اتهم الاتحاد الأوروبي رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو بتدبير طوفان المهاجرين للضغط على الاتحاد بقصد التراجع عن عقوبات مفروضة على حكومته. ونشرت بولندا وليتوانيا وثائق يقول البلدان إنها تثبت أن شركة سفر واحدة على الأقل تملكها دولة روسيا البيضاء سهلت للراغبين في الهجرة زيارتها بدءا من شهر مايو...
عندما سافر كرمان محمد مع زوجته وأبنائه الثلاثة إلى مينسك عاصمة روسيا البيضاء الشهر الماضي من مدينتهم في شمال العراق دخلتها الأسرة تحت ستار السياحة.
وتبين وثائق وروايات شهود أن أسرة محمد كانت ضمن آلاف حصلوا على تأشيرات سياحية في الشهور الأخيرة بمساعدة وكالات للسفريات في الشرق الأوسط تعمل من خلال شراكة مع شركات سياحية في روسيا البيضاء.
لم تكد تمضي أيام على وصول الأسرة إلى مينسك حتى شقت طريقها إلى الحدود الفاصلة بين روسيا البيضاء وبولندا لتنضم إلى موجة من العراقيين والسوريين والأفغان وغيرهم ممن يحاولون العبور المحفوف بالمخاطر، بل والقاتل في بعض الأحيان، إلى الاتحاد الأوروبي تطلعا لبدء حياة جديدة.
قال محمد وهو يجلس في بيته بمدينة السليمانية في شمال العراق "الطائرات تنقل السياح المتوجهين للسياحة".
وأضاف "حكومة روسيا البيضاء تعلم جيدا أن هؤلاء الناس ليسوا سياحا لكنهم ذاهبون إلى الحدود البولندية".
وصل محمد وأسرته إلى بولندا بالفعل لكنهم لم يمكثوا فيها سوى فترة قصيرة. فقد تم ترحيلهم إلى العراق يوم 31 أكتوبر تشرين الأول لتصبح الأسرة دليلا حيا على أن إنفاق آلاف الدولارات والمخاطرة بالأرواح لا يضمن الاستقرار في الاتحاد الأوروبي.
ولم تستطع رويترز التحقق من صحة روايته.
وقد غذت أزمة المهاجرين التوترات بين الغرب وروسيا حليفة روسيا البيضاء. وأرسلت موسكو قاذفات ذات قدرات نووية لكي تراقب سماء روسيا البيضاء وأعربت الدول المتاخمة لروسيا البيضاء عن انزعاجها من احتمال تصاعد الأزمة إلى مواجهة عسكرية.
واتهم الاتحاد الأوروبي رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو بتدبير طوفان المهاجرين للضغط على الاتحاد بقصد التراجع عن عقوبات مفروضة على حكومته.
ونشرت بولندا وليتوانيا وثائق اطلعت عليها رويترز يقول البلدان إنها تثبت أن شركة سفر واحدة على الأقل تملكها دولة روسيا البيضاء سهلت للراغبين في الهجرة زيارتها بدءا من شهر مايو أيار في حين رفعت شركة طيران تابعة للدولة عدد رحلاتها بأكثر من المثلين على مسار رائج يستخدمه الساعون للحصول على اللجوء.
وينفي لوكاشينكو تسهيل الأزمة رغم أنه قال إنه لن يمنع المهاجرين بعد الآن بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات موضع نزاع أجريت في العام الماضي وحملة تضييق تبعتها على المحتجين.
وحاورت رويترز أكثر من 30 شخصا ما بين مهاجر أو راغب في الهجرة من الشرق الأوسط أثناء إعداد هذا التقرير في مدنهم الأصلية وعلى الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا وفي مراكز المهاجرين في بولندا.
من هذا العدد حدد حوالي 20 فردا طبيعة التأشيرات التي سافروا بها وقالوا جميعا إنها تأشيرات سياحية. وأظهرت الوثائق التي نشرتها بولندا أن قرابة 200 عراقي حصلوا على دعم في إصدار التأشيرات من شركة سفريات تديرها الدولة في روسيا البيضاء للسفر من أجل الصيد البري وأغراض أخرى.
وتحدث مهاجرون ووكلاء سفريات في العراق وتركيا عن السهولة النسبية التي حصلوا بها على وثائق للسفر إلى روسيا البيضاء في الشهور الأخيرة.
