قرار قطع الحوار وتنفيذ الخطة ب التي لا تزال خطوطها العامة غير واضحة، والتي تهدد بإغراق الشرق الأوسط في اضطرابات شديدة، لم يتخذ بعد. واشنطن تأمل أن تعود طهران قريبا إلى هذه المحادثات مع استعداد للتفاوض بجدية واعرب الرئيس الحالي جو بايدن عن استعداده للعودة الى الاتفاق
اتهمت إيران الإثنين الغربيين بالمماطلة في المفاوضات حول ملفها النووي، مؤكدة استعدادها لبحث المقترحات التي قدمتها في فيينا.
واستؤنفت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران التي بدأت في نيسان/أبريل قبل أن تتوقف في حزيران/يونيو بعد انتخاب الرئيس الإيراني المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي.
ويتولى الوساطة بينهما الاتحاد الأوروبي الذي ينسق تنفيذ النص، والدول الأخرى المشاركة في الاتفاق، وهي ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين.
غير أن المفاوضات توقفت مجددا الجمعة وعادت الوفود إلى عواصمها لدرس المقترحات الإيرانية وقال دبلوماسيون غربيون "ليس من الواضح كيف سيكون ممكنا سد هذه الفجوة في إطار زمني واقعي على أساس المشروع الإيراني".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده للصحافة إن "نصوصنا قابلة للتفاوض تماما" مضيفا "شهدنا بعض التقاعسات وعدم الوفاء بالتزامات من قبل الأطراف الأخرى".
وأضاف "نحن ننتظر أن نتلقى رأي الجانب الآخر حول الوثيقتين اللتين قدمناهما" متهما الأطراف الأخرى بأنها "تريد لعب لعبة يلقي فيها كل المسؤولية على الآخر".
وأعرب الأوروبيون الجمعة عن "خيبة أملهم وقلقهم" إزاء المطالب الإيرانية وقال دبلوماسيون كبار من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إن "طهران تتراجع عن كل التسويات التي تم التوصل إليها بصعوبة" خلال الجولة الأولى من المفاوضات بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو منددين بـ"خطوة الى الوراء".
كما انتقدت الولايات المتحدة الجمعة السلطات الايرانية، معتبرة أنها لم تقدم "اقتراحات بناءة" في فيينا.
وقال مسؤول أميركي كبير عائد من المفاوضات إن "ايران لم تظهر موقف بلد يفكر جديا في عودة سريعة" الى اتفاق 2015.
وتابع أن طهران قدمت في فيينا "اقتراحات تشكل تراجعا عن كل التسويات التي اقترحتها" من نيسان/ابريل الى حزيران/يونيو، وذلك بهدف "الاستفادة من كل التسويات التي طرحها الآخرون وخصوصا الولايات المتحدة، والمطالبة بالمزيد".
وحذر "لا يمكن أن نقبل بوضع تسرع فيه إيران وتيرة برنامجها النووي مع المماطلة في دبلوماسيتها النووية".
لكن خطيب زاده رفض هذه الاتهامات مؤكدا "أننا نتفاوض على أساس المسودات التي قدمناها للطرف الآخر بشأن الغاء العقوبات والإجراءات التعويضية".
وأضاف " نحن ننتظر من الأطراف الأخرى تقديم وجهات نظرها بشأن الوثيقتين، ويمكن تبادل المستندات والمسودات الجديدة عند الضرورة" مشيرا إلى أن المفاوضات يمكن أن تستأنف "في نهاية الأسبوع".
وينص اتفاق فيينا المبرم بين الدول الست الكبرى (الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) وإيران على رفع العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية مقابل الحدّ بشكل كبير من برنامجها النووي وتوفير ضمانات أنها لا تسعى لتطوير سلاح نووي.
إلا أن الاتفاق مهدد بالانهيار منذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب منه من جانب واحد عام 2018، وأعاد فرض عقوبات مشددة انعكست سلبا على الاقتصاد الإيراني وقيمة العملة المحلية.
وبعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، تراجعت إيران تدريجيا عن تنفيذ معظم التزاماتها الأساسية المنصوص عليها في الاتفاق.
واشنطن تحذّر
من جهتها اتهمت الولايات المتحدة إيران بعرقلة المفاوضات لإنقاذ الاتفاق النووي بينما تواصل تطوير برنامجها، وحذرت من أنها "لا يمكنها أن تقبل" ذلك، لكنها لم تغلق باب الحوار.
وقال مسؤول رفيع عائد من المفاوضات في العاصمة النمسوية إن "ايران لم تظهر موقف بلد يفكر جديا في عودة سريعة" الى اتفاق 2015 الذي هدف إلى منع طهران من حيازة سلاح نووي.
ويتطابق هذا الاستنتاج الأميركي مع ملاحظات المفاوضين الأوروبيين.
واعتبر المسؤول الأميركي أنه في وقت أظهرت الولايات المتحدة "صبرا" خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، فإن الجمهورية الإسلامية "واصلت تسريع وتيرة برنامجها النووي في شكل استفزازي".
وتابع أنه مع عودتها أخيرا إلى فيينا الإثنين، قدمت طهران "اقتراحات تشكل تراجعا عن كل التسويات التي اقترحتها" من نيسان/ابريل الى حزيران/يونيو، وذلك بهدف "الاستفادة من كل التسويات التي طرحها الآخرون وخصوصا الولايات المتحدة، والمطالبة بالمزيد".
وأردف المسؤول "لا يمكن أن نقبل بوضع تسرع فيه إيران وتيرة برنامجها النووي مع المماطلة في دبلوماسيتها النووية"، مكررا تحذيرا وجهه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
تبدو واشنطن على وشك مغادرة المفاوضات أكثر من أي وقت، وتقول إنها تستعد "لوضع لم يعد من الممكن فيه" إنقاذ الاتفاق. بحسب فرانس برس.
لكن المسؤول أكد أن قرار قطع الحوار وتنفيذ الخطة "ب" التي لا تزال خطوطها العامة غير واضحة، والتي تهدد بإغراق الشرق الأوسط في اضطرابات شديدة، لم يتخذ بعد.
وأوضح أن واشنطن تأمل أن تعود طهران قريبا إلى هذه المحادثات "مع استعداد للتفاوض بجدية"، وهو أمر يرجح أن يتم منتصف الأسبوع المقبل وإن كان المنسق الأوروبي لم يحدد بعد الموعد.
واعرب الرئيس الحالي جو بايدن عن استعداده للعودة الى الاتفاق إذا عاودت طهران تنفيذ التزاماتها.
لكن تفاؤله خلال الربيع انقلب تشاؤما واضحا بشكل متزايد، لدرجة أن حكومة الولايات المتحدة حذرت منذ مطلع الخريف بأنها مستعدة للجوء إلى "خيارات أخرى" في حال فشل الدبلوماسية، في إشارة إلى الخيار العسكري.
وشدد المسؤول الأميركي الرفيع مرة أخرى السبت على أن الدبلوماسية هي الطريق الأنسب لإدارة بايدن، لكن لديها "أدوات أخرى" يمكن أن تلجأ إليها.
وقال إنه في حال لم تلتزم إيران الجدية "سنضطر إلى اللجوء إلى أدوات أخرى، أدوات يمكنكم تصورها، لمحاولة زيادة الضغط على إيران"، بدون أن يكشف تفاصيل أخرى.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي إنّ "الحكومة الإيرانيّة الجديدة لم تأتِ إلى فيينا حاملة اقتراحات بنّاءة".
وأضافت "لا نزال نأمل بمقاربة دبلوماسيّة، إنّها دائما الخيار الأفضل"، لكنّها تداركت أنّ "مقاربة إيران هذا الأسبوع لم تتمثّل، للأسف، في محاولة معالجة المشاكل العالقة".
