي الخليجي والتأكيد على التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة ومواجهة النفوذ المتزايد لإيران وروسيا والصين.
لكن توتر العلاقات طغى على المشهد خلال زيارة السعودية حيث تجنب بايدن الظهور وكأنه يعانق ولي العهد المتورط بحسب المخابرات الأمريكية في القتل الوحشي للصحفي بجريدة واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018، وهو اتهام تنفيه السلطات السعودية.
وقال بايدن إنه واجه الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بجريمة القتل. ولم يظهر الأمير محمد ضعيفا أمام بايدن وقال له إن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء أيضا.
وعلى الرغم من أن بايدن غادر الشرق الأوسط دون الحصول على تعهد فوري من السعودية بزيادة إنتاج النفط أو دعم الجهود الأمريكية لإنشاء محور أمني في المنطقة من شأنه أن يشمل إسرائيل، فإن الرحلة لم تخل من المكاسب.
ستظل المصافحة بقبضة اليد بين بايدن والأمير محمد أمام القصر الملكي في جدة بمثابة الصورة المميزة لهذه الزيارة التي استغرق الترتيب لها عدة أشهر. وكان مسؤولو البيت الأبيض منقسمين بين مكافأة الأمير محمد بهذه الزيارة والتذمر من الشكل الذي ستبدو عليه.
في النهاية، قرروا أن الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع السعودية والتي تعود لأكثر من 80 عاما أمر مهم لمصالح الولايات المتحدة وأنه سيساعد الجانبين على طي هذه الصفحة.
اتخذت الرياض عدة خطوات مهمة لتمهيد الطريق أمام الزيارة، منها دعم هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة في الصراع باليمن، وهو انتصار كبير لبايدن الذي سحب دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية. كما ساعدت الرياض في التعجيل بضخ المزيد من النفط والذي كانت أوبك+ اتفقت عليه بالفعل.
وقال بروس ريدل الباحث في شؤون السياسات الخارجية بمعهد بروكينجز "القمة التي جمعت تسعة زعماء عرب إنجاز واضح مثل (إنجاز) دعم الهدنة في اليمن. لكن هذين الإنجازين كان ثمنهما (مصافحة) بقبضة اليد".
جاء بايدن إلى السعودية على أمل إقناعها بزيادة إنتاج النفط من خلال أوبك، لكن المملكة تمسكت باستراتيجيتها التي تقضي بضرورة العمل في إطار تحالف أوبك+، الذي يضم روسيا، وعدم التصرف من جانب واحد.
وأدت أسعار البنزين المرتفعة إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة والعالم، مما أدى إلى تراجع التأييد لبايدن في استطلاعات الرأي بينما يتجه إلى انتخابات الكونجرس الحاسمة في نوفمبر تشرين الثاني.
ومع ذلك، فإن مسؤولي البيت الأبيض واثقون من أن جهودهم الدبلوماسية ستساعد في سير المحادثات عندما يعقد أعضاء أوبك+ اجتماعهم المقبل.
وقال بن كيهيل محلل شؤون الطاقة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "كل الأنظار تتجه إلى اجتماع أوبك+ في الثالث من أغسطس. إذا أراد السعوديون والإماراتيون زيادة الإنتاج، فسوف يفعلون ذلك عبر أوبك+... لست متأكدا من أن هذه الدول مقتنعة بأن السوق بحاجة لمزيد من المعروض من الخام".
لا اختراقات في جولة بايدن
سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى استغلال رحلته الرئاسية الأولى إلى الشرق الأوسط، لإعادة تأكيد نفوذ واشنطن في المنطقة، لكنّه عاد منها من دون تحقيق أي اختراق دبلوماسي، في نتيجة اعتبرها محلّلون غير مفاجئة.
بعد أربعة أيام من الاجتماعات والخطابات، تبدو الحصيلة هزيلة، إن وُجدت، في قضايا تتراوح بين أسعار الطاقة وحقوق الإنسان ودور إسرائيل في المنطقة.
وفي وقت كانت طائرة الرئاسة تتّجه عائدة إلى واشنطن مساء السبت، كان السعوديون يقلّلون من أهمية أحد الإعلانات الملموسة القليلة التي تخلّلتها الرحلة، ويتناول فتح الأجواء السعودية أمام الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل.