ورغم التكلفة التي أوضح مهاجرون عراقيون أنها تراوحت بين 1250 و4000 دولار للوصول إلى مينسك، فقد أكمل الآلاف الرحلة بالحصول على التأشيرات بمساعدة شركات من روسيا البيضاء واستقلال رحلات جوية تجارية بعد أن تزايدت وتيرتها منذ فصل الربيع.
وساعدت في تحقق هذه الزيادة في أعداد المهاجرين وكالات سفريات وشركات صغيرة ومهربون وسائقون يسعون لتحقيق الاستفادة المالية وذلك وفقا لما قاله مسافرون متجهون إلى الحدود أو وصلوا إليها بالفعل.
وقال عدد من المهاجرين قرب الحدود لرويترز إن حرس الحدود في روسيا البيضاء ساعدهم في العبور إلى بولندا أو غض الطرف عنهم وهم يحاولون العبور. وقال اثنان من المهاجرين في لقاءين منفصلين إن حرس الحدود سلمهما أدوات لقطع الأسلاك.
ولم ترد السلطات في روسيا البيضاء على طلبات للتعليق على الاتهامات الموجهة لها بأنها سهلت أزمة المهاجرين.
غير أن وزارة الخارجية في روسيا البيضاء قالت إن الاتهامات بأن مينسك دبرت الأزمة على حدودها مع الاتحاد الأوروبي "منافية للعقل".
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن الوزارة قولها إن روسيا البيضاء شددت القيود على حدودها وإن شركة طيران بيلافيا المملوكة للدولة لم تنقل مهاجرين مخالفين للقوانين.
طريق أكثر أمنا إلى أوروبا
قال معظم المهاجرين الذين حاورتهم رويترز إنهم قاموا بالرحلة لأنهم لا يرون لأنفسهم أو لأولادهم مستقبلا سواء في سوريا أو في العراق. وقال عدد قليل منهم إنهم يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي للحاق بأصدقاء أو أقارب سبقوهم إليه.
ورأى المهاجرون فرصة للوصول إلى أوروبا برا بدلا من الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر لاسيما عند السفر مع أطفال صغار. وقرأ هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي أن التأشيرات أصبحت متاحة بسهولة.
وعرض وسطاء ووكلاء خدماتهم عليهم.
من هؤلاء حسين الأصيل العراقي المقيم في أنقرة الذي يوفر خدمات السفر للراغبين من السياح والمهاجرين.
قال الأصيل إنه رتب دعوات لزبائنه من ثلاثة شركاء في روسيا البيضاء وتولى استخراج تأشيرات على جوازات سفر مرسلة من العراق. وبمجرد عودة الجوازات أصبح بإمكان أصحابها السفر إلى مينسك عن طريق تركيا.
ويقول الأصيل إن حصول العراقيين على تأشيرات سفر إلى روسيا البيضاء قبل العام الحالي كان أصعب بكثير.
وقال إنه تقاضى 1250 دولارا عن الفرد الواحد وزعم أن ذلك يجعل منه واحدا من أرخص وكلاء السفر.
وأضاف أن سفارة روسيا البيضاء "بالطبع تعلم أن هذا الشخص ليس ذاهبا للسياحة. أي نوع من السياحة هذا الذي يحجز فيه المرء تذكرة طائرة مقابل 800 دولار ويحصل على تأشيرة مقابل 1250 دولارا؟ هم يعلمون أن هؤلاء الناس قادمون للذهاب إلى أوروبا".
وازدادت وتيرة الرحلات الجوية إلى مينسك خلال فصل الربيع.
فعلى سبيل المثال سيّرت شركة بيلافيا 28 رحلة من اسطنبول إلى مينسك خلال فبراير شباط الماضي و31 رحلة خلال مارس آذار. وبحلول يوليو تموز تجاوز عدد الرحلات المثلين إلى 65 رحلة وذلك وفقا لبيانات موقع فلايت رادار 24 الإلكتروني لرصد الرحلات الجوية.
وتحرك الاتحاد الأوروبي للتصدي لهذه الموجة. ووسط ضغوط من بروكسل أوقفت بغداد الرحلات الجوية من العراق إلى مينسك خلال الخريف.
وأكدت شركتا بيلافيا والخطوط الجوية التركية أنهما ستتوقفان عن نقل المسافرين من اليمن والعراق وسوريا إلى مينسك باستثناء الدبلوماسيين.
وقالت شركة أجنحة الشام للطيران، وهي شركة سورية خاصة، لرويترز إنها ستتوقف عن تسيير رحلات إلى مينسك.