وقال دبلوماسيون كبار من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إن "طهران تتراجع عن كل التسويات التي تم التوصل إليها بصعوبة" خلال الجولة الأولى من المفاوضات بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو، مندّدين بـ"خطوة الى الوراء".
قواعد التفاوض
وفي اتّصال هاتفي مع نظيره الأوروبي جوزيب بوريل، وصف وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان "عمليّة التفاوض بأنّها جيّدة لكنّها عموما بطيئة"، بحسب موقع الخارجيّة الإيرانيّة.
وقال عبد اللهيان "نعتقد أنّه يمكن التوصّل إلى اتّفاق جيّد، لكنّ ذلك يستدعي تغييرا في مقاربة بعض الأطراف الذين عليهم التخلّي عن تصريحاتهم ذات الطابع التهديدي واختيار وثائق تركّز على التعاون والاحترام المتبادل والنتائج".
وقال دبلوماسي أوروبي "هذه المقترحات لا يمكن أن تشكّل قاعدة للتفاوض. من غير الممكن التقدّم" على هذا الأساس.
أمام قصر كوبورغ حيث أبرم الاتّفاق التاريخي، كان السفير الصيني أقلّ تشاؤما، وتحدّث عن "محادثات جوهرية".
وقال وانغ كون للصحافيّين "كلّ الأطراف وافقوا على القيام بتوقّف قصير لأخذ توجيهات. هذا أمر طبيعي وضروري، ونأمل في أن يعطي ذلك دفعا جديدا للمفاوضات".
لكنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبر خلال زيارة لدبي أنّه يجب "عدم استبعاد" إمكانية ألا تبدأ هذه الجولة "مجددا سريعا". من جانب آخر، دعا ماكرون الى إطلاق "دينامية أوسع" مع دول المنطقة.
لعبة إلقاء اللوم
قال هنري روم المحلل في مجموعة أوراسيا "لعبة إلقاء اللوم مستمرة ... وستستمر"، مضيفا أنه حتى لو توقفت المحادثات هذا الأسبوع فإن جميع الأطراف لديها مصلحة في استمرارها في الوقت الحالي وقد تكون هناك جولة أخرى في وقت لاحق من هذا العام أو في وقت مبكر من العام المقبل.
وأضاف أن إبقاء المحادثات مستمرة ربما يساعد إيران على "إطالة الفترة قبل حدوث تحول نحو موقف غربي أكثر قوة وحزما، وهو أمر مرجح للغاية حسب اعتقادي".
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إن إيران بدأت إنتاج اليورانيوم المخصب من خلال أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأتها في فوردو المبنية داخل جبل، مما يزيد من تقويض الاتفاق النووي.
وقال كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي باقري في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الحكومية "إيريب" في فيينا إنّه قدّم إلى شركائه في المفاوضات مقترحين، مشيراً إلى أنّ "الوثيقة الأولى تلخّص وجهات نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن رفع العقوبات عنها والثانية تتعلّق بأنشطة إيران النووية".
وأضاف باقري الذي يتولّى أيضاً منصب نائب وزير الخارجية "من الآن فصاعداً، يتعيّن على الطرف الآخر درس هذه الوثائق والاستعداد للتفاوض مع إيران على أساس النصوص التي قدّمناها لهم".
وأتى تصريح باقري بعيد تغريدة نشرها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان وأكّد فيها أنّ التوصل لاتفاق حول برنامج بلاده النووي هو "في متناول اليد" لكنّه رهن بـ"حسن نية" الدول الغربية، معتبرًا أنّ المفاوضات الجارية في فيينا "جدّيّة".
وكتب الوزير في تغريدته أنّ "اتفاقًا جيدًّا في متناول اليد إن أبدى الغرب حسن نية. نسعى إلى إجراء حوار منطقي ومتّزن وهادف للوصول الى نتيجة".
وأضاف أنّ "محادثات فيينا تجري بجدّيّة، ورفع العقوبات لا يزال الأولوية الأساسية".