ويقول بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنّ ليس هناك من شكّ في أنّ الخطوات التي أُعلن عنها خلال رحلة بايدن كانت "متواضعة"، إلّا أنه أضاف أنّ بعضاً منها يقدّم "إشارات إيجابية إلى شيء قادم قد يكون أكبر".
ويضيف "لن يعيدوا تشكيل المنطقة بين ليلة وضحاها، كما أن هناك الكثير من العمل الذي يجب أن يقوم به الفاعلون في المنطقة لتحقيق الإمكانات الكاملة لهذه الخطوات الأولى".
إلّا أنّ الانتقادات الأكثر قسوة جاءت من نشطاء حقوق الإنسان المنزعجين من المحطّة الأخيرة لبايدن في المملكة العربية السعودية، الدولة التي تعهّد ذات مرة بأن يجعلها "منبوذة" بسبب انتهاكات أبرزها مقتل الصحافي جمال خاشقجي في العام 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول.
العلاقات الإسرائيلية السعودية
شهدت الزيارة تحسنا طفيفا في العلاقات بين السعودية وإسرائيل بعد أن قالت الرياض إنها ستفتح مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران مما يمهد الطريق أمام مزيد من رحلات الطيران من وإلى إسرائيل.
وتم التوصل أيضا لاتفاق بوساطة أمريكية بين إسرائيل ومصر والسعودية يقضي بانسحاب وحدة حفظ سلام دولية صغيرة تقودها الولايات المتحدة من جزيرة تيران الاستراتيجية والتي تنازلت القاهرة عن السيطرة عليها للرياض في عام 2017.
وتأمل الولايات المتحدة وإسرائيل في أن تساعد هذه الخطوات والقمة في بناء زخم نحو دمج إسرائيل بشكل أكبر في المنطقة بما في ذلك مع السعودية.
ولكن وزير الخارجية السعودي استبعد أي تطبيع وشيك مع إسرائيل قائلا إن هذا ليس مقدمة لخطوات أخرى. وقال إن الرياض ليست طرفا في أي مناقشات بشأن إقامة تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي لمواجهة إيران.
ووقعت الولايات المتحدة وإسرائيل على تعهد مشترك يوم الخميس لحرمان إيران من الحصول على أسلحة نووية، في إظهار للوحدة بين الحلفاء المنقسمين منذ فترة طويلة بشأن الدبلوماسية مع طهران. وكان الإعلان جزءا من جهود بايدن لحشد الحلفاء الإقليميين وراء جهود الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران.
وكانت السعودية وإسرائيل تشعران باستياء من الاتفاق النووي الأصلي الذي توسطت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما واحتفلتا بانسحاب دونالد ترامب سلف بايدن من الاتفاق.
والآن يطلب بايدن التحلي بالصبر ويؤكد لهم أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة كملاذ أخير إذا فشلت المحادثات واستمرت إيران في ما يعتقد الغرب أنه برنامج لتطوير أسلحة نووية.
وتريد السعودية والإمارات معالجة المخاوف الإقليمية بشأن برنامج إيران الصاروخي والوكلاء الإقليميين.
وتسعى دول الخليج، التي رفضت الوقوف في صف الغرب ضد روسيا فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا، بدورها إلى الحصول على تعهدات ملموسة من الولايات المتحدة حول التزامها بالعلاقات الاستراتيجية التي توترت بسبب ما ترى أنه توجه أمريكي لفك الارتباط مع المنطقة.
وأصيبت الرياض وأبوظبي بالإحباط بسبب الشروط الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة واستبعادهما من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 الذي يرون أنه معيب لعدم معالجة المخاوف الإقليمية بشأن برنامج طهران الصاروخي وتصرفاتها.
واعتبر بايدن إعلان هيئة الطيران السعودية رفع قيود التحليق عن "جميع شركات الطيران" المدنية، مّا مهّد الطريق للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي السعودي، "قرارا تاريخيا". وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد إنه "الخطوة الرسمية الأولى للتطبيع مع السعودية".
لكن الأمير فيصل بن فرحان أكد في مؤتمره الصحافي أن الخطوة "غير مرتبطة" بإسرائيل و"ليست في أي حال من الأحوال تمهيدا لخطوات لاحقة".
وأكدّت المملكة مرارا رفضها التطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقات إبراهام التي تمّ التوصّل إليها في العام 2020 بين إسرائيل وكل من البحرين والإمارات العربية المتحدة المجاورتَين، ثم المغرب والسودان، قبل التوصل الى حلّ للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على إقامة دولة فلسطينية.
