في القسم الصربي من ميتروفيتسا في شمال كوسوفو، ترتفع أعلام بلغراد في كل مكان وتغطي الشعارات والجداريات القومية الشوارع، والخوف والارتياب ظاهران في المدينة المقسومة حيث يعيش الصرب مقطوعين عن جيرانهم الألبان ويرفضون أي ولاء لبريشتينا، لم تعترف صربيا أبدا بالاستقلال الذي أعلنه اقليمها السابق ذو الغالبية الألبانية...
في القسم الصربي من ميتروفيتسا في شمال كوسوفو، ترتفع أعلام بلغراد في كل مكان وتغطي الشعارات والجداريات القومية الشوارع، والخوف والارتياب ظاهران في المدينة المقسومة حيث يعيش الصرب مقطوعين عن جيرانهم الألبان ويرفضون أي ولاء لبريشتينا، لم تعترف صربيا أبدا بالاستقلال الذي أعلنه اقليمها السابق ذو الغالبية الألبانية في 2008 لكن ميتروفيتسا تعكس التوترات أكثر من أي مكان آخر. بحسب فرانس برس.
من الجانب الصربي كما من الجانب الألباني، يتخوف الناس من أي شرارة تشعل الوضع كما حصل في تشرين الأول/اكتوبر مع الحواجز التي نصبها الصرب في قضية لوحات تسجيل السيارات أو مواجهات تلت عمليات مكافحة تهريب قامت بها شرطة كوسوفو، وقالت يوفانا رادوسافليفيتش (33 عاما) وهي مديرة منظمة غير حكومية محلية "نيو سوشال انيشياتيف" لوكالة فرانس برس "ثمة رأي سائد بأن نزاعا بات وشيكا " معتبرة أن التوترات بلغت أعلى مستوى منذ عشر سنوات.
هي تتهم الحكومة الكوسوفية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء السيادي ألبين كورتي وسياستها "الشعبوية" بالمسؤولية عن التوتر الأخير، وتقر في الوقت نفسه بان بلغراد لا تقف موقوفة الأيدي وتحاول استغلال ذلك، تقول "أي مشكلة يمكن حلها بسهولة بشكل إداري تستخدم في اللعبة السياسية من قبل بلغراد وبريشتينا" مضيفة "في هذه الألعاب، نحن بيادق".
الغرب الأميركي
يمر نهر إيبار بميتروفيتسا ويقسمها إلى شطرين. في الشمال يقيم 12 ألف صربي بحسب التقديرات. ثمة تمثال ضخم للملك الصربي في القرون الوسطى لازار، وهو تجسيد للقومية الصربية، يوجه أصبعه مهددا الجنوب حيث يقيم نحو 70 ألف من ألبان كوسوفو.
لا يمكن عبور الجسر الرئيسي الفاصل بين الضفيتين إلا سيرا على الأقدام. رمز الانقسام هذا يراقبه جنود "كفور" القوة التي يقودها حلف شمال الأطلسي والمكلفة الأمن في كوسوفو منذ انتهاء النزاع (1998-1999) الذي أوقع 13 ألف قتيل غالبيتهم العظمى من الألبان.
يعيش الصرب البالغ عددهم نحو 40 ألفا في مدن شمال كوسوفو في "دولة داخل الدولة" تسيطر عليها بلغراد. يدفع هؤلاء مشترياتهم بالدينار الصربي ويتابع التلاميذ المنهج التعليمي الصربي، لا يدفع السكان لا ضرائب ولا مياه ولا كهرباء لأن كل محاولات الكوسوفيين لتنظيم هذه الأوضاع فشلت، وعلق ديان نيدليكوفيتش الخبير الاقتصادي الصربي البالغ من العمر 38 عاما "انه الغرب الأميركي هنا"، وقد استعاد عمله بقرار قضائي بعدما كان أقيل لأسباب سياسية كما قال، يعمل الصرب في مؤسسات ممولة من صربيا وتعتمد هذه الوظائف في غالب الأحيان على ولائهم لتنظيم "سربسكا ليستا".
هذا التنظيم المرتبط بشكل وثيق بالحزب التقدمي الصربي الذي يتزعمه الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش هو في الواقع الحزب الوحيد منذ اغتيال السياسي الصربي المعتدل اوليفر ايفانوفيتش الذي كان ينتقد بلغراد، في 2018.
يضيف نيدليكوفيتش "يمكن أن تكون ذكيا قدر ما تشاء، وان تكون ارتدت كل الجامعات التي تريد، إذا لم تكن عضوًا في هذه المجموعة السياسية فلن تتوافر لك فرصة للعثور على وظيفة في مؤسسة عامة".
الانحراف عن هذا الخط يمكن أن يكلف أكثر من مجرد وظيفة. يشتبه الادعاء في كوسوفو في أن جماعة إجرامية بقيادة مسؤولين كبار من "سربسكا ليستا" يقفون وراء قتل اوليفر إيفانوفيتش الذي خاض حربا ضد الجريمة المنظمة وكان مؤيدا للتعاون بين مختلف المجموعات.
الخلاص في الرحيل
كسينيا بوزوفيتش (54 عاما) هي مساعدة سابقة لايفانونفيش وقد ترشحت منذ ذلك الحين لانتخابات تحت راية "سربسكا ليستا"، تفسر هذا التحول بالحاجة الى "الوحدة" في جو من "الضغوط التي لا تحتمل"، تقول "لقد تقدمنا بمفردنا لانتخابات وانظروا ما حصل. زعيم للمعارضة وبطل الديموقراطية والحوار، اغتيل في وضح النهار".
في مواجهة مستقبل يبدو مسدودا، وجو قمعي يخيم عليه التهديد بالنزاع، كثيرون يفضلون الرحيل، طلاب أو مهنيون شباب، يتابع الخبير الاقتصادي نيدليكوفيتش، "لا أرى أي آفاق لأولادي في كوسوفو" مضيفا "حين ينهون دراستهم الثانوية في سن 18، سأرسلهم الى صربيا وبعد ذلك يدبرون أمورهم على الأرجح في أوروبا الغربية".
أخيرا تقول يوفانا رادوسافليفيتش ساخرة، "لكان الجميع أكثر سعادة لو أن هذه الأرض لم توجد او الناس الذين يقيمون عليها، لكن ها نحن هنا".
قبل الحرب، كانت كل المجموعات تعيش في وئام كما يؤكد ناصر الدريباني وهو من غجر الروما يبلغ من العمر 52 عاما وقد غادر ميتروفيتسا في 1999 ويقيم حاليا في فرنسا، وقال هذا الخمسيني الذي باع منزله في الآونة الأخيرة في ميتروفيتسا "في السابق، لم تكن هناك أعراق، والآن لا ننظر سوى الى ذلك، هذا غير ممكن". يروي انه حين اصطحب أولاده الستة لزيارة المنطقة، توسلوا إليه أن يغادروا قائلين له "أرجوك أبي خذنا بعيدا من هنا".
اضف تعليق