وفي مقابلة نشرها موقع "ميدل إيست آي" الالكتروني، قال باقري إنّ بلاده "لا تشعر بأيّ ضغط لتوقيع اتّفاق. الكرة في ملعب الأميركيين. يجب أن يرفعوا عقوباتهم" مشددا في الوقت نفسه على أن إيران جدية جدا في عزمها انجاز المفاوضات.
وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت من الولايات المتحدة "وقفاً فورياً" لمحادثات فيينا، معتبراً في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ إيران تقدم على "ابتزاز نووي باعتباره أحد تكتيكات إجراء المفاوضات، وأنّ الردّ المناسب يكون بوقف المفاوضات فوراً واتخاذ خطوات صارمة من قبل الدول العظمى".
وفي ما بدا أنّه إشارة واضحة إلى إسرائيل، حذّر باقري في مقابلته مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، شركاءه في مفاوضات فيينا من "أطراف أخرى هي خارج المحادثات لكنها تحاول تعطيل المسار الذي يؤدّي إلى اتفاق وحوار بنّاء".
وقال مسؤول إسرائيلي إن بينيت أبلغ بلينكن باعتراضاته على أي رفع للعقوبات عن إيران، خاصة بموجب اتفاق مؤقت، وقال إن ذلك يعني فعليا "تدفق ضخم للأموال على النظام الإيراني".
وأبدى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس ثقته، في مقابلة مصورة أجراها موقع (واي نت) الإسرائيلي في أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيفي بوعده بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
وقال "لا أعتقد أننا وحدنا. اعتقد أن علينا دائما التحضير لخيار في اللحظة التي نجد فيها أنفسنا بمفردنا... أقول مجددا الهجوم (على إيران) خيار مطروح. لا يتعين أن يكون الخيار الأول".
وتخشى إسرائيل التي تعتبر إيران عدوها اللدود أن تصبح طهران قريباً دولة على "العتبة النووية"، أي أن يكون لديها ما يكفي من الوقود لإنتاج القنبلة الذرية، وتعارض بالتالي استئناف المفاوضات بشأن الأسلحة النووية.
أمريكا ستتهشم أسنانها
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني حذر من أن الولايات المتحدة "ستتهشم أسنانها" إذا اتخذت أي خطوة ضد طهران مهما كانت بسيطة.
ونقلت وسائل الإعلام عن قاآني قوله "قوة هذه الأمة وقدرتها... بلغت مستوى أنه إذا اتخذتم (الولايات المتحدة) أبسط الخطوات، فإن أسنانكم ستتهشم في أفواهكم". وأضاف "ولى زمان فعل ما يحلو لكم". بحسب رويترز.
الريال الإيراني يهوي
وفي سياق متصل هوى الريال الإيراني يوم السبت لكنه ظل أعلى من تراجعاته التاريخية وذلك بعد تواتر أنباء عن مصاعب تواجه المحادثات مع الدول الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي إيران، بيع الدولار ألأمريكي يوم السبت في السوق غير الرسمية بريالات بلغ عددها 302.200 ريال من 294.000 يوم الجمعة بحسب موقغ صرف العملة بونباست دوت كوم على الإنترنت.
وقال الموقع الاقتصادي على الإنترنت اقتصاد نيوز دوت كوم "استقبلت السوق صدمة أولى من (محادثات) الاتفاق النوي". وأضاف أن الدولار ربح 6.000 ريالات ليرتفع إلى 299.500 قبل أن يرتفع فوق 300.999 ريال يوم السبت.
في أكتوبر تشرين الأول 2020 سجل الريال انخفاضا قياسيا عندما بلغت قيمة الدولار 320.000 ريالا بعدما تسبب انخفاض أسعار النفط في تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد التي ترزح تحت وطأة العقوبات الأمريكية وأكبر تفش لجائحة فيروس كورونا في الشرق الأوسط.
اضف تعليق