ملف خاشقجي ومكافأة الدكتاتور
تركزت ردود الفعل الأقوى على رحلة بايدن على لقائه بالأمير محمد بن سلمان الذي خلص تقرير للاستخبارات الأميركية الى أنه "وافق" على قتل خاشقجي.
وتصدّر السلام بالقبضتين بين بايدن وبن سلمان الصفحة الأولى لصحيفة "واشنطن بوست"، فوصفه مديرها التنفيذي ب"المخجل".
وتقول كريستين ديوان من معهد "الخليج العربي" للأبحاث في واشنطن، "التحية بين الرئيس بايدن ومحمد بن سلمان مؤلمة كتعبير مرئي عن عدم قدرتنا على تحقيق المساءلة".
وقال السعودي المعارض عبدالله العودة المقيم في الولايات المتحدة، إن هذه التحية "تمثّل انتكاسة كبيرة". والعودة هو نجل رجل دين بارز محتجز في السعودية منذ العام 2017، في إطار ما يصفه المنتقدون ب"القمع الواسع للمعارضة".
رغم ذلك، يقول المحلّل حسين ايبش إنّ "الزيارة بحدّ ذاتها تعدّ إنجازاً، خصوصاً بالنسبة للسعوديين وقبل كلّ شيء لمحمد بن سلمان".
ويضيف أنّ الزيارة بالنسبة لبايدن تهدف إلى إصلاح العلاقات الشخصية والسياسية بين إدارته والسعوديين، مضيفاً "يبدو أنّ ذلك قد تمّ تحقيقه".
وانتقد السناتور الأمريكي بيرني ساندرز زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية قائلا إنها تكافئ نظاما دكتاتوريا وما كان يجب أن تحدث أبدا في ضوء تورط زعيمها في قتل صحفي.
وردا على سؤال عما إذا كان يجب على بايدن أن يقوم بالزيارة قال ساندرز المستقل على قناة (إيه.بي.سي) "لا، لا أعتقد ذلك".
وأضاف ساندرز "هناك زعيم لهذا البلد متورط في قتل صحفي من واشنطن بوست. لا أعتقد أنه يجب مكافأة هذا النوع من الحكم بزيارة رئيس الولايات المتحدة".
ومقتل خاشقجي هو نقطة خلاف رئيسية بين البلدين. ونفى الأمير محمد، الحاكم الفعلي للسعودية، أنه أصدر أمرا بقتله. وكان خاشقجي مواطنا سعوديا مقربا من الأسرة المالكة قبل أن يتحول إلى منتقد لها، وكان يعيش في منفى اختياري بولاية فرجينيا الأمريكية.
وقال بايدن إنه أبلغ الأمير بأنه يحمله مسؤولية مقتل خاشقجي. وقال مسؤول سعودي حضر الاجتماع إن ما دار بين الزعيمين لم يكن كما وصفه بايدن.
واستهدفت زيارة بايدن إلى المملكة، التي سبق أن قال إنه سيعمل على عزلها دوليا، إعادة ضبط العلاقات بين البلدين. وأدى ارتفاع أسعار البنزين إلى مستويات قياسية هذا العام إلى تعقيد الموقف، ودعت الولايات المتحدة الدول المنتجة للنفط إلى زيادة الإنتاج لتعويض النقص الناجم عن العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا.
وعندما كان مرشحا رئاسيا، قال بايدن إن المملكة يجب أن تصبح "منبوذة" على المستوى العالمي بسبب مقتل خاشقجي. وكان ساندرز مرشحا منافسا لبايدن في الانتخابات التمهيدية التي أجراها الحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه للرئاسة.
وقال ساندرز إنه يتعين على الولايات المتحدة فرض ضريبة أرباح غير عادية على شركات النفط بدلا من التسامح مع السعودية.
وقال عن العائلة المالكة السعودية "لديكم عائلة تبلغ ثروتها 100 مليار دولار وتشكك في الديمقراطية وتعامل النساء كمواطنات من الدرجة الثالثة وتقتل وتسجن معارضيها".
وأضاف "إذا كان هذا البلد يؤمن بأي شيء، فنحن نؤمن بحقوق الإنسان ونؤمن بالديمقراطية ولا أعتقد أننا يجب أن نحافظ على علاقة طيبة مع دكتاتورية كهذه".