"كل يوم أصدقاء يرحلون"
ما إن يصل المهاجرون إلى مينسك حتى يسارع أغلبهم بالانتقال إلى منطقة الحدود. قال سكان مدن إنهم رصدوا زيادة كبيرة في أعداد مسافرين ذوي ملامح شرق أوسطية ينتظرون في مراكز تجارية أو ينامون على مقاعد أو يشترون مؤنا لمواصلة رحلتهم.
قال بعض المهاجرين الذين وصلوا إلى بولندا إنهم تعرضوا للضرب على أيدي حرس الحدود في روسيا البيضاء الذين طاردوهم عبر منطقة الحدود. وواجه هؤلاء الإرهاق والجوع والعطش والخوف.
ولم ترد سلطات روسيا البيضاء على الفور على طلب للتعليق على هذه الاتهامات.
قالت عراقية تبلغ من العمر 26 عاما اسمها أم ملك ستلد بعد 13 أسبوعا لرويترز إنها وأسرتها حولوا مسارهم بين بولندا وروسيا البيضاء ست مرات قبل الوصول إلى مركز للمهاجرين في مدينة بياليستوك البولندية.
وقالت إنها وزوجها وبناتهما الثلاث خاضوا في مياه يصل ارتفاعها إلى الصدر واختبأوا في غابات وسط البرد.
وقال متحدث باسم الشرطة البولندية إن الشرطة لم تنفذ أي عمليات مثل إعادة المهاجرين إلى الحدود. ولم يرد حرس الحدود البولندي والسلطات في روسيا البيضاء على طلبات للتعليق على ما قالته أم ملك.
وربما تعتبر أم ملك نفسها محظوظة.
فعدد كبير من المهاجرين لا يتمكنون من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي ويجبرون على محاولة العودة إلى مينسك ويضطرون في بعض الأحيان لدفع رشوة في سبيل العودة إلى وطنهم.
وتوفي ثمانية أشخاص على الأقل من المهاجرين في محاولات العبور وتتزايد المخاوف على سلامة الآخرين مع اقتراب الظروف الجوية الشتوية القاسية.
ورغم تضييق الخناق على الرحلات الجوية من الشرق الأوسط إلى مينسك، فقد قال فابريس ليتجيري مدير وكالة الحدود بالاتحاد الأوروبي (فرونتكس إن على الاتحاد الاستعداد لزيادة في أعداد المهاجرين الذين يحاولون دخوله.
وقد زادت الأعداد بالفعل. فقد قال حرس الحدود البولندي إن أكثر من 17 ألف محاولة لعبور الحدود خلسة وقعت في أكتوبر تشرين الأول، أي أكثر من مثلي المحاولات التي حدثت في سبتمبر أيلول وإن آلاف المهاجرين ينتظرون بالقرب من حدود روسيا البيضاء مع بولندا.
وفي مدينة سيد صادق بشمال العراق قال الحلاق ورزار إبراهيم إن عشرات من مدينته رحلوا عن إقليم كردستان في شمال العراق قاصدين روسيا البيضاء في الأسابيع الأخيرة.
وقال إبراهيم (37 عاما) وهو أب لاثنين من الأطفال إنه قرر الانضمام إلى المسافرين.
وأضاف "عندي طفلة في الثامنة ولا يمكنها الكتابة. لماذا؟ لأن المدرسة ليست جيدة. وبوسعي أن أرى أن حياة أطفالي لا تبدو مقبولة".
وتابع "أرى الصور كل يوم لأشخاص في الغابة لكني لست خائفا. المصاعب في روسيا البيضاء مؤقتة. أسبوع أو أسبوعان. لكنها هنا موجودة كل يوم".
وقالت حكومة إقليم كردستان العراق لرويترز إنها تحقق مع وكلاء السفر المحليين المتورطين في هذا النزوح وحملت الساسة والمهربين مسؤولية تفاقم الأزمة.
وقال إبراهيم إنه دفع 1600 دولار عن كل فرد في أسرته المكونة من أربعة أفراد للذهاب إلى مينسك. وقال بعض الراغبين في الهجرة إنهم باعوا أرضا أو بيوتا لسداد تكاليف السفر والفنادق وعمولات المهربين والرشوة.
وأضاف إبراهيم "كل يوم تجد صديقا مقربا يرحل. يعرف كل منكما الآخر منذ 20 عاما ثم يرحل إلى روسيا البيضاء ولا تعرف ماذا سيحدث له. وهذا صعب. لكني أقول مع ذلك سأذهب. وأنا راحل لأن الوضع هناك أفضل من هنا".
اضف تعليق