وتتم عمليات الحفر في مرحلتها الأولى باختيار تركيب صخري يكون بمثابة السقف، لتليها أعمال حفر في أسفل التركيب الصخري، ثم طلاء الحائط والسقف بالجبس أو الطين لمنع تفتت الصخور أو تساقطها، أما المرحلة الأخيرة فتختص بالتصميم وتركيب ملحقات "الداموس"، حيث تُصنع الأبواب على هيئة أقواس دائرية، من جذوع النخيل المربوطة بأغصان الزيتون...
في مدينة غريان شمال غرب ليبيا، تنتشر تجويفات حُفرت بطريقة بدائية داخل سفح الجبل يُطلق عليها بيوت الحفر أو "الداموس"، وهي تحف معمارية تاريخية مهجورة بمعظمها يأمل السكان في أن تساهم السياحة في إحيائها.
وقال العربي بالحاج (55 عاما) الذي يملك أحد أقدم المنازل في المدينة التي تضم سكانا من العرب والأمازيغ في جنوب العاصمة طرابلس، إن أحد أسلافه قبل خمسة أجيال حفر هذه الأرض قبل 355 سنة. بحسب فرانس برس.
وتوجد في هذا الموقع ثماني حجرات وفناء واسع ونظام للمياه وتصريفها. وقد يُخيل للزائر أن المكان أشبه بقصر ملكي شُيد على يد مئات المهندسين والعمال، وليس بناء حفره بضعة أشخاص بأدوات بسيطة.
وتتم عمليات الحفر في مرحلتها الأولى باختيار تركيب صخري يكون بمثابة السقف، لتليها أعمال حفر في أسفل التركيب الصخري، ثم طلاء الحائط والسقف بالجبس أو الطين لمنع تفتت الصخور أو تساقطها.
أما المرحلة الأخيرة فتختص بالتصميم وتركيب ملحقات "الداموس"، حيث تُصنع الأبواب على هيئة أقواس دائرية، من جذوع النخيل المربوطة بأغصان الزيتون. وتُستخدم لذلك مسامير خشبية "طرية" من جذوع الزيتون الخضراء. وتقام في جدران الغرف حفر مختلفة الأشكال تُخزن فيها لوازم المنزل الصخري.
استخدامات متعددة
ويقول الباحث التاريخي يوسف الختالي إن بيوت الحفر هذه "لها استخدامات أربعة، وبالتالي صُممت لتكون متعددة المهام وصالحة لكل الحقب التاريخية المتعاقبة، وهو سبب إضافي يدل على أهميتها المعمارية في التاريخ الليبي".
ويوضح الختالي لوكالة فرانس برس شكل هذه المهام والاستخدامات، قائلاً "أولها هو لغرض السكن البشري، والثاني مصمم للعبادة، إذ توجد دياميس في مدن الجبل حُفرت كمعابد يهودية ومسيحية، قبل تحويل معظمها إلى مساجد للمسلمين".
ويضيف "الاستخدام الثالث عسكري بامتياز، إذ كانت بمثابة تحصينات للجنود تاريخياً" بهدف المراقبة وصد أي هجمات عسكرية في الحروب، فيما الاستخدام الرابع كان "لدفن الموتى، وهناك شواهد أثرية تعود للحكم الفينيقي في ليبيا، حين كانت تُستخدم كمقابر".
ويشير الباحث التاريخي إلى أن هذه المنشآت الجبلية في المدينة الرابضة على علو يقرب من 700 متر، تحولت إلى وجهة سياحية أثناء الاستعمار الإيطالي لليبيا في القرن الماضي، وقد أولت إيطاليا هذا الموقع أهمية من خلال نشرها سنة 1936 أول دليل سياحي يضيء على هذه المنشآت البدائية التي تحولت في خمسينيات القرن العشرين إلى وجهة سياحية بارزة.
معلم سياحي
تتباين الدياميس في هندستها المعمارية، إذ لا تتشابه في أشكالها أو مساحتها، بما يتناسب مع نوع الاستخدام وحجمه في هذه المواقع، وتتميز هذه المنشآت باعتدال درجة الحرارة طوال العام، فهي باردة صيفا ودافئة شتاء، لكون الصخور المحيطة بها تعزل بإحكام درجات الحرارة، لتعمل عمل أجهزة التكييف المشغلة بالكهرباء، ويرتبط هذا البناء داخل الجبال بالثقافة والحضارة الليبية القديمة، وهو أظهر باستمرار تطور هذا النوع المعماري الفريد من نوعه حتى وصل إلى هذا الشكل حديثاً.
ويعود تاريخ بعض هذه المنشآت إلى أكثر من 2300 سنة، لكن قلّة منها تركت أثراً إذ لا يزال حوالى عشرة منها فقط صامدا، فيما يبقى "داموس" عائلة بالحاج "شاهدا" على تاريخ المنطقة، وأكد العربي بالحاج أن الدياميس مهجورة معظمها، لكن البعض الذي خضع منها لعمليات ترميم تحول إلى "معلم سياحي"، وقال بهذا الصدد "حوش الحفر الخاص بعائلتي غادرته آخر عائلة كانت تقطنه عام 1990، ومنذ ذاك التاريخ تحول إلى وجهة سياحية، وصار الليبيون والأجانب على حد سواء يقصدونه للتجول والاطلاع على عماره المميز"، ويمكن لزوار الموقع التنقل من غرفة إلى أخرى في مقابل دفع مبلغ رمزي، وختم بالحاج قائلا "مقابل دولار واحد يمكن لأي ليبي ودولارين للأجنبي التجول في بيت الحفر هذا، كما يمكن نظير عشرين دولاراً قضاء يوم كامل واستخدام إحدى الغرف وتناول وجبة غداء فيه".
اضف تعليق