مصافحة بقبضة تطغى على الاحداث
أظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي السعودي الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يصافح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقبضة اليد يوم الجمعة خلال زيارة للسعودية يتابع فيها المحللون لغة الجسد والكلمات المتبادلة، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى إعادة ضبط العلاقات بين البلدين.
وعمل المسؤولون في البيت الأبيض جاهدين لتحديد الشكل الذي سيبدو عليه لقاء بايدن وولي العهد السعودي الذي انتقده الرئيس الأمريكي لدوره في مقتل جمال خاشقجي المعارض السياسي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست.
وفي النهاية، جاءت صورة المصافحة بقبضة اليد واللقاء الصامت أمام قصر العاهل السعودي في جدة والتي من المرجح أن تكون الصورة الأشهر في زيارة الرئيس الأمريكي الذي تعهد في وقت من الأوقات بأن يجعل السعودية دولة "منبوذة".
وأشار مساعدو الرئيس الأمريكي قبل أن يصل إلى إسرائيل، وهي الجزء الأول من رحلته، إلى أن بايدن سيتجنب المصافحات خلال الرحلة بسبب الانتشار السريع للسلالة الجديدة من فيروس كورونا، لكن في غضون دقائق من وصوله إلى إسرائيل نحى القواعد جانبا وراح يصافح مستقبليه.
وواصل بايدن المصافحات خلال زيارة إسرائيل قبل أن يتوجه إلى السعودية.
وقالت كريستن فونتنروز الباحثة في العلاقات الخارجية في المجلس الأطلسي والمسؤولة في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب "لسبب ما يعتقد الفريق السياسي لبايدن أن المصافحة بقبضة اليد أقل في مجال التعبير عن الصداقة من المصافحة العادية واعتزموا أن يجعلوه يصافح الجميع بقبضة اليد لئلا تكون مصافحته للأمير محمد بن سلمان بقبضة اليد ملحوظة".
ضربة لصورة المدافع عن الديموقراطية
هز الرئيس الأميركي جو بايدن صورة المدافع عن الديموقراطية والحقوق الأساسية التي حاول جاهدا رسمها لنفسه، خلال أقلّ من أربع وعشرين ساعة قضاها في السعودية.
ترسم الوعود التي يُطلقها كل سياسي ملامح مسيرته في السلطة وترتدّ عليه لاحقا، عندما تُقارن بالوقائع.
بالنسبة للرئيس الأميركي البالغ من العمر 79 عاماً، يتعلّق الأمر بتعهّده خلال حملته الانتخابية معاملة المملكة العربية السعودية على أنها "منبوذة". ويظهر أيضاً الإعلان الذي أطلقه في الرابع من تموز/يوليو 2021 حول مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. قال يومها "نقود بقوة مثالنا وليس بمثال قوّتنا. نحن جزء من شيء أكبر منّا بكثير. نقف كمنارة للعالم".
كيف يمكن التوفيق بين هذه الكلمات وتغطية الصحافة الأميركية، في الوقت الذي كان يختتم بايدن زيارة سريعة للمملكة الغنية بالنفط؟
اتشحت العديد من الصحف بالصورة نفسها: "قبضة اليد"، أي تحية جو بايدن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من قبضة إلى أخرى، لدى استقباله في القصر الملكي في جدة.
إنه الرجل ذاته الذي صنّفته الولايات المتحدة، بدفعٍ من جو بايدن، على أنه راعٍ لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقي في العام 2018.
سعى البيت الأبيض إلى نزع الألغام من اجتماع كان يعرف أنه متفجّر. في بداية جولته الأولى في الشرق الأوسط، التي أخذته إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية، أوضح فريق الإعلام أنّ بايدن سيتخذ احتياطات صحية إضافية بسبب كوفيد-19. اشتبه الصحافيون على الفور بأنّه يريد تجنّب مصافحة الرجل القوي الحقيقي في المملكة.
لم يلتزم الرئيس بهذه التعليمات خلال زيارته الودية إلى الدولة العبرية، حيث ضاعف المصافحات والعناق. لكن في جدّة، فضّل السلام بقبضة اليد، على اعتبار أن ذلك سيكون أكثر أماناً من الفيروس، غير أنه لم يحصّن بايدن من العاصفة الإعلامية.
لم يرَ الصحافيون الموجودون ضمن وفد بايدن المشهد، فعند وصولهم إلى بوابات القصر السعودي كان الرئيس الأميركي قد دخل. لكن وسائل الإعلام السعودية الرسمية سرعان ما بثّت هذه الصورة التي انتشرت على الفور وتلتها صور أخرى للرجلين.
كذلك، لم يتمكّن الصحافيون المعتمدون في البيت الأبيض، الذين كانوا موجودين في غرفة صغيرة في القصر، من حضور إلّا اجتماعا واحدا للوفدين الأميركي والسعودي، حيث أدلى الرئيس ومضيفه بتصريحات مقتضبة.
وكان من المستحيل سماع ما يقولانه، لا سيّما أن المراسلين الذي كانوا بعيدين عن طاولة الاجتماع الكبيرة، لم يُسمح لهم بحمل الميكروفونات المستخدمة تقليديا في التلفزيون والراديو لالتقاط الأصوات بشكل أفضل.
بعد ذلك، نظّم الفريق الأميركي إيجازا صحافيا على عجل.
قطرة نفط
قال جو بايدن الذي بدا متوتراً إنه طرح قضية الاغتيال "في بداية" اجتماعه مع ولي العهد، مُطلعاً إياه "بشكل واضح على ما كنت أفكّر فيه في ذلك الوقت وما أفكّر فيه الآن".
والسبت، أعلن الرئيس الأميركي الذي يسعى لتصوير نفسه على أنه قائد معركة الديموقراطيات في وجه الأنظمة الاستبدادية، خلال اجتماع مع محمد بن سلمان وقادة عرب، أن "المستقبل ينتمي إلى الدول (...) التي يمكن لمواطنيها استجواب وانتقاد قادتهم من دون الخوف من الانتقام".
وفي إسرائيل، أكد بايدن "لا أسكت أبداً عندما يتعلّق الأمر بالحديث عن حقوق الإنسان. السبب وراء مجيئي إلى السعودية أوسع بكثير. إنه تعزيز مصالح الولايات المتحدة".
ويعني ذلك تجديد العلاقات مع حليف استراتيجي قديم لواشنطن ومستهلك رئيسي للأسلحة ومورّد لا غنى عنه للنفط.
يحتاج جو بايدن إلى إنتاجٍ أكثر غزارة للنفط من أجل خفض أسعار الوقود المرتفعة التي قد تؤثر على وضع حزبه الديموقراطي في الانتخابات التشريعية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر.
وكتب كينيث روث المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش على "تويتر" "المستبدّون يبتسمون، يمكن بيع دعم بايدن لحقوق الإنسان مقابل قطرة من النفط".
من جهتها، اعتبرت ياسمين فاروق في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي خلال أحد النقاشات أخيراً أنه "إذا كان هناك بلد يمكنه أن ينتزع من السعودية تقدّما في مجال الحقوق الإنسان، فهو الولايات المتحدة. (...) إذا قرّروا أنّ في ذلك مخاطر كبيرة، أو أن التحدّث مع السعوديين حول القيم وحقوق الإنسان سيستغرق وقتاً طويلاً، فلن يفعل ذلك أي أحد آخر".
بايدن يشكك في الرواية السعودية
اختلف الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم السبت مع السعودية في رواية كل منهما عما دار خلال مناقشات في قمة ثنائية بخصوص مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، وهي من القضايا الخلافية الرئيسية بين البلدين.
ورفض بايدن، في رده على الصحفيين في البيت الأبيض بعد عودته من أول رحلة للشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة، رواية وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير عن أنه لم يسمع بإلقاء بايدن اللوم على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي كاتب العمود بصحيفة واشنطن بوست والمنتقد الشديد لسياسات بلده السعودية.
ورد بايدن بالنفي على سؤال عما إذا كان الجبير يقول الحقيقة في روايته لما دار بين بايدن والأمير.
وقال الجبير إن ولي العهد قال لبايدن إن المملكة تعمل على منع تكرار أخطاء مثل قتل خاشقجي وإن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء كذلك.
وأضاف الوزير لقناة فوكس نيوز الإخبارية يوم السبت إنه "لم يسمع هذه العبارة بالتحديد" التي يلقي فيها بايدن باللوم على ولي العهد.
وقال مسؤول سعودي كان حاضرا الاجتماع إن تبادل الحوار لم يكن كما وصف بايدن وإن المناقشات المتعلقة بخاشقجي تمت قبل اجتماع رسمي وبصورة غير رسمية.
وأضاف المسؤول أنه لم يسمع الرئيس يقول لولي العهد إنه يحمله مسؤولية قتل خاشقجي.
ورد بايدن على سؤال عما إذا كان نادما على التعامل بشكل مباشر مع الأمير محمد بن سلمان يوم الجمعة قائلا "لماذا لا تتحدثون عن أمر مهم؟ سأكون سعيدا بالرد على أسئلة عن أمور مهمة".
وخففت واشنطن من موقفها تجاه السعودية منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في وقت سابق من العام الحالي في صراع تسبب في اندلاع واحدة من أسوأ أزمات إمدادات الطاقة في العالم.
ملف النفط بلا نتائج
منذ البداية، اعتُبرت السعودية الجزء الأكثر حساسية في الرحلة، لكنّها وجهة فرضت نفسها بعد تعرّض بايدن لضغوط لكي يتودّد إلى الرياض على أثر الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
وكانت واشنطن تتطلع إلى مساعدة المملكة، أكبر مصدّري النفط الخام، في خفض أسعار النفط التي تهدّد حظوظ الديموقراطيين في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر.
بعد اجتماعاته الثنائية مع القادة السعوديين، قال بايدن "أفعل كلّ ما في وسعي لزيادة الإمدادات للولايات المتحدة"، مشيرا الى أن نتيجة سعيه لن تظهر "قبل أسبوعين آخرين".
لكن مستشاره للأمن القومي جيك ساليفان سارع الى التقليل من أهمية التوقّعات، وقال للصحافيين إنّ أيّ إجراء "سيتمّ اتخاذه في سياق أوبك+"، التكتل الذي يضم ايضا روسيا.
في اليوم التالي، لم يكن النفط "موضوعاً مطروحا فعلياً" خلال قمّة الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن، وفق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعلن رفع الطاقة الإنتاجية لبلاده إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول العام 2027.
جاء بايدن إلى المملكة على أمل التوصل إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط للمساعدة في خفض أسعار البنزين التي تدفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاما وتهدد نسب التأييد له داخل الولايات المتحدة.
وغادر المنطقة خالي الوفاض لكنه يأمل في أن تزيد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرون، فيما يعرف باسم مجموعة أوبك+، الإنتاج في اجتماع يوم الثالث من أغسطس آب.
وقال بايدن "أتطلع إلى رؤية نتائج في الأشهر المقبلة".
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن هناك حاجة لمزيد من الاستثمارات في الوقود الأحفوري وتقنيات الطاقة النظيفة لتلبية الطلب العالمي وإن سياسات خفض الانبعاثات غير الواقعية ستؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم.
وقال الأمير محمد إن السعودية أعلنت رفع طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2027 من طاقة اسمية قدرها 12 مليونا حاليا "وبعد ذلك لن يكون لدى السعودية أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج".
وكان ولي العهد السعودي يلقي كلمة أمام قمة أمريكية عربية في جدة بحضور الرئيس جو بايدن الذي يرغب في أن تضخ المملكة وشركاؤها في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مزيدا من النفط للمساعدة في خفض التكلفة المرتفعة للبنزين وكبح جماح أعلى معدل تضخم في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود.
وأضاف الأمير محمد "تبني سياسات غير واقعية لتخفيض الانبعاثات من خلال إقصاء مصادر رئيسية للطاقة، سيؤدي في السنوات القادمة إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة".
وقال الأمير محمد، الحاكم الفعلي لأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، إن كوفيد-19 والوضع الجيوسياسي يتطلبان مزيدا من الجهود المشتركة لدعم الاقتصاد العالمي وإن التحديات البيئية تتطلب نهجا "واقعيا ومسؤولا" للانتقال التدريجي إلى مصادر الطاقة المستدامة.
وضمت القمة الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق. وأجرى بايدن محادثات ثنائية مع الزعماء السعوديين يوم الجمعة في جدة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن بايدن سيناقش أمن الطاقة مع زعماء دول الخليج المنتجة للنفط ويأمل في أن تقوم مجموعة أوبك+ باتخاذ مزيد من الإجراءات لتعزيز الإنتاج ولكن من غير المرجح صدور أي إعلانات ثنائية من هذه المحادثات.
اضف تعليق